المحامي علي ابوحبله - ظاهرة التنمر المدرسي مسألة خطيرة وتتطلب حرس الأسرة والمؤسسة التربوية

اعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله

انتحار إحدى الطالبات في محافظة طول كرم يجب أن لا تمر مرور الكرام ويجب التوقف عندها ودراسة أسبابها ومسبباتها والتي دفعت طالبه في ريعان الشباب في الإقدام على الانتحار لأنها كانت ضحية الإهمال من المدرسة في التغاضي عن حالات التنمر من قبل بعض الطالبات وعدم مسائلتهن أو معاقبتهم وعدم الالتفات من قبل المدرسة للحالة النفسية التي وصلت إليها الطالبة وعدم إعلام أهلها والتي تعد مسؤولية مجتمعيه تتطلب من الاسرة والمدرسة التعاون لمعالجة ظواهر التنمر

وحقيقة القول أن التنمر مشكلة مزمنة ومؤرقة لا تكاد تخلو مؤسسة تعليمية منها. ولأن الطفولة هي مرحلة بناء وتأسيس شخصية الإنسان، يعد التنمر ظاهرة في غاية الخطورة على أجيال المستقبل ومسيرتهم في الحياة، فأثره لا يقتصر على ضحايا التنمر وما قد يعانونه من ندبات نفسية ترافقهم أحيانًا طوال حياتهم، بل يشمل المتنمرين أيضًا، الذين يتبنون العنف في تعاملاتهم مع الآخرين والمجتمع إذا لم يجدوا التقويم والتوجيه في صغرهم.

تعرّف اليونيسيف التنمر بأنه "أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة". يتجسد التنمر في صور متعددة، مثل نشر الإشاعات أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المتنمّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء أو الإقصاء، أو تعريضه لحركات وأفعال أخرى قد تحدث بشكر غير ملحوظ.

ولأن المشاكسة أو المضايقات أمر شائع بين الأقران والأصدقاء، فقد لا يكون الفرق واضحًا في بعض الأحيان بالنسبة للكبار المعنيين برعاية الأطفال، سواءً المعلمين أو الوالدين، ولهذا يجب أن نلاحظ الخط الفاصل بين المزاح والمضايقات البسيطة، وبين استخدام الأطفال المتنمرين لقوتهم الجسدية أو معرفتهم بتفاصيل شخصية أو محرجة عن الأطفال الآخرين في التحكّم بالمتنمر عليهم أو إلحاق الأذى بهم. وتوضح اليونيسف ثلاثة معايير تميز التنمر عن غيره من السلوكيات السلبية، هي التعمّد، والتكرار، واختلال القوة.

أنواع التنمر وأشكاله

تتعدد صور التنمر باختلاف السياقات والمعطيات، لكن يمكننا بشكل عام تصنيفه إلى بدني ولفظي واجتماعي ونفسي وحديثًا وُجد التنمر الإلكتروني.

التنمر البدني: هو عدوان جسدي مثل الضرب أو اللكم أو الركل، أو بعض السلوكيات الخاطئة مثل سرقة وإتلاف الأغراض. وفي أحيانٍ كثيرة يسعى المتنمر عليه إلى إخفاء آثار هذا الإيذاء عن المعلمين أو الوالدين.

التنمر اللفظي: يندرج تحته الشتائم والتحقير والسخرية وإطلاق الألقاب والتهديد.

التنمر الاجتماعي: يشتمل على التجاهل والإهمال بطريقة متعمدة، أو نشر شائعات، أو استبعاد المتنمر عليه من الانخراط مع مجموعة الأقران، وقد يحدث على أساس الشكل والملبس أو الخلفية الاجتماعية.

التنمر الإلكتروني: هو تعمد الإيذاء بمختلف أشكاله عبر شبكة الانترنت أو التواصل بالهواتف، مثل السخرية والتهديد عبر الرسائل الالكترونية أو النصية أو مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الألعاب واختراق الحسابات وانتحال الشخصية.

