ناصر ابوعون - «دقيقتان ونصف» في «مدار» أليسار عمران

تتوسل رواية «دقيقتان ونصف» للسورية أليسار عمران بتقنيات البلاغة الحديثة، ولا تخلو الطبقات الرسوبية المتراكمة داخل البناء السرديّ من المفردات المشحونة بطاقة شعرية متدفقة؛ توهّجت تحت موقد الانزياح اللغوي، حتى ابيضّت، فاستضاء زمن الفعل الروائي، وتوارت الأمكنة، ومن ثَمَّ أشعلت نيران الصراع الدرامي الذي بدأت شمسه بالبزوغ منذ السطر الأول، وتتسرب أشعتها تحت شراشف الخدر الذي استبدّ بالجسد العربي لتكشط عنه زَبد الظلمة كرغوة من صفحة هذا العالم الذي أدار لنا ظهره مفتونا بـ«حنظلة» في كايكاتور «ناجي العلي»، ولافتات أحمد مطر.



لقد برعت الكاتبة «أليسار عمران» في المزج بين الرواة، وتضفير الحكايات في لعبة سردية دائرية تشبه (الكراسي الموسيقية) فضلا عن نجاحها في ارتداء أثواب شخصياتها؛ بل حلّت بروحها الساردة في أجساد أبطال الرواية، في نسقية تبادل الأدوار.
بل نجحت الكاتبة في تمزيق الأقنعة المزيفة، التي صبّها الزمن في بوتقة القهر على وجوه السائرين في شوارع وحارات الرواية، وهدم الأسوار العالية بين الواقع والخيال، ورفعت الحواجز التي ينصبها القاريء الواعي على تقاطعات ميدان (الرواية/الحياة)، وهتكت الأستار الزائفة التى تتخفى خلفها الشخوص.
لكن براعة الكاتبة التي جاءت متمظهرة بقوة من عتبة الغلاف حتى نقطة النهاية قد تبدّت في قدرتها على وضع فكرة الرواية كنواة مركزية، تدور حولها الأحداث والشخوص، ويستنطقها الحوار على الألسنة في صور استعارية مكثفة، وحقول دلالية متولدة كأقمار تدور في فلك (ثورات الربيع العربي) وغير قادرة على كبح جماح «التقاط العدوى المجتمعية التي تجرف كلّ من حولها دون هوادةٍ إذا صدقوا كلّ مايرونه ويقرأون عنه ويسمعونه ويرتدون هُويّة مزيفة»
أمَّا النجاح الآخر والذي يُحسب للكاتبة في «روايتها» «دقيقتان ونصف» حياديتها في مناقشة تداعيات الربيع العربي وانعكاستها على الحياة الاجتماعية حيث إنها تقصّدت تثبيت شخصية السارد ليكون محورا للحدث الرئيس وتجاوره مع الأحداث الفرعية المؤدية إليه داخل جسد الرواية، وتجميعها في شكل مجسمات ولوحات يخيط بعضها بعضا في نسق موحد مثل (لعبة الليجو)، والتي تتجاور كقطع الفسيفساء، لتعطي لوحة شاسعة تتضاءل فيها التفاصيل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...