هاجم عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني، أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابهما " الديون في الأدب والنقد " عام 1921. مما أغضب شوقي، وترك في نفسه أثرا غاية في السوء.
وفي عام 1925 أرادت الفنانة فاطمة اليوسف أن تحتفل بعيد ميلاد عباس محمود العقاد – الذي كان محررا في مجلتها -روز اليوسف - وطلبت من محمد عبد الوهاب أن يحيي الحفل. لكنه إعتذر لأن أمير الشعرء أحمد شوقي سيغضب منه لأنه على خلاف مع العقاد، فإتصلت فاطمة اليوسف بشوقي فلم يعترض على أن يحيي عبد الوهاب الحفل. – وحضر الإحتفال الكثير من الأدباء والصحفيين من عشاق الطرب والغناء، وغنى محمد عبد الوهاب على عوده عدة أغنيات وقصائد فأبدع وإستحوذ على إعجاب الجميع وفي مقدمتهم العقاد والمازني، وكان من نتائج هذه الجلسة أن كتب العقاد في جريدة البلاغ الأسبوعي قصيدة مدح فيها جمال صوت محمد عبد الوهاب وحسن عزفه وادائه ومنها الأبيات التالية:
إيه عبد الوهاب إنك شاد .. تطرب السمع والحجى والفؤادا
قد سمعناك ليلة فعرفنا .. كيف يهوى المعذبون السهادا
واعدت الحديث في كل لحن .. فعشقنا من الحديث المعادا
ونفينا الرقاد عنا لأنا .. قد حلمنا وما غشينا الرقادا
بارك الله في حياتك للفن وابقاك للمحبين زادا
كما كتب المازني مقالة وصف فيها عبد الوهاب وهو يغني وأشاد بجمال صوته وحسن أدائه وعزفه، بل إعتبر نفسه في هذه الليلة أكثر سعادة من الإسكندر وقيصر وسليمان الحكيم.
خاف أحمد شوقي من أن يبتعد محمد عبد الوهاب عنه، ويلجأ لعدويه - العقاد والمازني - متأثرا بمدحهما له - فكتب مقالة نشرها بدون توقيع في مجلة الكشكول قال فيها: سأل إعرابي أحد المغنين: ما الغناء؟
فتغنى المغني بأبيات من الشعر وراح يلقي برأسه إلى الوراء ثم يعتدل ويتجعد وجهه وتدور عيناه. فقال الأعرابي: والله يا أخي ما يفعل بنفسه هذا عاقل.
وقد صدق فلم نر من إستملح هذه البشاعة من المغني غير المازني فقد كتب فصلا عن المغني النابغة محمد أفندي عبد الوهاب قال فيه: إنه إذا تناول العود وأصلحه وإستعد للضرب عليه يرفع رأسه حتى يكاد يمس ظهر الكرسي ويرسل طرفه إلى الفضاء.
وتلك اوصاف مفتراه ظنها المازني مما يحمد من المغنين فوصف عبد الوهاب بها، وعبد الوهاب منها براء، ولا أرى المازني - أخزاه الله - يصف مغنيا ولكنه يصف قردا وخيل إليه إنه يمدح وهو يهجو ولا شأن لنا به.
ويقول شوقي: فلينظر عبد الوهاب كيف يكون جزاء من يطرب الحمقى والجهال فلا يكافأ إلا بان يلحقوه بالقرود.
وكتب حسين شفيق المصري. – بتحريض من شوقي - مقالاً في نقد قصيدة العقاد. قائلا: هل أراد العقاد أن يمدح عبد الوهاب أم أراد أن يذمه. أن يقول :قد سمعناك ليلة فعلمنا كيف يهوى المعذبون السهادا .إذن لم تكن ليلة طرب. بل كانت ليلة شقاء.
إن عبد الوهاب لم يشج الشاعر ولكنه أشقاه وسامه سوء العذاب. وكيف يتفق هذا الشقاء والعذاب مع وصف الشاعر للمغني بإنه أطرب السمع والحجى والفؤاد.
وقد نجح أحمد شوقي فيما خطط له ونفذه فلم يحدث التقارب الذي كان يخشاه بين محمد عبد الوهاب وعدويه اللدودين: العقاد والمازني. وظل عبد الوهاب حتى وفاة شوقي في أكتوبر 1932 لا يغرد إلا على أغصان خميلة شوقي أمير الشعراء .
00
بين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ
من المعروف أن عبد الحليم حافظ ولد في قرية الحلوات التابعة لمحافظة الشرقية وكان يتيما – مات والده قبل أن يولد، وماتت أمه فور ولادته، ولم يتحمل نفقاته أحد. فأدخلته أسرته الملجأ – ثم تحول – عندما كبر لأهم مطرب عربي في وقته، وما مر به عبد الحليم حافظ من صعاب جعلته قادرا وخطيرا – ومحمد رشدي تربى مثله في الريف، لكنه يحمل صفات الريفي الطيب، فيحكي محمد رشدي بأن الملك الحسن – ملك المغرب – يدعو أهل الغناء المصريين لحفل في بلده، فيركبون جميعا الطائرة المغربية، ويأتي الصحفيون لإجراء لقاءات معهم، يسألون عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي وباقي الفرقة، وتصدر صحف الصباح وليس فيها سوى لقاءهم بعبد الحليم حافظ، الذي يحرص على أن يكون وحده في الإعلام.
ويحكي الفنان عمار الشريعي بإنه قابل أمير كويتي غني ومشهور وصديقا للفنانين، فطلب منه الأمير الكويتي أن يبلغ عبد الحليم حافظ بإنه مدعو لحفل زفاف أبناءه، فذهب عمار الشريعي لمقابلة عبد الحليم حافظ، وأبلغه بما قاله له الأمير الكويتي، فقال عبد الحليم له له باستخاف: سيبك منه.
ومر وقت طويل حتى إلتقى الأمير الكويتي بعبد الحليم حافظ، فعبر الأمير عن غضبه لأنه لم يلب دعوته، فصاح عبد الحليم وأكد بأن عمار الشريعي لم يبلغه بشيء، وأقسم بعروبته.
......
وبذكاء أم كلثوم النادر، أحست بحاجتها للتغيير، فهي في الفترة الأخيرة لا تتعامل إلا مع رياض السنباطي – الملحن الرائع – فلم تعد تقبل ألحانا من القصبجي، ووصل إختلافها مع زكريا أحمد للقضاء لمدة قاربت العشر سنوات، وكان لابد من البحث عن موسيقيين شباب يضيفوا طعما جديدا لأغانيها، فوقع إختيارها على كمال الطويل الذي سبق أن تعاملت معه في أغنية غريب على باب الرجاء - من أغانيات رابعة العدوية، وأغاني وطنية، منها والله زمان يا سلاحي،فإتصلت به تليفونيا وأبلغته برغبتها هذه، فأحس عبد الحليم بالخطر، فقد إختار عددا من الموسيقيين رأي فيهم الجودة والتجديد وعلى رأسهم كمال الطويل، فكيف تأخذه أم كلثوم منه؟! فإتفق مع صديقه مجدي العمروسي على خطة يبعد بها كمال الطويل عن أم كلثوم، فتقابل مجدي العمروسي مع كمال الطويل، فأبلغه بإنه قضى بالأمس ليلة في حفل كبير في بيت الصحفي مصطفى أمين، وكانت أم كلثوم من ضمن الحاضرين، ودار الحديث عنك، فقالت إنك تسافر بأسرتك كل عام إلى أوربا، بينما الكثير من الشعب المصري غير قادر على السفر حتى للعلاج.
فغضب كمال الطويل، وأبلغهم في بيته، بأن يقولوا لأم كلثوم إذا إتصلت به تليفونيا بإنه غير موجود – حتى ملت أم كلثوم، وبحثت عن ملحن شاب آخر، وكان هذا من نصيب بليغ حمدي الذي بدأ التلحين معها بأغنية حب إيه.
وتقابل كمال الطويل مع مصطفى أمين، وعاتبه ولامه، لأنهم يهاجمونه في بيته، فأقسم مصطفى أمين بأن هذا لم يحدث. وعندما قابل كمال الطويل مجدي العمروسي سأله عما حدث، فقال: وفيها إيه لما أقدم خدمة لصاحبي؟!
