قبل سنوات قال د. وائل الكردي بأن ما أكتبه ينتمي للفلسفة الوجودية، ولم أكن ملتفتاً إلى ما قاله إذ لست منهمماً بالفلسفة كعلم وإنما كتثقف عام حيث أن لها أساتذتها المتعمقين فيها، غير أني حين أعدت قراءة نص "ممشى الولد والكلب" فوجئت بأنها تطبيق أدبي متشائم للوجودية كما عبر عنها سارتر في كتابه "الوجودية مذهب إنساني". وكانت هناك جملة لفتت انتباهي في المسرد الحكائي وهي : (الأشياء تصنع ولا توجد؛ أما ما يوجد فليست الأشياء وإنما الوجود نفسه). وأقول بأنها لفتت انتباهي لأنها -في تقديري- كانت أكثر دقة من حيث استخدام مفردتي "شيء" و "الموجود"، حيث تمنح الموجودات ماهيتها لتكون أشياء. خلافاً لاستخدام سارتر لمفردة "شيء" دون تمييز عن الموجودات أنطولوجياً. وأقول: حين أعدت القراءة، لأنني لا أتذكر كل ما أكتبه إذ يكون وليد اللحظة التي دفعت بي للكتابة على منهج اللا معقول كأحد منتجات الفلسفة الوجودية ولكن الأكثر تشاؤما وقد خطها صمويل بيكيت وآدموف ويونيسكو كرد فعل، أو كسابقيهم مثل ألفريد قاري وخاصة في "أوبو عبداً"، وكان ذلك افتتاحية نص "ممشى الولد والكلب". وربما أبعد منهم بكثير حين أراجع المسرح اليوناني القديم. ليس فقط لبعض الكتابات التي بثت روح العبثية عبر أسلوبها بل لأن المسرح اليوناني في رأيي كان مسرحاً ساخراً من الآلهة أكثر منه مجرد منفعل بالأسطورة الغيبية. إن ضارعات إسخيلوس ومسرحيات يوربيديس وغيرهما إنما يؤكدان وهم أساطير الآلهة اليونانية وعبثيتها ولا عقلانيتها، ومن خلال ذلك لا ينفي المسرحيون اليونانيون فقط اللا جدوى بل حتى الماهية التي تلي الوجود. ولقد انتبهت لذلك وأنا أقرأ النص ومؤلف سارتر فوجدت أن هذا النص بذرة تلاقح غير مقصود بينه وبين الفلسفة الوجودية. وربما كان ذلك ناتجاً عن الظروف السلبية التي كتبتُ فيها هذا النص. وربما لأن الفلسفات بشكل عام تنطلق من موقف نفسي ثم تُمنطق، ثم تنمو عبر الديالكتيك. لكن في كل الأحوال هناك لطف ما يحوم حين تعيد قراءة ما كتبت ، إذ تكتشف عندها أن الكتابة الحرة لا تنتج عنك بل عن شياطينك.