لا أخفي عليكم أنني كنتُ مُعجبا، ولا أزال، بكثيرٍ من الأشخاص المغاربة، رجالاً ونساءً، خدموا ويخدمون الصالحَ العامَّ للبلاد، لكن في صمتٍ رهيبٍ، أي دون أن يُحدثوا من حولهم ضجَّةً إعلاميةً. بل خدموا ويخدمون الصالحَ العامَّ بدون مقابل لا معنوي ولا مادي. ما همَّهُم ويهمُّهم هو رفعُ شأنَ البلاد بين الأمم لجعل اسمها ذكرا على كثيرٍ من الألسن وبمختلف اللغات. بل همُّهُم الوحيد هو أن يكونَ هذا الإسمُ، المغرب، مُرَفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي.
وأنا متأكِّد بأنهم أرادوا ويريدون الخيرَ كلَّ الخيرِ للبلاد. بمعنى أنهم تمنوا ويتمنون أن تتصدَّرَ البلادُ كل بلدان العالم من حيث الإنجازات الإنسانية، الاجتماعية، الرياضية، العلمية، التكنولوجية، الاقتصادية، الثقافية…
فمنهم سياسيون قضوا نحبَهم وخلَّد التاريخُ أسماءَهم. وكثيرٌ منهم لا انتماءَ سياسي لهم. حزبُهم السياسي الوحيد هو المغرب وسماع ذكرِ اسمه بالخير على أطراف الألسِنة بمختلف لغاتها. ومنهم مَن يتعاطف مع هذا التيار السياسي أو ذاك لقُربه من أفكارهم. قاسمُهم المشترك خدمة الصالح العام للبلاد. بل إن كثيرا منهم يعتبرون السياسةَ عائقا من عوائق خدمة الصالح العام. إنهم جنودُ خفاءٍ، أي يعملون في صمتٍ ولا ينتظرون جَزاءً أو شكرا من أحد. جزاءهم وشكرهم الوحيدان هو إرضاء ضمائرهم وما يُحتِّمه عليهم واجِبُ خدمة الوطن.
رجلٌ واحد أو إمرأةٌ واحدة يُساوي/تُساوي جماعةً سياسيةً أو حزبا سياسياً بأكملهما. بل إن امرأةً واحدةً ورجلا واحدا استطاعا ويستطيعان تحقيقَ ما لم يُرِدْ سياسيون، وأحزابُهم، تحقيقَه، منذ أن تعاقبوا على تدبير الشأن العام، انطلاقا من بداية الستينيات.
وكم هم كثيرون، على قلَّتهم، جنود الخفاء الذين ساهموا ويُساهمون في إعلاءِ شأن البلاد. فمنهم، كما سبق الذكر، مَن قضى نحبَه ولا تزال تنوب عنهم أفكارُهم وأعمالُهم الميدانية. في هذا الصدد، أذكر، على سبيل المثال، عبد الرحمان اليوسفي، عبد الرحيم بوعبيد، محمد العابد الجابري، محمد سبيلا، عبد العزيز بلال، المهدي المنجرة، المهدي بنبركة، علي يعتة، المحجوبي أحرضان، فاطمة الفهرية، فاطمة المرنيسي، الشعيبية طلال…، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
ولستُ في حاجة إلى التذكير بمناقبهم وإنجازاتهم الفكرية والميدانية. لقد تمَّ تسجيل أسمائهم وأفكارهم وإنجازاتهم في التاريخ الوطني، ليتمَّ الرجوعُ إليها كلما خالجَنا الحنينُ إلى المواطنة الحقَّة والنَّابعة من أعماق الوِجدان الإنساني. إن أسماءَهم كان لها صدى طيبٌ على الصَّعيدين الإقليمي والدولي. بل إن مَن لا مستوى تعليمي لهم، كالشعيبية طلال، رحمها الله، التي استطاعت، بعِصاميتِها ولوحاتها العفوية، أن تحتلَّ الصدارةَ في عالم الثقافة التَّشكيلية، وفي نفس الوقت، رفعت اسمَ المغرب عاليا في سماء المجد والرِّفعة.
