القسم الاول
نشر لحبيب التيتي تعليقا مقتضبا كرد على مقالي المعنون "رد على موقف أكثر من مستفز".
سأترك للقارئ النبيه مقارنة ما ورد في مقالي والتعليق المقتضب وهو التالي:
"اتهامات سعيد كنيش للحزب الشيوعي الفنيزويلي هي نفس اتهامات نظام مادورو. نشرت بيان الاحزاب الشيوعية التي تدافع وتساند الحزب الشيوعي الفينيزويلي واعتبرت ذلك كافيا لان الموضوع يهم الحركة الشيوعية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اليوناني. اما سعيد كنيش له موقف لا يتجاوز سقف الشعبوية اليسارية لمادورو الذي تخلى عن اهداف الثورة البوليفارية وكان الفقيد شافيز أحد أكبر المدافعين عنها رغم محدوديتها".
لقد أتاح لي هذا التعليق أولا مناقشة "الشعبوية" كمفهوم وموقف ملموس، كون العديد من أحزاب اليسار الليبرالي أي "يسار حلف الناتو" خاصة من بلدان الجنوب يتهمون به قوى قومية وتحررية معادية للهيمنة الامبريالية. تانيا، الجواب عن سؤالي الذي أخترته عنوانا لهذا المقال النقدي، وذلك بهدف التدقيق في طبيعة الأحزاب الشيوعية التي تضامنت مع الحزب الشيوعي الفنزويلي "(انظر بيان التضامن ولائحة الأحزاب الموقعة) في "محنته، أي محنة الجري وراء ديمقراطية الصندوق التي تستدعي ما يسميه لحبيب التيتي "التضامن الأممي" ويدفعه حماسه إلى التباهي بها.
أولا: لن أثقل على القارئ بالتحديدات النظرية لمفهوم الشعبوية لتنوعه وشيوعه، فمعدو قاموس الفكر الماركسي أنفسهم يؤكدون "أن الشعبوية مفهوم متنوع تم استخدامه لوصف الحركات الاجتماعية والسياسية المتنوعة وسياسات الدولة والأيديولوجيات، وبأن محاولات استخلاص مفهوم عام عن الشعبوية هو إلى حد كبير غير كافٍ".
للخروج من هذا المأزق سأقترح على القارئ تحديد لينين، حيث يعتبر أيديولوجية الشعبوية، تاريخياً واجتماعياً، على أنها احتجاج على الرأسمالية من وجهة نظر صغار المنتجين، وخاصة الفلاحين الذين تقوض وضعهم بسبب التطور الرأسمالي، ولكنهم مع ذلك أرادوا استرجاع النظام الاجتماعي الإقطاعي. بينما وصف لينين الأيديولوجية الشعبوية بأنها رومانسية اقتصادية، وهي مدينة فاضلة لبرجوازية صغيرة متخلفة.
ومن جهة أخرى، فقد عارض لينين الإدانة أحادية الجانب للشعبوية، كما يظهر في جداله ضد الماركسي القانوني ستروف حول هذا الموضوع. كما ميز بين الأيديولوجية الأكثر راديكالية والمعادية للعيش والديمقراطية للحركات الشعبوية السابقة، وبين الميول اليمينية للمثقفين الشعبويين اللاحقين مثل ميخائيلوفسكي الذين مثلوا في المقام الأول رد فعل ضد التطور الرأسمالي. ولكن حتى فيما يتعلق بالشعبوية المعاصرة، فقد كتب لينين: “من الغريب كما أنه سيكون من الخطأ تماماً رفض البرنامج الاقتصادي للشعبويين الروس بأكمله دون تمييز في مجمله، فيجب أن نميز بوضوح بين جوانبها الرجعية والتقدمية.
وحيث أن الامر يخص بلدا هو فنزويلا في أمريكا الجنوبية ، فإن الحالات النموذجية للشعبوية المعروفة هي حالة البرازيل تحت حكم فاركاس، والبيرونية في الارجنتين. وهما معا يشكلان تطبيقات الشعبوية على مستوى سلطة الدولة. ومن السمات الأساسية لخطابهما انه يهدف إلى حشد الدعم من الفئات المحرومة والتلاعب بوعيها للسيطرة على المجموعات الهامشية منها. كما أن الأسلوب السياسي في هذين النموذجين قائم على الجاذبية الشخصية للقائد والولاء الشخصي له. وعموما فإن الأيديولوجية الشعبوية هي أخلاقية وعاطفية ومناهضة للتعمق الفكري والنظري ، ويعتبر برنامجهما غير محدد. ويصور المجتمع على أنه منقسم بين الجماهير الضعيفة والأرباب الأقوياء الذين يقفون ضدهم. أما فكرة الصراع الطبقي فليست جزءاً من هذا الخطاب الشعبوي.
