السباعي بيومي - خصومة أدبية رضيت فيها الأدباء حكما.. زكي مبارك يكتب كثيراً ولا يقول شيئاً -3-

ما كنت أحب لك يا دكتور أن تكتب شيئاً مما سودت به مقال العدد 398، ومعظم مقال العدد 399 - بل كله كما ستعلم - لأنه ليس من الخصومة ولا الخصومة منه وليس بذي فائدة للقارئين. وما كنت أحب أن أجول معك في هذا الخروج لضيق الصفحات الأربع - المحدودة في الرسالة - عن أن تتسع له ولما أوعدت به من الهجوم عليك في زهر الآداب، لولا ما تعتقده من أنه في صميم الخصومة، وما أخشاه من أن تزين لك نفسك أنك به قد انتصرت

ولقد كان واجباً عليك وخيراً لك أن تنتظر كلمتي السابقتين ثم تكتب في الموضوع، ولكنك تعجلت ولم تستطع معي صبراً. والآن فالق جزاء تسرعك في الرد على ما ذكرت بمقاليك مما لم تتناوله كلمتاي، مشفوعاً بطلبي منك ألا تعود إلى هذا الخروج، حتى نفرغ للخصومة الأدبية بالمعنى الذي تحمل ويريده الجمهور

تدعي أن صديقاً عزيزاً قال لك: (لم يرضني تحديك للأستاذ السباعي فقد كان يتفق في أحيان كثيرة أن يجعل مقالاتك من موضوعات الدروس بدار العلوم وذلك من شواهد الإعجاب).

وأنك حفظت لي هذا الفضل وآثرت الصمت لولا أن أديباً أثارك بما كتب إليك. ويظهر يا دكتور أن هذا الصديق من الخبثاء الظرفاء الذين عرفوا فيك ما قرره ابن المقفع من أن عجب المرء بنفسه أرحب باب يدخل عليه منه الضاحك عليه والمظلل له. فهو قد أضللت وضحك عليك بما تخيل فتحققت، وما كان لشيء من مقالاتك أن يكون من موضوعات الدروس في دار العلوم، ولو حدث لما سميت دار العلوم

وتدعي أنك مع هذا كنت على نية السكوت لصداقتي ولأن هجومي لن يقلقل مركز الش المرصفي، ثم لأني من زملاء الأستاذين هاشم وصفوت ولهما عليك حقوق؛ فأما الصداقة فما ينبغي أن تحول دون محاورة الصديقين فيما يفيدهما ويفيد الناس، وأما أن هجومي لن يقلقل من مركز الشيخ المرصفي فعما قريب ستعلم أثره

وتذكر أنك في سبيل دفع الشر عن الشيخ المرصفي ستقدم لي خدمة أدبية بجذبي إلى الجدل على صَفحات الرسالة، وأنا مرحب بدفع هذا الشر عن الشيخ، ولكن فيما صوبت أنا إليه؛ ثم إني لشاكر لك جذبي إلى التحرير وغير طامع في رفق أسلوبك، بل راغب ملِّح في أن تريني ما تزعمه لقلمك من أنه تطير عن أسلاته شظايا الشدة والعنف، حتى أعلمك - إن لم تكن علمت - أن مثل قلمك أمامي مثل بنادق الأطفال تسمع لطلقاتها دوياً ولا ترى لها كلماً.

أما القلم الذي ستواجه مني فهو مسدس ذو طلقات تميت في غير جلبة ولا ضوضاء، وهاأنت ذا قدحت زنده فاصّلَ شرره

وتقول إن المرصفي قضى شبابه في خدمة الكامل، وأنني قضيت شبابي في خدمته كذلك، وإني لأكاد أكذبك في الأولى لأنك غير صادق في الثانية قطعاً. فما قضيت في تهذيب الكامل إلا ثلاث سنوات لا تستغرق شباباً ولا بعض شباب، ثم تتظرف وتحكم بأن الفرق بين الرغبة والتهذيب كالفرق بين المرصفي والسباعي. وإنه لحكم أعاد إلى ذاكرتي هذا البيت:

