يقدم الناقد عبد الرحيم التدلاوي في نقده لمجموعة "صخب يمزق سكون الليل" للقاص أحمد بلقاسم، قراءة عميقة تحترم روح النصوص وتتمكن من الكشف عن طبقات من السخرية التي اعتمدها بلقاسم كأسلوب فعّال في معالجة مواضيع حساسة وأحيانا مؤلمة. يعرض التدلاوي أسلوبا نقديا يمزج بين التحليل والموضوعية، وينجح في تقديم رؤية تجمع بين تقدير عمق النصوص وبين إبراز النواحي الأدبية والجمالية فيها. نقد التدلاوي جاء ليؤكد أن النقد الأدبي ليس مجرد تفكيك لعناصر النص، بل هو فن بحد ذاته، يستلزم أدوات تحليلية وقدرة على الإمساك بجوهر النصوص ومعانيها العميقة.
يبدأ التدلاوي نقده بإبراز ميزة السخرية في نصوص أحمد بلقاسم، إذ يعرض هذا الجانب بأسلوب سلس، ويجعله أساسا لتحليل المجموعة القصصية. يتناول التدلاوي، من خلال أمثلة دقيقة، الأسلوب الساخر في نصوص بلقاسم، ويوضح كيف نجح الكاتب في استخدام هذه التقنية لإلقاء الضوء على قضايا معاصرة وحساسة مثل التعليم عن بعد، الذي فرضته الجائحة، وتأثيره على منظومة التعليم التقليدي. يختار التدلاوي قصصا بعينها، مثل "درس عن بعد"، ليبيّن كيف يعمد بلقاسم إلى تقديم لوحات سردية تتجاوز الطرافة العادية إلى أبعاد أعمق تطرح تساؤلات حول الواقع وقدرته على احتواء الافتراضي.
التدلاوي ينجح في جذب القارئ إلى عمق النصوص من خلال التركيز على الحوار بين الشخصيات، مستعينا بتحليل تفاعلي للأحداث. ينقل التدلاوي الحوار الساخر بين الشخصيات كأنه يعرض مسرحية قصيرة، مستلهما بذلك الفكرة الأساسية وراء النصوص، حيث إن هذه النصوص ترتكز على تجسيد المشهدية والرمزية المستمدة من المسرح. أسلوب التدلاوي هنا يعكس فهمًا عميقًا للأسلوب السردي لدى بلقاسم، ويبرز قدرة الناقد على تحليل دينامية السرد، إذ يتمكن من تسليط الضوء على تأثير الحوار في بنية النص وقدرته على بناء طبقات من المعنى والتناقض بين الواقعي والافتراضي.
من بين الجوانب التي تميز نقد التدلاوي أيضا، هو تناوله لأسلوب التناص في النصوص. يدرك الناقد بوضوح كيف اعتمد بلقاسم على النصوص المقدسة، مثل القرآن الكريم، بأسلوب ساخر وذكي يخلق مفارقة بين المقدس والمدنس. التدلاوي ينظر إلى هذا التناص كأداة فنية متقنة، حيث يتيح هذا التوظيف للقارئ فرصة لرؤية النص من زاوية مختلفة، تجمع بين الاستمتاع بالمضمون الساخر والتأمل في أبعاده العميقة. يظهر الناقد هنا تمكنه من قراءة الرموز والتراكيب في النصوص، ويكشف كيف أن توظيف بلقاسم للآيات القرآنية لم يكن مجرد استحضار نصي، بل هو محاولة لتأسيس رؤية فلسفية تجاه بعض السلوكيات والتوجهات البشرية المعاصرة.
