الخطاب الخارجي
هو الخطاب الذي يكون موجهاً في الأصل إلى جهة خارجية تقع خارج نطاق السيطرة المباشرة للسلطة المنتجة للخطاب، وتختلف الجهات الخارجية المستهدفة بذلك الخطاب وفقاً لنوع العلاقة بينها وبين منتج الخطاب، وبناء على ذلك يختلف نوع الخطاب الخارجي الموجه نحو العدو عن الخطاب الخارجي الموجَّه للجهة الخارجية الصديقة، والذي يختلف بدوره عن الخطاب الموجَّه نحو الجهة الخارجية المحايدة، التي تتموقع في موضع وسط بين طرفي الصراع، فيعمل كل طرف منهما على التودد إليها واستمالتها عبر الخطابات المتزنة أحياناً والمتملقة أحياناً أخرى، ويختلف الخطاب الخارجي عن الخطاب الداخلي في كون الأخير يروى من منظور واحد هو (أنا) مقابل (هو) أو (نحن) مقابل (هم)، حيث يمثل (أنا)أو (نحن) منتج الخطاب زائداً الجمهور الداخلي المستهدف بالخطاب، بينما يمثل (هو) أو (هم) العدو على الجانب الآخر، أما الخطاب الخارجي فلا يصلح فيه ذلك المنظور الآحادي، ويحتاج إلى وجهات نظر أخرى، وذلك بغرض تقريب وجهات النظر بين منتج الخطاب والجهة الخارجية المستهدفَة بالخطاب؛ لأنَّ الجهات الخارجية لها طرقها الخاصة وإمكانياتها المتاحة في الوصول إلى الحقائق والمعلومات دون الاعتماد على خطاب جهة ما تتولى جمع المعلومات وتوضيح تلك الحقائق لها، إذاً في الغالب يكون مضمون الخطاب الخارجي معروفاً سلفاً عند الجهة المستهدفَة به، فيقوم منتج الخطاب الخارجي بإعادة صياغة تلك الحقائق والمعلومات وفقاً لوجهة نظر محددة يمكن أن يُطلَق عليها بؤرة الخطاب، أو يُطلَق عليه أيضاَ التبئير، والتبئير من مصطلحات الخطاب الروائي، ويقصد به: "المنظور perspective التي تقدم من خلاله المواقف والأحداث.".(20) ويمكن الاستفادة من هذا المصطلح الروائي في تحليل الخطاب السياسي، حيث إنَّ الخطاب السياسي يقدم الحقائق والأحداث وفقاً لمنظور فكري أو أخلاقي معيَّن، هذا مع مراعاة الموقف الافتراضي للمُخاطَب من أحداث ووقائع مماثلة وقعت سابقاً، فيحاول الخطاب رواية الأحداث والوقائع الحالية للُمخاطَب بطريقة تشابه وجهة نظره وقناعاته عن الأحداث السابقة، وبالرجوع إلى الخطاب الخارجي للطرفين سيلاحظ المتلقي أنَّ الخطاب الخارجي لسلطة الاحتلال الموجه نحو (الفلسطينيين) يصدر عن بؤرة توراتية محرفة، حيث ينظر اليهود إلى غيرهم من الأجناس نظرة دونية، وذلك حتى يشرعنوا أعمالهم الإجرامية تجاه الفسطينيين، ويمكن ملاحظة ذلك في الخطاب الإسرائيلي الموجه نحو الفلسطينيين، حيث يبدو أثر تلك النظرة التوراتية واضحاً، فمن ذلك ما جاء في تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي أثناء اجتماعه بالقيادة الجنوبية للجيش: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك".(21) أما الخطاب الخارجي لسلطة الاحتلال الإسرائيلي المراد به الدول الغربية فهو يصدر من ثلاث بؤر خطابية هي:
البؤرة الأولى- خطر التنظيمات المتطرفة (داعش) و(القاعدة): ترتكز هذه البؤرة الخطابية على استخدام حقائق قديمة تتعلق بتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، وما لها من وقع محزن في نفوس الغربيين، ثم مزجها بأكاذيب جديدة، وتسويق تلك الأكاذيب كأنها تكرار مشابه لتلك الحقائق السابقة، ومن ذلك تصوير سلطة الاحتلال لحركة حماس وما قامت به في عملية الطوفان على أنها داعش وامتداد لأفعالها الإرهابية في البلدان العربية،(22) حيث صرح رئيس سلطة الاحتلال في خطابه عقب العملية: "حماس هي داعش، وعلى العالم الذي صدم بداعش والقاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول 2001 بالولايات المتحدة)، أن يدينها ويفرض عقوبات عليه.(23).وقد وردت كلمة داعش في خطاب نتياهو -المذكور سابقاً- (17) مرة، حسب ما جاء في دراسة- من إعداد مركز دراسات غرب آسيا- لخطاب رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على مدى عشرة أيام (من 7/10 إلى 16/10/2023)، وذلك التكرار يؤكد حرصه على الاستفادة من مدلولها وتأثيرها على العالم الغربي، وذلك حتى يؤثر على الموقف الدولي للغرب تجاه الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل، واستمالتهم إلى صفه في الحرب،(24) كما غرد الناطق الرسمي لجيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على حسابه الرسمي بمنصة "إكس": "من قلب المجزرة التي ارتكبها دواعش حماس في غلاف غزة، أوجه رسالة لكل مسلم غيور ومحب للإنسانية، قولوا: هؤلاءالدواعش لا يمثلون الإسلام".(25) وذلك في وصف له لما حدث في عملية الطوفان في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة. ويتضح مما سبق أنَّ الخطاب الإسرائيلي يستخدم الحقائق السابقة عن داعش وما ارتكبته من جرائم وانتهاكات جسيمة، وما كان لها من أثر بالغ على الغرب، ثم يمزجها مع ما ينتجه من أكاذيب حول المقاومة الفلسطينية، ويروج إلى أنها ترتكب الجرائم ذاتها بحق نساء وأطفال اليهود.