كأننا والماء من حولنا ... قومٌ جلوسٌ حولهم ماء

ثم تكذّب ما قاله الطالب أيوب من أن كتاب المرصفي ظهر سنة 1930 وتقول إنه ظهر سنة 1927، فتكون سطحياً أمام طالب، لأنك أخذت تاريخك من غلاف أول جزء في الكتاب والطالب أخذه من غلاف آخر جزء منه، فارجع إلى هذا الجزء رجوع الغافل الذي دل على أنه لم ير الكتاب، تجد عليه سنة1930 وهو التاريخ الحق الذي لا يعتبر في مجال الاحتجاج سواه. على انك شعرت بتفاهة ما لحظت لأن كتابي ظهر سنة 1923 فقلت: (وليس لهذا التاريخ أهمية) ولكنك عدت فوقعت إذ زعمت أن شرح المرصفي يرجع إلى أكثر من أربعين سنة، وأنه كان كاملاً من جميع الجوانب حتى الفهارس قبل سنة 1915 وأنك رأيته بعيني رأسك ورآه معك الشيخ الزنكلوني. وما رأيك يا دكتور أن المرصفي نفسه يكذبك في ذلك بعبارته المدونة في آخر جزء من أجزاء الرغبة عن إتمامه الشرح فما بالك بالفهارس، وهي بنصها: (وقد انتهى شرح كتاب الكامل والحمد لله ليلة 11 رجب سنة 1340 من الهجرة) وهذه توافق سنة 1923، أي أن الشرح وحده دون الفهارس لم ينته إلا سنة 1923 لا قبل سنة 1915. أليست هذه العبارة تفهم بصريح العبارة أنك كذبت على عيني رأسك، وإذا كان لنا أن نتركك حراً تكذب على نفسك، أفلا نؤاخذك أن تكذب على غيرك. ولكنك يا دكتور كنت لبقاً إذ تخيرت هذا الغير ممن انتقلوا إلى جوار ربهم، وأنا جد واثق أن الشيخ الزنكلوني لو أمتد به الأجل إلى حيث كتبت ما كتبت لأشهدت غيره من الأموات سامحك الله

ثم لك هذه النقطة حشوة لا علاقة لها بالتواريخ، ولا هي من العبارات الشعرية كما تقول: تلك هي قولتك (ولن أنسى ما حييت تلك العبارة الشعرية التي صرخ بها الشيخ المرصفي وهو يقدم إلينا شرحه على كتاب المبرد - لن أنساها أبداً - فقد قال شيخنا العظيم وهو يخاطب المبرد (الله على أيامك يا بطل)) وبعد ذلك تقول: (والكتاب الذي كمل من جميع نواحيه حتى الفهارس قبل سنة 1915 هو الكتاب الذي سرقت بعض فهارسه من كتاب ظهر في أواخر سنة 1923) فلتسمح لي يا دكتور أن أتركك وأخاطب الناس. أيها الناس يعجب الدكتور من أن الطالب أيوب لا يستبعد على المرصفي أن يكون قد استعان في كتابه الذي ظهر سنة 1930 بكتابي الذي ظهر سنة 1923 زاعماً أن كتاب المرصفي كان كاملاً من جميع نواحيه حتى الفهارس قبل سنة 1915 بالرغم من تكذيب المرصفي له كما سبق ومؤيداً هذا الزعم بآخر حاط من قدر المرصفي إن كان حقاً، هو أن المرصفي لم يكن يطلع على شيء من مؤلفات المعاصرين فكيف اختص الأستاذ السباعي بتلك العناية. هذا ما يقوله الدكتور أيها الناس، وليس لي من تعليق عليه إلا الجملة التي ختم بها ما قال وهي (تلك والله إحدى الأعاجيب)

ويقول الدكتور عني بعد جعله المرصفي أوحد عصره بلا جدال (إنني الرابع أو الخامس بين أساتذة دار العلوم مع التسامح الشديد) ونحن أساتذة اللغة العربية بهذا العدد تقريباً في الدار فكأنه جعلني الأخير. والحقيقة يا دكتور أنك في تدخلك هذا غريب؛ فما أنت فينا والفاضل والمفضول والأول والأخير أولئك إخوان فضلهم فضلي ومكانهم مكاني وكلنا أعرف بحق صاحبه منه بحق نفسه.

