د. نور الدين السد - الحمار الذهبي رواية الكاتب الجزائري لوكيوس أبوليوس (121م-180م) أول عمل روائي في الفكر الإنساني

من تأليف الكاتب الجزائري لوكيوس أبوليوس، وهو من مداوروش بالقرب من سوق أهراس، في الجزائر، كتبها في العهد النوميدي باللغة اللاتينية، والحمار الذهبي (باللاتينية: Asinus aureus)، أو تحولات (Metamorphoses) رواية كوميدية، وفي النطق المحلي أفولاي، نشرت رواية الحمار الذهبي أول مرة في عام 159م تقريبًا، وتعد هذه الرواية أول رواية كاملة في التاريخ، فقد كانت هناك محاولات للكاتب نفسه قبلها لكنها وصلت منقوصة، وتتألف رواية الحمار الذهبي من 11 فصلًا.
ولد الكاتب أبوليوس (121م-180م)



في العهد النوميدي، بمدينة مدارووش Madauros المدينة الجزائرية التي تعرف بأنها شهدت تأسيس أول جامعة في التاريخ على غرار جامعات العراق في عهود الأكاديين والآشوريين والبابليين، وكل ما انتجت حضارة وادي الرافدين من علوم ومعارف، وجامعة الاسكندرية وجامعة أثينا ووجامعة قرطاج وجامعة روما.
سافر أبوليوس في شبابه إلى قرطاج المدينة الفينيقية، وفيها تعلم وتم تكريسه كاتبا كبيرا، ثم رحل إلى أثينا حيث درس الفلسفة الأفلاطونية، وقام بأسفار عديدة لتحصيل المعرفة، وسافر إلى روما وامتهن المحاماة، وسافر إلى مصر، وتوقف في طرابلس، وتعرف على أرملة غنية جدا كانت تكبره بكثير، وهي تسمى اميليا بيدونتيلا تزوجها وأوصت بتوريثه كل ما تملك بعد وفاتها، وأمام حرمان والديها من إرث ابنتهما، اتهما أبوليوس بالسحر وتسليط الأرواح على ابنتيهما لتعشقه، وتسحر به، وتوصي له بكل ما تملك، ورفعا دعوة قضائية للقنصل الروماني كلوديوس مكسيموس بطرابلس، لاسترجاع أموال ابنتهما، لكن أبوليوس كتب دفاعه بنفسه لأنه دارس للقانون، وكان قرار المحكمة براءته من الاتهامات الوجهة إليه.



كان أبوليوس خطيبا متمرسا يخطب في الجمهور العريض في عدد كبير من مدن شمال إفريقيا، كما اعتبر واحدا من أولئك السحرة المستعينين بالغيبيات والذين ينعتون دائما بأنهم ضد المسيح، ورغم كفاءاته تلك، لم يتقلد أبوليوس أي منصب رسمي في مجال القضاء.



ويعد كتابه "الحمار الذهبي" من أهم الأعمال الأدبية الخالدة التي ترجمت إلي معظم لغات العالم..
كان أبوليوس ذا موهبة عظيمة ومتنوعة، ولم تقتصر على تأليف الكتب البلاغية والخطابة فحسب، وإنما اهتم إلى جانب ذلك بالفلسفة وجميع العلوم أخرى، وكان يفخر بتنوع معارفه، وتمثل منجزات من سبقه من الفلاسفة والمفكرين الكبار أمثال؛ أرسطو وأفلاطون، وسقراط، وسواهم... وكتب أبوليوس عدة مؤلفات في الفلسفة والتاريخ والموسيقى والشعر والنحو والحساب وعلم الفلك، وعلم وضائف الأعضاء وعلوم الطبيعة، وعلوم الفلاحية وغير ذلك، ولم تصل خطبه ورسائله وأشعاره و كتاباته الفنية والعلمية الكثيرة، إلى الأجيال المتعاقبة وما وصل منها إلا القليل..
أما أهم عمل فني قام به أبوليوس فهو روايته "الحمار الذهبي"المكونة من أحد عشر جزءا.
وأهم شخصيات رواية الحمار الذهبي:
- لوكيوس: الشاب الذي تحول إلى حمار في الرواية.
- ميلو: الرجل الغني الخيل مضيف لوكيوس.
- بامفيلا: زوجة ميلو.
- فوتيس: خادمة بامفيلا زوجة ميلو.
- بيرهينا: قريبة والدة لوكيوس.