البؤرة الثانية- عقدة (الهولوكوست): ترتكز هذه البؤرة الخطابية على الأثر النفسي وعقدة الذنب التي تشعر بها شعوب الغرب عموماً والشعب الألماني بصفة خاصة تجاه اليهود، وذلك نتيجة لتعرضهم للمحرقة على يد النازيين الألمان في أوربا، وقد استفادت إسرائيل من تلك العقدة وعملت على توظيفها في استمالة الغرب والضغط عليه فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وتم تمرير رواية بعض أحداث عملية الطوفان من خلال هذه البورة الخطابية، ومنها ما جاء في خطاب رئيس وزراء سلطة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب عملية الطوفان : "يوم السابع من أكتوبر سيبقى يوما أسود في تاريخ الشعوب، والأفظع للشعب اليهودي منذ المحرقة النازية.".(26) ولم يكتف الكيان الإسرائيلي بتوظيف تلك العقدة في خطاب نتنياهو بل تعداها إلى تقديم الخطاب الإسرائيلي للجمهور الألماني في قنواته الإعلامية مزيجاً خاصاً من الأكاذيب التي تربط بين عملية الطوفان والمحرقة الألمانية من جانب، وبين المقاومة الفلسطينية والنازية الألمانية من جانب آخر، والاستفادة مما تحمله الكلمتان (المحرقة، والنازية) من مدلول إجرامي يجعل الألمان يشعرون بعقدة الذنب،وهذا ما جعل الألمان يسارعون في تأييد إسرائيل.(27)
البؤرة الثالثة- خطر محور الشر: (محور الشر) مصطلح اخترعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وأطلقه على الدول التالية: (كوريا الشمالية، والعراق، وإيران)، وذلك في إطار إعلانه الحرب على الدول الراعية للإرهاب،(28) وقد وظَّف الخطاب الإسرائيلي تلك الفكرة في استمالة الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة، ومن ذلك ما جاء في خطاب نتنياهو عقب عملية الطوفان بوصفه حماس بأنها "جزء من محور الشر الإيراني".(29) وكذلك استخدم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت العبارة نفسها لوصف حماس، حيث وصفها بأنها جزء من محور الشر مع إيران،(30) كما قال بنيامين نتنياهو في تصريح آخر: "أوضحت لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هذه الحرب ليست حربنا فقط، بل حربكم أيضا، وهي حرب ضد محور الشر.".(31) يتضح من التصريحات السابقة أنَّ سلطة الاحتلال الإسرائيلي قد وظَّفت فكرة خطر (محور الشر) في خدمة خطابها الخارجي المتعلق بعملية الطوفان، واتخذت من الفكرة بؤرة خطابية تنقل من خلالها أحداث ووقائع تلك العملية الأخيرة كمشهد من مشاهد الصراع مع محور الشر، وكذلك في إعادة الصياغة الكاملة لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، وتصويره على أنه صراع بين الخير والشر، وأنَّ الطرف الآخر (الفلسطينيين) يمثل الشر، الذي يتطلب توحيد الجهود الدولية في القضاء عليه.
بؤر الخطاب الخارجي الفلسطيني
ارتكز الخطاب الخارجي للمقاومة على ثلاث بؤر خطابية هي:
البؤرة الأولى- بؤرة الأخوة في الإسلام والعروبة: هي بؤرة موجهة للخطاب الخارجي للمقاومة الفلسطينية الموجَّه إلى دول العالم العربي والإسلامي، وتكشف عن معاني الأخوة في الإسلام والعروبة، ووحدة المصير المشترك، ومن ذلك استخدام القائد محمد ضيف في خطابه ألفاظاً تدل على ذلك نحو قوله: "ياجماهير أمتنا العربية والإسلامية، من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا...". وكذلك نحو قوله: "يأهلنا في الأردن ولبنان، في مصر والجزائر، والمغرب العربي...". وقوله أيضاً: "يا إخوتنا في المقاومة الإسلامية، في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية...". ولم يكتف الخطاب الخارجي للمقاومة بمخاطبة الشعوب العربية والإسلامية فحسب، بل خاطب قادة تلك الدول ورؤساءها، ومن ذلك ماجاء في خطاب لخالد مشعل يظهر فيه اهتمامهم بدور الزعماء المسلمين والعرب حيث يقول: "وتابعناأعمال القمة العربية والإسلامية الطارئة، وأدعو إلى تنفيذ ما صدر عنها من قرارات وخاصة المتعلقة بوقف العدوان وكسر الحصار فوراً.".(32)كما حرص رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطابه أن يجعل من المقاومة الفلسطية قوة وذخراً للقادة والشعوب العربية والإسلامية، وذلك في قوله: "أقول لقادة أمتنا وشعوبها، إنّ قوة المقاومة الفلسطينية هي قوّة لكم وذخر، وإن قدرتها على لجمنصر قوة للأمة بأكملها.".(33)
2. بؤرة الشرعية الدولية: صدر الخطاب الخارجي للمقاومة الفلسطينية عن بؤرة التشريعات والمواثيق والقوانين الدولية التي تعترف بأعمال مقاومة الاحتلال وتشرعن له، وذلك فيما يتعلق بخطابه لأنظمة وشعوب العالم من غير العرب وغير المسلمين، ومن ذلك ما جاء في خطاب القائد محمد ضيف: "لقد