كل هؤلاء، رجالاً ونساءً، كانوا تجسيدا حيّاً للمواطنة الحقة، النابعة، كما سبق الذكرُ، من أعماق الوِجدان الإنساني. بل إن مَن درسوا العقلَ العربي، بدقة عالية، كمحمد العابد الجابري الذي غادر الحقل السياسي وتفرَّغ للعمل، حصريا، في الميدان الثقافي والفكري. لماذا؟ لأنه أدرك أن السياسةَ حُرِّفت عن معناها النبيل وأصبحت وسيلةً لبثِّ الفساد بين أحضان البلاد والعباد. بل لم تعد السياسة المُحرَّفة تتوافق مع أفكاره ومبادئه وقِيمه الأنسانية.
ومن بين جنود الخفاء، لا يزال كثيرٌ منهم على قيد الحياة يَتَفانَون في خدمة الصالح العام. فمنهم الفنَّانون الموسيقيون، ومنهم المثقفون ومنهم الرياضيون…
من بين الفنانين الموسقيين، أخص بالذكر نُعمان لحلو، الفنان المثقف، المقتدر، الحضاري، الإنساني، الصادق، الحر… الذي، أعتبره أنا شخصيا، أول مَن خصَّص أغاني بأكملها للتراث بشكلَيه الحضري والبدوي، وكذلك، أول مَن خصَّص أغاني بأكملها للطبيعة والبيئة والتقاليد والعادات المغربية. أنا، شخصيا، أشبِّهه بالسيدة فيروز التي تناولت في أغانيها جلَّ المواضيع الاجتماعية والثقافية والطبيعية…
من بين المثقفين، أُشيدُ بأحمد فردوس وادريس بلعطار ومهدي ناقوس… أحمد فردوس وادريس بلعطار، أعتبرهما أنا شخصيا، من المدافعين الصادقين عن التراث بمشاربه المختلفة. أحمد فردوس عن الفروسية و"التبوريدة" والبارود وكل ما له علاقة بركوب الخيل والمواسم وما يترتَّب عن هذه الفنون من عادات وتقاليد وكرمٍ ونخوة وعزَّةٍ وافتخار… ادريس بلعطار يدافع عن فنَّي الزجل والعيطة. أعتبره، أنا شخصيا، من رواد هذين الفنَّين اللذين يُعدَّان، بصدقٍ، وسيلتان للتَّعبير عن هموم وأحزان المجتمعات، قديما وحديثاً. ادريس بلعطار ساهم بقدرٍ وافرٍ في إحياء هذين الفنَّين والتَّعريف بهما وطنيا وإقليميا.
أما مهدي ناقوس، فإنه من أشرس المُحبِّين للآداب شعراً ونثراً وقصةً وسرداً وحواراً وفلسفةً… ومن كثرة شغفِه بالآداب وحبِّه لها، أسدى خدمةً رائعة لهذه الآداب. وذلك من خلال إنشاء موقعٍ عنكبوتي مُخصَّص كلِّيا لِمَن لهم رغبة في نشر إنتاجهم الفكري باللغة العربية. إنها مبادرةٌ رائعة تُعبِّر عن مدى رغبتِه في إعلاءِ شأن الكتابة الفكرية ونشر محتواها على نطاقٍ واسعٍ.
من بين الرياضيين، اللائحة طويلة. لكن هناك أسماءٌ لا يمكن الاستغناءَ عنها، ولا يمكن الحديث عن الإنجازات الرياضية دون ذكرها. يتعلق الأمرُ بسعيد عويطة، نزهة بيدوان، نوال المتوكِّل، سفيان البقالي وهشام الكروج وخالد السكاح وابراهيم بوطيب والفريق الوطني لكرة القدم والفريق الوطني للكرة داخلَ القاعة… كل هذه الأسماء وغيرها ساهمت، إلى أبعد حدٍّ، في إدخال السعادةَ في نفوس المغاربة وجعلتهم يفتخرون بانتمائهم لوطنهم، المغرب، الذي حوَّله السياسيون وأحزابُهم إلى مرتعٍ للفساد والإفساد.
