في ظل نشوة الانتصار الذي حققته الفلسفة الوضعية المنطقية على غيرها من المذاهب الفلسفية الأخرى في النصف الأول من القرن العشرين، وبعد نجاحها في ترسيخ مبدأ التحقق verification principal من خلال الملاحظة observation والتجربة experiment، واستبعاد فكرة الخالق بالكلية أو على الأقل اعتبارها قضية بلا معنى meaningless لأنها لا يمكن التحقق من صحتها وفقا للمنهج العلمي، في ظل هذا النجاح باستثناء بعض المناوشات والتحفظات التي أبداها كارل بوبر Karl Popper في كتابه "منطق الاكتشافات العلمية" Logik der forschung (1934) والذي ترجم إلى الإنجليزية بعنوان The logic of scientific discovery ، وكذلك كتابات الفليلسوف الأمريكي W.V.Quine الذي يعد واحدا من أهم فلاسفة القرن العشرين ، وواحدا من أهم نقاد الفلسفة الوضعية المنطقية وبخاصة مقاله الشهير Two dogmas of empiricism (1951( والذي وجه فيه هجوما لاذعا لبعض مرتكزاتها التجريبية . ثم تطور الجدل بظهور كتاب أنماط الاكتشاف patterns of discovery 1958 والذي شكك فيه في قدرة الحواس على نقل الحقيقة كما هي .. و استدل على ذلك بفكرة الخداع البصري وخداع الحواس . لكن الكتاب الذي شكل صدمة للمجتمع العلمي منذ صدوره و حتى الآن هو كتاب الفيلسوف الأمريكي توماس كون Thomas Kuhn.. و المعنون بـ بنية الثورات العلمية The structure of scientific revolution 1962
حيث ركز "كون"على تاريخ العلوم ، و استطاع أن يغير النظرة السائدة والتقليدية عما يعرف بالعلم المعتاد Normal Science و الذي كان ينظر إليه باعتباره يتطور بطريقة خطية تصاعدية و تراكمية للأفكار و النظريات و الحقائق العلمية ، فقد طرح "كون" فكرة أخرى مغايرة وهي أنه تم قطع ذلك التسلسل في العلم المعتاد ( بثورات ) علمية ، ومع اكتشاف بعض الظواهر الشاذة (anomalies) في تلك الثورات العلمية برزت الحاجة إلى استحداث نماذج علمية وفكرية جديدة ( new paradigms) وتغيير قواعد اللعبة (rules of the game ) ، ولكي يدعم"كون " فكرته فإنه استدعى ما يسمى بالثورة الكوبرنيكية التي تمردت على نموذج بطليموس القديم و الذي يعتبر أن الأرض مركز الكون ، وأن الشمس و الكواكب تدور حولها ، حيث قدم كوبرنيكوس نموذجا آخر مخالفا للمشاهدة الحسية وهو أن الأرض هي التي تدور حول الشمس.وأشار كون إلى أن هذا النموذج الكوبرنيكي الجديد في بدايته لم يقدم تنبؤات أكثر دقة من نموذج بطليموس ، وإنما مجرد وعود مستقبلية . ولذلك أصر "كون" على استخدام الكلمة الأكثر شيوعا في النصف الثاني من القرن العشرين في فلسفة العلوم ، و هي كلمة paradigm ويعني بها نموذج فكري وثقافي واجتماعي غير قائم على أسس و تجارب علمية . وبذلك فإن الفكرة الجوهرية للكتاب هي عدم نقاء المنهج العلمي كما يعتقد ، وأن تدريس النظريات العلمية بشكلها النهائي دون التعرض للسياق الثقافي و الاجتماعي لها يحمل بعض المغالطات . ولم يتوقف المؤلف عند نموذج كوبرنيكس فقط ، بل أعطى أمثلة أخرى من حقول معرفية وعلمية أخرى مثل علم الكيمياء وغيرها . وقد أحدث هذا الكتاب هزة عنيفة في المجتمع العلمي وبخاصة فلاسفة الوضعية المنطقية الذين اعتبروه نوعا من الهجوم و المعاداة للمنهج العلمي . لكن المؤيدين لفكرته رأوا أنه أشعل بداية التمرد ضد الوضعية . وقد بلغ تأثير الكتاب أنه ترجم إلى حوالي 16 لغة ، كما طبع عدة طبعات ، وأنه من أكثر الكتب التي يقتبس منها في الفترة من (1976-1983) في الفنون و العلوم الإنسانية ، كما كان له أثر كبير في استحداث تخصصات علمية جديدة في سوسيولوجي العلم والاقتصاد و العلوم السياسية . وقد استخدم الكتاب في معارك الإلحاد و الإيمان ..حيث يقف منه الملحدون موقفا معاديا باعتباره مشككا في المنهج العلمي الذي يتكئون عليه ، ولأنه يشير بطريقة غير مباشرة إلى أيديولوجيا الإلحاد ،و أنها ليست قائمة على منهج علمي صحيح ،بل هي استعداد فطري و نفسي و ثقافي وموقف شخصي من الدين ، أما المؤمنون فيعتبرون هذا الكتاب سلاحا مهما لمواجهة فكرة الإلحاد باسم العلم ، وقد كان من نتيجته بروز مجموعة من كبار العلماء في العلوم الطبيعية استطاعوا أن يوجهوا ضربات علمية لبعض النظريات العلمية الإلحادية كنظرية داروين و غيرها ، و قاموا بتأليف مجموعة من الكتب التي تحاول أن تعيد للدين مكانته التي شوهتها الفلسفة الوضعية .
