أعرفُ شخصًا مغرمًا بفتح المشاريع، ولكن مع شديد الأسف، لا يضع يده في مشروع إلا وأصبح ذلك المشروع فاشلاً، فاشلاً بامتياز، هذه هي الحقيقة، وليس تندُّراً، بينما هناك أناس لا يرفعون حجرًا إلا وجدوا تحته ذهبًا، الناس يقولون عنه: إنّه رجل محظوظ، فماذا نسمي الأول؟!
أنت أجبني عن هذا السؤال الذي يشغل تفكيري: ما هو السر؟، ما هو السر في كلا الرجلين؟، البعض ينتظر طويلًا حتى يحصل على رقم ليحين دوره، والآخر يقطف الأرقام فور وصوله كما يقطف الورد، ما هو تعليقك على هذين الموقفين؟، يفتح أحدهم مشروعًا نظنه فاشلاً، فإذا بحدث يحدث يقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويصبح المشروع الذي نظنه فاشلاً أنجح مشروعٍ، ويأتي آخر يصفه الناس (مقروداً) يفتح عملًا ناجحًا، فيحدث حدثًا وتنعكس المعادلة، فيصبح مشروعه فاشلًا وبضاعته بائرة لا قيمة لها.
البعض يقول: هي أرزاق وحظوظ، ولا أحد يستطيع الرجم بالغيب، والسؤال: هل نستطيع شراء الحظ؟، أو أقلًا نبيع الحظ السيء، البعض يقر على نفسه، أنه مقرود سيء الحظ، لا يخطو خطوة، إلا تعثر، فهل الله كتب على جبينه الفأل السيء، أم هو من قاد نفسه لهذا المطب؟، كلمة (كيف) تخرج من الكثيرين، حيث يقول: كيف بلغ ذاك؟، ولم أبلغ؟، يا لحظه السعيد، ليس القول من باب الحسد، بل من باب الغبطة أحيانًا ومن باب التعجب في كيف يدير الله أرزاقه على خلقه؟
البعض إذا أراد السفر أو قضاء حاجة مستعصية انتخب معه شخص ما يرى فيه فأل السعد، وبالفعل تتفتح عليه المغلقات ويتشبث بهذا الرجل النادر، ويعقد معه الصفقات لدرجة وقوع الحرج في بعض الأحيان، فما هو الحل؟
بعض الناس يعتمد على الأبراج، أو أبراج معاونيه، فلا يخطو خطوة حتى يتأكد أنّ الأمور في أنصبتها والأحجار في مواقعها الصحيحة، فهل هذا صحيح؟، البعض لا يتحرك إلا بعربة الخيرة، وتكثر الطرق لتحري الوقت والطريقة والصفقة المناسبة، فبعضهم يُصيب وبعضهم يخطئ.
بعض الناس دخولهم في المشاريع كالمزلق والدهان، يفتح الأقفال المستعصية ويمهد الطريق للنجاح، فهل لاحظ أحدكم هذه الظاهرة؟، أنا جرّبتها، وقد جربها الكثير من العرب قبلي، بل هي من الأثر النبوي، ففي صحيح الألباني مروية من سنن أبي داود، عن بريدة: أن النبي كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كان كَرِه اسمه رُئِيَت كراهية ذلك في وجهه!
أليست التجارب خير برهان؟، فلماذا لا تجرب بنفسك؟، أحد الأسرار هو أن للاسم مغناطيس، يجلب الحظ، ويطرد الشر، فلماذا نجني على أبنائنا بتسمية أُعجِبَتْنا قرعتها، دون أن نتأمل في معانيها؟، فهل ندرك الفرق بين اسم (دُجى) و(ضحى)؟ وهل ندرك أيهما الصالح (هابيل) أم (قابيل)؟ ما كان علي ليسبق النبي في تسمية أبنائه، ولم يكن النبي ليسبق الله في التسمية، هل نفقه لماذا كل هذا الحرص؟، هل هو اسم وكفى كما يقول عامة الناس؟، أم أنّ للأسماء أسرار، فتخير بعناية.
أخطأ مسلم في آية وصحح له أعرابي، فكلُّ لفظة في القرآن لها وزن ومعنى، لهذا يرفض البعض قراءة مناجات غير المعتبرة، أو المؤلفة من تأليف العوام، فقد يخطئ البعض من حيث يظن أنّه الصواب. فينقل السحر على الساحر.
نعود للحظوظ، هل نعلم لماذا التوفيق حليف البعض وخصيم الآخرين؟، هناك سر ما في هذا الشخص المحظوظ، اقترب منه وتودد إليه واسأله، فقد يطلعك على السر، إن لم يكن يجهل سره وسر توفيقه.
ربما كان السر، دعوة أب أو دعاء أم، لربما كان السر في توقيت انعقاد النطفة، لربما كان الأمر في صدقة يدفعها، أو ابتسامة يبثها، ربما كان في دعاء يقرأه أو سلوك حسن يتبعه، ربما كان الأمر في نية طيبة، باختصار هناك سر ما خلف الأكمة. قد لا نستطيع اكتشاف البواطن، إلا أنّ هناك سر ما يجهله الجميع، فقد يبلغ الكسول المرامي ويخفق المُجِدّ، ليس تثبيطًا للمساعي، إنما هو الحظ، الحظ الذي لا يقع دائمًا..
يُحكى أنّ هناك ملكًا حكيمًا حَدّث أحد حراسه: هل تؤمن بالحظ؟ أجابه: بالتأكيد، فقال له الملك: هل تستطيع أن تُثبِتَ لي ذلك؟ قال له: بالتأكيد، وهكذا أسر له سرًا، ثم وضع حقيبة في غرفة حارسين بالجوار، كان الوقت مساءً والظلمة دامسة والحقيبة معلَّقة، فلم يَفطن للحقيبة أحد، وقبل أن ينام أحد الحارسين انتفض وفتح الحقيبة، فهم من خلال حاسة اللمس أنها تحتوي على البازلاء، فعمد لتناول البازلاء، وأكله بمفرده، وبينما هو يتحسس البازلاء، عثر على بعض الأحجار، فابتسم وراقت له الفكرة، وهي أن يلقي بالأحجار على صاحبه النائم الذي فاته تناول البازلاء، فلما أصبح الصباح وجد صاحبه ثريًا، إذ لم تكن تلك الأحجار إلا مجوهرات ثمينة، نظر الحارس صاحب الفكرة، إلى الملك الحكيم، وقال له: هل رأيت كيف يصنع الحظ بصاحبه؟!، أجاب الملك: صدقت، ولكن عليك أن تعرف أن الحظ كالأحجار الكريمة التي لا يعثر عليها إلا نادرًا.