احتل الكيان الصهيوني أرضنا، ودمر مدننا وقرانا وبلداتنا، وارتكب بحق شعبنا مئات المجازر. قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم البيوت على الأبرياء الآمنين، وضرب بعرض الحائط كل الأعراف الدولية، وقوانين حقوق الإنسان، وتنكَّر للقوانين الدولية.".(34) ترتكز هذه الجزيئة من الخطاب في إضفاء الشرعية على عملية الطوفان-بكونها فعلاً للمقاومة ولسيت اعتداء_ من وجهة نظر الشرعية الدولية، اعتماداً على تشريعات دولية كفلت حق الشعوب في الحرية والحق في تقرير المصير، ومن ضمن تلك القرارات ما كان خاصاً بالقضية الفلسطينية، وذلك كما في القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2649) بتاريخ 30/ 11 /1970م، الذي تضمن إدانة إنكار حق تقرير المصير بالنسبة لشعوب فلسطين وجنوب إفريقيا، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2672) بتاريخ 8/ 12 /1970م، الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بالإضافة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2649) بتاريخ2 / 11 /1974م، الذي أكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واعترف بحقه في استرداد حقوقه بكافة الوسائل وفقاً لميثاق الأمم المتحده ومبادئه، كما ناشد القرار الدول والمنظمات الدولية دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه.(35) وفي ضوء مضمون تلك القرارات يمكن أن يفهم ما جاء في خطاب إسماعيل هنية حين قال: "كان ينبغي أن يتضمن قرار مجلس الأمن أمس إدانة صريحة ومباشرة لجرائم الحرب والتطهير العرقي التي يرتبكها العدو في غزة والضفة".(36)
البؤرة الثالثة-بؤرة نظام الفصل العنصري: نظام الفصل العنصري وفقاً لتعريف الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها مصطلح يقصد به"الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما على أية فئة عنصرية أخرى واضطهادها إياها بصورة منهجية.".( 37)ويشمل أشكالاً عدة من الأفعال نحو الحرمان من حق الحياة أو الحرية الشخصية بالنسبة للأفراد أو الفئات العنصرية، أو قتل أعضاء أو فئات من المجموعة العنصرية، أو إلحاق الأذى الخطير بها، أو التعدي على كرامتها، أو إخضاعها لظروف معيشية تؤدي إلى هلاكها جسدياً سواء أكان ذلك كلياً أم جزئياً. ويتضح من ذلك أن نظام الفصل العنصري هو نظام قائم على التمييز العنصري بين البشر على أساس العرق، وقد كان سائداً في دولة جنوب أفريقيا قبل نيل استقلالها، وحالياً تمارسه سلطة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وقد صدر خطاب المقاومة الفلسطينية في بعض مصادره عن هذه البؤرة (بؤرة نظام الفصل العنصري)، ومن ذلك ما جاء في خطاب القائد محمد ضيف: "هذا يوم الثورة الكبرى من إجل إنهاء الاحتلال الأخير، ونظام الفصل العنصري الأخير في العالم.".(38)
أثر البؤرة الخطابية في تلقِّي الخطاب
للبؤر الخطابية دور كبير في تلقِّي الخطاب الخارجي والتماهي معه في بعض الأطراف الخارجية، فمثلاً بؤرة خطر التنظيمات المتطرفة كـ(داعش) وجدت قبولاً وتصديقاً سريعاً عند الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال الرئيس الأميركي جو بايدن مؤكداً الرواية الإسرائيلية: "إن ما قامت به حركة "حماس" تجاه إسرائيل يتجاوز جرائم "داعش".(39) وكذلك وجد الخطاب الإسرائيلي تأييداً مماثلاً من الحكومة الفرنسية بسبب البؤرة الخطابية نفسها، حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القدس المحتلة، وأعرب عن تضامنه مع إسرائيل، مؤكداً حقها في الدفاع عن النفس، وقال في مؤتمر صحفي مع رئيس سلطة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقدس المحتلة : "أولويتنا وأولوية كل الديمقراطيات وفرنسا هي الانتصار على المجموعات الإرهابية"، كما اقترح بناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة تلك المجموعات.(40)كما أعربت أنالينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا عن تأييدها إسرائيل وتضامنها معها في مكافحتها للإرهاب الذي تتعرض له من حماس، حيث قالت:"حماس تصعد العنف، وأنا أدين بشدة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل من غزة"، وأضافت: "نحن متضامنون تماما مع إسرائيل ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقاً للقانون الدولي.".(41) وقد بدا أثر بؤرة الهولوكست في الخطاب الإسرائيلي واضحاً في خطاب المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارته تل أبيب عقب هجوم الطوفان، حيث قال، إن "مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة (الهولوكوست) يجعل من واجبها الدفاع عن وجود وأمن دولة إسرائيل".(42)
كما وجد خطاب المقاومة الفلسطينية عبر بؤرة نظام الفصل العنصري صدى عند بعض الدول، وقد تبنت أطروحته حكومة دولة جنوب أفريقيا، التي أكد بعض مسؤوليها أنَّ سلطة الاحتلال الإسرائيلي تتبع نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينين، وقد صرح فوسيموزي مادونسيلا- سفير جنوب أفريقيا لدى هولندا:"نحن كمواطنين جنوب إفريقيين نحسّ ونرى ونسمع
ونشعر في أعماقنا بالسياسات والممارسات التمييزية اللاإنسانية للنظام الإسرائيلي باعتبارها شكلا أكثر تطرفا من أشكال الفصل العنصري الذي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه ضد السود في بلدي.".(43) وقد خَطَتْ حكومة جنوب أفريقيا خطوة عملية في تبنيها تلك الأطروحة، حيث رفعت دعوى على سلطة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وقد صرح ممثل جنوب أفريقيا أمام المحكمة بقوله: "الاحتلال الإسرائيلي يطبق نظام الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، وهذا النظام يفتت حياة الفلسطينيين ويعزز الهيمنة الإسرائيلية.".(44)
كانت تلك أبرز تأثيرات البؤر الخطابية في الخطاب الخارجي للجانبين، وقد اتضح أنَّ بعضها قد يكون له تأثير قوي في بعض الجهات الخارجية، إلى درجة تجعل تلك الجهات تتبنى الخطاب وتتماهي معه، وذلك على الرغم من أنَّه خطاب مضلل ومخادع في عناصر بنائه، فلا يقدم الحقائق كما هي على أرض الواقع، ولا يتحلى بالمصداقية الكافية، فضلاً عن تناقضه وعدم اتساقه في بعض الأحيان.
