هذه ثاني مرة أتعرض فيها للكتابة عن الأديب شريف محي الدين، وكأنه يمارس طقوسا سحرية جعلتني في المرة الأولى أتناول مجموعته القصصية الأولى( أحذية وكلمات) ، ثم للمرة الثانية أتناول روايته الأولى أيضا.
تسلمت الرواية في نهاية شهر يوليو عام ٢٠٠٠
ولم أقرأها إلا في نهاية ديسمبر لنفس العام
، وهذا لعدة أسباب أهمها
، الهجوم الخفي الشرس ضد كاتب العمل.
وقراءة الرواية في هذا الجو العاصف المحيط بها وبكاتبها، بل وبي أيضا، لن يجعلها تأخذ حقها، لذا، أبعدتها عن عيني مدة خمسة أشهر كاملة، وفي ليلة ما قابلني شريف، وسألني وكأنه يطعنني بسكين: هل تفضل عدم مناقشة الرواية؟!
عدت إلى بيتي، وبحثت عن الرواية، وقبل القراءة
هاتفت الناقد عبدالله هاشم :
هل يسيئك مناقشتي لهذا العمل؟!
فنفي الناقد الكبير بالحرف الواحد قائلا : لا.
تبدأ هذه الرواية الهامة والمهمة (مائة صفحة)
بالدكتور يوسف شوقي في حالة منولوج داخلي رهيب داخل فندق راقي، لحظة رؤيته لشيرين شوكت حبه الأول.
وفي حوار مكثف جميل وموحي بين الدكتور يوسف شوقي، وزوجته ليلى نعرف أنها غضبت وذهبت لبيت أبيها وأن له منها طفلين جميلين، ليعطي لنا الانطباع مع البداية أننا أمام رواية شيقة.
في صفحة ١٥ يبدأ يوسف شوقي في سرد حكايته مع شيرين والمواجهة النادرة بينه، وبين أستاذه يونس أدم والتى أسفرت عن اعترافات خطيرة في حياة دكتور يونس، يدهش لها طالبه الدكتور يوسف شوقي.
.
والاسم في الرواية له دلالته الكبرى (يونس في بطن الحوت والحوت هنا هو شيرين شوكت، وآدم هو أبونا جميعا، و يوسف هو المعادل للنبي يوسف عليه السلام، بنبله وعفته ومساعدة أخوته رغم غدرهم، وشوقي هو الشوق والحب الذي لم يتحصل عليه،و فريد عبدون هو الذي عبد شيرين عبادة.
أما
حسام شريف فلا هو حسام ولا شريف، إنما مجرد دمية تحركها شيرين كما يحلو لها وكما صرحت هي بنفسها.
دكتور يونس آدم يعترف بتفاصيل دقيقة مذهلة لتلميذه عن علاقته بشيرين شوكت، تلميذه الذي كان يشاركه حبها(ألا يعذر ويغفر بعد كل هذه الاعترافات لأستاذه)؟!
الإعجاز الروائي هنا في صياغة الاعتراف الكامل الحقيقي من دكتور يونس لدكتور يوسف.
استخدم شريف بعض الألاعيب الأدبية في اختياره لشخصية يوسف شوقي ليحكي على لسانه الرواية كلها من خلال أربعة محاور أساسية :
هي شيرين شوكت ويونس آدم، وفريد عبدون،، وليلى حلمي زوجة يوسف.
كان من الممكن جعل الرواية تروي على لسان بطلتها، أو حتى على لسان د يونس آدم، وكيف وقع في حبها وندمه الشديد على تحطيم مستقبل طالب جامعي هو يوسف شوقي.
وكان يمكن أن يحكي لنا فريد عبدون قصة حياته وكيف خان صديق عمره، وخطف منه حبيبته، أو حتى تروي الرواية من خلال ليلى حلمي زوجة يوسف شوقي وقصة حبها له وكيف انتشلت يوسف من الفقر والضياع، وتحدت شيرين شوكت....
لكن شريف محي الدين ارتضي لشخصية يوسف شوقي كبطل للرواية لأنه قطعة من نفسه، والعمل الأدبي حتما ولابد قطعة من نفس الأديب.
(مددت يدي إلى السلسلة التي تطوق عنقي، حاولت أن انتزعها من رقبتي ولكن يدي عادت خائبة حين اصطدمت نظرات عيني بعيني القط الأسود الخضراويين الغامضتين!! (
وقد فعل يوسف شوقي مثلما فعل جحا العربي حينما قال له أعرابي : إلى أين أنت ذاهب؟!
فقال له : إلى البيت الذي فيه زوجتي.
ليلى حلمي هي الملاذ الوحيد والأخير لزوجها يوسف شوقي.
ولكن هناك سر مغلق هو لماذا لم يستطع يوسف أن ينزع السلسلة التي بها التميمة الفرعونية من رقبته، ويلقى بها عرض الطريق مثلما فعل في مفتاح شقة شيرين شوكت... لماذا؟!
هنا السؤال والرمز أيضا فلو كان قد ألقى بالسلسلة بعد نجاحه في نزعها من تطويقة عنقه لفشلت الرواية
(وبصعوبة شديدة أمسكت بالمفتاح الذهبي ثم بعد برهة طويلة من التأمل طوحت به في عرض الطريق)
لاحظوا الرمز هنا (المفتاح الذهبي)
وكأنه سيفتح له الجنة وهي في الحقيقة النار.
.
قد يتساءل البعض عن شخصية
الفتاة ذات العيون السود التي تنظر إلى يوسف في رضا؟
وكذلك
نور المربية السودانية،التي تعامل معها برمزية شديدة ولم يفصح لنا سوي عن القليل من أبعاد شخصيتها؟!
هل هي أرض مصر السوداء الخصبة صاحبة التاريخ العريق الغامض منذ مصر الفرعونية، ونور تمثل تاريخنا لما بعد أسوان حتى السودان في أفريقيا السوداء، ونحن ضاربين بجذرونا في التاريخ الإفريقي...
وإن ما حدث في الرواية، يحدث لنا جميعا منذ أيام مصر الفرعونية، ونحن كمصريين ضحايا الإقطاع والجشع والخداع والخيانة، والتآمر، ممثلة في نفسية شيرين شوكت.
والحقيقة أنني قرأت الرواية في جلسة واحدة، ثم وقفت مشدوها معجبا محتارا فخورا مع هذا الاستيقاظ المثمر للإبداع الأدبي الرائع والراقي،
في حالة من التوهج، والاشتعال النفسي تؤكد على أهمية هذه الرواية.
والحق أقول بأنني أعترف بأن الرواية أخذت بمجامع قلبي ونفسي وعقلي، وقررت أن أقرأها للمرة الثانية، وفي هذا نجاح بكل المقاييس زمنيا ومكانيا، وجغرافيا، وسياسيا، واقتصاديا،واجتماعيا، فهي رواية متعددة الجوانب، تحتاج لمناقشة موسعة
ولقد استطاع شريف محي الدين ان ينطح الصخر برأسه، وأن يتحدى كبار الكتاب بروايته هذه، فهي وثيقة أدبية يعتز بها كبار الكتاب، على أن واحد من أصغر الأجيال سنا استطاع وبمهارة شديدة أن يقدم لقراء الأدب الحقيقين رواية ممتعة وجميلة، وهي تصلح لتحويلها إلى فيلم سينمائي او مسلسل تلفزيوني ناجح.
يا سادة يا قراء الأدب لا تستهينوا ببدايات أي كاتب موهوب، شريف محي الدين استطاع بطائر على صدر امرأة وبجدارة أن يضع قدمه على أول سلم المجد للرواية
تسلمت الرواية في نهاية شهر يوليو عام ٢٠٠٠
ولم أقرأها إلا في نهاية ديسمبر لنفس العام
، وهذا لعدة أسباب أهمها
، الهجوم الخفي الشرس ضد كاتب العمل.
وقراءة الرواية في هذا الجو العاصف المحيط بها وبكاتبها، بل وبي أيضا، لن يجعلها تأخذ حقها، لذا، أبعدتها عن عيني مدة خمسة أشهر كاملة، وفي ليلة ما قابلني شريف، وسألني وكأنه يطعنني بسكين: هل تفضل عدم مناقشة الرواية؟!
عدت إلى بيتي، وبحثت عن الرواية، وقبل القراءة
هاتفت الناقد عبدالله هاشم :
هل يسيئك مناقشتي لهذا العمل؟!
فنفي الناقد الكبير بالحرف الواحد قائلا : لا.
تبدأ هذه الرواية الهامة والمهمة (مائة صفحة)
بالدكتور يوسف شوقي في حالة منولوج داخلي رهيب داخل فندق راقي، لحظة رؤيته لشيرين شوكت حبه الأول.
وفي حوار مكثف جميل وموحي بين الدكتور يوسف شوقي، وزوجته ليلى نعرف أنها غضبت وذهبت لبيت أبيها وأن له منها طفلين جميلين، ليعطي لنا الانطباع مع البداية أننا أمام رواية شيقة.
في صفحة ١٥ يبدأ يوسف شوقي في سرد حكايته مع شيرين والمواجهة النادرة بينه، وبين أستاذه يونس أدم والتى أسفرت عن اعترافات خطيرة في حياة دكتور يونس، يدهش لها طالبه الدكتور يوسف شوقي.
.
والاسم في الرواية له دلالته الكبرى (يونس في بطن الحوت والحوت هنا هو شيرين شوكت، وآدم هو أبونا جميعا، و يوسف هو المعادل للنبي يوسف عليه السلام، بنبله وعفته ومساعدة أخوته رغم غدرهم، وشوقي هو الشوق والحب الذي لم يتحصل عليه،و فريد عبدون هو الذي عبد شيرين عبادة.
أما
حسام شريف فلا هو حسام ولا شريف، إنما مجرد دمية تحركها شيرين كما يحلو لها وكما صرحت هي بنفسها.
دكتور يونس آدم يعترف بتفاصيل دقيقة مذهلة لتلميذه عن علاقته بشيرين شوكت، تلميذه الذي كان يشاركه حبها(ألا يعذر ويغفر بعد كل هذه الاعترافات لأستاذه)؟!
الإعجاز الروائي هنا في صياغة الاعتراف الكامل الحقيقي من دكتور يونس لدكتور يوسف.
استخدم شريف بعض الألاعيب الأدبية في اختياره لشخصية يوسف شوقي ليحكي على لسانه الرواية كلها من خلال أربعة محاور أساسية :
هي شيرين شوكت ويونس آدم، وفريد عبدون،، وليلى حلمي زوجة يوسف.
كان من الممكن جعل الرواية تروي على لسان بطلتها، أو حتى على لسان د يونس آدم، وكيف وقع في حبها وندمه الشديد على تحطيم مستقبل طالب جامعي هو يوسف شوقي.
وكان يمكن أن يحكي لنا فريد عبدون قصة حياته وكيف خان صديق عمره، وخطف منه حبيبته، أو حتى تروي الرواية من خلال ليلى حلمي زوجة يوسف شوقي وقصة حبها له وكيف انتشلت يوسف من الفقر والضياع، وتحدت شيرين شوكت....
لكن شريف محي الدين ارتضي لشخصية يوسف شوقي كبطل للرواية لأنه قطعة من نفسه، والعمل الأدبي حتما ولابد قطعة من نفس الأديب.
(مددت يدي إلى السلسلة التي تطوق عنقي، حاولت أن انتزعها من رقبتي ولكن يدي عادت خائبة حين اصطدمت نظرات عيني بعيني القط الأسود الخضراويين الغامضتين!! (
وقد فعل يوسف شوقي مثلما فعل جحا العربي حينما قال له أعرابي : إلى أين أنت ذاهب؟!
فقال له : إلى البيت الذي فيه زوجتي.
ليلى حلمي هي الملاذ الوحيد والأخير لزوجها يوسف شوقي.
ولكن هناك سر مغلق هو لماذا لم يستطع يوسف أن ينزع السلسلة التي بها التميمة الفرعونية من رقبته، ويلقى بها عرض الطريق مثلما فعل في مفتاح شقة شيرين شوكت... لماذا؟!
هنا السؤال والرمز أيضا فلو كان قد ألقى بالسلسلة بعد نجاحه في نزعها من تطويقة عنقه لفشلت الرواية
(وبصعوبة شديدة أمسكت بالمفتاح الذهبي ثم بعد برهة طويلة من التأمل طوحت به في عرض الطريق)
لاحظوا الرمز هنا (المفتاح الذهبي)
وكأنه سيفتح له الجنة وهي في الحقيقة النار.
.
قد يتساءل البعض عن شخصية
الفتاة ذات العيون السود التي تنظر إلى يوسف في رضا؟
وكذلك
نور المربية السودانية،التي تعامل معها برمزية شديدة ولم يفصح لنا سوي عن القليل من أبعاد شخصيتها؟!
هل هي أرض مصر السوداء الخصبة صاحبة التاريخ العريق الغامض منذ مصر الفرعونية، ونور تمثل تاريخنا لما بعد أسوان حتى السودان في أفريقيا السوداء، ونحن ضاربين بجذرونا في التاريخ الإفريقي...
وإن ما حدث في الرواية، يحدث لنا جميعا منذ أيام مصر الفرعونية، ونحن كمصريين ضحايا الإقطاع والجشع والخداع والخيانة، والتآمر، ممثلة في نفسية شيرين شوكت.
والحقيقة أنني قرأت الرواية في جلسة واحدة، ثم وقفت مشدوها معجبا محتارا فخورا مع هذا الاستيقاظ المثمر للإبداع الأدبي الرائع والراقي،
في حالة من التوهج، والاشتعال النفسي تؤكد على أهمية هذه الرواية.
والحق أقول بأنني أعترف بأن الرواية أخذت بمجامع قلبي ونفسي وعقلي، وقررت أن أقرأها للمرة الثانية، وفي هذا نجاح بكل المقاييس زمنيا ومكانيا، وجغرافيا، وسياسيا، واقتصاديا،واجتماعيا، فهي رواية متعددة الجوانب، تحتاج لمناقشة موسعة
ولقد استطاع شريف محي الدين ان ينطح الصخر برأسه، وأن يتحدى كبار الكتاب بروايته هذه، فهي وثيقة أدبية يعتز بها كبار الكتاب، على أن واحد من أصغر الأجيال سنا استطاع وبمهارة شديدة أن يقدم لقراء الأدب الحقيقين رواية ممتعة وجميلة، وهي تصلح لتحويلها إلى فيلم سينمائي او مسلسل تلفزيوني ناجح.
يا سادة يا قراء الأدب لا تستهينوا ببدايات أي كاتب موهوب، شريف محي الدين استطاع بطائر على صدر امرأة وبجدارة أن يضع قدمه على أول سلم المجد للرواية