وتقول إن الشيخ المرصفي أثر في عصره وتعدد له ذخائر كثيرة، وليس لي رد على الشيء تعرفه أنت ويجهله غيرك. إني لا أعرف للمرصفي إلا ما عرف الناس ولا أدعي لنفسي من آثار إلا ما لمسوه. فسلهم لتعلم منهم أن عمري لم يكن موقوفاً على التهذيب، ثم سل تلاميذي الذين تتحدث عنهم يخبروك بما يفحمك مخلصين صادقين وفخورين بتلمذتهم لي فخري بأستاذيتي لهم في غير زهو ولا إعجاب

ذاك ما جعلته طلائع غزوة وبه تباهى. فهل لازلت على هذه المباهاة بعد تفسيقي لما ذكرت وردي على ما سودت ومع هذا فإليك رأي في تلك المباهاة نفسها

تقول إنك لن تصفح عني أو أشتغل محرراً متطوعاً بالرسالة ثلاث سنين، وما هذا لي بالتهديد فما أنا ممن يضيرهم التحرير ولا ممن تعودوا أخذ أجر على ما يكتبون، لأني أكتب للكتابة لا طمعاً في مال، ولذلك يصدر ما أكتب في غير كلفة ولا إكراه.

وتقول إن خصومتك لي محنة صبت على من شاهق وتطلب مني أن أتحملها صابراً، وإنها لا تنتهي قبل بداية مايو، وليس مثلك معي في هذا التهديد إلا مثل القبرة التي وقعت على رأس فيل؛ فلما أرادت أن تطير قالت له إني مخففة عنك وطائرة فقال والله ما علمت بك نازلة حتى أشعر بتخفيفك طائرة. أما الموعد الذي ضربته فهو أمنية تتمناها وتشفق ألا تكون، ولست أدري أؤوافقك عليها مطمئناً أم أتجاوزها إلى ما بعدها مزعجاً، لن أبين لك حتى أتركك حيناً تتعزى بالأجل إشفاقاً عليك وآخر تجزع لطول الأمد تهديداً لك. وسأعلمك في حاضري ومستقبلي أن ماضي لم يكن قائماً على خدمة الكامل وحده وأن تهذيبي له لم يكن عملاً يقوم به أحد النساخين بدراهم معدودات وذلك بما أقفك عليه من أنه كان خدمة يعرفها العارفون

وتزعم أنك قضيت دهرك ممتحناً بعداوات الرجال. ورجائي أن تكون رجلاً فيما أصبت به من عدائي وأن تغالي في عدم العطف على، ذلك الذي أزمعت تركه لأني ترديت لك ثوب العقوق، والحقيقة يا دكتور أنه لا عطف منك على ولا عقوق مني إليك وإنما هو نقاش وحساب يتطلب منك أن تكون الجلد الصبور.

ثم تقول إنك حكمت على بترك دروسي في دار العلوم لأشغل نفسي بمخاطرتك. ويلوح لي يا دكتور أنك ما قلت ذلك إلا لعقيدتك أن مخاطرتي لك تشغلني كما تشغلك مخاطرتك لي، ولكن عقيدتك هذه وهم باطل وظن خاطئ، فإن هجومي عليك وصدى لك لا يشغل مني كل أسبوع إلا الوقت يجري فيه القلم غير متوقف إلى حيث ينتهي المقال وهو وقت يسير في زمن اليوم لا الأسبوع، ثم هو لذيذ الوقع ترتاح لصريره النفوس.

وبعد فهاأنذا مرقل نحو مقالك الأخير فماذا أرى؟ رأيتك قد سودت أكثر من نصفه بأشياء خرجت فيها عن الجادة وجمعت بينها على الإكراه والقسوة، فبينا تبدؤه بالرد على كلمتي الثانية قبل ظهورها بهذه الجملة التي لا تقدم ولا تؤخر في الموضوع فتقول عني في تبرئة نفسك من السرقة التي ألبستك طوقها: (فكان حاله حال اللص الذي رأى صاحب الدار يمشي من بعد فصاح: مين اللي ماشي هناك)، ثم تعقب هذه بقولك: (إني أشعر بالارتياح كلما تذكرت أن عندي ذخائر يتطلع إليها الناهبون من الفضلاء) سبحان المنان الوهاب! وعلى هذا الغرار من قرع طبلك تقول عني (فليواجهني إن استطاع وأنا ماض إليه بقلم أمضى من السيف وأعنف من القضاء)، وستعرف أينا الذي يستطيع، وأينا الذي سيكون قلمه أمضى من السيف. أما أن قلمك أعنف من القضاء فمعاذ الله أن أشاركك هذا الكفران وقد علمت عن ابن دريد الذي تحدثت عنه في نظريتك المزعومة، أن تلميذه أبا علي القالي قال: (لما أصيب بالفالج كنت أدخل عليه فيتألم من دخولي فأقول: إن الله تعالى لم يبتله بذلك إلا عقاباً على قوله يخاطب الدهر وليس الدهر إلا الله:

مارست من لو هَوت الأفلاك من ... جوانب الجو عليه ما شكا

إذا بك تنتقل إلى أن كامل المبرد على ما به من فضل قد حرف وصحف وصار في حاجة إلى إصلاح، وإني لن أكون المصلح المنشود لأني لم أوهب نعمة الذوق الأدبي التي لا يظفر بها من كل جيل إلا آحاد، وأنت طبعاً من هؤلاء الآحاد إن لم تكن أوحدهم. ثم تقول كان المصلح المنشود له شيخنا العظيم سيد بن علي المرصفي وهو طبعاً من الآحاد الذين رزقوا نعمة الذوق الأدبي

والآن أقدم للجمهور شيئاً من أشياء أعرفها للشيخ المرصفي برهاناً واضحاً على أن الذوق الأدبي كثيراً ما خانه في أبسط مظاهره، ذلك الشيء هو أبيات جاء بها المبرد في الهجاء الموجع فجعلها المرصفي في شرحه من المدح البالغ. ولو كان المبرد يعلم أن ذوقه إلى هذا الحد لأنقذه وصرح بأنها هجاء. وهاهي الأبيات وتحتها شرح الشيخ من غير تعليق (صفحة 132 ج 4)

قال أبو العباس المبرد: ومما يستحسن من شعر إسحاق هذا - يريد ابن خلف - قوله في الحسن بن سهل:

باب الأمير عراء ما به أحد ... إلا امرؤُ واضع كفاً على ذقن

قالت وقد أملت ما كنت آمله ... هذا الأمير ابن سهل حاتم اليمن

كفيتك الناس لا تلقي أخا طلب ... بفيء دارك يستعدي على الزمن

إن الرجاء الذي قد كنت آمله ... وضعته ورجاء الناس في كفن

في الله منه وجدوى كفه خلف ... ليس السدى والندى في راحة الحسن

وإلى القارئين كل ما قال الشيخ المرصفي في شرحها بنصه وصورته، قال - وقاه الله شر تلميذه الدكتور زكي مبارك -: (في الحسن بن سهل) بن عبد الله السرخسي وزير المأمون بعد أخيه الفضل بن سهل (باب الأمير) كأنه يريد أميراً غير الحسن (لا تلقي أخا طلب الخ. . .). تريد إن استجديته أغناك، فلا تجد غريماً يطلبك (ليس السدى) يريد إلا رجاء السدى، وهو ندى الليل، (والندى): ندى النهار ضربهما مثلاً لجوده، وقد أخر هذا الاستثناء عن موضعه فثقل. . . انتهى شرح الشيخ، فما رأيك فيه يا دكتور، إن كنت ممن وهبوا نعمة الذوق الأدبي؟ وهل لا تزال مصرَّا على أن المرصفي قضى حياته يراوح المبرد ويغاديه بالنظر الثاقب والفهم العميق؟ أما أني أتقوّل على المرصفي لأنه مات وشبع من الموت وهذا لا ينبغي، فهي دعوى لو عمل بها في الأدب، لمات الأدب وشبع من الموت كما تقول؟

وإذا بك تقحم الدكتور طه حسين في الموضوع بأنه أتعب نفسه في النيل من دار العلوم، ولم أغضب، مع أني أستاذ بها، وهذا غير ما كان يا دكتور، فقد كتبت في الصحف والمجلات،

ولكنك لم تقرأ، كما لم تعرف ما ضحيته ومازلت مستعداً لتضحيته في سبيل الدفاع عن دار العلوم؛ ثم توغل في الإقحام فتدعى أن علة سكوتي هي أن الدكتور طه يضر وينفع، ويملك المحو والإثبات في أعضاء بعض اللجان، وردي على هذه الأكذوبة عني وعن الدكتور أني لم أسكت، ومع هذا كنت عضواً في اللجان، وما ذنبي إذا كنت أُدعى وتترك، وأعرف وتنكر؟

