د. حسام الدين فياض - منهج المسح الاجتماعي والدراسات الوصفية

يعتبر منهج المسح الاجتماعي من أكثر المناهج استخداماً في الدراسات الاجتماعية الوصفية، وذلك لأن كثيراً من الباحثين يعتمدون على هذا المنهج لدراسة الأوضاع الراهنة والتعرف على المتغيرات الاجتماعية وكيف يمكن الاستفادة من نقاط القوة والضعف الموجودة بأي قطاع في حالة دراسته وتقييمه.
وفي هذا السياق سوف نسعى إلى توضيح منهج المسح الاجتماعي الذي يستخدم في الدراسات الكمية بالاعتماد على الطرق الإحصائية.

1- تعريف المسح الاجتماعي
: بأنه محاولة منظمة لتقرير وتحليل وتفسير الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو جماعة معينة. فهو دراسة عملية علمية للظواهر الاجتماعية الموجودة في جماعة معينة وفي مكان معين.
إنه ينصب على الظواهر الحالية، ويتناول أشياء موجودة بالفعل وقت إجراء المسح وليست في فترة ماضية وأخيراً يسعى إلى تعميم النتائج للاستفادة منها في وضع الخطط والبرامج لإجراء الإصلاح الاجتماعي. ويستخدم استمارات مقننة للحصول على البيانات من عدد كبير من المبحوثين من مجتمع الدراسة.
وفي النهاية يعتبر منهج المسح الاجتماعي أحد أكثر مناهج البحث العلمي شيوعاً واستخداماً بالدراسات الوصفية على وجه الخصوص، ويهدف إلى الجمع المنظم للمعلومات والبيانات عن فئة معينة من البشر أو ظاهرة معينة في ظل ظروف معينة، وغالباً ما تتضمن هذه المعلومات الأحوال الاجتماعية للفئة محل الدراسة وأنشطتهم وغيرها من المعلومات ذات الصلة. أو منهج المسح الاجتماعي أحد المناهج العلمية المستخدمة عند وجود عدد كبير من المفحوصين أو المستجيبين، ومن ثم يلزم ذلك التعرف على بيانات ومعلومات دقيقة، ويكون ذلك من خلال التواصل المباشر، أو عبر البريد العادي، أو الوسائل الإلكترونية الحديثة، التي أصبحت تمثل نقلة نوعية في إجراء ذلك الصنف من الأبحاث، وسهلت الأمور لأقصى درجة، مع اختصار الوقت الذي كان يتم فيه إجراء تلك النوعية من المسوح، حيث كان يتطلب ذلك في بعض الأوقات سنوات. أو المسح الاجتماعي هو محاولة منظمة للحصول على معلومات من جمهور معين أو عينة منه، وذلك عن طريق استخدام استمارات البحث أو المقابلات، فالوظيفة الأساسية للمسح هي توفير المعلومات حول موقف أو مجتمع أو جماعة.
وهكذا يعتبر المسح الاجتماعي من أكثر الأساليب انتشاراً في دراسة الظواهر الاجتماعية، وهو يدخل ضمن الدراسات الوصفية* التي تعتبر دراسات مسحية. بل إن منهج المسح الاجتماعي يقوم على دراسة الوحدة الاجتماعية في جميع أبعادها وعواملها المكونة في زمان ومكان محددين· وهي بذلك تتيح التعرف إلى المفاصل التي تحتاج إلى دراسات أكثر تعمقاً، ومن الواضح أن استخدام المسح بطريقة العينة كان واحداً من التطورات الهامة في البحث الاجتماعي.

2- أهمية منهج المسح الاجتماعي: يعتبر المسح الاجتماعي من أهم الأدوات المستخدمة لدراسة المشكلات والأحداث والظواهر الاجتماعية، فهو وسيلة هامة لتقييم ودراسة الأوضاع والمشكلات الإنسانية بهدف التوصل لحلول مناسبة لها والتنبؤ بالأوضاع المرتقبة أو المستقبلية، ويمكن الاستعانة به لقياس توجهات الرأي العام وبالتخطيط القومي من أجل تنمية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز الرفاه الاجتماعي خلال فترة زمنية معينة، وينتشر استخدم المسح الاجتماعي في أبحاث الاتصال الجماهيري وأبحاث توجهات الرأي عام، فهو وسيلة هامة وفعالة لقياس تأثير المواد الإعلامية على الجمهور وتقييم أثرها بتشكيل توجهات الرأي العام " نحو مختلف الموضوعات وإعادة النظر في أساليب العمل بحيث يمكن تدارك الأخطاء وإدخال التحسينات اللازمة التي يطالب بها الجمهور. كما يساعد في اكتشاف العلاقات القائمة بين الظواهر وجمع المعلومات اللازمة لتكوين نظرية شاملة يمكن بمقتضاها إيجاد حل منطقي ومعقول للقضية المدروسة ".

3- أنواع المسح الاجتماعي: ينقسم المسح الاجتماعي من حيث الموضوع إلى قسمين: مسح (عام) ويقصد به المسح الذي يتناول جميع الجوانب الاجتماعية مثل التعليم والصحة والإسكان والاقتصاد وغيرها من الجوانب ضمن مجتمع معين مهما كان حجم هذا المجتمع بهدف تحديد أوجه الارتباط بين أفراده، والمسح (الخاص) ويهدف إلى دراسة جانب من معين من الجوانب الاجتماعية مثل الخدمات التعليمية لفئة معينة تسمى مجتمع الدراسة مثل المدارس الابتدائية في سورية على سبيل المثال.
ومن حيث المجتمع ينقسم المسح الاجتماعي إلى قسمين: المسح (الشامل) حيث تجمع المعلومات والبيانات ذات الصلة بمشكلة البحث عبر الحصر الشامل لجميع أفراد مجتمع البحث، والمسح (بطريقة العينة) حيث تجمع البيانات والمعلومات عن عدد محدد من الحالات ثم تعمم بعد ذلك على جميع طوائف مجتمع البحث وهذا النوع هو الأكثر شيوعاً واستخداماً ويعزى ذلك إلى قلة التكاليف اللازمة لإجرائه.
ومن حيث الإطار الزمني ينقسم المسح الاجتماعي إلى ثلاثة أقسام: المسح (القبلي) وينفذ قبل إجراء الدراسة، والمسح (الدوري) وينفذ على فترات منتظمة أثناء الدراسة للتحديد مدى نجاحها وللتعرف على المعوقات التي تقف في طريقها، والمسح (البعدي) وينفذ بعد الانتهاء من الدراسة للتحديد نتائجها وردود الأفعال تجاهها.

4- مجالات وحدود المسح الاجتماعي: في حقيقة الأمر تتسع مجالات المسح الاجتماعي لتتناول بالدراسة موضوعات اجتماعية مختلفة لتغطي جوانب الحياة الاجتماعية كلها، مثل دراسة أحوال الأفراد والجماعات من مختلف الطبقات والمستويات والمشكلات والقضايا الاجتماعية المختلفة، وتتسع لتشمل مختلف القضايا الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية وفئات المجتمع وطبقاته، والفروق بين فئاته.
كما وتهتم المسوح الاجتماعية بدراسة الظروف الاجتماعية التي يعيشها أفراد مجتمع معين وذلك بقصد تجميع المعلومات اللازمة لحل المشاكل التي تواجه هذا المجتمع والاستفادة منها في برامج التخطيط وفي برامج التنمية، والتعرف على اتجاهات الرأي العام.
وهذا كله لا يتأتى إلا بالقيام بالمسح الاجتماعي. فعلماء الاجتماع الذين يرغبون في إنتاج بيانات إحصائية موثوقة عادةً ما يقومون بإجراء مسح اجتماعي.
- يستخدم المسح الاجتماعي بمجالات عديدة من أهمها:

أ. دراسة الخصائص الديموغرافية والبيئية لأحد الفئات المجتمعية، حيث تجمع البيانات والمعلومات ذات الصلة بالظروف المعيشية والبيئية للأسرة مثل: الجنس والنوع والدين والمستوى التعليمي وعدد الأبناء والحالة الاجتماعية وما إلى ذلك.
ب. دراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لفئة مجتمعية، حيث تجمع البيانات ذات الصلة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مثل: مستويات المعيشة ومستويات الدخل والأنشطة الاجتماعية المختلفة.
ج. دراسة الجوانب الثقافية مثل التقاليد والعادات والقيم والمعايير الأخلاقية والسلوكية.
د. دراسة توجهات المجتمع ودوافعه وآرائه.

5- أدوات المسح الاجتماعي: يتوقف نوع الأداة المستخدمة في المسح الاجتماعي على موضوع الدراسة وخطة المسح ونوع المعلومات المراد جمعها، ويلاحظ أن المسح الاجتماعي لا يكتفي بأداة واحدة في جمع البيانات وإنما يستعين بمعظم الأدوات المستخدمة في البحوث الاجتماعية وأهمها: الاستبيان، الملاحظة، المقابلة.

6- مزايا وعيوب منهج المسح الاجتماعي
: يعتقد أنصار المنهج المسح الاجتماعي أنه يمكننا التوصل إلى نتائج أكثر صدقاً من النتائج التي نتوصل إليها من خلال الملاحظات المكثفة أو المقابلات المقننة.
وعلى الرغم من أن المسح الاجتماعي هو جزء من الدراسات الوصفية التي تهتم بمعرفة المعلومات الدقيقة المتعلقة بموضوع البحث، لكن هناك بعض المثالب التي ترتبط بالمسح أكثر من غيره من أنواع ومناهج البحث الاجتماعي، منها:
أ. إن المسح الاجتماعي يحتاج إلى وقت أطول نسبياً خاصة في حالة المسوح الشاملة.
ب. إن المسح الاجتماعي يركز على الأبعاد الكمية المستعرضة أكثر من تركيزه على التعمق في الظواهر المدروسة.
ج. إن خطأ جمع البيانات قد تكون أكثر في المسوح الاجتماعية عن غيره من طرق البحث الاجتماعي.
د. على الرغم من أن المسوح الاجتماعية الحديثة تتضمن الجانبين النظري والعملي، إلا أنه يصعب الاعتماد على المسح في إصدار تعميمات واسعة أو في الوصول إلى نظريات علمية.
هـ. إن المسح الاجتماعي محدود في مدى الاعتماد عليه كمنهج في البحث، فإذا كانت العينة كبيرة قسمت إلى فئات. لذا نجد أنه من الصعب الاعتماد على ثبات النتائج.​
ختاماً، يوفر المسح الاجتماعي قاعدة معلومات مفصلة يستعان بها لأغراض التخطيط والتنمية المجتمعية ولتطوير السياسات والاستراتيجيات ولتلبية المتطلبات المختلفة للفئات المجتمعية بمختلف أنواعها.
[HR][/HR]
* تتجه الدراسات الوصفية إلى الوصف الكمي أو الكيفي للظواهر الاجتماعية المختلفة بالصورة التي هي عليها في المجتمع للتعرف على تركيبها وخصائصها.
· تطبق طريقة المسح الاجتماعي إما على كامل مفردات المجتمع أو الظاهرة المدروسة أو على عينة محدودة تمثل المجتمع أو الظاهرة.

المرجع المعتمد:
- من كتاب حسام الدين فياض: تقنيات كتابة البحوث الاجتماعية - منهجية إعداد وتصميم خطة البحث من الألف إلى الياء، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب الخامس، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2023.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...