________________________________________
(20) برنس، جيرالد. (2003م). قاموس السرديات. ترجمة: إمام، السيد. القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات. ص: 70.
(21) العدوي، خميس. "الخطاب الإعلامي الإسرائيلي: نحن نقاتل الحيوانات البشرية"، موقع جريدة عمان ، تاريخ النشر: 27/11/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 15/1/2024م، الرابط:
(22) أبو الدنين، جورج أنطون . " توظيف الخوف والتخيل في الخطاب الإسرائيلي للرد على عملية طوفان الأقصى"، تاريخ النشر: 21/10/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 15/1/2024م، الرابط:
%8A%D9%84/%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-7-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B8%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%82%D8%A9-/3017546
(24) موقع الخنادق، " الخطاب التعبوي لبنيامين نتنياهو"، موقع الخنادق، تاريخ النشر: 23/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 17/1/2024م، الرابط:
(25) السباعي، أحمد. "دعشنة" حماس و"قطع رؤوس الأطفال".. اختلاق وتشويه سقط في فخهما العم سام"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 12/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 2/2/2024م، الرابط:
(30) موقع جريدة النهار. "وزير الدفاع الإسرائيلي: نقاتل من أجل وطننا وحماس جزء من "محور الشر" مع إيران"، موقع جريدة النهار، تاريخ النشر: 13/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 2/2/2024م، الرابط:
https://www.annahar.com/arabic/section/80-العالم-العربي/280913/وزير-الدفاع-الإسرائيلي-نقاتل-من-أجل-وطننا-وحماس-جز-من-محور-الشر-مع-إيران
(31) موقع الجزيرة نت، "نتنياهو: لن يوقفنا أحد في غزة لا لاهاي ولا "محور الشر"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 13/1/2024م، تاريخ المشاهدة: 17/1/2024م، الرابط:
(33) موقع روسيا اليوم بالعربية، "هنية: مستعدون لمعركة طويلة وسيرى العالم فصائل المقاومة وهي تدحر الاحتلال من غزة"، موقع روسيا اليوم بالعربية، تاريخ النشر: 16/11/2023م، تاريخ المشاهدة: 16/1/2024م
الرابط:
(35) الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية. "قرار الجمعية العامة رقم 2649"، الموسوعة التفاعلية الفلسطينية، بدون تاريخ، تاريخ المشاهدة: 12/2/2024م، الرابط:
هنية: مستعدون لمعركة طويلة وسيرى العالم فصائل المقاومة وهي تدحر الاحتلال من غزة /
(37) موقع الجزيرة نت، "الفصل العنصري"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 19/5/2015م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
(39) موقع سكاي نيوز عربية." بايدن: ما قامت به "حماس" يتجاوز جرائم "داعش"". موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 7/10/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
بايدن: ما قامت به "حماس" يتجاوز جرائم "داعش"
(40) موقع الجزيرة نت، "ماكرون في تل أبيب للتضامن مع إسرائيل والدعوة لهدنة إنسانية"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 24/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
(41) موقع الجزيرة نت، " مركز الأبحاث التركي: مظاهر التأييد الألماني المتطرف لإسرائيل وأسبابه"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 6/11/2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
مركز الأبحاث التركي: مظاهر التأييد الألماني المتطرف لإسرائيل وأسبابه
(42) موقع تلفزيون 24. "هل تراجعت ألمانيا عن الدعم المطلق لإسرائيل؟"، موقع تلفزيون 24، تاريخ النشر: 17/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
/هل-تراجعت-ألمانيا-عن-الدعم-المطلق-لإسرائيل-
(43) موقع سكاي نيوز عربية. "جنوب إفريقيا: "الفصل العنصري" بحق الفسطينيين أسوأ من وضعنا"، موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 20/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 26/3/2024م، الرابط:
%D8%A8%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%94-%D9%88%D8%B6%D8%B9%D9%86%D8%A7
(44) موقع روسيا اليوم بالعربية. " ممثل جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية: إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينيين"، موقع روسيا اليوم بالعربية، تاريخ النشر: 20/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 26/3/2024م، الرابط:
تعليقات
هو الخطاب الذي يكون موجهاً في الأصل إلى جهة خارجية تقع خارج نطاق السيطرة المباشرة للسلطة المنتجة للخطاب، وتختلف الجهات الخارجية المستهدفة بذلك الخطاب وفقاً لنوع العلاقة بينها وبين منتج الخطاب، وبناء على ذلك يختلف نوع الخطاب الخارجي الموجه نحو العدو عن الخطاب الخارجي الموجَّه للجهة الخارجية الصديقة، والذي يختلف بدوره عن الخطاب الموجَّه نحو الجهة الخارجية المحايدة، التي تتموقع في موضع وسط بين طرفي الصراع، فيعمل كل طرف منهما على التودد إليها واستمالتها عبر الخطابات المتزنة أحياناً والمتملقة أحياناً أخرى، ويختلف الخطاب الخارجي عن الخطاب الداخلي في كون الأخير يروى من منظور واحد هو (أنا) مقابل (هو) أو (نحن) مقابل (هم)، حيث يمثل (أنا)أو (نحن) منتج الخطاب زائداً الجمهور الداخلي المستهدف بالخطاب، بينما يمثل (هو) أو (هم) العدو على الجانب الآخر، أما الخطاب الخارجي فلا يصلح فيه ذلك المنظور الآحادي، ويحتاج إلى وجهات نظر أخرى، وذلك بغرض تقريب وجهات النظر بين منتج الخطاب والجهة الخارجية المستهدفَة بالخطاب؛ لأنَّ الجهات الخارجية لها طرقها الخاصة وإمكانياتها المتاحة في الوصول إلى الحقائق والمعلومات دون الاعتماد على خطاب جهة ما تتولى جمع المعلومات وتوضيح تلك الحقائق لها، إذاً في الغالب يكون مضمون الخطاب الخارجي معروفاً سلفاً عند الجهة المستهدفَة به، فيقوم منتج الخطاب الخارجي بإعادة صياغة تلك الحقائق والمعلومات وفقاً لوجهة نظر محددة يمكن أن يُطلَق عليها بؤرة الخطاب، أو يُطلَق عليه أيضاَ التبئير، والتبئير من مصطلحات الخطاب الروائي، ويقصد به: "المنظور perspective التي تقدم من خلاله المواقف والأحداث.".(20) ويمكن الاستفادة من هذا المصطلح الروائي في تحليل الخطاب السياسي، حيث إنَّ الخطاب السياسي يقدم الحقائق والأحداث وفقاً لمنظور فكري أو أخلاقي معيَّن، هذا مع مراعاة الموقف الافتراضي للمُخاطَب من أحداث ووقائع مماثلة وقعت سابقاً، فيحاول الخطاب رواية الأحداث والوقائع الحالية للُمخاطَب بطريقة تشابه وجهة نظره وقناعاته عن الأحداث السابقة، وبالرجوع إلى الخطاب الخارجي للطرفين سيلاحظ المتلقي أنَّ الخطاب الخارجي لسلطة الاحتلال الموجه نحو (الفلسطينيين) يصدر عن بؤرة توراتية محرفة، حيث ينظر اليهود إلى غيرهم من الأجناس نظرة دونية، وذلك حتى يشرعنوا أعمالهم الإجرامية تجاه الفسطينيين، ويمكن ملاحظة ذلك في الخطاب الإسرائيلي الموجه نحو الفلسطينيين، حيث يبدو أثر تلك النظرة التوراتية واضحاً، فمن ذلك ما جاء في تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي أثناء اجتماعه بالقيادة الجنوبية للجيش: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك".(21) أما الخطاب الخارجي لسلطة الاحتلال الإسرائيلي المراد به الدول الغربية فهو يصدر من ثلاث بؤر خطابية هي:
البؤرة الأولى- خطر التنظيمات المتطرفة (داعش) و(القاعدة): ترتكز هذه البؤرة الخطابية على استخدام حقائق قديمة تتعلق بتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، وما لها من وقع محزن في نفوس الغربيين، ثم مزجها بأكاذيب جديدة، وتسويق تلك الأكاذيب كأنها تكرار مشابه لتلك الحقائق السابقة، ومن ذلك تصوير سلطة الاحتلال لحركة حماس وما قامت به في عملية الطوفان على أنها داعش وامتداد لأفعالها الإرهابية في البلدان العربية،(22) حيث صرح رئيس سلطة الاحتلال في خطابه عقب العملية: "حماس هي داعش، وعلى العالم الذي صدم بداعش والقاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول 2001 بالولايات المتحدة)، أن يدينها ويفرض عقوبات عليه.(23).وقد وردت كلمة داعش في خطاب نتياهو -المذكور سابقاً- (17) مرة، حسب ما جاء في دراسة- من إعداد مركز دراسات غرب آسيا- لخطاب رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على مدى عشرة أيام (من 7/10 إلى 16/10/2023)، وذلك التكرار يؤكد حرصه على الاستفادة من مدلولها وتأثيرها على العالم الغربي، وذلك حتى يؤثر على الموقف الدولي للغرب تجاه الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل، واستمالتهم إلى صفه في الحرب،(24) كما غرد الناطق الرسمي لجيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على حسابه الرسمي بمنصة "إكس": "من قلب المجزرة التي ارتكبها دواعش حماس في غلاف غزة، أوجه رسالة لكل مسلم غيور ومحب للإنسانية، قولوا: هؤلاءالدواعش لا يمثلون الإسلام".(25) وذلك في وصف له لما حدث في عملية الطوفان في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة. ويتضح مما سبق أنَّ الخطاب الإسرائيلي يستخدم الحقائق السابقة عن داعش وما ارتكبته من جرائم وانتهاكات جسيمة، وما كان لها من أثر بالغ على الغرب، ثم يمزجها مع ما ينتجه من أكاذيب حول المقاومة الفلسطينية، ويروج إلى أنها ترتكب الجرائم ذاتها بحق نساء وأطفال اليهود.
البؤرة الثانية- عقدة (الهولوكوست): ترتكز هذه البؤرة الخطابية على الأثر النفسي وعقدة الذنب التي تشعر بها شعوب الغرب عموماً والشعب الألماني بصفة خاصة تجاه اليهود، وذلك نتيجة لتعرضهم للمحرقة على يد النازيين الألمان في أوربا، وقد استفادت إسرائيل من تلك العقدة وعملت على توظيفها في استمالة الغرب والضغط عليه فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وتم تمرير رواية بعض أحداث عملية الطوفان من خلال هذه البورة الخطابية، ومنها ما جاء في خطاب رئيس وزراء سلطة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب عملية الطوفان : "يوم السابع من أكتوبر سيبقى يوما أسود في تاريخ الشعوب، والأفظع للشعب اليهودي منذ المحرقة النازية.".(26) ولم يكتف الكيان الإسرائيلي بتوظيف تلك العقدة في خطاب نتنياهو بل تعداها إلى تقديم الخطاب الإسرائيلي للجمهور الألماني في قنواته الإعلامية مزيجاً خاصاً من الأكاذيب التي تربط بين عملية الطوفان والمحرقة الألمانية من جانب، وبين المقاومة الفلسطينية والنازية الألمانية من جانب آخر، والاستفادة مما تحمله الكلمتان (المحرقة، والنازية) من مدلول إجرامي يجعل الألمان يشعرون بعقدة الذنب،وهذا ما جعل الألمان يسارعون في تأييد إسرائيل.(27)
البؤرة الثالثة- خطر محور الشر: (محور الشر) مصطلح اخترعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وأطلقه على الدول التالية: (كوريا الشمالية، والعراق، وإيران)، وذلك في إطار إعلانه الحرب على الدول الراعية للإرهاب،(28) وقد وظَّف الخطاب الإسرائيلي تلك الفكرة في استمالة الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة، ومن ذلك ما جاء في خطاب نتنياهو عقب عملية الطوفان بوصفه حماس بأنها "جزء من محور الشر الإيراني".(29) وكذلك استخدم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت العبارة نفسها لوصف حماس، حيث وصفها بأنها جزء من محور الشر مع إيران،(30) كما قال بنيامين نتنياهو في تصريح آخر: "أوضحت لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هذه الحرب ليست حربنا فقط، بل حربكم أيضا، وهي حرب ضد محور الشر.".(31) يتضح من التصريحات السابقة أنَّ سلطة الاحتلال الإسرائيلي قد وظَّفت فكرة خطر (محور الشر) في خدمة خطابها الخارجي المتعلق بعملية الطوفان، واتخذت من الفكرة بؤرة خطابية تنقل من خلالها أحداث ووقائع تلك العملية الأخيرة كمشهد من مشاهد الصراع مع محور الشر، وكذلك في إعادة الصياغة الكاملة لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، وتصويره على أنه صراع بين الخير والشر، وأنَّ الطرف الآخر (الفلسطينيين) يمثل الشر، الذي يتطلب توحيد الجهود الدولية في القضاء عليه.