من بين النساء المثقفات، أخصُّ بالذكرِ أسماء المرابط وعائشة الشنا. أسمَاء المرابط، الطبيبة البيولوجية، بكونها، إلى جانب نساءٍ كثيرات، ناضلَت وتناضل من أجل مساواة الرجل والمرأة، قد تكون هي المرأة الوحيدة، المقرَّبة من وسطِ علماء وفقهاء الدين، التي كانت لها الجُرأةُ لمواجهة هؤلاء العلماء والفقهاء لمطالبتِهم بقراءةٍ جديدةٍ لنصوص القرآن والسنة، تمشِّيا مع مُتطلَّبات العصر الراهن.
أما عائشة الشنا، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، فإنها تجسيد ملموس وموثوقٌ للإنسانية. إنها أمُّ النساء المنسِيات، المشرَّدات والمُضطهدات من طرف الذكور والمطلقات والمُحتقرات من طرف علماء وفقهاء الدين، كما هو الشأنُ حاليا، فعلياً وعملياً في افغانستان. العلماء والفقهاء الذين يعتبرون المرأة ناقصةَ عقلٍ ودينٍ. ناضلت، إلى آخرِ رمقٍ من حياتها، من أجل أن تنالَ النساءُ المنسِيأت حقوقهن المشروعة.
كل الأشخاص، رجالا ونساءً، الذين وردَت أسمائُهم في هذه المقالة والذين لم استطعْ ذكرَهم فيها، وفَّروا للمغاربة، في لحظةٍ من اللحظات جرعةً عاليةً من السعادة والفرح، لم يفلَح السياسيون وأحزابُهم في توفيرهما لهؤلاء المغاربة منذ بداية الستِّنيات. ثم لماذا أقول "في لحظة من اللحظات؟"
أولاً، لأنه سرعان ما تختفي لحظات السعادة والفرح أمام ضخامة وضغط هموم الحياة اليومية التي مصدرُها السياسات العمومية الفاشلة. المُغرِّدة خارجَ السِّرب. ثانيا، لأني، أنا شخصياً، اتمنى بل أريد أن أرى "اسمَ بلادي، على الدوام، مُرفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي". فما هو، إذن، الضامِنُ الأساسي لرَفرَفة اسم بلادي، على الدوام، في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي؟
الضامن الأساسي هو التَّدبيرُ الجيِّد، العقلاني، الشفاف، المواطن والمسؤول للشأن العام. وتدبير الشأن العام مرتبط ارتباطا وثيقا بالمشهد السياسي. ومشهدنا السياسي منخورٌ بالفساد حتى النُّخاع. ومُكوِّنات هذا المشهد هي الأحزاب السياسية. وفساد المشهد السياسي من فساد الأحزاب السياسية والسياسيين. والأحزاب السياسية والسياسيون يحملون معهم فسادَهم إلى قبَّة البرلمان وإلى الحكومة وإلى الجماعات التُّرابية. فعن أية سعادة وعن أي فرح يمكن الحديثُ في ظل مشهد سياسي فاسد؟
فإذن، مرحبا وألف مرحبا بالسعادة وبالفرحة اللتين تُوَفَّرَان لنا من طرف مثقفين ورياضيين، ولو بصفة مُؤقتة. فلنتذكَّر مُنتَهى السعادة والفرح اللذين وفَّرهما لنا الفريق الوطني الأول لكرة القدم. في مونديال قطر. ولنتذكَّر، كذلك، إنجازات الفريقين الوطنيين تحت 17 سنة وتحت 23 سنة، وإنجازات كرة القدم النسوية وإنجازات كرة القدم داخل القاعة…
هناك فرق شاسع بين مثقفين ورياضيين يخدمون الصالحَ العامَّ في صمت، حُبّاً في وطنهم ورغبةً منهم في إسعاد الناس وبين سياسيين يكرهون وطنَهم ويستغلونه أبشعَ استغلال، في الخفاء وعلانيةً!
