في حلقة برنامج "كان يا مكان" الذي بثته القناة الثانية المغربية يوم السبت سابع شتنبر 2024 المخصصة للراحل عبدالكبير الخطيبي مثقفا وإنسانا في علاقته بمسقط رأسه الجديدة، نوهتُ في شهادتي بعمل الباحث المصطفى اجْماهْري الذي كان اقترب من الراحل في إطار مشروعه الكتابي عن مدينة الجديدة وجهة دكالة عموما، والذي كثيرا ما كان يحظى بتشجيع من عبد الكبير الخطيبي.
تعرفتُ على هذا الباحث، الذي يكبرني سنا، في بداية التسعينيات من القرن الماضي بمدينة الجديدة. وقد حدث ذلك حينما شاركتُ وإياه في ورشة "الكتابة والجهة" التي نظمتها جمعية دكالة بمقرها السابق سنة 1993، وهي الورشة التي نشطها عبد الكبير الخطيبي رفقة زميله الروائي كلود أوليي بحضور ومشاركة الاقتصادي الجامعي الطاهر البحبوحي والمترجم فريد الزاهي وآخرين.
في نهاية ذلك اللقاء كلّفنا عبد الكبير الخطيبي بإنجاز عمل مشترك وهو عبارة عن "ببليوغرافيا أدبية" تتعلق بما كتب عن الجديدة، مازغان خاصة أيام الحماية. لم نتمكّن وقتها من إنجاز هذا العمل لأنه كان يحتاج إلى فريق كامل وكذا إلى تمويل مناسب، ولم يكن ذلك ممكنا. وطبعا فإن عبد الكبير الخطيبي كان واعيا بالصعوبات المرتبطة بالعمل الببليوغرافي والذي كان يمكن إنجازه من قبل إحدى الكليات أو مختبرات البحث.
إلا أن الباحث المصطفى اجْماهْري لم يستسلم للعراقيل، واستغل وجوده لأكثر من سنتين بالرباط، عندما كان ينجز دبلوم الدراسات العليا في الصحافة، للتردد على المكتبة الوطنية ومكتبة لاسورس ومكتبة المعهد العالي للصحافة من أجل إنجاز ببليوغرافيا عن تاريخ مدينة الجديدة ودكالة. بمعنى أنه بدلا من "ببليوغرافيا أدبية" جعلها "ببليوغرافيا تاريخية" تضمنت قائمة كتب التاريخ والمجلات والمطبوعات ذات الطابع السياحي، والكتابات الأساسية باللغة البرتغالية عن مازغان وكذا الخرائط. وقد صدرت هذه الببليوغرافيا سنة 1994، وكانت في الواقع أول عمل بدأت به سلسلة "دفاتر الجديدة".
كان إنجاز هذا العمل وبعض الأعمال الأخرى في نفس السياق، قد تمّ بتشاور المصطفى اجماهري مع عبد الكبير الخطيبي خاصة في وقت كانا فيه متجاورين تقريبا، فمقر المعهد الجامعي للبحث العلمي بمدينة العرفان بالرباط الذي كان مديره الخطيبي، مجاور تماما لبناية المعهد العالي للصحافة، الشيء الذي كان يتيح لاجماهري الاتصال بالخطيبي في مكتبه. وكان هذا الأخير يشجعه على الاستمرار وعدم الاستسلام أمام الصعوبات المختلفة التي تعترض الباحثين المستقلين وخاصة منهم أولئك المقيمين في المدن الصغيرة. كما كانت بعض لقاءاتهما تتم بالجديدة في مكتب المحافظ السابق مصطفى الناصري رحمه الله.
ويبدو لي بأن سبب نجاح سلسلة "دفاتر الجديدة" رغم الظروف الصعبة المرتبطة بالنشر في المغرب وضعف المقروئية وضعف توزيع الكتاب، هو التزام المصطفى اجماهري بنصيحة الخطيبي الموجهة للباحثين، وهي المتعلقة بالاشتغال في إطار مشروع. وكان اجماهري قد أطلق على مشروعه التأليفي اسم "دفاتر الجديدة" مما مكّنه من تحقيق تراكم محمود استمر حتى الآن إلى أكثر من ثلاثين سنة كانت حصيلتها 25 كتابا وأكثر من مائتي مقالة كلها انصبت على مجال الجديدة ودكالة. وطبعا كان الخطيبي من المفكرين العرب والمغاربة القلائل الذين نادوا بالاشتغال في إطار مشروع متصل الحلقات، بدأه الخطيبي بسيرته الذاتية "الذاكرة الموشومة" الصادرة سنة 1971.