وتوضح الإحصائيات العالمية والمحلية مدى خطورة هذه الظاهرة. فوفقًا لمعهد الإحصاء التابع لليونسكو، المعني ببيانات التنمية المستدامة في مجال التعليم، فإن حوالي ٢٥٠ مليون طفل يتعرضون للتنمر حول العالم. وبالنسب المئوية، فحوالي ٣٠% من الأطفال والمراهقين يتعرضون للتنمر في المدارس مرة شهريًا، تتوزع هذه النسبة بنحو ٣٢% بين البنين و٢٨% بين البنات. لكنها ترتفع في الدول التي أبلغت بأعلى قدر من حوادث التنمر في مدارسها مثل سلوفاكيا وبولندا وفرنسا والبرتغال والنمسا، لتصل لنحو ٦٥% من البنات و٦٢% من البنين. كما يتعرض حوالي ١٨% من الأطفال والمراهقين حول العالم للتنمر الإلكتروني في مرحلة ما وفقًا لإحصائيات مركز أبحاث التنمر الإلكتروني.

هل للتنمر أسباب معينة؟

هناك أسباب كثيرة للتنمر يمكننا تلخيصها في أربع فئات أساسية، وهي الأسباب الأسرية والاجتماعية والتربوية والذاتية. وتعمّقًا في الأسباب، نرى أنّ مستوى وعي الوالدين يسهم في تكوين وعي الطفل تجاه استخدام العنف والسلوكيات المؤذية، كما أنّ المستوى الاقتصادي للأسرة وترتيب الطفل بين أفراد الأسرة وتعرضه للعنف الأسري من عدمه يؤثر عليه أيضًا. وعندما يقترن ذلك بالتربية الخاطئة وإهمال معالجة خصال مثل الغيرة أو الغرور لدى الطفل يؤدي ذلك إلى تكرار دائرة العنف ليمارسه على أقرانه بالتبعية.

أما من الناحية الاجتماعية، يتأثر الطفل بانتشار العنف في مجتمعه وبيئته، وبالقصص والسلوكيات المحتفى بها في دائرته، وبالفهم الخاطئ لبعض العادات والتقاليد التي قد تشجع على العنف، وبالطبع، يتأثر أيضًا برفقة السوء. من جهة المدرسة، فإن طبيعة البيئة التربوية في المدارس قد تحد من التنمر أو تتيح له المجال، مثل تطبيق قواعد السلوك من عدمه، والتواصل مع الأسرة في حال رصد سلوكيات سلبية، وطبيعة التفاعلات التي تشجع عليها المدرسة بين الطلاب أو تتجاهلها دون تدخل. وأخيرًا، تسهم كل تلك العوامل في تكوين الأسباب الذاتية لدى المتنمر والمتنمر عليه، فالأطفال من الخلفيات الاجتماعية المهمشة أو الضعيفة أكثر عرضة للتنمر، والأطفال المتأثرون ببيئات يشيع فيها العنف أكثر ميلًا لممارسة التنمر.



ما الذي يجب عليك فعله حينما يبلغك طفل بأنه يتعرض للتنمر في الفصل أو المدرسة؟

في البداية لا بد من مراعاة أن السكوت وعدم إظهار رد فعل عند المعرفة بواقعة تنمر يزعزع شعور الطلاب بالأمان في بيئتهم المدرسية وتثنيهم عن الإبلاغ مرة أخرى، مما قد يسهم في تشجيع المتنمر على الاستمرار في سلوكياته والتمادي فيها وهذا بالفعل ما حصل مع الطالبة التي انتحرت نتيجة السكوت والإهمال وعدم مراعاة الشعور لديها .

وتلخص اليونيسيف الخطوات التالية لكيفية التعامل مع حالات التنمر :-

١. خُذ الأمر على محمل الجد.

٢. اشكر الطفل وعبر له عن تقديرك لتحدثه معك، وطمئنه بأن ما حدث ليس خطأه، وأظهر تعاطفك معه.

٣. اسأل الطفل عما يمكنك فعله ليشعر بالأمان، وفكّر فيما يمكن فعله لمساعدته في الدفاع عن نفسه.

٤. تحدث مع الأطفال المشاركين في التنمر كل على حدة، وتجنب توجيه اللوم إلى أي منهم أو انتقادهم أو التعامل معهم بعنف. شجعهم على الصدق وكافئهم عليه، ولا تنس أن الطفل المتنمر أيضًا يعاني من مشكلة تحتاج للفهم والمعالجة.

٥. طبق قواعد السلوك واتخذ الإجراءات اللازمة ضد المتنمر، واشرح ما حدث لأولياء الأمور والطلبة.