- ملخص الرواية:
مضمون رواية الحمار الذهبي أو التحولات " metamorphoses" لأبوليوس، نقلا عن مترجم الرواية إلى العربية الجزائري، أ.د. أبو العيد دودو
تعتبر رواية "الحمار الذهبي" أول رواية في تاريخ الإنسانية، وهي تروي قصة إنسان شاب يهتم بالسحر، ويحب أن يتحول إلى طير، ولكنه بالخطأ يتحول إلى حمار، وبالإضافة إلى الحدث الرئيسي، تتضمن الرواية قصصا تطول وتقصر.
بطلها أو الشخصية المركزية فيها يدعى لوكيوس، من مدينة كورنث، ينتقل لأسباب عائلية إلى مدينة هيباتا بمقاطعة تيساليا، وفي طريقه يلتقي بمسافرين، سمع من أحدهما حكاية مثيرة عن الأعمال السحرية، حركت فضوله، وعندما وصل مدينة هيباتا، نزل ضيفا على رجل غني ولكنه بخيل يدعى ميلو، والتقى في المدينة بقريبة لأمه اسمها بيرهينا، حذرته من زوجة مضيفه التي تمارس الأعمال السحرية، وعرضت عليه أن يقيم عندها تجنبا لما قد يناله بسبب زوجة مضيفه الساحرة من متاعب، ولكنه رفض عرضها حتى لا يجرح شعور مضيفه الغني البخيل، وزاد هذا التحذير من فضوله، وقوى رغبته في التعرف على هذه القوى السحرية الغامضة، وأخذ يتقرب، لبلوغ هذا الغرض من فوتيس خادمة بامفيلا، في يوم من الأيام ألح على فوتيس أن تمكنه من رؤية سيدتها، وهي تمارس أعمالها السحرية، فوعدته بتحقيق رغبته في وقت قريب، ووفت بما وعدته فعلا، وقادته إلى مكان خفي ركنا فيه، ومنه أستطاعا رؤية بامفيلا وهي تأخذ مرهما من إحدى العلب، وتدهن به جسمها، وتتحول إلى بومة، وطارت مبتعدة عن بيتها، عندها ملك الفضول عليه نفسه، فرغب أن يعيش هو نفسه تجربة التحول، فألح على الخادمة أن تستجيب لرغبته، فلم تمانع في ذلك، وحين أحضرت له المرهم المطلوب، أخطأت في تناول العلبة نفسها، فكانت نتيجة ذلك أن تحول لوكيوس بعد دهن جسده بالمرهم الخطأ إلى حمار، وراح يشاهد نفسه كيف أخذت تبرز في جسمه كل أعضاء الحمار، وكيف أخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله، الذي ظل عقل إنسان، غير أن حبيبته الخادمة وعدته بأنها ستحضر له في الصباح الموالي باقة من الورد ليأكل منها، ويستعيد شكله الإنساني، ثم قادته إلى الإسطبل، ليقضي ليلته هناك مع حصانه، وحمار مضيفه ميلو، لكن لسوء حظه، هاجم اللصوص البيت في الليلة نفسها، فحملوا المسروقات على ظهره وعلى ظهر زميليه حمار ميلو، وقادوه تحت الضربات الكثيرة الموجعة إلى مغارتهم في أحد الجبال، وكانت تقوم على خدمتهم امرأة عجوز، وفي المغارة عاش حدثا آخر مروعا، وهو أن اللصوص أحضروا معهم فتاة رائعة الجمال، كانوا قد أختطفوها يوم عرسها لابتزاز أموال أبيها، فراحت تبكي بكاء مرا تواصل طويلا، ولم تسكت إلا عندما هددتها العجوز، فراحت حينئذ تروي لها حكاية لتسليتها، هي حكاية آمور وبسيشة، أو الحب والنفس، وعندما عزم على الفرار، امتطته ففر بها، لكن اللصوص لحقوا بهما، وأعادوهما، وكان من الممكن أن يعاقبوهما عقابا شديدا، لو لم يحضر شاب إلى مغارة اللصوص، أدعى أن له تجارب كثيرة في ميدان اللصوصية، وأقترح أن يكون رئيسهم، فوافقوا على ذلك، ولم يكن هذا الشاب في واقع الأمر إلا خطيب الفتاة المختطفة، فأسكر اللصوص، ثم قيدهم وفر بخطيبته بعد أن أركبها فوق ظهر الحمار (لوكيوس)، حاولت الفتاة بعد نجاتها أن ترد للحمار جميله، فطلبت من والديها العناية به، وبعد ذلك أمرا بتسليمه إلى رئيس الإسطبل لإرساله إلى المرعى مع الخيول، لكن ما إن وصل الحمار إلى المرعى، حتى وجد معاناة جديدة في أنتظاره، فقد أستخدم في إدارة الرحى، وفرض عليه حمل الحطب من الجبل إلى السهل، ولقي معاملة قاسية من الغلام الذي يسوقه، كان عليه ذات يوم أن يحمل الحطب من جديد، وإذا بدب يظهر أمامه ويعترض طريقه، فخاف منه وهرب، لكن الخدم لحقوا به وأعادوه إلى رئيسهم، وتبدأ مرحلة جديدة من حياة لوكيوس بعد موت الفتاة، فقد سرقه رئيس الإسطبل وفر به، وبعد مغامرات أخرى وقع في يد مجموعة من رهبان الإلهة المصرية إيزيس، فكان عليه أن يحمل تمثالهم أثناء تنقلهم، وكانت له معهم تجارب مريرة أيضا، وناله منهم العذاب أكثر من مرة، ولم يسلم من سطوتهم إلا بعد أن أتهم الرهبان بسرقة قدح ذهبي وسجنوا، وأصبح له سيد آخر، فقد أشتراه طحان أستخدمه في إدارة حجر الرحى، وكانت زوجته تكره الحمار، وأنتقلت ملكيته بعد موت الطحان إلى بستاني، فعانى عنده الجوع والبرد، ومنه أنتقلت ملكيته إلى جندي، ثم إلى أخوين يعملان حلاويين وطاهيين عند أحد الأغنياء، فبدأت مرحلة رائعة بالنسبة إليه، إذ صار يأكل بشكل كافي من بقايا الأطعمة التي كان الأخوين يحضرانها من بيت سيدهم، غير أن تناوله لهذه الأطعمة سرعان ما تحول إلى نزاع بين الأخوين : إذ أتهم أحدهما الآخر بأكلها دون علمه، ثم أكتشفا السر، وحدثا سيدهما عن ذلك، فأبدى السيد أهتماما كبيرا بذوق الحمار وأشتراه منهما، وقدمه لعتيق له للعناية به، وعلمه هذا ألعابا مختلفة نالت إعجاب الخاص والعام، وأخذ يؤجره لمن يرغب في خدماته المتنوعة، من ذلك أن صاحبه قرر تقديمه في عمل مخز على المسرح، لكنه أنقذ نفسه من تلك المهزلة بالفرار منه، وأخذ التعب منه فنام حيثما اتفق له، وحين أستيقظ في منتصف الليل وجد نفسه على الشاطئ، فأغطس رأسه في البحر سبع مرات وتضرع إلى ملكة السماء أن تحرره من هيأة الحيوان وعندما عاوده النوم ظهرت له الإلهة ايزيس في حلمه، وأخبرته أنها استجابت لدعائه. وما إن وصل الموكب العظيم لتمجيد إلهة كورنث حتى لمح لوكيوس الكاهن وهو يحمل إكليلا من الورد، فأسرع إليه وأكل منه، فاستعاد في الحين هيأته البشرية، فتحدث الكاهن عن قدرة الإلهة على إحداث هذه المعجزة التي أندهش لها الناس، وأمر لوكيوس بتكريس حياته لعبادتها، فأنضم إلى الموكب المتوجه إلى البحر لتدشين سفينة، ثم عاد معه إلى معبد الإلهة، وظل بعدئذ وفيا لعبادتها إلى أن تم له في النهاية الاطلاع على أسرارها، فكان يتردد في روما على زيارة معبدها، وبعد سنة من ذلك اطلع أيضا على أسرار أوزيريس ونال الدرجة الثالثة من القدسية بعد فترة أخرى من الزمن وصار كاهنا في نظام الرهبنة.

- من خصائص رواية الحمار الذهبي أنها:
- تحمِل العديد من خصائص الرواية الكوميدية الناقدة للمجتمع الروماني، بشكل ساخر على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية، وتوجه انتقادا حادا للعقول الظلامية في ذلك العصر، وتسفيه سلوك الأباطرة في القضاء الروماني والسحرة. وهي تسعى إلى تجاوز الوعي البشري والبحث عميقًا في نفس الإنسان، وداخل خبايا اللاوعي الإنساني، وتشير إلى سقوط العقل، وتلاشي حكم المركزية الرومانية، إذ لم تعد روما كما كانت مركز الثقافة، بل انسحبت وظهرت مدن أخرى كما حدث في أثينا والإسكندرية، وتتضمن الإعلان عن انهيار الإمبراطورية الرومانية بشكل غير مباشر، وتشير إلى إفلاسها من الناحية الأخلاقية، وتتضمن فكرة عقاب الآلهة المتمثل بالمسخ، وهي فكرة قديمة لدى الإنسان، فالآلهة تعاقب الأكثر بعدًا عنها والأقرب إلى حياة الحيوانات البائسة، كما تتضمن تداخلُ العقل مع السحر والوعي واللاوعي والواقع والخيال، مما يجعلها من الروايات العجائبية الغرائية، ورواية الحمار الذهبي توظف الخطابات الدينية والفلسفية والأسطورية والصوفية وغيرها، وتتميز ببراعة الوصف، وجودة أسلوب أستاذنا ومعلمنا الأستاذ الدكتور أبوالعيد دودو الذي ترجم الرواية إلى اللغة العربية، وأبدع في ترجمتها وضوحا وتعبيرا وتبليغا، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..


__________________________
(للنص مراجع أهمها كتاب "الحمار الذهبي" لوكيوس أبوليوس ترجمة الدكتور أبوالعيد دودو، صادر عن الدار العربية للعلوم، الجزائر، 2001م. ومراجع أخرى منها
- تحولات الجحش الذهبي، لوكيوس أبوليوس، ترجمة الدكتور علي فهمي خشيم، ليبيا، ترجمة عن الإنجليزية: صادرة عن المنشأة العامة للنشر، طرابلس، ليبيا 1980م،
- الحمار الذهبي أو التحولات، لوكيوس أبوليوس، ترجمة عمار الجلاصي، تونس، عن اللاتينية، صادرة عن مؤسسة تاوالت الثقافية، 2000م.

نورالدين السد - الجزائر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...