مجدي جعفر - د. محمد إبراهيم طه على منصة منتدى السرديات بأتحاد كُتّاب مصر – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء.

تحلق أدباء وروّاد منتدى السرديات باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء حول المبدع والكاتب الكبير محمد إبراهيم طه، والتحاور معه حول معالم تجربته الإبداعية التي تنوعت ما بين القصة القصيرة والرواية، وجُملة إبداعاته التي أضافت الكثير من الجوانب الموضوعية والفنية إلى حقل السرد العربي وأثرت المكتبة العربية.

وبحنكة ودربة وخبرة أدار اللقاء الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب.

والذي منح الكاتب بعض الوقت للحديث عن بعض من سيرته الحياتية والعلمية والأدبية، وعرّف الكاتب بنفسه وقال بأنه من مواليد قرية الشموت – مركز بنها – محافظة القليوبية، وولد في 19 مارس سنة 1963م، ويعمل طبيبا لأمراض النساء والتوليد، وعضو باتحاد الكُتّاب ونادي القصة وجمعية دار الأدباء، وعضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة 2010 – 2011م، وقال بأنه من كُتّاب جيل التسعينات في مصر، وأن الريف والطب والموروث الشعبي والثقافي والديني من أهم روافده القصصية والروائية.

وتحدث عن القرية وشحها وفقرها في المأكل والملبس والمشرب في زمن طفولته، وأنه لا يكتب إلا عما يعرفه، ومثله الأعلى في ذلك كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ، فهو عاش القرية بأجوائها ويعرف مفرداتها وتفاصيلها وخباياها وأسرارها، الجرن، وشارع داير الناحية، والمصطبة، والمولد، ومقامات الأولياء، والموروث الذي ينتقل من الجد إلى الأب إلى الابن إلى الحفيد، فتشكل وعينا على حواديت وحكايات الكبار في القرية، ووازن بين بيئة القرية وبيئة المدينة، وبين بيئة القرية وبيئة الصحراء، واختلاف الثقافات بين هذه البيئات، وعندما انتقل من القرية إلى القاهرة لدراسة الطب، ظل في حنين دائم إلى القرية و " المشنة " والفرن، والكُتّاب، والشيخ محفظ القرآن، وكيف تناول في أعماله أدق التفصيلات للكُتّاب وللشيخ والتي اختلفت عما قدمه الدكتور طه حسين في زمنه.

ومن الأعمال التي صورت عالم القرية المجموعة القصصية ( توتة مائلة على نهر ) ورواية ( سقوط النوار ) وفيهما لوحات تشكيلية بديعة عن القرية المصرية البكر، بمفردات واضحة، وفازت ( توتة مائلة على نهر ) بجائزة الدولة التشجيعية، وترجمتها الدكتورة فاطمة موسى، وأنا لا أنتمي إلى شلة، وخرجت هذه المجموعة من عند الكاتب الكبير محمد البساطي، والدكتورة منى طلبة أستاذة الأدب الفرنسي تحدثت حديثا طيبا عن رواية ( سقوط النوار ) في مؤتمر الرواية، وأثلج حديثها صدري، وحكت معظم تفاصيل الرواية وتوقفت طويلا عند تناولي للمقابر.

.....................................................

وقدم الدكتور كارم عزيز مداخلة حول المجموعة القصصية ( توتة مائلة على نهر ) تحت عدة عناوين :

= الواقعية الاشتراكية أداة للتعبير عن " الطبقة العاملة "!

= تناولت ( هموم الناس وعبرت عنهم ضمن إضفاء القيمة على العمل الفني )! وما يميزها هو التأكيد على أن الواقع يسير في " حركة " وليس " ثابتا "، وهو ما يعرف ب "الديالكتيك "!

= تبنت مبدا أساسيا هو ( التعبير عن التناقضات في المجتمعات البورجوازية " والرأسمالية، حيث يعيش جزء من العمال تحت خط الفقر .. )

= فيها يميل الفن إلى ( النثر ) أكثر من ( الشعر ) .. وتعد ( الرواية ) و ( القصة القصيرة ) من أهم الأنواع الأدبية البارزة، وذلك لما تتضمن من مساحة لوصف معاناة العمال بأدق التفاصيل، والتعبير عن هموم الطبقات الدنيا من المجتمع.