بؤر الخطاب الخارجي الفلسطيني
ارتكز الخطاب الخارجي للمقاومة على ثلاث بؤر خطابية هي:
البؤرة الأولى- بؤرة الأخوة في الإسلام والعروبة: هي بؤرة موجهة للخطاب الخارجي للمقاومة الفلسطينية الموجَّه إلى دول العالم العربي والإسلامي، وتكشف عن معاني الأخوة في الإسلام والعروبة، ووحدة المصير المشترك، ومن ذلك استخدام القائد محمد ضيف في خطابه ألفاظاً تدل على ذلك نحو قوله: "ياجماهير أمتنا العربية والإسلامية، من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا...". وكذلك نحو قوله: "يأهلنا في الأردن ولبنان، في مصر والجزائر، والمغرب العربي...". وقوله أيضاً: "يا إخوتنا في المقاومة الإسلامية، في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية...". ولم يكتف الخطاب الخارجي للمقاومة بمخاطبة الشعوب العربية والإسلامية فحسب، بل خاطب قادة تلك الدول ورؤساءها، ومن ذلك ماجاء في خطاب لخالد مشعل يظهر فيه اهتمامهم بدور الزعماء المسلمين والعرب حيث يقول: "وتابعناأعمال القمة العربية والإسلامية الطارئة، وأدعو إلى تنفيذ ما صدر عنها من قرارات وخاصة المتعلقة بوقف العدوان وكسر الحصار فوراً.".(32)كما حرص رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطابه أن يجعل من المقاومة الفلسطية قوة وذخراً للقادة والشعوب العربية والإسلامية، وذلك في قوله: "أقول لقادة أمتنا وشعوبها، إنّ قوة المقاومة الفلسطينية هي قوّة لكم وذخر، وإن قدرتها على لجمنصر قوة للأمة بأكملها.".(33)
2. بؤرة الشرعية الدولية: صدر الخطاب الخارجي للمقاومة الفلسطينية عن بؤرة التشريعات والمواثيق والقوانين الدولية التي تعترف بأعمال مقاومة الاحتلال وتشرعن له، وذلك فيما يتعلق بخطابه لأنظمة وشعوب العالم من غير العرب وغير المسلمين، ومن ذلك ما جاء في خطاب القائد محمد ضيف: "لقد
احتل الكيان الصهيوني أرضنا، ودمر مدننا وقرانا وبلداتنا، وارتكب بحق شعبنا مئات المجازر. قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم البيوت على الأبرياء الآمنين، وضرب بعرض الحائط كل الأعراف الدولية، وقوانين حقوق الإنسان، وتنكَّر للقوانين الدولية.".(34) ترتكز هذه الجزيئة من الخطاب في إضفاء الشرعية على عملية الطوفان-بكونها فعلاً للمقاومة ولسيت اعتداء_ من وجهة نظر الشرعية الدولية، اعتماداً على تشريعات دولية كفلت حق الشعوب في الحرية والحق في تقرير المصير، ومن ضمن تلك القرارات ما كان خاصاً بالقضية الفلسطينية، وذلك كما في القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2649) بتاريخ 30/ 11 /1970م، الذي تضمن إدانة إنكار حق تقرير المصير بالنسبة لشعوب فلسطين وجنوب إفريقيا، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2672) بتاريخ 8/ 12 /1970م، الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بالإضافة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم (2649) بتاريخ2 / 11 /1974م، الذي أكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واعترف بحقه في استرداد حقوقه بكافة الوسائل وفقاً لميثاق الأمم المتحده ومبادئه، كما ناشد القرار الدول والمنظمات الدولية دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه.(35) وفي ضوء مضمون تلك القرارات يمكن أن يفهم ما جاء في خطاب إسماعيل هنية حين قال: "كان ينبغي أن يتضمن قرار مجلس الأمن أمس إدانة صريحة ومباشرة لجرائم الحرب والتطهير العرقي التي يرتبكها العدو في غزة والضفة".(36)
البؤرة الثالثة-بؤرة نظام الفصل العنصري: نظام الفصل العنصري وفقاً لتعريف الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها مصطلح يقصد به"الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما على أية فئة عنصرية أخرى واضطهادها إياها بصورة منهجية.".( 37)ويشمل أشكالاً عدة من الأفعال نحو الحرمان من حق الحياة أو الحرية الشخصية بالنسبة للأفراد أو الفئات العنصرية، أو قتل أعضاء أو فئات من المجموعة العنصرية، أو إلحاق الأذى الخطير بها، أو التعدي على كرامتها، أو إخضاعها لظروف معيشية تؤدي إلى هلاكها جسدياً سواء أكان ذلك كلياً أم جزئياً. ويتضح من ذلك أن نظام الفصل العنصري هو نظام قائم على التمييز العنصري بين البشر على أساس العرق، وقد كان سائداً في دولة جنوب أفريقيا قبل نيل استقلالها، وحالياً تمارسه سلطة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وقد صدر خطاب المقاومة الفلسطينية في بعض مصادره عن هذه البؤرة (بؤرة نظام الفصل العنصري)، ومن ذلك ما جاء في خطاب القائد محمد ضيف: "هذا يوم الثورة الكبرى من إجل إنهاء الاحتلال الأخير، ونظام الفصل العنصري الأخير في العالم.".(38)
أثر البؤرة الخطابية في تلقِّي الخطاب