وأنا متأكِّد بأنهم أرادوا ويريدون الخيرَ كلَّ الخيرِ للبلاد. بمعنى أنهم تمنوا ويتمنون أن تتصدَّرَ البلادُ كل بلدان العالم من حيث الإنجازات الإنسانية، الاجتماعية، الرياضية، العلمية، التكنولوجية، الاقتصادية، الثقافية…
فمنهم سياسيون قضوا نحبَهم وخلَّد التاريخُ أسماءَهم. وكثيرٌ منهم لا انتماءَ سياسي لهم. حزبُهم السياسي الوحيد هو المغرب وسماع ذكرِ اسمه بالخير على أطراف الألسِنة بمختلف لغاتها. ومنهم مَن يتعاطف مع هذا التيار السياسي أو ذاك لقُربه من أفكارهم. قاسمُهم المشترك خدمة الصالح العام للبلاد. بل إن كثيرا منهم يعتبرون السياسةَ عائقا من عوائق خدمة الصالح العام. إنهم جنودُ خفاءٍ، أي يعملون في صمتٍ ولا ينتظرون جَزاءً أو شكرا من أحد. جزاءهم وشكرهم الوحيدان هو إرضاء ضمائرهم وما يُحتِّمه عليهم واجِبُ خدمة الوطن.
رجلٌ واحد أو إمرأةٌ واحدة يُساوي/تُساوي جماعةً سياسيةً أو حزبا سياسياً بأكملهما. بل إن امرأةً واحدةً ورجلا واحدا استطاعا ويستطيعان تحقيقَ ما لم يُرِدْ سياسيون، وأحزابُهم، تحقيقَه، منذ أن تعاقبوا على تدبير الشأن العام، انطلاقا من بداية الستينيات.
وكم هم كثيرون، على قلَّتهم، جنود الخفاء الذين ساهموا ويُساهمون في إعلاءِ شأن البلاد. فمنهم، كما سبق الذكر، مَن قضى نحبَه ولا تزال تنوب عنهم أفكارُهم وأعمالُهم الميدانية. في هذا الصدد، أذكر، على سبيل المثال، عبد الرحمان اليوسفي، عبد الرحيم بوعبيد، محمد العابد الجابري، محمد سبيلا، عبد العزيز بلال، المهدي المنجرة، المهدي بنبركة، علي يعتة، المحجوبي أحرضان، فاطمة الفهرية، فاطمة المرنيسي، الشعيبية طلال…، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
ولستُ في حاجة إلى التذكير بمناقبهم وإنجازاتهم الفكرية والميدانية. لقد تمَّ تسجيل أسمائهم وأفكارهم وإنجازاتهم في التاريخ الوطني، ليتمَّ الرجوعُ إليها كلما خالجَنا الحنينُ إلى المواطنة الحقَّة والنَّابعة من أعماق الوِجدان الإنساني. إن أسماءَهم كان لها صدى طيبٌ على الصَّعيدين الإقليمي والدولي. بل إن مَن لا مستوى تعليمي لهم، كالشعيبية طلال، رحمها الله، التي استطاعت، بعِصاميتِها ولوحاتها العفوية، أن تحتلَّ الصدارةَ في عالم الثقافة التَّشكيلية، وفي نفس الوقت، رفعت اسمَ المغرب عاليا في سماء المجد والرِّفعة.