وانتقى الدكتور كارم عزيز بعض النماذج القصصية من المجموعة للتطبيق، ومنها : عقد عقيق، الواد الجديد، توتة مائلة على نهر وغيرها، وسنتوقف عند مقاربتة لقصة ( توتة مائلة على نهر ) التي تحمل المجموعة اسمها، يقول عزيز:

– ( حين استيقظنا لم نجد التوتة، وكان في مكانها حفرة كبيرة مظلمة، وبدا المكان غريبا ومكشوفا رغم وضوح الحفرة، بدا أن الكثيرين لم يلحظا غياب التوتة، فيما يظل السائقون ينادون التوتة يا جدعان .. حد نازل؟! "

– ( خرجت فطوم بجلباب غامق وطرحة وملاءة سوداء وشبشب – كما تخرج كل يوم، في ضفيرتها مفتاحان، أحدهما لدولاب بالحائط والآخر لصندوق صغير ورثته عن أمها .. "

عندما يكرر " محمد إبراهيم طه " – في نهاية قصته، نفس افتتاحيتها – تكرارا لفظيا نصيا، ربما يستحثنا ذلك أن نتساءل، لماذا التكرار؟ .. خاصة أن القصة صغيرة ( لا تشغل سوى صفحة ونصف فقط ) .. وربما نتصور للوهلة الأولى أنه هكذا لم يقل شيئا ذا بال، بضعة مشاهد متتابعة تشير إلى البحث عن " فطوم " العجوز ..

لكن الحق أن " توتة مائلة على نهر " قصة مكتنزة جدا، تومئ أكثر مما تحكي، ترمز أكثر مما تقرر .. إنها حكاية ( استلاب الوعي، وسرقة القيمة ).. حكاية التحولات الحادة في العصر الاستهلاكي، وما نتج عنه من فقدان كل ما هو أصيل وقيم في حياتنا ( مجسدا هنا في الريف المصري ) ..

= " فطوم " متوحدة في ذلك مع شجرة التوت المائلة على النهر، كانت فيما سبق – هي " الحياة " بتعدد ألوانها، هي " الوعي الأصيل الصادق في حياة الناس، " هي " الكنز الذي يحفظ ويحافظ على الهوية " :

" فطوم " : بكر ( لم تتزوج ) .. لاحظ ارتباط البكارة بالطهر والعفاف، تأكل من خير الأرض ( نباتية تقريبا ) .. لاحظ الجانب الروحاني في النباتيين، تدعو الناس بكل الخير ( شخصية الولي مستجاب الدعاء )، تحفظ القرآن ، تعالج الناس من كافة الأمراض البدنية والروحية ( لاحظ مفهوم الطب الشعبي وخبرات الحياة )، ومع كل ذلك فهي ( لا تدعي المعرفة ) ..

التوتة :

شأنها شأن " فطوم " تجسيد للحياة البريئة على تعدد أشكالها، جذع التوتة ( رمز الأصول والهوية )، توت خد الجميل ( لاحظ رمزية التوت في العفاف وستر العورات )، عند التوتة : مسرح الحياة – استطلاع الرؤية، مدفع الإفطار، زفة الموالد، لعب التحطيبة، إعلان نتائج الامتحان، اللعب في الماء، لف السجائر، فض المنازعات.

= التزامن بين ( اختفاء فطوم ) و ( اختفاء شجرة التوت )، هو نفسه التزامن مع دخول ثقافة الاستهلاك – آواخر البسعسنات، وما ترتب عليه من الاحتفاء بالمادة واستلاب الوعي وتراجع القيم وانهيار الهوية.

-فمن الذي سعى للبحث عن " فطوم " : شيخ الجامع، ناظر المدرسة، بعض قدامى الناس.

-ومن الذي طارد " فطوم " : العيال ( تجسيدا للأجيال الجديدة مسلوبة الوعي والخلق ) الذين رموها بالأحجار والجنون!

-ومن الذي انتزع فرعين من التوتة : إنه " الهراوي " – تجسيدا للانتهازيين أصحاب المصالح الذاتية الضيقة الذين تحالفوا مع السلطة الحاكمة، تواطئا على " فطوم " التي كانت خط الدفاع الأخير عن ( كل شيء ذي قيمة )

-ومن الذي انتزع " فطوم " من مكانها، إنهم هم، الذين من نسل " الهراوي "!

-ومن الذي استثمرالفراغ الذي تركته التوتة : ( إنهم سائقو الميكروبصات)!

-وأين ذهب مفتاحا صندوق " فطوم " ؟!.

.......................................................................