٦. تابع الموضوع بانتظام مع الطرفين للتأكد من سلامة المتنمر عليه وأمانه وأن المتنمر يحاول فعلًا تقويم أسلوبه.

٧. اطلب المساعدة الخارجية عند اللزوم، حينما تكون المشكلة كبيرة أو لا تعرف كيفية التصرف فيها، يمكنك اللجوء دائمًا للأخصائي الاجتماعي أو النفسي في مدرستك لتقديم الدعم والمساندة.



بالوعي والفطنة تحل أعقد المشكلات ، ويعد الوعي السليم أحد أهم السبل للحد من ظاهرة التنمر المدرسي، فمن خلال توعية أنفسنا يمكننا رصد التنمر بأشكاله المختلفة مبكرًا والتصرف لمنع تفاقمه قبل أن يؤدي لآثار عميقة لا يمكن التعافي منها. وبالوعي نساعد الطلاب المعرضين للتنمر على رفع ثقتهم ومساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم وتجنب الظروف أو السياقات التي تزيد من تعرضهم للتنمر. وأخيرًا، بالوعي السليم نفهم نفسية الطلاب المتنمرين ودوافعهم، ونساعدهم على التعاطف والتراحم مع أقرانهم وتجنب اختيار العنف كوسيلة للتعامل مع الآخرين.

لتثقيف أنفسنا أكثر في هذا الشأن، يمكننا الاستفادة من التجارب الرائدة للعديد من الدول وكيفية تعاملها ، التي أطلقت برنامجًا للوقاية من التنمر ، وذلك بعد مراجعة أكثر من ١٣ برنامجًا دوليًا ناجحًا. أثمر هذا البرنامج عن إصدار دليل الوقاية من التنمر في المدارس الذي يعد مرجعًا شاملًا للمعلمين وقادة المدارس في التعامل مع هذه الظاهرة. كما أصدر أيضًا دليل الوالدين للحماية من التنمر بالتعاون مع اليونيسف. وعلى الجانب العملي
والتطبيقي، يمكن للمعلمين الاستفادة من الدورات المتخصصة في التعامل مع الأطفال ودعمهم داخل الفصول، مثل دورة "مهارات التعامل مع سلوكيات الأطفال" و"العلاقات الإنسانية في التعليم"

إن ظاهرة التنمر في المدارس تعد مرض نفسي وجريمة جنائية

ووفق دراسة أجراها معهد دبي للاستشارات النفسية والبحث عام 2017م، فإن ظاهرة التنمر في المدارس العربية تأخذ أشكالًا مختلفة، منها:

– التنمر المباشر: بأن يتصل الشخص المتنمر مع الشخص الذي يتنمر عليه دون وجود حاجز بينهما، ويقوم بإلقاء شيء ما عليه، أو يصرخ فيه بكلمات مؤذية ومهينة، أو يضربه أو يدفعه أو يسحب شعره أو ملابسه.

– التنمر غير المباشر: هو ألا يتصل المتنمر بشكل مباشر مع المتنمَّر عليه، ولكن يقوم بنشر شائعات أو إشاعات حوله، أو السخرية منه أمام الآخرين، أو نبذه أو عزله من المجموعة التي ينتميان إليها، أو استخدام علامات لغة الجسد للتعبير عن الاستهزاء أو الازدراء به.

– التنمر الإلكتروني: هو استغلال الإنترنت والتقنيات المتعلقة به بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية.

ويحدث التنمر الإلكتروني عن طريق استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لاستغلال المتنمَّر عليهم والسخرية منهم، أو تعنيفهم بالألفاظ النابية، أو استغلال معلوماتهم الشخصية أو صورهم.

تجاوزات جنائية

في السنوات الخمس الأخيرة، شهدت بعض الدول العربية حالات تنمر بلغت حداً جنائياً، ومنها حالة طالب سوداني في مدينة جدة السعودية، تعرض عام 2018م للضرب المبرح من قبل زميل له، حيث سحبه من شعره وألقى به على الأرض وضرب رأسه بقوة.

وأظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كيف كان الطالب يستغيث بصوت مسموع، لكنه لم يجد من يحميه.

وفي عام 2017م، انتحر طالب كويتي في مدينة نجران السعودية بإطلاق النار على نفسه بسلاح والده، بعد تعرضه لحالات متكررة من التنمر من قِبل زملائه في المدارس التي درس بها، وذكر والده، في تحقيق النيابة العامة، أن ابنه كان يشكو من «الإذلال».