للبؤر الخطابية دور كبير في تلقِّي الخطاب الخارجي والتماهي معه في بعض الأطراف الخارجية، فمثلاً بؤرة خطر التنظيمات المتطرفة كـ(داعش) وجدت قبولاً وتصديقاً سريعاً عند الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال الرئيس الأميركي جو بايدن مؤكداً الرواية الإسرائيلية: "إن ما قامت به حركة "حماس" تجاه إسرائيل يتجاوز جرائم "داعش".(39) وكذلك وجد الخطاب الإسرائيلي تأييداً مماثلاً من الحكومة الفرنسية بسبب البؤرة الخطابية نفسها، حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القدس المحتلة، وأعرب عن تضامنه مع إسرائيل، مؤكداً حقها في الدفاع عن النفس، وقال في مؤتمر صحفي مع رئيس سلطة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقدس المحتلة : "أولويتنا وأولوية كل الديمقراطيات وفرنسا هي الانتصار على المجموعات الإرهابية"، كما اقترح بناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة تلك المجموعات.(40)كما أعربت أنالينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا عن تأييدها إسرائيل وتضامنها معها في مكافحتها للإرهاب الذي تتعرض له من حماس، حيث قالت:"حماس تصعد العنف، وأنا أدين بشدة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل من غزة"، وأضافت: "نحن متضامنون تماما مع إسرائيل ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقاً للقانون الدولي.".(41) وقد بدا أثر بؤرة الهولوكست في الخطاب الإسرائيلي واضحاً في خطاب المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارته تل أبيب عقب هجوم الطوفان، حيث قال، إن "مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة (الهولوكوست) يجعل من واجبها الدفاع عن وجود وأمن دولة إسرائيل".(42)
كما وجد خطاب المقاومة الفلسطينية عبر بؤرة نظام الفصل العنصري صدى عند بعض الدول، وقد تبنت أطروحته حكومة دولة جنوب أفريقيا، التي أكد بعض مسؤوليها أنَّ سلطة الاحتلال الإسرائيلي تتبع نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينين، وقد صرح فوسيموزي مادونسيلا- سفير جنوب أفريقيا لدى هولندا:"نحن كمواطنين جنوب إفريقيين نحسّ ونرى ونسمع
ونشعر في أعماقنا بالسياسات والممارسات التمييزية اللاإنسانية للنظام الإسرائيلي باعتبارها شكلا أكثر تطرفا من أشكال الفصل العنصري الذي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه ضد السود في بلدي.".(43) وقد خَطَتْ حكومة جنوب أفريقيا خطوة عملية في تبنيها تلك الأطروحة، حيث رفعت دعوى على سلطة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وقد صرح ممثل جنوب أفريقيا أمام المحكمة بقوله: "الاحتلال الإسرائيلي يطبق نظام الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، وهذا النظام يفتت حياة الفلسطينيين ويعزز الهيمنة الإسرائيلية.".(44)
كانت تلك أبرز تأثيرات البؤر الخطابية في الخطاب الخارجي للجانبين، وقد اتضح أنَّ بعضها قد يكون له تأثير قوي في بعض الجهات الخارجية، إلى درجة تجعل تلك الجهات تتبنى الخطاب وتتماهي معه، وذلك على الرغم من أنَّه خطاب مضلل ومخادع في عناصر بنائه، فلا يقدم الحقائق كما هي على أرض الواقع، ولا يتحلى بالمصداقية الكافية، فضلاً عن تناقضه وعدم اتساقه في بعض الأحيان.
________________________________________
(20) برنس، جيرالد. (2003م). قاموس السرديات. ترجمة: إمام، السيد. القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات. ص: 70.
(21) العدوي، خميس. "الخطاب الإعلامي الإسرائيلي: نحن نقاتل الحيوانات البشرية"، موقع جريدة عمان ، تاريخ النشر: 27/11/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 15/1/2024م، الرابط:
الخطاب الإعلامي الإسرائيلي: «نحن نقاتل الحيوانات البشرية»
«نحن نقاتل الحيوانات البشرية».. مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت المتوحشة، أطلقها عقب الصدمة الكبرى التي أصابته من طوفان الأقصى، حيث صرح أثناء اجتماعه بالقيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي:...
(22) أبو الدنين، جورج أنطون . " توظيف الخوف والتخيل في الخطاب الإسرائيلي للرد على عملية طوفان الأقصى"، تاريخ النشر: 21/10/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 15/1/2024م، الرابط:
توظيف الخوف والتخيل في الخطاب الإسرائيلي للرد على عملية طوفان الأقصى
News & Analysis | فلسطين الميدان
%8A%D9%84/%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-7-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B8%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%82%D8%A9-/3017546
(24) موقع الخنادق، " الخطاب التعبوي لبنيامين نتنياهو"، موقع الخنادق، تاريخ النشر: 23/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 17/1/2024م، الرابط:
(25) السباعي، أحمد. "دعشنة" حماس و"قطع رؤوس الأطفال".. اختلاق وتشويه سقط في فخهما العم سام"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 12/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 2/2/2024م، الرابط:
"دعشنة" حماس و"قطع رؤوس الأطفال".. اختلاق وتشويه سقط في فخهما العم سام
يبدو أن الدعاية الإسرائيلية لتشويه حركة حماس لم تفرغ بعد ما بجعبتها، كل يوم تقدم ادعاء جديدا يثبت عدم صحته لاحقا بعد أن تكون قد ورطت معها دولا وشخصيات غربية تجبرها على الاعتذار والتراجع عن تصريحاتها.