فإذا بك تغادر الدكتور طه إلى الأزهريين، تحبط من قدرهم إذا لم ينصروك، وتسلبهم - كاذباً في الاثنتين - أبسط ما يعرف العلماء من أقدار الرجال فتقول: (لم يوجد في الأزهريين من يدرك قيمة الشيخ المرصفي غير الشيخ محمد عبده، وبموت الأستاذ الإمام أصبح المرصفي من الغرباء)؛ ثم تعود إلىَّ تتهمني بأني أريد الإعلان عن نفسي بالقدح في المرصفي، وتطالبني بدفع ثمن هذا الإعلان بلا إمهال، وما كان هذا القدح ولا ذاك الإعلان لي بمراد؛ أما الثمن، فأنا على نقده لك عاجلاً - كما تقول - ولكن فيما يبصر الناس بقدرك

ثم تشرد يا دكتور فتقول: (أنا أعرف أن دار العلوم مدرسة عالية، لا يزورها أحد من المفتشين إلا إن ظمئ إلى فنجان من القهوة يحتسيه في مكتب العميد أو مكتب الوكيل)؛ وتخرج منه إلى أن محاسبتي لذلك من العسير، والحق أني لست فاهماً ما تعني بهذا الشرود. أتريد أن يغير نظام التعليم، فيدخل التفتيش إلى التعليم العالي قلباً لأبسط مبادئ التعليم؟ أم تأمل إذا انقلبت الأوضاع أن تكون المفتش لدار العلوم؟ وإذا كورت الشمس وكان ما تريد، فهل تحملك رجلاك لتقوم بهذا الحساب؟ أضنك على علم في كل هذه الأسئلة بالجواب، كما أنك على جهل بأن الدرس الذي أعطيه في الجامعة الأمريكية، إنما هو في قسم من أقسامها العالية - ولولا ذلك لم أعطه - هو قسم الصحافة والأدب، وشأنه في ذلك شأن دار العلوم وسائر المعاهد العالية التي يشرف على الدراسة فيها: ضمير الأساتذة ورقابة الطلاب، وهما أدق تفتيش

وأخيراً تكثر من هذه الجملة (لا تشتمني يا سيد سباعي) معقباً إياها بتعاليل هي الأباطيل. فالشتائم أنت وأنا عن الشتم بعيد، وإذا كنت تلحن لي في ذلك بأنك (شتيم)، فأنا ألحن لك (بأني بشر ابن عوانة). وهاك تعليلاً منها ليس من الشتم، ولكن الشتم منه هو قولك لي: (فما أملك محاسبتك لو أردت الانتصاف لنفسي، وماذا أقول في تجريحك ولست بشاعر ولا كاتب ولا مؤلف ولا خطيب)؛ وأنا أقول إن لك في هذا أن تجاب:

فأما الشعر، فلو رضيت لنفسي ما قلته كما رضيت أنت ما قلت، لسويته ديواناً كما سويت، ولوقعت في الشرك كما وقعت، فقد اغتررت في طبع ديوانك بضحك من غرّروا بك، وخالفت قول من نصحوا لك، وما ديوانك بشعر شاعر، ولكنّه تجميع ناظم

وأما الكتابة، فها نحن في ميدانها على صفحات (الرسالة) نجول، وسيصدر الجمهور - إن لم يكن أصدر - حكمه فيها عما قريب

وأما التأليف، فقد عرفت من عملي فيه تهذيب الكامل، وستعرف غيره من مؤلفاتي متى انتهيت منه، وناقشنا فيه الآن، فاثبت ولا تفر من الميدان

أما الخطابة، فرأيي لك فيها يا دكتور أن نتلاقى في حلبتها أمام جمع من الأدباء وجمهرة من السامعين ويقترح على كلينا التكلم بداهة وارتجالاً في موضوع عام من أدب أو اجتماع، فهنالك وهنالك فقط - ولست مزكياً نفسي ولكني مدافع عنها - تجد بحراً يغمرك، وأمواجاً تقطعك وتبهرك، فتندم طالباً النجاة ولات حين مناص

إلى هنا أقف، وقد طال الكلام، مرجئاً الرد على ما وازنت فيه بين (الرغبة والتهذيب) وكل ما يتعلق بهما في المقال، وذلك لأن دفعه - كما ستعرف - لابد أن يسبق بكلمة مني عن الكتابين، تريك سوء ما زينت، وهنيئاً لك الآن نفاد الصفحات دون بقية الرد والهجوم.

السباعي بيومي



مجلة الرسالة - العدد 401
بتاريخ: 10 - 03 - 1941

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...