وفي عام 2019م، انتحر طالب مغربي في مدينة الدار البيضاء بإلقاء نفسه من سطح المدرسة، بعد تعرضه لحالات متكررة من التنمر من قِبل زملائه، وذكر والده، خلال التحقيق معه، أن ابنه كان يشكو من التمييز والإهانة التي كان يتعرض لها بسبب لون بشرته وحالته الاجتماعية.

وفي عام 2018م، أصيب طالب تونسي في مدينة صفاقس التونسية بإصابات خطيرة في رأسه وجسده، بعد تعرضه للضرب المبرح من قِبل زميل له في المدرسة، حيث استخدم سلاحًا أبيض لطعنه عدة مرات.

وفي 2024 انتحرت طالبه فلسطينيه بشنق نفسها نتيجة حالة التنمر عليها

أسباب وخصائص

ثمة أسباب تفسر انتشار ظاهرة التنمر في المدارس العربية، بعضها فردي، وبعضها يرتبط بالأسر والمدارس بحسب دراسات أجريت في السنوات الخمس الماضية.

– الأسباب الشخصية: تتعلق بصفات وخصائص الشخص المتنمر أو المتنمر عليه، مثل الشخصية الضعيفة أو القوية، أو الانطوائية أو الانبساطية، أو الجنس أو العمر أو الجنسية أو الدين أو المظهر الخارجي.

وقد وجدت دراسة مركز دراسات التنمية في قطر أن 64% من حالات التنمر تحدث بين طلاب من نفس الجنسية، وأن 36% من حالات التنمر تحدث بين طلاب من جنسيات مختلفة.

– الأسباب الأسرية: تتعلق بالعلاقة بين الطفل وأفراد أسرته، التي قد تكون مصدرًا للحب والدعم أو للعنف والإهمال.

وقد أظهرت دراسة معهد دبي للاستشارات النفسية أن 52% من المتنمرين يعانون من مشكلات في علاقتهم مع آبائهم، وأن 48% من المتنمَّر عليهم يعانون من مشكلات في علاقتهم مع إخوتهم.

– الأسباب المدرسية: تتعلق بالبيئة التعليمية والإدارية والتربوية في المدارس، التي قد تكون محفزة للتعلم والإبداع أو للضغط والإحباط.

وقد أظهرت دراسة أجراها مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2016م، أن 44% من حالات التنمر تحدث داخل الفصول الدراسية، وأن 56% من حالات التنمر تحدث خارجها.

وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن 68% من المتنمرين يشعرون بالملل والضجر في المدارس، بينما يشعر 32% من المتنمَّر عليهم بالخوف والقلق.

سبل الحماية

إزاء هذه الإحصاءات الكارثية، كيف نحمي أطفالنا من ظاهرة التنمر، خاصة في المدارس؟ تخلص الدراسات السابق ذكرها إلى ضرورة التدخل الفوري والشامل لحماية الأطفال من آثار التنمر المدمرة، على صعيد الأسرة والمدرسة من جانب، والمجتمع والحكومة من جانب آخر، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:

– رفع مستوى الوعي بخطورة ظاهرة التنمر على صحة وسلامة وحقوق الأطفال، وذلك من خلال تنظيم حملات توعوية وتثقيفية في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والمدارس والمساجد والنوادي والجمعيات.

– تعزيز قيم التسامح والتعاون والاحترام بين الأطفال، وذلك من خلال تنمية مهاراتهم الاجتماعية والانفعالية والتفكيرية، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الجماعية والتطوعية والإبداعية.

– تقديم الدعم النفسي والقانوني للأطفال المتنمر عليهم، وذلك من خلال توفير خدمات الإرشاد والاستشارة في المدارس والمراكز المختصة، وتطبيق العقوبات المناسبة على المتنمرين والجهات المستغلة، وحماية خصوصية الضحايا وحقوقهم.

– تطوير البيئة التعليمية والإدارية في المدارس، وذلك من خلال تحسين البنية التحتية والمناهج والأساليب التدريسية، وتدريب المعلمين والإداريين على كيفية التعامل مع حالات التنمر، وإشراك أولياء الأمور في متابعة أداء أبنائهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...