نتنياهو: 7 أكتوبر "الأفظع في التاريخ اليهودي منذ المحرقة"
وفق خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكنيست قبيل التصويت على إعطاء الثقة لحكومة الطوارئ الجديدة - Anadolu Ajansı
توظيف الخوف والتخيل في الخطاب الإسرائيلي للرد على عملية طوفان الأقصى
News & Analysis | فلسطين الميدان
محور الشر
اتهامات بوش للعراق وإيران وكوريا الشمالية بأنها محور الشر في العالم.. لماذا؟ وما الذي يعنيه ذلك وما انعكاساته؟ وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حد الضربات العسكرية في إطار حرب الولايات المتحدة على ما تسميه الإرهاب؟
(30) موقع جريدة النهار. "وزير الدفاع الإسرائيلي: نقاتل من أجل وطننا وحماس جزء من "محور الشر" مع إيران"، موقع جريدة النهار، تاريخ النشر: 13/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 2/2/2024م، الرابط:
https://www.annahar.com/arabic/section/80-العالم-العربي/280913/وزير-الدفاع-الإسرائيلي-نقاتل-من-أجل-وطننا-وحماس-جز-من-محور-الشر-مع-إيران
(31) موقع الجزيرة نت، "نتنياهو: لن يوقفنا أحد في غزة لا لاهاي ولا "محور الشر"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 13/1/2024م، تاريخ المشاهدة: 17/1/2024م، الرابط:
نتنياهو: لن يوقفنا أحد في غزة لا لاهاي ولا "محور الشر"
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستواصل حربها على قطاع غزة حتى تحقيق كل أهدافها، ولن تمنعها محكمة العدل الدولية من ذلك.
(33) موقع روسيا اليوم بالعربية، "هنية: مستعدون لمعركة طويلة وسيرى العالم فصائل المقاومة وهي تدحر الاحتلال من غزة"، موقع روسيا اليوم بالعربية، تاريخ النشر: 16/11/2023م، تاريخ المشاهدة: 16/1/2024م
الرابط:
هنية: مستعدون لمعركة طويلة وسيرى العالم فصائل المقاومة وهي تدحر الاحتلال من غزة
أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الاستعداد لمعركة طويلة "إذا أرادت إسرائيل ذلك، مشيرا إلى أن "المقاومة الفلسطينية تخوض معركة مشرفة للدفاع عن فلسطين والمقدسات".
(35) الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية. "قرار الجمعية العامة رقم 2649"، الموسوعة التفاعلية الفلسطينية، بدون تاريخ، تاريخ المشاهدة: 12/2/2024م، الرابط:
قرار الجمعية العامة رقم 2649 (XXV) - 30 تشرين الثاني 1970 (نص تاريخي)
نص تاريخي - 30 تشرين الثاني 1970 - نيويورك - الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 2649 (الدورة 25) بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصاً لشعوب جنوب افريقيا...
www.palquest.org
هنية: مستعدون لمعركة طويلة وسيرى العالم فصائل المقاومة وهي تدحر الاحتلال من غزة /
(37) موقع الجزيرة نت، "الفصل العنصري"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 19/5/2015م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
الفصل العنصري
العنصرية هي المعتقدات التي تعلي فئةً ما، بناءً على عناصر موروثة مرتبطة بطبائع الناس أو قدراتهم، وتستند أحيانا إلى لون البشرة، أو اللغة، أو الثقافة، أو العادات، أو المعتقدات.
(39) موقع سكاي نيوز عربية." بايدن: ما قامت به "حماس" يتجاوز جرائم "داعش"". موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 7/10/ 2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
بايدن: ما قامت به "حماس" يتجاوز جرائم "داعش"
(40) موقع الجزيرة نت، "ماكرون في تل أبيب للتضامن مع إسرائيل والدعوة لهدنة إنسانية"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 24/10/2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
(41) موقع الجزيرة نت، " مركز الأبحاث التركي: مظاهر التأييد الألماني المتطرف لإسرائيل وأسبابه"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: 6/11/2023م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
مركز الأبحاث التركي: مظاهر التأييد الألماني المتطرف لإسرائيل وأسبابه
(42) موقع تلفزيون 24. "هل تراجعت ألمانيا عن الدعم المطلق لإسرائيل؟"، موقع تلفزيون 24، تاريخ النشر: 17/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 28/3/2024م، الرابط:
/هل-تراجعت-ألمانيا-عن-الدعم-المطلق-لإسرائيل-
(43) موقع سكاي نيوز عربية. "جنوب إفريقيا: "الفصل العنصري" بحق الفسطينيين أسوأ من وضعنا"، موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 20/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 26/3/2024م، الرابط:
%D8%A8%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%94-%D9%88%D8%B6%D8%B9%D9%86%D8%A7
(44) موقع روسيا اليوم بالعربية. " ممثل جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية: إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينيين"، موقع روسيا اليوم بالعربية، تاريخ النشر: 20/2/2024م، تاريخ المشاهدة: 26/3/2024م، الرابط:
ممثل جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية: إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينيين
قال ممثل دولة جنوب إفريقيا بمحكمة العدل الدولية، إن "الاعتداءات الإسرائيلية" في قطاع غزة أكثر فظاعة من نظام الفصل العنصري والقضية الفلسطينية "تذكرنا بمعاناتنا ضد القمع والظلم".
تعليقات