فعلي رأي شاعرنا الكبير كامل الشناوي: لا تصدق عبد الحليم حافظ إلا عندما يغني.
وفي عام 1925 أرادت الفنانة فاطمة اليوسف أن تحتفل بعيد ميلاد عباس محمود العقاد – الذي كان محررا في مجلتها -روز اليوسف - وطلبت من محمد عبد الوهاب أن يحيي الحفل. لكنه إعتذر لأن أمير الشعرء أحمد شوقي سيغضب منه لأنه على خلاف مع العقاد، فإتصلت فاطمة اليوسف بشوقي فلم يعترض على أن يحيي عبد الوهاب الحفل. – وحضر الإحتفال الكثير من الأدباء والصحفيين من عشاق الطرب والغناء، وغنى محمد عبد الوهاب على عوده عدة أغنيات وقصائد فأبدع وإستحوذ على إعجاب الجميع وفي مقدمتهم العقاد والمازني، وكان من نتائج هذه الجلسة أن كتب العقاد في جريدة البلاغ الأسبوعي قصيدة مدح فيها جمال صوت محمد عبد الوهاب وحسن عزفه وادائه ومنها الأبيات التالية:
إيه عبد الوهاب إنك شاد .. تطرب السمع والحجى والفؤادا
قد سمعناك ليلة فعرفنا .. كيف يهوى المعذبون السهادا
واعدت الحديث في كل لحن .. فعشقنا من الحديث المعادا
ونفينا الرقاد عنا لأنا .. قد حلمنا وما غشينا الرقادا
بارك الله في حياتك للفن وابقاك للمحبين زادا
كما كتب المازني مقالة وصف فيها عبد الوهاب وهو يغني وأشاد بجمال صوته وحسن أدائه وعزفه، بل إعتبر نفسه في هذه الليلة أكثر سعادة من الإسكندر وقيصر وسليمان الحكيم.
خاف أحمد شوقي من أن يبتعد محمد عبد الوهاب عنه، ويلجأ لعدويه - العقاد والمازني - متأثرا بمدحهما له - فكتب مقالة نشرها بدون توقيع في مجلة الكشكول قال فيها: سأل إعرابي أحد المغنين: ما الغناء؟
فتغنى المغني بأبيات من الشعر وراح يلقي برأسه إلى الوراء ثم يعتدل ويتجعد وجهه وتدور عيناه. فقال الأعرابي: والله يا أخي ما يفعل بنفسه هذا عاقل.
وقد صدق فلم نر من إستملح هذه البشاعة من المغني غير المازني فقد كتب فصلا عن المغني النابغة محمد أفندي عبد الوهاب قال فيه: إنه إذا تناول العود وأصلحه وإستعد للضرب عليه يرفع رأسه حتى يكاد يمس ظهر الكرسي ويرسل طرفه إلى الفضاء.
وتلك اوصاف مفتراه ظنها المازني مما يحمد من المغنين فوصف عبد الوهاب بها، وعبد الوهاب منها براء، ولا أرى المازني - أخزاه الله - يصف مغنيا ولكنه يصف قردا وخيل إليه إنه يمدح وهو يهجو ولا شأن لنا به.
ويقول شوقي: فلينظر عبد الوهاب كيف يكون جزاء من يطرب الحمقى والجهال فلا يكافأ إلا بان يلحقوه بالقرود.
وكتب حسين شفيق المصري. – بتحريض من شوقي - مقالاً في نقد قصيدة العقاد. قائلا: هل أراد العقاد أن يمدح عبد الوهاب أم أراد أن يذمه. أن يقول :قد سمعناك ليلة فعلمنا كيف يهوى المعذبون السهادا .إذن لم تكن ليلة طرب. بل كانت ليلة شقاء.
إن عبد الوهاب لم يشج الشاعر ولكنه أشقاه وسامه سوء العذاب. وكيف يتفق هذا الشقاء والعذاب مع وصف الشاعر للمغني بإنه أطرب السمع والحجى والفؤاد.
وقد نجح أحمد شوقي فيما خطط له ونفذه فلم يحدث التقارب الذي كان يخشاه بين محمد عبد الوهاب وعدويه اللدودين: العقاد والمازني. وظل عبد الوهاب حتى وفاة شوقي في أكتوبر 1932 لا يغرد إلا على أغصان خميلة شوقي أمير الشعراء .
00
بين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ
من المعروف أن عبد الحليم حافظ ولد في قرية الحلوات التابعة لمحافظة الشرقية وكان يتيما – مات والده قبل أن يولد، وماتت أمه فور ولادته، ولم يتحمل نفقاته أحد. فأدخلته أسرته الملجأ – ثم تحول – عندما كبر لأهم مطرب عربي في وقته، وما مر به عبد الحليم حافظ من صعاب جعلته قادرا وخطيرا – ومحمد رشدي تربى مثله في الريف، لكنه يحمل صفات الريفي الطيب، فيحكي محمد رشدي بأن الملك الحسن – ملك المغرب – يدعو أهل الغناء المصريين لحفل في بلده، فيركبون جميعا الطائرة المغربية، ويأتي الصحفيون لإجراء لقاءات معهم، يسألون عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي وباقي الفرقة، وتصدر صحف الصباح وليس فيها سوى لقاءهم بعبد الحليم حافظ، الذي يحرص على أن يكون وحده في الإعلام.
ويحكي الفنان عمار الشريعي بإنه قابل أمير كويتي غني ومشهور وصديقا للفنانين، فطلب منه الأمير الكويتي أن يبلغ عبد الحليم حافظ بإنه مدعو لحفل زفاف أبناءه، فذهب عمار الشريعي لمقابلة عبد الحليم حافظ، وأبلغه بما قاله له الأمير الكويتي، فقال عبد الحليم له له باستخاف: سيبك منه.
ومر وقت طويل حتى إلتقى الأمير الكويتي بعبد الحليم حافظ، فعبر الأمير عن غضبه لأنه لم يلب دعوته، فصاح عبد الحليم وأكد بأن عمار الشريعي لم يبلغه بشيء، وأقسم بعروبته.
......
وبذكاء أم كلثوم النادر، أحست بحاجتها للتغيير، فهي في الفترة الأخيرة لا تتعامل إلا مع رياض السنباطي – الملحن الرائع – فلم تعد تقبل ألحانا من القصبجي، ووصل إختلافها مع زكريا أحمد للقضاء لمدة قاربت العشر سنوات، وكان لابد من البحث عن موسيقيين شباب يضيفوا طعما جديدا لأغانيها، فوقع إختيارها على كمال الطويل الذي سبق أن تعاملت معه في أغنية غريب على باب الرجاء - من أغانيات رابعة العدوية، وأغاني وطنية، منها والله زمان يا سلاحي،فإتصلت به تليفونيا وأبلغته برغبتها هذه، فأحس عبد الحليم بالخطر، فقد إختار عددا من الموسيقيين رأي فيهم الجودة والتجديد وعلى رأسهم كمال الطويل، فكيف تأخذه أم كلثوم منه؟! فإتفق مع صديقه مجدي العمروسي على خطة يبعد بها كمال الطويل عن أم كلثوم، فتقابل مجدي العمروسي مع كمال الطويل، فأبلغه بإنه قضى بالأمس ليلة في حفل كبير في بيت الصحفي مصطفى أمين، وكانت أم كلثوم من ضمن الحاضرين، ودار الحديث عنك، فقالت إنك تسافر بأسرتك كل عام إلى أوربا، بينما الكثير من الشعب المصري غير قادر على السفر حتى للعلاج.
فغضب كمال الطويل، وأبلغهم في بيته، بأن يقولوا لأم كلثوم إذا إتصلت به تليفونيا بإنه غير موجود – حتى ملت أم كلثوم، وبحثت عن ملحن شاب آخر، وكان هذا من نصيب بليغ حمدي الذي بدأ التلحين معها بأغنية حب إيه.
وتقابل كمال الطويل مع مصطفى أمين، وعاتبه ولامه، لأنهم يهاجمونه في بيته، فأقسم مصطفى أمين بأن هذا لم يحدث. وعندما قابل كمال الطويل مجدي العمروسي سأله عما حدث، فقال: وفيها إيه لما أقدم خدمة لصاحبي؟!
فعلي رأي شاعرنا الكبير كامل الشناوي: لا تصدق عبد الحليم حافظ إلا عندما يغني.