الأمر مختلف تماما في حالة الحزب الاشتراكي البوليفاري الموحد في فنزويلا ، بالرغم من أن تجربته قد تبدو شبيهة في بعض عناصرها للشعبوية خاصة فيما يتعلق بكارزمية الزعيم التي تستغلها الامبريالية الامريكية لمصلحتها من أجل تقويض سلطته.
ويعتبر العنصر الحاسم في الاختلاف والتميز هو طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر منها البلد فنزويلا، وهي مرحلة الهيمنة الامبريالية المعولمة و التحرر القومي. وهي حالة نهوض ووعي ونضال دفاعي عن الوجود والحقوق وطموح من أجل التطور، إنه وعي أمة لوجودها وضرورة تطورها.
ويبدو أنه عن عمد تلجأ أحزاب اليسار الليبرالي سواء في المركز الغربي أو في بلدان الجنوب إلى تشويه والخلط بين النضال القومي التحرري والشعبوية اليمينية والعنصرية المنتشرة حاليا في البلدان الغربية. الهدف من هذا الخلط المتعمد هو مصادرة حق الشعوب المضطهدة في التحرر والتنمية والسيطرة على ثرواتها ، ولنا في التجربة الناصرية عندنا في مرحلة صعودها في الخمسينات والستينات أبرز مثال على هذا الخلط الذي سقطت فيه حتى أحزاب شيوعية عربية ظلت تعادي الناصرية وتتهمها بالشعبوية.
تضم مرحلة التحرر الوطني معظم الطبقات الاجتماعية التي تتناقض مصلحتها مع المركز الرأسمالي الإمبريالي، مع تأكيدي أن ممارسة التحرر الوطني هو دو مضمون طبقي أساسا رغم أنه يتخذ شكلا قوميا، أو دينيا ثقافيا. بينما هو أساساً صراع على مصالح اقتصادية طبقية بأدوات عسكرية وثقافية وهدفه السيطرة على التراكم. أي المواجهة بين قوى التحرر ضد الامبريالية ووكلائها المحليين، من أجل وقف نهب فوائض بلدان الجنوب وحتى ثرواتها الطبيعية. لذلك فإن التحرر القومي يتطلب إنشاء تحالف طبقي واسع على المستوى القومي كشرط للانتصار على الامبريالية. وخلال مرحلة النضال التحرري يفتح الشعب الطريق للأكثر صدقا وفاعلية وجذرية من قوى التحرر لتبوأ قيادة الكفاح التحرري.
يعقد المفكر الماركسي الدكتور عادل سمارة مقارنة ثاقبة بين تجربة الحزب الشيوعي الكوبي كبؤرة اشتراكية في عصرنا، صامدة في الوقوف أمام الحصار الامبريالي الطويل بسبب التخطيط العلمي في توزيع الثروة بين مكونات الشعب بالرغم من قلة موارد البلد الطبيعية وفك الارتباط بالأسواق الرأسمالية والاعتماد على الشعب الواعي والمنظم في حماية مكتسبات الثورة وفي التنمية، وبين تجربة الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا وضعفه البين في الصمود والتصدي للحصار الأمريكي القصير رغم ثروات فنزويلا الطبيعية الهائلة، وتردده في فك الارتباط بالإمبريالية وتسليح الطبقات الشعبية. وإذا كان هناك من نقد واختلاف مع تجربة الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا، فهذا في رأيي هو المدخل وليس التموقع في خندق أمريكا والدفاع عن مرشحها كما يفعل الحزب الشيوعي الفنزويلي
للقارئ أن يستغرب الصمت المريب عند لحبيب التيتي حول عدم مناقشة موقف الحزب الشيوعي الكوبي من الوضع الراهن في فنزويلا المؤيد لنظام مادورو رغم العديد من ثغراته!! وفي نفس الوقت اختلافه عن "شيوعية" أصحاب "التضامن الأممي" المزعوم. فهل يعتبر التيتي الحزب الشيوعي الكوبي هو أيضا شعبوي؟ والحزب الشيوعي اليوناني قدوة ودو ثقل كما يصفه، وهو ما سأتابعه في القسم التاني من هذا الرد النقدي.