مراد الخطيبي
كاتب مغربي - أستاذ الدراسات الإنجليزية والترجمة بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات
تعرفتُ على هذا الباحث، الذي يكبرني سنا، في بداية التسعينيات من القرن الماضي بمدينة الجديدة. وقد حدث ذلك حينما شاركتُ وإياه في ورشة "الكتابة والجهة" التي نظمتها جمعية دكالة بمقرها السابق سنة 1993، وهي الورشة التي نشطها عبد الكبير الخطيبي رفقة زميله الروائي كلود أوليي بحضور ومشاركة الاقتصادي الجامعي الطاهر البحبوحي والمترجم فريد الزاهي وآخرين.
في نهاية ذلك اللقاء كلّفنا عبد الكبير الخطيبي بإنجاز عمل مشترك وهو عبارة عن "ببليوغرافيا أدبية" تتعلق بما كتب عن الجديدة، مازغان خاصة أيام الحماية. لم نتمكّن وقتها من إنجاز هذا العمل لأنه كان يحتاج إلى فريق كامل وكذا إلى تمويل مناسب، ولم يكن ذلك ممكنا. وطبعا فإن عبد الكبير الخطيبي كان واعيا بالصعوبات المرتبطة بالعمل الببليوغرافي والذي كان يمكن إنجازه من قبل إحدى الكليات أو مختبرات البحث.
إلا أن الباحث المصطفى اجْماهْري لم يستسلم للعراقيل، واستغل وجوده لأكثر من سنتين بالرباط، عندما كان ينجز دبلوم الدراسات العليا في الصحافة، للتردد على المكتبة الوطنية ومكتبة لاسورس ومكتبة المعهد العالي للصحافة من أجل إنجاز ببليوغرافيا عن تاريخ مدينة الجديدة ودكالة. بمعنى أنه بدلا من "ببليوغرافيا أدبية" جعلها "ببليوغرافيا تاريخية" تضمنت قائمة كتب التاريخ والمجلات والمطبوعات ذات الطابع السياحي، والكتابات الأساسية باللغة البرتغالية عن مازغان وكذا الخرائط. وقد صدرت هذه الببليوغرافيا سنة 1994، وكانت في الواقع أول عمل بدأت به سلسلة "دفاتر الجديدة".
كان إنجاز هذا العمل وبعض الأعمال الأخرى في نفس السياق، قد تمّ بتشاور المصطفى اجماهري مع عبد الكبير الخطيبي خاصة في وقت كانا فيه متجاورين تقريبا، فمقر المعهد الجامعي للبحث العلمي بمدينة العرفان بالرباط الذي كان مديره الخطيبي، مجاور تماما لبناية المعهد العالي للصحافة، الشيء الذي كان يتيح لاجماهري الاتصال بالخطيبي في مكتبه. وكان هذا الأخير يشجعه على الاستمرار وعدم الاستسلام أمام الصعوبات المختلفة التي تعترض الباحثين المستقلين وخاصة منهم أولئك المقيمين في المدن الصغيرة. كما كانت بعض لقاءاتهما تتم بالجديدة في مكتب المحافظ السابق مصطفى الناصري رحمه الله.
ويبدو لي بأن سبب نجاح سلسلة "دفاتر الجديدة" رغم الظروف الصعبة المرتبطة بالنشر في المغرب وضعف المقروئية وضعف توزيع الكتاب، هو التزام المصطفى اجماهري بنصيحة الخطيبي الموجهة للباحثين، وهي المتعلقة بالاشتغال في إطار مشروع. وكان اجماهري قد أطلق على مشروعه التأليفي اسم "دفاتر الجديدة" مما مكّنه من تحقيق تراكم محمود استمر حتى الآن إلى أكثر من ثلاثين سنة كانت حصيلتها 25 كتابا وأكثر من مائتي مقالة كلها انصبت على مجال الجديدة ودكالة. وطبعا كان الخطيبي من المفكرين العرب والمغاربة القلائل الذين نادوا بالاشتغال في إطار مشروع متصل الحلقات، بدأه الخطيبي بسيرته الذاتية "الذاكرة الموشومة" الصادرة سنة 1971.
مراد الخطيبي
كاتب مغربي - أستاذ الدراسات الإنجليزية والترجمة بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات