يظل فن القص من الفنون المراوغة الذي يعطي بقدر عطاء متعاطيه، فالقصة القصيرة قادرة على التشكل، وتنحت نفسها بدرجات متفاوتة ما بين الشكل والمضمون، الواقعية، واللا واقعية، الرمز والمباشرة، الغنائية الذاتية وعالم الآخر، البوح والاعتراف في مقابل الايهام... وغيرها من الملامح التي تتبدي في القصة القصيرة طوال تاريخها، وبدرجات متفاوتة.
راودتني تلك الفكرة مع الانتهاء من قراءة مجموعة قصص طريق النخيل للقاص شريف محيي الدين.
صدرت المجموعة عن دار الوفاء بالإسكندرية، وهي المجموعة الثانية له، والكتاب الإبداعي السابع له. الكاتب صدر له من قبل روايتين، ومسرحيتين، بالإضافة إلى مجموعته القصصية الأولى، والتى صدرت في عام ١٩٩٨
تتشكل المجموعة من أربع عشرة قصة قصيرة، متفاوتة الطول، و إن اتسمت كلها بالقصر المعتاد (ما بين صفحتين إلى ثلاث أربع صفحات)
تضم المجموعة عناوين القصص :
نورا، أشياء باقية، مواجهة، تراجع، الأميرة والصعلوك، هو وهي، عبدالله، الشيخ مصباح، الوجع، جواز سفر، صعود السلم، رقصة الموت، طريق النخيل، صفر.
تكشف عنواين القصص بداية من اسم المجموعة إلى بقية القصص عن أحادية الفكرة التي قد تتضمنها القصة، مع النظر إلى كون عنوان المجموعة هو عنوان إحدى القصص بها.
في قصة نورا يقع الراوي في حب نورا التي تجاهلته فقرر أن يتجاهلها.
قصة أشياء باقية، يبدو وكأنه يناقش قضية تخليص المريض بالأمراض المزمنة بالموت أو بالقتل كما فعل الراوي وبرر ما فعله لحظة خروجه من السجن.
قصة مواجهة، حوار بين زوج خان زوجته، ويتهم زوجته بالخيانة وقد بررت فعلتهابقولها: إذا كنت أنت خائن فأنا مثلك تماما.
قصة تراجع، حوار بين شاب وشابة متحابين إلا أن الفقر يمنع الشاب من التقدم للزواج بها، ويقرر في نهاية الأمر ترك فكرة الزواج والاكتفاء بكون حبيبته صديقة.
قصة الأميرة والصعلوك، تبدو على فكرة سابقتها وإن تبدلت الشخصيات من عصرية إلى أميرة وصعلوك.
القصتان يعبران على قدر معاناة الشباب في الحصول على الحب المتوازن، أو المثمر.
قصة هو وهي، تبدو من واقع الحياة المعاشة، حيث يقع شيخ في العقد الخامس من العمر في حب شابة تصغره بعقود... يفقد أسرته،وأمواله،وصحته، وعندما تركته الزوجة الصغيرة زاد مرضه حتى عادت فشعر أنه في حاجة إليها أكثر.
قصة عبدالله، عزيز عبدالمولى صاحب سطوة وقادر على ضرر الآخرين، وعندما تصدي له عبدالله بطل القصة، بعد جهد جهيد، سعى لقتله، ولا ندري هل هو قتله فعلا أم لا!!
فهو على قناعة بأن عزيز هذا في كل مكان، وأن هناك ألف عزيز.
الكاتب يختم القصة بالكلمات (تسقط المديةمن يده، حين أدرك أن عزيز مجرد واحد من سكان البلدة، الموزعون في كل مكان... ذوي الوجوه الحائرة... الحزينة... الخائفة.)
قصة الشيخ مصباح، تتردد أحيانا بعض المبالغات الشعبية لابرازتجليات بعض الشيوخ في مماتهم، لعلهم بذلك يبررون المزيد من التعلق بمدافنهم، وسيراتهم، أو ربما بالقيم التي يروجونها.
وتلك القصة تقص واحدة من تلك المبالغات الشعبية حول أحدهم راهن على نبش قبر الشيخ مصباح، إلا أنه تعرض للهلاك البطئ، وربما للجنون لهول ما شاهد.
قصة الوجع، تعرض لفكرة الثأر، وكيف أن أحدهم يشعر بالورطة لتكليفه بأخذ ثأر عائلته، لمقتل أخيه، خصوصا أن المطلوب قتله هو صديقه... وفي النهاية لا يقتله.
قصة جواز سفر، تتناول موضوع قل تناوله للحساسية الإجتماعية حيث يقع رجل في عمر الشيوخ في حب الصغيرة التي بدورها تقيم علاقة شائنة مع ابنه الذي يماثلها في العمر!
تبدأ القصة بلحظة ضبط الرجل لزوجته مع الابن، َتنمو الانفعالات الداخلية عند الرجل طوال القصة، ولم يجد مفرا سوي في جواز السفر ليسافر بعيدا.
قصة صعود السلم، لعلها أطول قصص المجموعة، وأكثرها إثارة للتساؤل، فقد تخير الكاتب موضوع غيبي، لم يشأ أن يقرر رأيا فيه، و إن بدا أحيانا متعاطفا مع الفكرة... ألا وهي التحدث بل والتعامل مع الموتى وكأنهم أحياء، إما من فرط حبنا لهم، أو لحاجتنا إليهم.
كان ذلك من خلال علاقة بين صديقين أحدهما صاحب درجة علمية رفيعة، والآخر تقليدي، ومع رفض الرجل العلمي لمقولات الآخر حول ما يدور بينه وبين أحد الموتى، تنتهي القصة بأنه اكتشف موت صديقه منذ سنوات!!
قصة رقصة الموت، تعد مناجاة غنائية حول الحزن وأشجان الموت وأفاعيله.
قصة طريق النخيل، هي قصة حياة بدأها القاص بشاب جامعي وانتعي به كهلا، وما بين المرحلتين بدت بعض من ملامح قسوة الحياة.
قصة صفر، هي قصة غنائية يشكو فيها الراوي /القاص وحدته، والامه، ومشاعره التي تقهره، فهو ليس أكثر من صفر.
تتجلى قصص المجموعة في عدد من الملامح الفنية :
غلبة استخدام القاص لضمير المتكلم مع قلة الشخصيات (أكثر من قصة لشخصية وحيدة)
وبلا أمكنة، واضحة المعالم، مما جعلها غنائية أقرب إلى روح الشعر.
الموضوعات تبدو ذاتية وإن سعى القاص إلى تعميم التجربة على الآخرين.
مثل قصة عبدالله.
كما أن قصتين بدتا على غير نسيج بقية القصص، وهما جواز سفر، وصعود السلم، لذا كان سردهما مماثلا بنظام تقسيم القصة أما بأرقام أو بالتنقيط.
كذلك كان لموضوع الأخذ بالثأر مكانه في قصص المجموعة.
ثم أخيرا وظف القاص بعض المقولات والحكايات الشعبية في سرده، كما في قصة الأميرة و الصعلوك، والشيخ مصباح.
إسلوب القاص يعتمد على الجمل القصيرة، والكلمات الحادة القاطعة، قليل الوصف والافاضة الزائدة التي قد لا تفيد القص.
تبدو القصص وكأنها حالة يعيشها الكاتب وتنقلها القصص، فيستشعر القارئ بالوحدة، والألم الجليل، الشعور بمعاناة ما.
إلا أنه يبقى السؤال : لماذا؟!
من حق القارئ دوما أن يعرف إجابة السؤال لماذا؟
في كل معطيات القصة، وهو ما بدا شحيحا في بعض القصص، لذا بدت ذاتية وغنائية أيضا.
تبدو الشخصيات غالبا بلا ملامح، بلا أسماء أحيانا، ينقلنا الكاتب إلى قلب الحدث /الحالة، وعلى القارئ استكمال ما تبقى.
القاص شريف محي الدين من جيل القرن الجديد، يحمل معاناة هذا الجيل، وان عالج معاناته بطريقته التي ترسم ملامح شخصيته القصصية كمبدع جاد، يسعى للتحقق، وقد بدأ خطواته بسرعة وجدية واضحة، ولن تتجاهله الأقلام النقدية مستقبلا.
راودتني تلك الفكرة مع الانتهاء من قراءة مجموعة قصص طريق النخيل للقاص شريف محيي الدين.
صدرت المجموعة عن دار الوفاء بالإسكندرية، وهي المجموعة الثانية له، والكتاب الإبداعي السابع له. الكاتب صدر له من قبل روايتين، ومسرحيتين، بالإضافة إلى مجموعته القصصية الأولى، والتى صدرت في عام ١٩٩٨
تتشكل المجموعة من أربع عشرة قصة قصيرة، متفاوتة الطول، و إن اتسمت كلها بالقصر المعتاد (ما بين صفحتين إلى ثلاث أربع صفحات)
تضم المجموعة عناوين القصص :
نورا، أشياء باقية، مواجهة، تراجع، الأميرة والصعلوك، هو وهي، عبدالله، الشيخ مصباح، الوجع، جواز سفر، صعود السلم، رقصة الموت، طريق النخيل، صفر.
تكشف عنواين القصص بداية من اسم المجموعة إلى بقية القصص عن أحادية الفكرة التي قد تتضمنها القصة، مع النظر إلى كون عنوان المجموعة هو عنوان إحدى القصص بها.
في قصة نورا يقع الراوي في حب نورا التي تجاهلته فقرر أن يتجاهلها.
قصة أشياء باقية، يبدو وكأنه يناقش قضية تخليص المريض بالأمراض المزمنة بالموت أو بالقتل كما فعل الراوي وبرر ما فعله لحظة خروجه من السجن.
قصة مواجهة، حوار بين زوج خان زوجته، ويتهم زوجته بالخيانة وقد بررت فعلتهابقولها: إذا كنت أنت خائن فأنا مثلك تماما.
قصة تراجع، حوار بين شاب وشابة متحابين إلا أن الفقر يمنع الشاب من التقدم للزواج بها، ويقرر في نهاية الأمر ترك فكرة الزواج والاكتفاء بكون حبيبته صديقة.
قصة الأميرة والصعلوك، تبدو على فكرة سابقتها وإن تبدلت الشخصيات من عصرية إلى أميرة وصعلوك.
القصتان يعبران على قدر معاناة الشباب في الحصول على الحب المتوازن، أو المثمر.
قصة هو وهي، تبدو من واقع الحياة المعاشة، حيث يقع شيخ في العقد الخامس من العمر في حب شابة تصغره بعقود... يفقد أسرته،وأمواله،وصحته، وعندما تركته الزوجة الصغيرة زاد مرضه حتى عادت فشعر أنه في حاجة إليها أكثر.
قصة عبدالله، عزيز عبدالمولى صاحب سطوة وقادر على ضرر الآخرين، وعندما تصدي له عبدالله بطل القصة، بعد جهد جهيد، سعى لقتله، ولا ندري هل هو قتله فعلا أم لا!!
فهو على قناعة بأن عزيز هذا في كل مكان، وأن هناك ألف عزيز.
الكاتب يختم القصة بالكلمات (تسقط المديةمن يده، حين أدرك أن عزيز مجرد واحد من سكان البلدة، الموزعون في كل مكان... ذوي الوجوه الحائرة... الحزينة... الخائفة.)
قصة الشيخ مصباح، تتردد أحيانا بعض المبالغات الشعبية لابرازتجليات بعض الشيوخ في مماتهم، لعلهم بذلك يبررون المزيد من التعلق بمدافنهم، وسيراتهم، أو ربما بالقيم التي يروجونها.
وتلك القصة تقص واحدة من تلك المبالغات الشعبية حول أحدهم راهن على نبش قبر الشيخ مصباح، إلا أنه تعرض للهلاك البطئ، وربما للجنون لهول ما شاهد.
قصة الوجع، تعرض لفكرة الثأر، وكيف أن أحدهم يشعر بالورطة لتكليفه بأخذ ثأر عائلته، لمقتل أخيه، خصوصا أن المطلوب قتله هو صديقه... وفي النهاية لا يقتله.
قصة جواز سفر، تتناول موضوع قل تناوله للحساسية الإجتماعية حيث يقع رجل في عمر الشيوخ في حب الصغيرة التي بدورها تقيم علاقة شائنة مع ابنه الذي يماثلها في العمر!
تبدأ القصة بلحظة ضبط الرجل لزوجته مع الابن، َتنمو الانفعالات الداخلية عند الرجل طوال القصة، ولم يجد مفرا سوي في جواز السفر ليسافر بعيدا.
قصة صعود السلم، لعلها أطول قصص المجموعة، وأكثرها إثارة للتساؤل، فقد تخير الكاتب موضوع غيبي، لم يشأ أن يقرر رأيا فيه، و إن بدا أحيانا متعاطفا مع الفكرة... ألا وهي التحدث بل والتعامل مع الموتى وكأنهم أحياء، إما من فرط حبنا لهم، أو لحاجتنا إليهم.
كان ذلك من خلال علاقة بين صديقين أحدهما صاحب درجة علمية رفيعة، والآخر تقليدي، ومع رفض الرجل العلمي لمقولات الآخر حول ما يدور بينه وبين أحد الموتى، تنتهي القصة بأنه اكتشف موت صديقه منذ سنوات!!
قصة رقصة الموت، تعد مناجاة غنائية حول الحزن وأشجان الموت وأفاعيله.
قصة طريق النخيل، هي قصة حياة بدأها القاص بشاب جامعي وانتعي به كهلا، وما بين المرحلتين بدت بعض من ملامح قسوة الحياة.
قصة صفر، هي قصة غنائية يشكو فيها الراوي /القاص وحدته، والامه، ومشاعره التي تقهره، فهو ليس أكثر من صفر.
تتجلى قصص المجموعة في عدد من الملامح الفنية :
غلبة استخدام القاص لضمير المتكلم مع قلة الشخصيات (أكثر من قصة لشخصية وحيدة)
وبلا أمكنة، واضحة المعالم، مما جعلها غنائية أقرب إلى روح الشعر.
الموضوعات تبدو ذاتية وإن سعى القاص إلى تعميم التجربة على الآخرين.
مثل قصة عبدالله.
كما أن قصتين بدتا على غير نسيج بقية القصص، وهما جواز سفر، وصعود السلم، لذا كان سردهما مماثلا بنظام تقسيم القصة أما بأرقام أو بالتنقيط.
كذلك كان لموضوع الأخذ بالثأر مكانه في قصص المجموعة.
ثم أخيرا وظف القاص بعض المقولات والحكايات الشعبية في سرده، كما في قصة الأميرة و الصعلوك، والشيخ مصباح.
إسلوب القاص يعتمد على الجمل القصيرة، والكلمات الحادة القاطعة، قليل الوصف والافاضة الزائدة التي قد لا تفيد القص.
تبدو القصص وكأنها حالة يعيشها الكاتب وتنقلها القصص، فيستشعر القارئ بالوحدة، والألم الجليل، الشعور بمعاناة ما.
إلا أنه يبقى السؤال : لماذا؟!
من حق القارئ دوما أن يعرف إجابة السؤال لماذا؟
في كل معطيات القصة، وهو ما بدا شحيحا في بعض القصص، لذا بدت ذاتية وغنائية أيضا.
تبدو الشخصيات غالبا بلا ملامح، بلا أسماء أحيانا، ينقلنا الكاتب إلى قلب الحدث /الحالة، وعلى القارئ استكمال ما تبقى.
القاص شريف محي الدين من جيل القرن الجديد، يحمل معاناة هذا الجيل، وان عالج معاناته بطريقته التي ترسم ملامح شخصيته القصصية كمبدع جاد، يسعى للتحقق، وقد بدأ خطواته بسرعة وجدية واضحة، ولن تتجاهله الأقلام النقدية مستقبلا.