( يتبع)
الصويرة في 18غشت 2024
نشر لحبيب التيتي تعليقا مقتضبا كرد على مقالي المعنون "رد على موقف أكثر من مستفز".
سأترك للقارئ النبيه مقارنة ما ورد في مقالي والتعليق المقتضب وهو التالي:
"اتهامات سعيد كنيش للحزب الشيوعي الفنيزويلي هي نفس اتهامات نظام مادورو. نشرت بيان الاحزاب الشيوعية التي تدافع وتساند الحزب الشيوعي الفينيزويلي واعتبرت ذلك كافيا لان الموضوع يهم الحركة الشيوعية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اليوناني. اما سعيد كنيش له موقف لا يتجاوز سقف الشعبوية اليسارية لمادورو الذي تخلى عن اهداف الثورة البوليفارية وكان الفقيد شافيز أحد أكبر المدافعين عنها رغم محدوديتها".
لقد أتاح لي هذا التعليق أولا مناقشة "الشعبوية" كمفهوم وموقف ملموس، كون العديد من أحزاب اليسار الليبرالي أي "يسار حلف الناتو" خاصة من بلدان الجنوب يتهمون به قوى قومية وتحررية معادية للهيمنة الامبريالية. تانيا، الجواب عن سؤالي الذي أخترته عنوانا لهذا المقال النقدي، وذلك بهدف التدقيق في طبيعة الأحزاب الشيوعية التي تضامنت مع الحزب الشيوعي الفنزويلي "(انظر بيان التضامن ولائحة الأحزاب الموقعة) في "محنته، أي محنة الجري وراء ديمقراطية الصندوق التي تستدعي ما يسميه لحبيب التيتي "التضامن الأممي" ويدفعه حماسه إلى التباهي بها.
أولا: لن أثقل على القارئ بالتحديدات النظرية لمفهوم الشعبوية لتنوعه وشيوعه، فمعدو قاموس الفكر الماركسي أنفسهم يؤكدون "أن الشعبوية مفهوم متنوع تم استخدامه لوصف الحركات الاجتماعية والسياسية المتنوعة وسياسات الدولة والأيديولوجيات، وبأن محاولات استخلاص مفهوم عام عن الشعبوية هو إلى حد كبير غير كافٍ".
للخروج من هذا المأزق سأقترح على القارئ تحديد لينين، حيث يعتبر أيديولوجية الشعبوية، تاريخياً واجتماعياً، على أنها احتجاج على الرأسمالية من وجهة نظر صغار المنتجين، وخاصة الفلاحين الذين تقوض وضعهم بسبب التطور الرأسمالي، ولكنهم مع ذلك أرادوا استرجاع النظام الاجتماعي الإقطاعي. بينما وصف لينين الأيديولوجية الشعبوية بأنها رومانسية اقتصادية، وهي مدينة فاضلة لبرجوازية صغيرة متخلفة.
ومن جهة أخرى، فقد عارض لينين الإدانة أحادية الجانب للشعبوية، كما يظهر في جداله ضد الماركسي القانوني ستروف حول هذا الموضوع. كما ميز بين الأيديولوجية الأكثر راديكالية والمعادية للعيش والديمقراطية للحركات الشعبوية السابقة، وبين الميول اليمينية للمثقفين الشعبويين اللاحقين مثل ميخائيلوفسكي الذين مثلوا في المقام الأول رد فعل ضد التطور الرأسمالي. ولكن حتى فيما يتعلق بالشعبوية المعاصرة، فقد كتب لينين: “من الغريب كما أنه سيكون من الخطأ تماماً رفض البرنامج الاقتصادي للشعبويين الروس بأكمله دون تمييز في مجمله، فيجب أن نميز بوضوح بين جوانبها الرجعية والتقدمية.
وحيث أن الامر يخص بلدا هو فنزويلا في أمريكا الجنوبية ، فإن الحالات النموذجية للشعبوية المعروفة هي حالة البرازيل تحت حكم فاركاس، والبيرونية في الارجنتين. وهما معا يشكلان تطبيقات الشعبوية على مستوى سلطة الدولة. ومن السمات الأساسية لخطابهما انه يهدف إلى حشد الدعم من الفئات المحرومة والتلاعب بوعيها للسيطرة على المجموعات الهامشية منها. كما أن الأسلوب السياسي في هذين النموذجين قائم على الجاذبية الشخصية للقائد والولاء الشخصي له. وعموما فإن الأيديولوجية الشعبوية هي أخلاقية وعاطفية ومناهضة للتعمق الفكري والنظري ، ويعتبر برنامجهما غير محدد. ويصور المجتمع على أنه منقسم بين الجماهير الضعيفة والأرباب الأقوياء الذين يقفون ضدهم. أما فكرة الصراع الطبقي فليست جزءاً من هذا الخطاب الشعبوي.