وفي مداخلة للكاتب والناقد بهاء الصالحي :

( محمد ابراهيم طه صوت قادم من أعماق الريف المصري ولكن نمط قدومه أو نمط تعبيره أو نمط تحقق الريف المصري من خلال ذاته ذلك أمر يجب أن يوضع في منظومه معينه في إطار من تناولوا الريف عبر التاريخ الروائي العربي والمصري حيث كان تناول الريف مقرونا بموقع الريف من الطبقة المثقفة عبر التاريخ وذلك بحكم البُعد الشفاهي لثقافه الريف عبر التاريخ المصري إلى أن تعلم أبناءه فصاروا صوتا له عبر مبدعيه مثل عبد الرحمن الشرقاوي وسعد مكاوي وغيرهم وبالتالي فان جيل هيكل الذي أبدع رواية زينب والتي رأى فيها الريف من نظارة رئيس مجلس الشيوخ المصري ما قبل ثوره 1952 وبالتالي جاءت جماليات الريف كلوحه تشكيليه بعيده عن فكرة الواقع والتعبير عنه وبالتالي جاء الريف مكملا هنا يصبح الريف تيمة يتسلى بها الأغنياء أما ما بعد ١٩٣٦ والحروب العالمية الثانيه ومعاهده 1936 التي جاءت بموافقه رسميه من انجلترا بخلق طبقه وسطى جديرة بالتعبير عن الواقع المصري في ظل تلك الاتفاقية. الأمر الذي أدى لميلاد جماعه الفجر الجديد وكان على رأسها عبد الرحمن الشرقاوي وأحمد رشدي صالح والذين نظروا إلى الريف نظرة تحليليه متعلقة بالبناء الطبقي الخاص بالريف المصري ومن هنا جاءت قيمة الزوجة الثانية لأحمد رشدي صالح سنه 1945 والأرض لعبد الرحمن الشرقاوي 1964، ذلك كله في إطار منهج التحليل الاجتماعي للأدب حيث يصبح المبدع حجر الزاويه وبنائه الشخصي وبنائه المعرفي مقياسا نقديا ومعناه للرؤية الخاصة بالنص المقدم منه.

وعلى النقيض من عبد الرحمن الشرقاوي يأتي سعد مكاوي الذي رأى الريف المصري من خلال قدره أبنائه على إيجاد طريق جديد خلاف طريق الواقعية الاشتراكية التي تبناها عبد الرحمن الشرقاوي من خلال مجموعته أربع قراريط وكذلك مجموعته الرجل والطريق، ولكن الجيل الذي تلاهم مثل أحمد الشيخ ويوسف القعيد وعبد الحكيم قاسم ومحمد عبد الله الهادي قد تعاملوا مع صورة جديده للريف فلم يعد هو الريف الذي يخضع لفكرة الاقطاع ولكنه الريف الذي يخضع لفكره التهميش والاحتواء داخل نطاق المدينة فيما يسمى بظاهره تريف المدينة فلا هم أصبحوا ريفيين يمتلكون نفس القيم الأخلاقية ولم يمتلكوا قيم المدينة بحكم البيئة والتركيبة الخاصة بهم والنابعة من نمط الإنتاج الخاص بهم.

فجاء الناس في كفر عسكر بناء على الصراع على فكرة الملكية وعند يوسف القعيد بناء على فكرة الأرض وفكرة احتكار المجد في المواطن المصري وكذلك احتقار الفلاح. ولكن المبدع في محمد إبراهيم طه أنه يمثل نموذجا متوافقا مع ذاته وذلك بحكم امتلاكه لتراث من العادات والتقاليد ومساحه الألفاظ ، ليصبح أدب محمد إبراهيم طه مرجعا أنثروبولوجيا لقريته التي ولد فيها من خلال قاموسها اللغوي الخاص .

في هذه الحالة يحقق الأدب عند محمد ابراهيم طه عده أصول معرفيه قائمه على فكرة التاريخ الاجتماعي للغة وللعادات والتقاليد في إطار أشمل لمفهوم الثقافة وهي أسلوب الحياه وبالتالي يصبح مفهوم الزمن الخاص بالفن الروائي مرتبط بالوعي الخاص بالمثقف المبدع وهو أمر مرتبط بفلسفة الإبداع حيث العلاقة ما بين المبدع كذات والنص كموضوع وهنا يحدث التداخل الانساني والتداخل الوجداني حيث يصبح النص هو الذات والذات هي النص، ولكن هنا هل تصبح الرواية السيرية نوعا من تطوير الذات أو رؤيه الذات المعينة في التاريخ المعين لواقع معين كشهادة وجدانيه على التاريخ الإنساني لمجتمع ما هنا تصبح مفرده الريف مفرده فارقه.