كل هؤلاء، رجالاً ونساءً، كانوا تجسيدا حيّاً للمواطنة الحقة، النابعة، كما سبق الذكرُ، من أعماق الوِجدان الإنساني. بل إن مَن درسوا العقلَ العربي، بدقة عالية، كمحمد العابد الجابري الذي غادر الحقل السياسي وتفرَّغ للعمل، حصريا، في الميدان الثقافي والفكري. لماذا؟ لأنه أدرك أن السياسةَ حُرِّفت عن معناها النبيل وأصبحت وسيلةً لبثِّ الفساد بين أحضان البلاد والعباد. بل لم تعد السياسة المُحرَّفة تتوافق مع أفكاره ومبادئه وقِيمه الأنسانية.
ومن بين جنود الخفاء، لا يزال كثيرٌ منهم على قيد الحياة يَتَفانَون في خدمة الصالح العام. فمنهم الفنَّانون الموسيقيون، ومنهم المثقفون ومنهم الرياضيون…
من بين الفنانين الموسقيين، أخص بالذكر نُعمان لحلو، الفنان المثقف، المقتدر، الحضاري، الإنساني، الصادق، الحر… الذي، أعتبره أنا شخصيا، أول مَن خصَّص أغاني بأكملها للتراث بشكلَيه الحضري والبدوي، وكذلك، أول مَن خصَّص أغاني بأكملها للطبيعة والبيئة والتقاليد والعادات المغربية. أنا، شخصيا، أشبِّهه بالسيدة فيروز التي تناولت في أغانيها جلَّ المواضيع الاجتماعية والثقافية والطبيعية…
من بين المثقفين، أُشيدُ بأحمد فردوس وادريس بلعطار ومهدي ناقوس… أحمد فردوس وادريس بلعطار، أعتبرهما أنا شخصيا، من المدافعين الصادقين عن التراث بمشاربه المختلفة. أحمد فردوس عن الفروسية و"التبوريدة" والبارود وكل ما له علاقة بركوب الخيل والمواسم وما يترتَّب عن هذه الفنون من عادات وتقاليد وكرمٍ ونخوة وعزَّةٍ وافتخار… ادريس بلعطار يدافع عن فنَّي الزجل والعيطة. أعتبره، أنا شخصيا، من رواد هذين الفنَّين اللذين يُعدَّان، بصدقٍ، وسيلتان للتَّعبير عن هموم وأحزان المجتمعات، قديما وحديثاً. ادريس بلعطار ساهم بقدرٍ وافرٍ في إحياء هذين الفنَّين والتَّعريف بهما وطنيا وإقليميا.
أما مهدي ناقوس، فإنه من أشرس المُحبِّين للآداب شعراً ونثراً وقصةً وسرداً وحواراً وفلسفةً… ومن كثرة شغفِه بالآداب وحبِّه لها، أسدى خدمةً رائعة لهذه الآداب. وذلك من خلال إنشاء موقعٍ عنكبوتي مُخصَّص كلِّيا لِمَن لهم رغبة في نشر إنتاجهم الفكري باللغة العربية. إنها مبادرةٌ رائعة تُعبِّر عن مدى رغبتِه في إعلاءِ شأن الكتابة الفكرية ونشر محتواها على نطاقٍ واسعٍ.
من بين الرياضيين، اللائحة طويلة. لكن هناك أسماءٌ لا يمكن الاستغناءَ عنها، ولا يمكن الحديث عن الإنجازات الرياضية دون ذكرها. يتعلق الأمرُ بسعيد عويطة، نزهة بيدوان، نوال المتوكِّل، سفيان البقالي وهشام الكروج وخالد السكاح وابراهيم بوطيب والفريق الوطني لكرة القدم والفريق الوطني للكرة داخلَ القاعة… كل هذه الأسماء وغيرها ساهمت، إلى أبعد حدٍّ، في إدخال السعادةَ في نفوس المغاربة وجعلتهم يفتخرون بانتمائهم لوطنهم، المغرب، الذي حوَّله السياسيون وأحزابُهم إلى مرتعٍ للفساد والإفساد.
