إنّ الرواية بوصفها جنسا أدبيًّا له خصوصيته من حيث البناء الفني، تحتفظ لنفسها بخصائص فنية وأدبية تضمن لها وجودها وجنسانيتها المؤطرة وفق منظور النظرية الأدبيّة، ولا سيما بعد أن تخطَّت الرواية الحداثية نمطية الواقع، حيث تحولت الحكاية إلى حلقة بسيطة في البنية السردية المتعالية للرواية، فالواقع الذي تتوسل به الرواية ما هو غير مرتكز من جملة المرتكزات الفنية التي تنبني عليها الكتابة السردية الروائية؛ ولذا تحتاج الكتابة السردية في عموميتها إلى قارئ نموذجي يعيد بناء الرواية مرة أخرى وفق مخزونه الثقافي، وتصبح الكتابة السردية دالا على سردية أخرى تتخافى خلف البنيان السردي للكتابة الأدبية، وهذا ما يعنيه النقد بمصطلحي: ما وراء السرد meta-narration أو ما وراء الرواية meta- fiction حيث يقبع خلف البنية السردية بنية تحتية هي الغاية القصوى التي من أجلها شيّد الروائي هذه المعمارية السردية.
ولعل ما بدأت به يعد تمهيدا للموضوع الأساس: "التمثيل التاريخي في بنية الرواية" حيث الأخيرة لا تستدخل التاريخ بصورته المباشرة المحضة إلا من أجل غاية يتطلبها القصد الذاتي للمؤلف، حيث دخول التاريخ بصورته المباشرة الفجة – دون إخضاعه سرديا لأطر النظرية الأدبية يعد دخولا طرديا يتنافى مع غايات الكتابة السردية التي تتعالى على كل ما هو مباشر، حتى وإن كان هذا المباشر هو التاريخ ذاته.
إنّ الرواية تعيد تمثيل التاريخ وفق رؤى وقصديات ذاتوية تقتضي دخول التاريخ بوصفه تمثيلا ومرتكزا، حيث يتحول إلى علامة سيميائية في الكون الروائي قابلة للتأويل، فعملية التمثيل التاريخي داخل بنية الرواية؛ تقتضي انصهار التاريخ في بوتقة البنية الروائية، بل يقع التاريخ – بوصفه ممثلا – تحت سلطة السرد الروائي، ولا يتعدى التاريخ كونه أداة تتوسل بها الرواية إنفاذا للغاية التي من أجلها استدخل الروائي التاريخ في اللعبة السردية.
وما ألمحت إليه لا يتنافى مع وجود ما يسمى بالرواية التاريخية، التي تستند على التاريخ في بناء هيكلها وتجليات مضامينها، ولكن مثل هذه الروايات يجب أن تحدث حالة من المواءمة بين سرديتين: سردية الرواية، وسردية التاريخ، وهذه المواءمة تتطلب فنية متعالية يستطيع الروائي من خلالها أن يستدخل السرديتين في بنية الرواية دون أن يطغى التاريخ بصورته المباشرة على البناء الروائي الذي يستلزم شروطا فنية، وأشراطا أدبية؛ بحيث تبقى الرواية هي السلطة المطلقة التي ينقهر تحتها التاريخ.
إذا كانت الرواية التي أطالعها ترتكز على السرد التاريخي(المباشر)، حيث يصبح التاريخ هو المهيمن على العملية الإبداعية، وتتخافى البنية السردية للرواية، فنحن في حضرة السرد التاريخي لا الروائي،، وشتان بينهما، حيث لكل سردية منهما غايتها ومبتغاها، فالتاريخ يستحضر الوقائع والأحداث بصورتها التي تتطابق مع الواقع في زمنيته المقصودة، فالسرد التاريخي ناقل للتاريخ دون العبث به، وهذا يتنافى تماما مع مقصودية الجنس الروائي، الذي يتجافى فنيا وقصديا عن الواقع ليصور لنا واقعا آخرا ورؤىً مغايرة تماما، تتمايز عن الواقع بصورته النمطية المعتادة؛ ولذا يتناسى بعض الكتاب الذين يكتبون الرواية التاريخية هذا الأمر، ويقعون في محظور يخرج العمل بكليته عن الجنسانية الروائية، حيث يعي القارئ النموذجي، وهو يطالع مثل هذه الروايات، أنه واقع في براثن سردية تاريخية محضة لا علاقة لها بالسرد الروائي الذي يتمايز عن بقية السرود بخصائص فنية متعالية تضمن له وجوده في عالم الرواية، وتحفظ له خصائص جنسه الأدبي.
ولأسباب متعددة ومن أهمها الدعاية المكثفة لدور النشر، التي تلعب على وتر التلقي الشعبوي، انتشرت في الآونة الأخيرة روايات تاريخية – كما قيل عنها – ولكنها في حقيقة الأمر، ومن وجهة نظري الخاصة لا علاقة لها بالفن الروائي لا من قريب ولا من بعيد، فعندما أطالع مثل هذه الروايات، فأنا أطالع كتابا تاريخيا ينقل لنا الأحداث بحرفيتها دون رؤى مغايرة، وهنا يطرح السؤال نفسه: مالفرق إذن بين الرواية وكتب التاريخ؟
ولعل ما بدأت به يعد تمهيدا للموضوع الأساس: "التمثيل التاريخي في بنية الرواية" حيث الأخيرة لا تستدخل التاريخ بصورته المباشرة المحضة إلا من أجل غاية يتطلبها القصد الذاتي للمؤلف، حيث دخول التاريخ بصورته المباشرة الفجة – دون إخضاعه سرديا لأطر النظرية الأدبية يعد دخولا طرديا يتنافى مع غايات الكتابة السردية التي تتعالى على كل ما هو مباشر، حتى وإن كان هذا المباشر هو التاريخ ذاته.
إنّ الرواية تعيد تمثيل التاريخ وفق رؤى وقصديات ذاتوية تقتضي دخول التاريخ بوصفه تمثيلا ومرتكزا، حيث يتحول إلى علامة سيميائية في الكون الروائي قابلة للتأويل، فعملية التمثيل التاريخي داخل بنية الرواية؛ تقتضي انصهار التاريخ في بوتقة البنية الروائية، بل يقع التاريخ – بوصفه ممثلا – تحت سلطة السرد الروائي، ولا يتعدى التاريخ كونه أداة تتوسل بها الرواية إنفاذا للغاية التي من أجلها استدخل الروائي التاريخ في اللعبة السردية.
وما ألمحت إليه لا يتنافى مع وجود ما يسمى بالرواية التاريخية، التي تستند على التاريخ في بناء هيكلها وتجليات مضامينها، ولكن مثل هذه الروايات يجب أن تحدث حالة من المواءمة بين سرديتين: سردية الرواية، وسردية التاريخ، وهذه المواءمة تتطلب فنية متعالية يستطيع الروائي من خلالها أن يستدخل السرديتين في بنية الرواية دون أن يطغى التاريخ بصورته المباشرة على البناء الروائي الذي يستلزم شروطا فنية، وأشراطا أدبية؛ بحيث تبقى الرواية هي السلطة المطلقة التي ينقهر تحتها التاريخ.
إذا كانت الرواية التي أطالعها ترتكز على السرد التاريخي(المباشر)، حيث يصبح التاريخ هو المهيمن على العملية الإبداعية، وتتخافى البنية السردية للرواية، فنحن في حضرة السرد التاريخي لا الروائي،، وشتان بينهما، حيث لكل سردية منهما غايتها ومبتغاها، فالتاريخ يستحضر الوقائع والأحداث بصورتها التي تتطابق مع الواقع في زمنيته المقصودة، فالسرد التاريخي ناقل للتاريخ دون العبث به، وهذا يتنافى تماما مع مقصودية الجنس الروائي، الذي يتجافى فنيا وقصديا عن الواقع ليصور لنا واقعا آخرا ورؤىً مغايرة تماما، تتمايز عن الواقع بصورته النمطية المعتادة؛ ولذا يتناسى بعض الكتاب الذين يكتبون الرواية التاريخية هذا الأمر، ويقعون في محظور يخرج العمل بكليته عن الجنسانية الروائية، حيث يعي القارئ النموذجي، وهو يطالع مثل هذه الروايات، أنه واقع في براثن سردية تاريخية محضة لا علاقة لها بالسرد الروائي الذي يتمايز عن بقية السرود بخصائص فنية متعالية تضمن له وجوده في عالم الرواية، وتحفظ له خصائص جنسه الأدبي.
ولأسباب متعددة ومن أهمها الدعاية المكثفة لدور النشر، التي تلعب على وتر التلقي الشعبوي، انتشرت في الآونة الأخيرة روايات تاريخية – كما قيل عنها – ولكنها في حقيقة الأمر، ومن وجهة نظري الخاصة لا علاقة لها بالفن الروائي لا من قريب ولا من بعيد، فعندما أطالع مثل هذه الروايات، فأنا أطالع كتابا تاريخيا ينقل لنا الأحداث بحرفيتها دون رؤى مغايرة، وهنا يطرح السؤال نفسه: مالفرق إذن بين الرواية وكتب التاريخ؟