حيث ركز "كون"على تاريخ العلوم ، و استطاع أن يغير النظرة السائدة والتقليدية عما يعرف بالعلم المعتاد Normal Science و الذي كان ينظر إليه باعتباره يتطور بطريقة خطية تصاعدية و تراكمية للأفكار و النظريات و الحقائق العلمية ، فقد طرح "كون" فكرة أخرى مغايرة وهي أنه تم قطع ذلك التسلسل في العلم المعتاد ( بثورات ) علمية ، ومع اكتشاف بعض الظواهر الشاذة (anomalies) في تلك الثورات العلمية برزت الحاجة إلى استحداث نماذج علمية وفكرية جديدة ( new paradigms) وتغيير قواعد اللعبة (rules of the game ) ، ولكي يدعم"كون " فكرته فإنه استدعى ما يسمى بالثورة الكوبرنيكية التي تمردت على نموذج بطليموس القديم و الذي يعتبر أن الأرض مركز الكون ، وأن الشمس و الكواكب تدور حولها ، حيث قدم كوبرنيكوس نموذجا آخر مخالفا للمشاهدة الحسية وهو أن الأرض هي التي تدور حول الشمس.وأشار كون إلى أن هذا النموذج الكوبرنيكي الجديد في بدايته لم يقدم تنبؤات أكثر دقة من نموذج بطليموس ، وإنما مجرد وعود مستقبلية . ولذلك أصر "كون" على استخدام الكلمة الأكثر شيوعا في النصف الثاني من القرن العشرين في فلسفة العلوم ، و هي كلمة paradigm ويعني بها نموذج فكري وثقافي واجتماعي غير قائم على أسس و تجارب علمية . وبذلك فإن الفكرة الجوهرية للكتاب هي عدم نقاء المنهج العلمي كما يعتقد ، وأن تدريس النظريات العلمية بشكلها النهائي دون التعرض للسياق الثقافي و الاجتماعي لها يحمل بعض المغالطات . ولم يتوقف المؤلف عند نموذج كوبرنيكس فقط ، بل أعطى أمثلة أخرى من حقول معرفية وعلمية أخرى مثل علم الكيمياء وغيرها . وقد أحدث هذا الكتاب هزة عنيفة في المجتمع العلمي وبخاصة فلاسفة الوضعية المنطقية الذين اعتبروه نوعا من الهجوم و المعاداة للمنهج العلمي . لكن المؤيدين لفكرته رأوا أنه أشعل بداية التمرد ضد الوضعية . وقد بلغ تأثير الكتاب أنه ترجم إلى حوالي 16 لغة ، كما طبع عدة طبعات ، وأنه من أكثر الكتب التي يقتبس منها في الفترة من (1976-1983) في الفنون و العلوم الإنسانية ، كما كان له أثر كبير في استحداث تخصصات علمية جديدة في سوسيولوجي العلم والاقتصاد و العلوم السياسية . وقد استخدم الكتاب في معارك الإلحاد و الإيمان ..حيث يقف منه الملحدون موقفا معاديا باعتباره مشككا في المنهج العلمي الذي يتكئون عليه ، ولأنه يشير بطريقة غير مباشرة إلى أيديولوجيا الإلحاد ،و أنها ليست قائمة على منهج علمي صحيح ،بل هي استعداد فطري و نفسي و ثقافي وموقف شخصي من الدين ، أما المؤمنون فيعتبرون هذا الكتاب سلاحا مهما لمواجهة فكرة الإلحاد باسم العلم ، وقد كان من نتيجته بروز مجموعة من كبار العلماء في العلوم الطبيعية استطاعوا أن يوجهوا ضربات علمية لبعض النظريات العلمية الإلحادية كنظرية داروين و غيرها ، و قاموا بتأليف مجموعة من الكتب التي تحاول أن تعيد للدين مكانته التي شوهتها الفلسفة الوضعية .