الأمر مختلف تماما في حالة الحزب الاشتراكي البوليفاري الموحد في فنزويلا ، بالرغم من أن تجربته قد تبدو شبيهة في بعض عناصرها للشعبوية خاصة فيما يتعلق بكارزمية الزعيم التي تستغلها الامبريالية الامريكية لمصلحتها من أجل تقويض سلطته.
ويعتبر العنصر الحاسم في الاختلاف والتميز هو طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر منها البلد فنزويلا، وهي مرحلة الهيمنة الامبريالية المعولمة و التحرر القومي. وهي حالة نهوض ووعي ونضال دفاعي عن الوجود والحقوق وطموح من أجل التطور، إنه وعي أمة لوجودها وضرورة تطورها.
ويبدو أنه عن عمد تلجأ أحزاب اليسار الليبرالي سواء في المركز الغربي أو في بلدان الجنوب إلى تشويه والخلط بين النضال القومي التحرري والشعبوية اليمينية والعنصرية المنتشرة حاليا في البلدان الغربية. الهدف من هذا الخلط المتعمد هو مصادرة حق الشعوب المضطهدة في التحرر والتنمية والسيطرة على ثرواتها ، ولنا في التجربة الناصرية عندنا في مرحلة صعودها في الخمسينات والستينات أبرز مثال على هذا الخلط الذي سقطت فيه حتى أحزاب شيوعية عربية ظلت تعادي الناصرية وتتهمها بالشعبوية.
تضم مرحلة التحرر الوطني معظم الطبقات الاجتماعية التي تتناقض مصلحتها مع المركز الرأسمالي الإمبريالي، مع تأكيدي أن ممارسة التحرر الوطني هو دو مضمون طبقي أساسا رغم أنه يتخذ شكلا قوميا، أو دينيا ثقافيا. بينما هو أساساً صراع على مصالح اقتصادية طبقية بأدوات عسكرية وثقافية وهدفه السيطرة على التراكم. أي المواجهة بين قوى التحرر ضد الامبريالية ووكلائها المحليين، من أجل وقف نهب فوائض بلدان الجنوب وحتى ثرواتها الطبيعية. لذلك فإن التحرر القومي يتطلب إنشاء تحالف طبقي واسع على المستوى القومي كشرط للانتصار على الامبريالية. وخلال مرحلة النضال التحرري يفتح الشعب الطريق للأكثر صدقا وفاعلية وجذرية من قوى التحرر لتبوأ قيادة الكفاح التحرري.
يعقد المفكر الماركسي الدكتور عادل سمارة مقارنة ثاقبة بين تجربة الحزب الشيوعي الكوبي كبؤرة اشتراكية في عصرنا، صامدة في الوقوف أمام الحصار الامبريالي الطويل بسبب التخطيط العلمي في توزيع الثروة بين مكونات الشعب بالرغم من قلة موارد البلد الطبيعية وفك الارتباط بالأسواق الرأسمالية والاعتماد على الشعب الواعي والمنظم في حماية مكتسبات الثورة وفي التنمية، وبين تجربة الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا وضعفه البين في الصمود والتصدي للحصار الأمريكي القصير رغم ثروات فنزويلا الطبيعية الهائلة، وتردده في فك الارتباط بالإمبريالية وتسليح الطبقات الشعبية. وإذا كان هناك من نقد واختلاف مع تجربة الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا، فهذا في رأيي هو المدخل وليس التموقع في خندق أمريكا والدفاع عن مرشحها كما يفعل الحزب الشيوعي الفنزويلي
للقارئ أن يستغرب الصمت المريب عند لحبيب التيتي حول عدم مناقشة موقف الحزب الشيوعي الكوبي من الوضع الراهن في فنزويلا المؤيد لنظام مادورو رغم العديد من ثغراته!! وفي نفس الوقت اختلافه عن "شيوعية" أصحاب "التضامن الأممي" المزعوم. فهل يعتبر التيتي الحزب الشيوعي الكوبي هو أيضا شعبوي؟ والحزب الشيوعي اليوناني قدوة ودو ثقل كما يصفه، وهو ما سأتابعه في القسم التاني من هذا الرد النقدي.
( يتبع)
الصويرة في 18غشت 2024