كتاب مدهش، وغريب، وعجيب في فكرته، وطريقة تقديمه، وصياغته.
أخبار الشعراء قديما وحديثا أبدا طريفة، ولطيفة، لأنها وليدة شخصيات من طينة مختلفة عن باقي الناس. لذلك ظلت أخبارهم تثير الانتباه، وتسترعي الفضول. ما أكثر الطرق التي تم التعامل بها مع أشعار الشعراء وأخبارهم. فإلى جانب الدراسات النقدية والبلاغية، هناك الدراسات التي تهتم بسيرهم، وتنبش في جوانب خاصة من حياتهم، إما من خلال إبداعاتهم الشعرية، أو عبر ما يرصدونهم من معلومات ومراسلات، تتصل بخفايا لا يعرفها كثير من الناس عن سلوكاتهم وتصرفاتهم. للأسف الشديد لم يعد الاهتمام بمثل هذا النوع من الأبحاث يتصل بالشعراء ولا بالأدباء. لقد امتلأ الفضاء الأزرق بأخبار أنواع أخرى من الشخصيات لا علاقة لها إلا بالإبداع العابر، والمنتهي في لحظته. هذا ما صار يشغل الناس، ويملأ الدنيا.
لكن أسعد الجبوري أبى إلا أن يعيد إلى أذهاننا التي لوثتها ما يسمونه الحداثة، وما بعدها، وما بعد ما بعدها إلى ما نهاية، فكرة تجديد الصلة مع الشعراء المبدعين الذين قاوموا الزمن، وستظل أشعارهم دررا، وجواهر لا تقدر بثمن. اختار أسعد صيغة لا تخلو من متعة وإبداع، ومعرفة. حاور شعراء لم يلتق بهم، كما يفعل الصحفي الذي يطلب منك الأسئلة، والأجوبة معا، ويرى ذلك مفخرة له؟ ولا كما يفعل الصحفي المحترف الذي يجمع المعلومات عنك قبل لقائك، ويحرجك بأسئلة يرى أنها تغري بالجواب إرضاء لنزوة القراء، وفضولهم الغريب.
اختار الجبوري طريقة إبداعية، فيها جدة، وطرافة، ومعرفة. انتخب مجموعة من الشعراء من الماضي والحاضر، ومن الشرق والغرب، من العرب وغيرهم من الأمم التي قدمت للبشرية شعراء كبارا. هل أذكر المعري، وأبا نواس؟ أم شكسبير وبول إيلوار؟ أم مايا أنجيلو، أم ألفونسيا ستوني؟ وأبى إلا أن يحاورهم، وهم في عالم غير عالمنا.
إنه يتبنى ما أسميه "الحوار الخيالي" على وزن "رواية الخيال العلمي". هل يا ترى يسير على منوال المعري الذي صدر به كتابه هذا، وهو يحاور الشعراء في رسالة الغفران؟ ومن سار على هذا النهج قديما عند العرب وغيرهم؟
الحوار الخيالي حوار إبداعي، فيه معرفة بالشعراء، وإلمام بجوانب متعددة من حياتهم. حوار استكشافي يجتمع بها الخيال والواقع، والفهم والتأويل، ومن خلال الأسئلة، والأجوبة تتكون لدينا صور عن المحاورين ليس كما هي في تصوراتهم "الحقيقية"، ولكن كما منكشفة للمحاوِر، وهو ينقب ويستجلي ما لم يقل، ولم يعبر عنه، أو يفكر فيه.
تبدأ المحاورة على غرار ما نرى في "الجمهورية"، ولكن الأمر مختلف، فنحن في جمهورية أخرى: "جمهورية مفترضة" يترك فيه أسعد الفضاء فسيحا، وحرا، للكلام المباح وغير المباح، فإذا هو إبداع يتجلى فيه السرد، وذكاء السؤال والجواب. ما أصعب أن تكون السائل والمجيبǃ وأصعب منه أن تكون السائل لـ/ والمجيب عن شخص آخر. والأصعب منهما، أن يكون ذلك الشخص شاعرا.
كتاب ممتع حقا، فيه بحث واستكشاف، ورؤية، وتأويل، وخيال. ووفقا لاختلاف عوالم الشعراء، وهوياتهم، وثقافاتهم، ولغاتهم، وتجاربهم الإبداعية كان الجبوري يأخذنا في متاهات متنوعة، ومتعددة، وغنية.
مع كل شاعر سنكتشف مساحات جديدة، تضيق عنها الفضاءات التي تشكلت لدينا عن كل واحد منهم. وفي كل ذلك سنكتشف أيضا مبدعا حقيقيا اسمه أسعد الجبوري.
تجربة رائعة، ممتعة ومفيدة.
___________________
سعيد يقطين
ناقد وباحث مغربي
دكتوراه دولة في الآداب من جامعة محمد الخامس/ الرباط ـ المغرب .
أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط .
أخبار الشعراء قديما وحديثا أبدا طريفة، ولطيفة، لأنها وليدة شخصيات من طينة مختلفة عن باقي الناس. لذلك ظلت أخبارهم تثير الانتباه، وتسترعي الفضول. ما أكثر الطرق التي تم التعامل بها مع أشعار الشعراء وأخبارهم. فإلى جانب الدراسات النقدية والبلاغية، هناك الدراسات التي تهتم بسيرهم، وتنبش في جوانب خاصة من حياتهم، إما من خلال إبداعاتهم الشعرية، أو عبر ما يرصدونهم من معلومات ومراسلات، تتصل بخفايا لا يعرفها كثير من الناس عن سلوكاتهم وتصرفاتهم. للأسف الشديد لم يعد الاهتمام بمثل هذا النوع من الأبحاث يتصل بالشعراء ولا بالأدباء. لقد امتلأ الفضاء الأزرق بأخبار أنواع أخرى من الشخصيات لا علاقة لها إلا بالإبداع العابر، والمنتهي في لحظته. هذا ما صار يشغل الناس، ويملأ الدنيا.
لكن أسعد الجبوري أبى إلا أن يعيد إلى أذهاننا التي لوثتها ما يسمونه الحداثة، وما بعدها، وما بعد ما بعدها إلى ما نهاية، فكرة تجديد الصلة مع الشعراء المبدعين الذين قاوموا الزمن، وستظل أشعارهم دررا، وجواهر لا تقدر بثمن. اختار أسعد صيغة لا تخلو من متعة وإبداع، ومعرفة. حاور شعراء لم يلتق بهم، كما يفعل الصحفي الذي يطلب منك الأسئلة، والأجوبة معا، ويرى ذلك مفخرة له؟ ولا كما يفعل الصحفي المحترف الذي يجمع المعلومات عنك قبل لقائك، ويحرجك بأسئلة يرى أنها تغري بالجواب إرضاء لنزوة القراء، وفضولهم الغريب.
اختار الجبوري طريقة إبداعية، فيها جدة، وطرافة، ومعرفة. انتخب مجموعة من الشعراء من الماضي والحاضر، ومن الشرق والغرب، من العرب وغيرهم من الأمم التي قدمت للبشرية شعراء كبارا. هل أذكر المعري، وأبا نواس؟ أم شكسبير وبول إيلوار؟ أم مايا أنجيلو، أم ألفونسيا ستوني؟ وأبى إلا أن يحاورهم، وهم في عالم غير عالمنا.
إنه يتبنى ما أسميه "الحوار الخيالي" على وزن "رواية الخيال العلمي". هل يا ترى يسير على منوال المعري الذي صدر به كتابه هذا، وهو يحاور الشعراء في رسالة الغفران؟ ومن سار على هذا النهج قديما عند العرب وغيرهم؟
الحوار الخيالي حوار إبداعي، فيه معرفة بالشعراء، وإلمام بجوانب متعددة من حياتهم. حوار استكشافي يجتمع بها الخيال والواقع، والفهم والتأويل، ومن خلال الأسئلة، والأجوبة تتكون لدينا صور عن المحاورين ليس كما هي في تصوراتهم "الحقيقية"، ولكن كما منكشفة للمحاوِر، وهو ينقب ويستجلي ما لم يقل، ولم يعبر عنه، أو يفكر فيه.
تبدأ المحاورة على غرار ما نرى في "الجمهورية"، ولكن الأمر مختلف، فنحن في جمهورية أخرى: "جمهورية مفترضة" يترك فيه أسعد الفضاء فسيحا، وحرا، للكلام المباح وغير المباح، فإذا هو إبداع يتجلى فيه السرد، وذكاء السؤال والجواب. ما أصعب أن تكون السائل والمجيبǃ وأصعب منه أن تكون السائل لـ/ والمجيب عن شخص آخر. والأصعب منهما، أن يكون ذلك الشخص شاعرا.
كتاب ممتع حقا، فيه بحث واستكشاف، ورؤية، وتأويل، وخيال. ووفقا لاختلاف عوالم الشعراء، وهوياتهم، وثقافاتهم، ولغاتهم، وتجاربهم الإبداعية كان الجبوري يأخذنا في متاهات متنوعة، ومتعددة، وغنية.
مع كل شاعر سنكتشف مساحات جديدة، تضيق عنها الفضاءات التي تشكلت لدينا عن كل واحد منهم. وفي كل ذلك سنكتشف أيضا مبدعا حقيقيا اسمه أسعد الجبوري.
تجربة رائعة، ممتعة ومفيدة.
___________________
سعيد يقطين
ناقد وباحث مغربي
دكتوراه دولة في الآداب من جامعة محمد الخامس/ الرباط ـ المغرب .
أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط .