أمل الكردفاني - أزمة التفكير

يمكنك بكل سهولة أن تلاحظ أن أغلب مرافعات المحامين المكتوبة في السودان تكاد تكون متشابهة. أما من حيث الفحوى العام فهي تتماثل تكرارياً بحيث يبقى المنهج القانوني ومن ثم النتائج متوقعين جداً.
وهذه الأزمة، عامة إذ يمكن أن تلاحظها على كافة مستويات المعارف والعلوم والأبحاث والفعل الشعبي والاجتماعي، والتجاري والزراعي والسياسي والثقافي..الخ.
فالمدخلات تساوي دائماً المخرجات Input = Output.
لذلك تظل الأزمات عالقة لأنها تعالج بذات المعالجات القديمة والمكررة. وهكذا فإن هذه الشعوب يلازمها الفشل المزمن بدوره، هذا إن لم يتفاقم الفشل، ويبدأ التفكير مباشرة في البحث عن مفكر (خارجي)، كاعتراف باطني بحقيقة المشكلة.
هذه الشعوب أشبه بصورة أحد الأجداد المعلقة في الحائط والتي لا تتغير إلا أن يتآكلها الزمان. ففيها تقل فرص التطور المعرفي، بل وتطوير القيم الاقتصادية وزيادة الفرص، وتنهار القيم الأخلاقية والدينية. فالدول الفقيرة ليست تلك التي تعاني من شح الموارد بل التي تعاني من أزمة انعدام الفرص، ومع انعدام الفرص تبدأ النزاعات حول القليل المتاح للاستئثار والاحتكار والتهميش والإقصاء، ويؤدي ذلك كله إلى مزيد من التضييق على انفتاح الأدمغة بحثاً عن مخرجات لا تتساوى بالمدخلات، وهكذا تتفاقم مشاكل هذه الشعوب باستمرار إلى أن يَقضي عليها الانتخاب التاريخي.
منابع الأزمة:
تنبع أزمة هذه الشعوب من مشكلة أساسية وهي ضعف التراكم الحضاري والانقطاعات التاريخية في مسيرتها، فالتاريخ حدث أو أحداث (من) الزمان، أما الماضي فهو حدث أو أحداث (في) الزمان. وهكذا فهذه الشعوب لا تفهم ولا تعي بأنها لا تمتلك تاريخاً بقدر ما تمتلك ماضٍ، والماضي لا فائدة منه لأنه خطي الحركة. فضعف التراكم الحضاري يجعل كل شيء يبدو جديداً بالنسبة لها وغير قابل للتقييم، ولذلك -وعلى وجه الخصوص- فهي منفعلة وليست متفاعلة معه. وفي الغالب- حيث أنها شعوب مأزومة بتساوي المخرجات بالمدخلات، في الغالب تجدها شديدة المقاوَمة والعداء لكل ما يخالف ما اعتادت عليه، حتى لو كانت نتيجة ذلك الذي اعتادت عليه هو الفشل المزمن.
يمكننا أن نراجع كل المعطيات الحالية وسنجدها صفر كبير على كافة المستويات:
- أكثر الشعوب ضعفاً في الانتاج.
- أكثر الشعوب ضعفاً في الناتج.
فهي:
- أكثر الشعوب ضعفاً من حيث:
- الصناعة.
- الزراعة.
- الرعي.
- التعليم.
- الخدمات.
- التجارة.
- النسيج الاجتماعي.
- التأثير الدولي.
- التطور الثقافي.
- القيم الأخلاقية.
وغير ذلك.
ولا توجد حلول متصورة لحل هذه الأزمة، إلا كما حدث للهنود الحمر الذين لو ظلوا يحكمون أمريكا لما كانت أمريكا اليوم تختلف عن أي دولة أفريقية بائسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...