عصري فياض - أسرة عزمي حسينية في مخيم جنين... ثلاثون عاما من نزيف الشهادة والجراح والاعتقال والمطاردة وهدم المنزل

هنا مخيّم جنين،الجغرافيا الاسخن في الضفة الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من ثلاث سنوات،مساحته لا تتعدى الكيلومتر الواحد،وبين بيوته المتزاحمة المكتظة قصص تحتاج لجغرافيا أوسع،وأعداد اكبر من المجتمع،لكنّ لكلُّ بيت فيه قصة مع الاحتلال،ومقاومة الاحتلال،ونتائج هذه المقاومة وتداعياتها،وما تسفر عنه ــ في الاسرة الواحدة ــ من ارتقاء الشهداء وإصابة الابناء والأحفاد،والاعتقالات الطويلة والمتكررة،والمطاردة الساخنة،وهدم المنزل مرتيّن خلال أقل من عام ونصف،وأسرة عزمي إياد محمد حسينية نموذجا.
مسقط الرأس قبل النكبة
بيسان عروس الاغوار الشمالية في فلسطين،وما حولها من اراض خصبة غناء،وينابيع دفاقة كانت مسقط رأس الفلسطيني محمد حسينية،الذي حملته النكبة قسرا الى قرية فقوعة التابعة لتجمع قرى شمال شرق جنين،ليكون قريبا من بلدة الاصلية بيسان املا بالعودة،وعندما طال الانتظار،حطت رحاله في مخيم جنين نهاية الستينيات،عائلته مكونة من تسعة افراد،خمسة ذكور ابناء وبنتين وأم وأب،جمعتهم وحدة سكنية صممتها وكالة الغوث الدولية بمساحة لا تتجاوز 25 مترا مربعا،فعمل الوالد في البناء والزراعة ليسد رمق عائلته الكبيرة.
فتح المقاومة
العام 1976،تفتحت عينيّ الابن الاصغر في هذه العائلة "نظمي" الملقب "ابو علي" على مأساة شعبه مبكرا،وهو ما زال في صفوف المرحلة الثانوية،فإنتظم في مجموعة فدائية،قامت بتصنيع والتخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال،وقد اعتقل افراد تلك المجموعة بما فيهم "نظمي" بعد اشهر،وصدر حكم جائر بحقهم بالسجن الفعلي لمدة خمس سنوات،وهنا كانت بداية التأثر بالتيار المقاوم رغم ندرة السائرين فيه في تلك الفترة.وانطلقت تلك العائلة منصهرة في ركب المقاومة والمقاومين لترفد المسيرة الوطنية الكفاحية بالشهداء والجرحى والأسرى والمطارين،وهدم المنزلين مرتيّن.



حكايتهم مع الشهادة والشهداء
في اسرتهم ارتقى لغاية الان ثلاثة شهداء،الاول خلال مواجهات ضارية على معبر الجلمة في بداية انتفاضة الاقصى ،وهو الفتى "امجد عزمي حسينية "،الذي كان لا يغادر مواجهة الا ويكون في مقدمتها،ارتقى برصاص قناص بتاريخ 25/11/2000،تلاه في ذات الدرب ابن اخيه والذي سميَّ باسمه امجد اياد عزمي ابن 22عاما،والذي ارتقى في مواجهات دامية في مخيّم جنين بتاريخ السادس عشر من آب من العام 2021في مخيم جنين،عندما هب لإنقاذ الشهيد نور جرار،وحمل سلاحه واشتبك مع الوحدات الخاصة المتوغلة،فإرتقى برصاص الاحتلال،وتم أسر جثمانه الطاهر ولا زال الجثمان محتجزا لغاية الان،اما الشهيد الثالث فهو محمد عم امجد الثاني وشقيق امجد الاول،والذي كان مقاوما ضمن كتيبة جنين /كتائب القسام،والذي ارتقى مع رفيقين له في قصف من الطائرات المسيرة خلال اقتحام مخيم جنين بتاريخ السابع عشر من تشرين ثان من العام 2023.
كما أن بيتهم كان ملاذا لاحتضان المقاومين،فقد ارتقى في منزلهم الشهيد "حمزة ابو الهيجاء" ابن مخيم جنين قائد في كتائب القسام،وأصيب معه من الاسرة ثلاثة اشخاص بتاريخ الثاني والعشرين من اذار من العام 2014،ولم يتراجع ذلك البيت عن إحتضان المقاومين رغم الاخطار،ففي السابع من آذار من العام 2022،حوصر المنزل ذاته وتعرض للقصف بـ16 صاروخا ليرتقي فيه المجاهد "عبد الرحمن خروشة" ابن مخيم عسكر ابن القسام ومنفذ عملية حوارة في ذلك الوقت،وقد ارتقى معه خمسة شهداء في تلك المعركة وهم:- زياد الزرعيني ومحمد الغزاوي ومعتصم الصباغ واحمد خلوف وطارق الناطور،وجميعهم ارتقوا قرب المنزل وحوله،وأصيب ثلاثة وأربعون شابا مقاوما من المخيّم.