ويمكن القول إن التدلاوي يمتلك موهبة فريدة في التقاط الإيحاءات التي يمررها بلقاسم في نصوصه، فهو لا يكتفي بالوصف السطحي للأحداث أو للمواقف الساخرة، بل يعمّق نظرته ويطرح تساؤلات حول مغزى هذه السخرية ومدى ارتباطها بالواقع الاجتماعي والنفسي. ومن هنا، نجد التدلاوي يولي اهتماما كبيرا للأبعاد النفسية التي تصنعها السخرية، إذ يشير إلى كيفية انعكاس ظروف الجائحة وما أفرزته من قلق وانكماش نفسي في نصوص بلقاسم، وكيف استطاع الكاتب أن يخلق جوًا ساخرا يتيح للقارئ متنفسا وسط هذا الزخم.
بفضل هذه الرؤية التحليلية، استطاع التدلاوي أن يقدم نقدا مهما، يمزج فيه بين التعاطف مع النصوص وبين التحليل العميق لها. فاختياره للأمثلة كان موفقا، ويؤكد قدرته على تحديد المواضع التي تتجلى فيها براعة الكاتب، كما يظهر حرصه على تقديم فهم شامل للنصوص يُشعر القارئ وكأنه يرى الأحداث من الداخل، ما يعزز التجربة القرائية ويمنح المتلقي فرصة للإحساس بعمق المعاني الكامنة خلف الأسلوب الساخر.
من الجوانب الإيجابية الأخرى في نقد التدلاوي، هو أسلوبه الواضح والمباشر، حيث إنه يُبسط الأفكار دون تعقيد، فيقرب المفاهيم إلى القارئ بأسلوب لغوي أنيق يتناسب مع روح النصوص ويضفي على النقد جمالية خاصة. ومع ذلك، ورغم سلاسة العرض، لم يغفل التدلاوي عن تناول الأبعاد الجمالية في النصوص، مثل البنية اللغوية، واختيار الألفاظ، والتركيز على البساطة المتقنة التي تجمع بين العمق وسهولة الوصول.
ومن الجدير بالذكر أن التدلاوي استطاع أن يبرز الجانب العجائبي في نصوص بلقاسم، حيث يظهر هذا العنصر في تحطيم الحدود بين الواقعي والافتراضي. يلقي التدلاوي الضوء على هذا الأسلوب بوصفه استراتيجية لخلق التباين في النص، مما يجعل السخرية أكثر تأثيرا ويمهد لتقبل القارئ لفكرة التعايش بين الأبعاد المتناقضة في الحياة المعاصرة.
يعتمد الناقد عبد الرحيم التدلاوي في نقده لمجموعة "صخب يمزق سكون الليل" للقاص أحمد بلقاسم، على منهجية نقدية متكاملة تجمع بين عدة اتجاهات تحليلية، مما يثري رؤيته للنصوص ويعزز من قدرته على الغوص في أعماق المعاني والأفكار المطروحة. يركز التدلاوي على أسلوب السخرية الذي يميز أعمال بلقاسم، ويعتبره أداة يعبر من خلالها الكاتب عن واقع اجتماعي مليء بالتناقضات والمفارقات. يشير التدلاوي إلى أن السخرية لا تأتي مجردة، بل تحمل في طياتها دلالات عميقة تعكس الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي عايشها الأفراد، وخاصة في ظل جائحة كورونا وما تبعها من تحديات فرضت على الناس تغييرات جذرية في حياتهم اليومية، كالتعليم عن بعد، الذي تحول بدوره إلى مصدر للسخرية وانتقاد الواقع التعليمي.
يتناول التدلاوي هذا الأسلوب الساخر من خلال منهج أسلوبي يسلط الضوء على كيفية استخدام بلقاسم للتراكيب اللغوية السهلة والممتنعة في آن، والتي تبدو بسيطة لكنها تخفي معاني معقدة ورموزا غنية. تظهر السخرية هنا كأداة فنية، لكنها أيضًا وسيلة لمساءلة الواقع وكشف عيوبه؛ فالتدلاوي يرى أن بلقاسم يستخدم السخرية ليس فقط لتسلية القارئ، بل أيضًا لإثارة تساؤلات حول منظومة اجتماعية تواجه صعوبات جمة في التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته الجائحة.
يستخدم التدلاوي منهجا سيميائيا، حيث يستعين بتقنية التناص لفهم الرموز والإشارات الدينية التي أدمجها بلقاسم في نصوصه، مثل استحضار آيات قرآنية في قصص معينة لتأكيد المفارقة بين المكان المقدس (المسجد) والسلوك المدنس المتمثل في السرقة، مما يضفي على النص بعدًا رمزيًا عميقًا، ويجعل القارئ يتوقف عند هذا التوظيف الذكي للنصوص المقدسة. ويبرز التدلاوي كيف أن هذا التناص يساهم في خلق حالة من المفارقة والدهشة في النص، حيث يتم استدعاء الرموز الدينية لإضفاء حس من القدسية يتناقض مع الوضع الكوميدي أو المأساوي الذي يعرضه السرد.
في مقاربته النقدية، يعتمد التدلاوي على منهج نفسي لكشف الأبعاد النفسية الكامنة في سخرية بلقاسم من الواقع. يرى التدلاوي أن القصص تلتقط حالات نفسية معقدة، مثل العزلة والخوف والحنين إلى الماضي، وهي مشاعر عايشها الأفراد بشكل واضح في فترة الجائحة، حيث انعزلوا في بيوتهم واسترجعوا ذكرياتهم وأفكارهم العميقة. بهذا، تظهر السخرية في نصوص بلقاسم كوسيلة للتحايل على الضغوط النفسية وتجاوز الرتابة، وهي أيضا وسيلة للتعبير عن واقع نفسي مقلق ومعقد.
كما يظهر في تحليل التدلاوي بعد اجتماعي واضح، حيث يقف عند أثر الجائحة على المجتمع ككل، ليس فقط من خلال التعليم عن بعد، بل أيضًا من خلال القيود التي فرضتها الظروف الصحية، وكيف أثرت على العلاقات بين الأفراد. ينقل التدلاوي من خلال نقده رؤية بلقاسم لهذه الأوضاع، فيظهر النص كمرآة تعكس تجربة الناس اليومية مع الحجر الصحي والإجراءات الاحترازية، مما يجعل القارئ يشعر بمدى قرب هذه القصص من حياته وتجاربه الخاصة.
وبالنسبة للمنهج البنيوي، يستخدمه التدلاوي لفهم العلاقات بين عناصر النصوص، مثل بنية الحوار وطريقة بناء المشاهد السردية. في قصة "درس عن بعد"، على سبيل المثال، يحلل التدلاوي كيفية بناء الحوار بين الشخصيات لتأكيد المفارقة الساخرة، بحيث تبدو الأحداث أشبه بمسرحية هزلية تسخر من عيوب التعليم الافتراضي وعدم جدواه. ويشير إلى أن بلقاسم يعتمد على بنية الحوار المسرحي ليحقق هذا التأثير، مما يضفي على النص حيوية خاصة ويزيد من عمق الرسالة النقدية.
عبر هذه المنهجية المتعددة الأبعاد، ينجح عبد الرحيم التدلاوي في تقديم قراءة نقدية عميقة ومتميزة لأعمال أحمد بلقاسم، حيث لا يكتفي بتفكيك النصوص واستكشاف أبعادها الظاهرة، بل يتوغل في أعماقها للكشف عن معانٍ خفية وأفكار مركبة تجمع بين الفكاهة والحزن، بين الرمزية والبساطة، وبين الواقع والخيال.
نقد عبد الرحيم التدلاوي لمجموعة "صخب يمزق سكون الليل" ليس فقط تحليلا سرديا لنصوص بلقاسم، بل هو انعكاس لخبرة ناقد متمرس في فهم وتذوق الأدب الساخر، يتمتع بقدرة فائقة على استكشاف الأبعاد الجمالية والأدبية من منظور مفعم بالحساسية والذكاء. بفضل هذا النقد، استطاع التدلاوي أن يمنح القارئ قراءة موازية تعزز من تقديره للنصوص، وتتيح له التفاعل مع تفاصيلها وأبعادها الفنية والنفسية، ليصبح نقد التدلاوي بذلك إضافة أدبية ترفع من قيمة النص وتحفز القارئ على خوض تجربة قرائية عميقة وممتعة.
-----
المراجع
-دراسة نقدية التدلاوي في المجموعة القصصية صخب يمزق سكون الليل
-المجموعة القصصية " صخب يمزق سكون الليل " للقاص أحمد بلگاسم
يبدأ التدلاوي نقده بإبراز ميزة السخرية في نصوص أحمد بلقاسم، إذ يعرض هذا الجانب بأسلوب سلس، ويجعله أساسا لتحليل المجموعة القصصية. يتناول التدلاوي، من خلال أمثلة دقيقة، الأسلوب الساخر في نصوص بلقاسم، ويوضح كيف نجح الكاتب في استخدام هذه التقنية لإلقاء الضوء على قضايا معاصرة وحساسة مثل التعليم عن بعد، الذي فرضته الجائحة، وتأثيره على منظومة التعليم التقليدي. يختار التدلاوي قصصا بعينها، مثل "درس عن بعد"، ليبيّن كيف يعمد بلقاسم إلى تقديم لوحات سردية تتجاوز الطرافة العادية إلى أبعاد أعمق تطرح تساؤلات حول الواقع وقدرته على احتواء الافتراضي.
التدلاوي ينجح في جذب القارئ إلى عمق النصوص من خلال التركيز على الحوار بين الشخصيات، مستعينا بتحليل تفاعلي للأحداث. ينقل التدلاوي الحوار الساخر بين الشخصيات كأنه يعرض مسرحية قصيرة، مستلهما بذلك الفكرة الأساسية وراء النصوص، حيث إن هذه النصوص ترتكز على تجسيد المشهدية والرمزية المستمدة من المسرح. أسلوب التدلاوي هنا يعكس فهمًا عميقًا للأسلوب السردي لدى بلقاسم، ويبرز قدرة الناقد على تحليل دينامية السرد، إذ يتمكن من تسليط الضوء على تأثير الحوار في بنية النص وقدرته على بناء طبقات من المعنى والتناقض بين الواقعي والافتراضي.
من بين الجوانب التي تميز نقد التدلاوي أيضا، هو تناوله لأسلوب التناص في النصوص. يدرك الناقد بوضوح كيف اعتمد بلقاسم على النصوص المقدسة، مثل القرآن الكريم، بأسلوب ساخر وذكي يخلق مفارقة بين المقدس والمدنس. التدلاوي ينظر إلى هذا التناص كأداة فنية متقنة، حيث يتيح هذا التوظيف للقارئ فرصة لرؤية النص من زاوية مختلفة، تجمع بين الاستمتاع بالمضمون الساخر والتأمل في أبعاده العميقة. يظهر الناقد هنا تمكنه من قراءة الرموز والتراكيب في النصوص، ويكشف كيف أن توظيف بلقاسم للآيات القرآنية لم يكن مجرد استحضار نصي، بل هو محاولة لتأسيس رؤية فلسفية تجاه بعض السلوكيات والتوجهات البشرية المعاصرة.
ويمكن القول إن التدلاوي يمتلك موهبة فريدة في التقاط الإيحاءات التي يمررها بلقاسم في نصوصه، فهو لا يكتفي بالوصف السطحي للأحداث أو للمواقف الساخرة، بل يعمّق نظرته ويطرح تساؤلات حول مغزى هذه السخرية ومدى ارتباطها بالواقع الاجتماعي والنفسي. ومن هنا، نجد التدلاوي يولي اهتماما كبيرا للأبعاد النفسية التي تصنعها السخرية، إذ يشير إلى كيفية انعكاس ظروف الجائحة وما أفرزته من قلق وانكماش نفسي في نصوص بلقاسم، وكيف استطاع الكاتب أن يخلق جوًا ساخرا يتيح للقارئ متنفسا وسط هذا الزخم.
بفضل هذه الرؤية التحليلية، استطاع التدلاوي أن يقدم نقدا مهما، يمزج فيه بين التعاطف مع النصوص وبين التحليل العميق لها. فاختياره للأمثلة كان موفقا، ويؤكد قدرته على تحديد المواضع التي تتجلى فيها براعة الكاتب، كما يظهر حرصه على تقديم فهم شامل للنصوص يُشعر القارئ وكأنه يرى الأحداث من الداخل، ما يعزز التجربة القرائية ويمنح المتلقي فرصة للإحساس بعمق المعاني الكامنة خلف الأسلوب الساخر.
من الجوانب الإيجابية الأخرى في نقد التدلاوي، هو أسلوبه الواضح والمباشر، حيث إنه يُبسط الأفكار دون تعقيد، فيقرب المفاهيم إلى القارئ بأسلوب لغوي أنيق يتناسب مع روح النصوص ويضفي على النقد جمالية خاصة. ومع ذلك، ورغم سلاسة العرض، لم يغفل التدلاوي عن تناول الأبعاد الجمالية في النصوص، مثل البنية اللغوية، واختيار الألفاظ، والتركيز على البساطة المتقنة التي تجمع بين العمق وسهولة الوصول.
ومن الجدير بالذكر أن التدلاوي استطاع أن يبرز الجانب العجائبي في نصوص بلقاسم، حيث يظهر هذا العنصر في تحطيم الحدود بين الواقعي والافتراضي. يلقي التدلاوي الضوء على هذا الأسلوب بوصفه استراتيجية لخلق التباين في النص، مما يجعل السخرية أكثر تأثيرا ويمهد لتقبل القارئ لفكرة التعايش بين الأبعاد المتناقضة في الحياة المعاصرة.
يعتمد الناقد عبد الرحيم التدلاوي في نقده لمجموعة "صخب يمزق سكون الليل" للقاص أحمد بلقاسم، على منهجية نقدية متكاملة تجمع بين عدة اتجاهات تحليلية، مما يثري رؤيته للنصوص ويعزز من قدرته على الغوص في أعماق المعاني والأفكار المطروحة. يركز التدلاوي على أسلوب السخرية الذي يميز أعمال بلقاسم، ويعتبره أداة يعبر من خلالها الكاتب عن واقع اجتماعي مليء بالتناقضات والمفارقات. يشير التدلاوي إلى أن السخرية لا تأتي مجردة، بل تحمل في طياتها دلالات عميقة تعكس الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي عايشها الأفراد، وخاصة في ظل جائحة كورونا وما تبعها من تحديات فرضت على الناس تغييرات جذرية في حياتهم اليومية، كالتعليم عن بعد، الذي تحول بدوره إلى مصدر للسخرية وانتقاد الواقع التعليمي.
يتناول التدلاوي هذا الأسلوب الساخر من خلال منهج أسلوبي يسلط الضوء على كيفية استخدام بلقاسم للتراكيب اللغوية السهلة والممتنعة في آن، والتي تبدو بسيطة لكنها تخفي معاني معقدة ورموزا غنية. تظهر السخرية هنا كأداة فنية، لكنها أيضًا وسيلة لمساءلة الواقع وكشف عيوبه؛ فالتدلاوي يرى أن بلقاسم يستخدم السخرية ليس فقط لتسلية القارئ، بل أيضًا لإثارة تساؤلات حول منظومة اجتماعية تواجه صعوبات جمة في التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته الجائحة.
يستخدم التدلاوي منهجا سيميائيا، حيث يستعين بتقنية التناص لفهم الرموز والإشارات الدينية التي أدمجها بلقاسم في نصوصه، مثل استحضار آيات قرآنية في قصص معينة لتأكيد المفارقة بين المكان المقدس (المسجد) والسلوك المدنس المتمثل في السرقة، مما يضفي على النص بعدًا رمزيًا عميقًا، ويجعل القارئ يتوقف عند هذا التوظيف الذكي للنصوص المقدسة. ويبرز التدلاوي كيف أن هذا التناص يساهم في خلق حالة من المفارقة والدهشة في النص، حيث يتم استدعاء الرموز الدينية لإضفاء حس من القدسية يتناقض مع الوضع الكوميدي أو المأساوي الذي يعرضه السرد.
في مقاربته النقدية، يعتمد التدلاوي على منهج نفسي لكشف الأبعاد النفسية الكامنة في سخرية بلقاسم من الواقع. يرى التدلاوي أن القصص تلتقط حالات نفسية معقدة، مثل العزلة والخوف والحنين إلى الماضي، وهي مشاعر عايشها الأفراد بشكل واضح في فترة الجائحة، حيث انعزلوا في بيوتهم واسترجعوا ذكرياتهم وأفكارهم العميقة. بهذا، تظهر السخرية في نصوص بلقاسم كوسيلة للتحايل على الضغوط النفسية وتجاوز الرتابة، وهي أيضا وسيلة للتعبير عن واقع نفسي مقلق ومعقد.
كما يظهر في تحليل التدلاوي بعد اجتماعي واضح، حيث يقف عند أثر الجائحة على المجتمع ككل، ليس فقط من خلال التعليم عن بعد، بل أيضًا من خلال القيود التي فرضتها الظروف الصحية، وكيف أثرت على العلاقات بين الأفراد. ينقل التدلاوي من خلال نقده رؤية بلقاسم لهذه الأوضاع، فيظهر النص كمرآة تعكس تجربة الناس اليومية مع الحجر الصحي والإجراءات الاحترازية، مما يجعل القارئ يشعر بمدى قرب هذه القصص من حياته وتجاربه الخاصة.
وبالنسبة للمنهج البنيوي، يستخدمه التدلاوي لفهم العلاقات بين عناصر النصوص، مثل بنية الحوار وطريقة بناء المشاهد السردية. في قصة "درس عن بعد"، على سبيل المثال، يحلل التدلاوي كيفية بناء الحوار بين الشخصيات لتأكيد المفارقة الساخرة، بحيث تبدو الأحداث أشبه بمسرحية هزلية تسخر من عيوب التعليم الافتراضي وعدم جدواه. ويشير إلى أن بلقاسم يعتمد على بنية الحوار المسرحي ليحقق هذا التأثير، مما يضفي على النص حيوية خاصة ويزيد من عمق الرسالة النقدية.
عبر هذه المنهجية المتعددة الأبعاد، ينجح عبد الرحيم التدلاوي في تقديم قراءة نقدية عميقة ومتميزة لأعمال أحمد بلقاسم، حيث لا يكتفي بتفكيك النصوص واستكشاف أبعادها الظاهرة، بل يتوغل في أعماقها للكشف عن معانٍ خفية وأفكار مركبة تجمع بين الفكاهة والحزن، بين الرمزية والبساطة، وبين الواقع والخيال.
نقد عبد الرحيم التدلاوي لمجموعة "صخب يمزق سكون الليل" ليس فقط تحليلا سرديا لنصوص بلقاسم، بل هو انعكاس لخبرة ناقد متمرس في فهم وتذوق الأدب الساخر، يتمتع بقدرة فائقة على استكشاف الأبعاد الجمالية والأدبية من منظور مفعم بالحساسية والذكاء. بفضل هذا النقد، استطاع التدلاوي أن يمنح القارئ قراءة موازية تعزز من تقديره للنصوص، وتتيح له التفاعل مع تفاصيلها وأبعادها الفنية والنفسية، ليصبح نقد التدلاوي بذلك إضافة أدبية ترفع من قيمة النص وتحفز القارئ على خوض تجربة قرائية عميقة وممتعة.
-----
المراجع
-دراسة نقدية التدلاوي في المجموعة القصصية صخب يمزق سكون الليل
-المجموعة القصصية " صخب يمزق سكون الليل " للقاص أحمد بلگاسم