من بين النساء المثقفات، أخصُّ بالذكرِ أسماء المرابط وعائشة الشنا. أسمَاء المرابط، الطبيبة البيولوجية، بكونها، إلى جانب نساءٍ كثيرات، ناضلَت وتناضل من أجل مساواة الرجل والمرأة، قد تكون هي المرأة الوحيدة، المقرَّبة من وسطِ علماء وفقهاء الدين، التي كانت لها الجُرأةُ لمواجهة هؤلاء العلماء والفقهاء لمطالبتِهم بقراءةٍ جديدةٍ لنصوص القرآن والسنة، تمشِّيا مع مُتطلَّبات العصر الراهن.
أما عائشة الشنا، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، فإنها تجسيد ملموس وموثوقٌ للإنسانية. إنها أمُّ النساء المنسِيات، المشرَّدات والمُضطهدات من طرف الذكور والمطلقات والمُحتقرات من طرف علماء وفقهاء الدين، كما هو الشأنُ حاليا، فعلياً وعملياً في افغانستان. العلماء والفقهاء الذين يعتبرون المرأة ناقصةَ عقلٍ ودينٍ. ناضلت، إلى آخرِ رمقٍ من حياتها، من أجل أن تنالَ النساءُ المنسِيأت حقوقهن المشروعة.
كل الأشخاص، رجالا ونساءً، الذين وردَت أسمائُهم في هذه المقالة والذين لم استطعْ ذكرَهم فيها، وفَّروا للمغاربة، في لحظةٍ من اللحظات جرعةً عاليةً من السعادة والفرح، لم يفلَح السياسيون وأحزابُهم في توفيرهما لهؤلاء المغاربة منذ بداية الستِّنيات. ثم لماذا أقول "في لحظة من اللحظات؟"
أولاً، لأنه سرعان ما تختفي لحظات السعادة والفرح أمام ضخامة وضغط هموم الحياة اليومية التي مصدرُها السياسات العمومية الفاشلة. المُغرِّدة خارجَ السِّرب. ثانيا، لأني، أنا شخصياً، اتمنى بل أريد أن أرى "اسمَ بلادي، على الدوام، مُرفرِفا في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي". فما هو، إذن، الضامِنُ الأساسي لرَفرَفة اسم بلادي، على الدوام، في سماء المجد والرِّفعة والرُّقي؟
الضامن الأساسي هو التَّدبيرُ الجيِّد، العقلاني، الشفاف، المواطن والمسؤول للشأن العام. وتدبير الشأن العام مرتبط ارتباطا وثيقا بالمشهد السياسي. ومشهدنا السياسي منخورٌ بالفساد حتى النُّخاع. ومُكوِّنات هذا المشهد هي الأحزاب السياسية. وفساد المشهد السياسي من فساد الأحزاب السياسية والسياسيين. والأحزاب السياسية والسياسيون يحملون معهم فسادَهم إلى قبَّة البرلمان وإلى الحكومة وإلى الجماعات التُّرابية. فعن أية سعادة وعن أي فرح يمكن الحديثُ في ظل مشهد سياسي فاسد؟
فإذن، مرحبا وألف مرحبا بالسعادة وبالفرحة اللتين تُوَفَّرَان لنا من طرف مثقفين ورياضيين، ولو بصفة مُؤقتة. فلنتذكَّر مُنتَهى السعادة والفرح اللذين وفَّرهما لنا الفريق الوطني الأول لكرة القدم. في مونديال قطر. ولنتذكَّر، كذلك، إنجازات الفريقين الوطنيين تحت 17 سنة وتحت 23 سنة، وإنجازات كرة القدم النسوية وإنجازات كرة القدم داخل القاعة…
هناك فرق شاسع بين مثقفين ورياضيين يخدمون الصالحَ العامَّ في صمت، حُبّاً في وطنهم ورغبةً منهم في إسعاد الناس وبين سياسيين يكرهون وطنَهم ويستغلونه أبشعَ استغلال، في الخفاء وعلانيةً!