الجراح لا تتوقف
التعرض للإصابات المتنوعة في تلك الاسرة من قبل قوات الاحتلال لا يكاد يتوقف،فمن أمجد الشهيد الثاني الذي خرج للمشاركة في المواجهات ابان تقديمة امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"،وأكمل الامتحانات رغم جرحه الغائر،الى آخر ما سجلت عين الكميرات من اصابة ابن عمهم "مجاهد" الذي نكل به الاحتلال بعد اصابته بأن القوه على مقدمة ناقلة الجند في الحر الشديد ليكون درعا بشريا،وهو ما زال قيد العلاج المكثف،وما بينهما من اصابات متعددة ومتكرر لمجد ومحمد واحمد ورأفت وعلي ومراد وعمتهم السيدة دلال،يذكر ان ابنهم الاسير "مجد" قد تعرض لإصابة خطيرة في خاصرته وقدمه قبل اسبوعين وهو الان يعالج في مشفى رمبام في حيفا مقيد اليدين والقدمين.
الاسر والاعتقال
لا نبالغ اذا قلنا ان احصاء مدد الاسر لهذه الاسرة سيبقى ناقصا مهما اجتهدنا،فمنذ الاعتقال الاول في العام 76،وحتى اليوم، تكاد لا تمر سنة ولا يكون احد ابنائها قيد الاعتقال والاسر،فبعد المرحوم "نظمي ابو علي"،اعتقل الشبل اياد في اواسط الثمانينات،وفي الانتفاضة الاولى اعتقل ثائر وإياد ومحمد ورأفت ومراد والشهيد محمد ،وفي الانتفاضة الثانية اعيد اعتقال ثائر وحكم بالسجن لمدة ثلاثين عاما فعلية،وقد امضى منها لغاية الان 22 عاما تقريبا،وقبل اسبوعين وأثناء مداهمة منزلهم المؤقت المستأجر،تم اعتقل الشقيقين "أحمد" و"مجد" المصاب ولا زالوا قيد الاعتقال لجانب عمهم ثائر.
المطاردة وهدم المنزل
المناضل "اياد العزمي"الان مطارد ومطلوب لسلطات الاحتلال منذ السابع من آذار من العام 2022،وهو ناشط سياسي ومجتمعي،ووالد الشهيد امجد" وشقيق الشهيدين "محمد وامجد الاول"،وقد تعرض منزلهم لمداهمتين من قبل الوحدات الخاصة الصهيونية خلال اسبوعين فقط بحثا عنه،كما تعرضت صيدلية على اطراف المخيم لمداهمة كبيرة ايضا في محاولة لإلقاء القبض عليه،اما منزل العائلة فقد تعرض خلال سنة ونصف للهدم مرتين ،المرة الاولى في السابع من آذار من العام 2022 عندما حوصر وضرب بستة عشر صاروخ كتف،والمرة الثانية في شهر كانون ثان الفائت عندما اجتاحت القوات الاحتلالية مخيم جنين،ونسفت احدى عشر بيتا منها كان بيت عائلة ابو العزمي،وما زال المناضل اياد العزمي مطاردا ومختفيا عن الانظار تجنبا لاعتقاله أو اغتياله.
الاحتلال يربك حياة الاسرة
يقول الشاب الاسير المحرر عزمي ابن المطارد اياد العزمي لقد قلب المحتل حياتنا رأسا على عقب في محاولة لكسر عزيمتنا،لكنه خائب في مسعاه،نعم ارتقى اخي وعمي من بعده وعمي امجد الاول من قبله،وتوفيت امي قهرا وحزنا على اخي وعلى احتجاز جثمانه وتدمر بيتنا،لكننا صامدين صابرين محتسبين،ولن ينال الاحتلال من عزيمتنا مهما فعل ومهما نكّل،لقد خرجت من السجن لأجد اخي قد رحل،وسعيت لتدوم هذه العائلة وتكمل الاجيال القادمة المسيرة لذلك عقدت قراني على ابنة شهيد من المخيّم،وكلما حاولت تحديد موعد الزفاف،نغص علينا الاحتلال سواء في تصفية عمي،او هدم منزلنا او مطاردة الوالد،اما شقيقته الوحيدة "هيلدا "وهي خريجة جامعية فتقول،لقد حوّل الاحتلال خوفنا الى حقد اضافيّ عليهم،لقد خطف الاحتلال احلامنا وما زال،لكنه خائب وسيبقى خائبا،الشهادة تمنحنا السؤدد والرفعة والمقام السامي،والاعتقال شرف، والمطاردة قهر للمحتل،والجراحات اوسمة تحملها اجساد الابطال،هم يسيرون ببطشهم الى زوالهم،ونحن نسير بتضحياتنا الى النصر والكرامة والحرية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...