هل هي محاوله للتطهر او للتبرأ من أيام كانت شديده الصعوبة على النفس بعدما ذقنا أنماط الحياه الراقية كما حدث في الوسيه لخليل حسن خليل او للتيقن الأيديولوجي كما جاء عند عبد الرحمن الشرقاوي أو يوسف القعيد.

ولكن نستطيع البت من خلال أعمال محمد إبراهيم طه أن الريف عنده يصبح ذاته هنا يصبح الريف مقياس زمني وأخلاقي ومعرفي لكل مترتب جديد في حياه الشخص في حياه المبدع. لماذا؟ لأنه لم يكن لديه بديلا في بدايه حياته غير هذا الريف وبالتالي مصداقا لقول علم النفس أن الطفل أبو الرجل يصبح الأمر هكذا أن الجزء الرئيسي من تركيب شخصيه مبدع ريفي بالطبيعة ، وهل جاء التعبير المجرد أو الرمزية أو كل الاستنتاجات التي يستطيع أن يستخرجها ناقدا ما أو قارئ متحذلق لأعمال محمد إبراهيم طه على سبيل الصناعة أم على سبيل الطبع نستطيع البت أنها على سبيل الطبع ولكن كل جديد ترى على حياته العلمية أضيف إليه بُعدا إجرائيا يستطيع أن يرتب أو يتناول ذلك المخزون الثقافي القابع داخله والذي استدعى له لغته الخاصة وقت حدوثه، هنا تصبح اللغة كائن حي قادر على التعامل ولكن على سبيل بناء الشخصية نستطيع القول في نهاية الأمر أن الريف المصري كائن متعمق داخل ذات محمد إبراهيم طه حيث يتلاشى الزمن في أعماله.

..................................................................

وتحدث محمد إبراهيم طه مرة أخرى عن محاولته الجادة والصادقة والأمينة للخروج من الواقع والتحليق فوقه ولو قليلا، فاقترب من التصوف وعالم المتصوفة، ورأى في هذا العالم الواقعية السحرية بكل تجلياتها، الحكايات الغريبة والشخصيات العجيبة، والواقعية السحرية موجودة بالقرية بدء من الخروج في الصباح والإحساس بالانقباض والتشاءم عند رؤية قطة سوداء، وعدم الدهس يوم الجمعة على البصل أو الثوم، وارتداء الملابس بالمقلوب في هذا اليوم أيضا، والعريس وعروسه لا يتوجهان جهة القبلة أبدا لأن الميت هو الذي يتوجه للقبلة فقط!، وكان للعلاج بالطب الشعبي حضوره القوي ، مثل بيضة السبت وعلاج ( القوبة ) إذا فشل علاجها بالجميز أو بندى القطن، فيتم ثقب البيضة، ويوضع بها سبع حبات وتوضع في جدار باتجاه الشرق وإذا لم تجف، فهناك ثعبان قد أكل البيضة، وتعاد التجربة، وكان للزار حضوره القوي أيضا حيث الطبلة والطبال، والرق والرقاق والمغني صاحب الصوت الجميل على صوت الرق يسحب الروح، ولكل عفريت أنشودة، الأنشودة التي تصلح للعفريت التركي لا تصلح للعفريت السوداني، فالعفريت التركي الأبيض الجميل يختص بالبنات الحلوات الجميلات، ولكل واحدة دقة وأنشودة خاصة بها، وتوظيف هذه العوالم في الإبداع يثري النصوص الأدبية، والنص الصوفي به حمولات ثقافية كثيرة، تعطي أكثر من معنى، وقد اقتربت أيضا من عالم الصحراء، قرأت كثيرا عنها، وهي تختلف عن عالم القرية، تعرفت على حداء الإبل، والأهازيج، ودرست بدو ليبيا وسيناء وتونس، فعن أي لهجة أتحدث، المهم دراسة العالم الذي نكتب عنه، فدراسة الصحراء ومعايشتها بالكلية تبوح لك بأسرارها، وانتقلت من القرية أيضا إلى المدينة، ودراما المدينة مختلفة عن دراما القرية، ولابد للكاتب أن ينوع من شخصياته، ولا يقصرها على الشخصيات الريفية فقط، في بلدنا مثلا خمس مقامات في صرة البلد، والناس لا تزال تذهب إليها لكنسها ورشها بالماء ويوقدون لها الشموع، ويوفون بالنذور، ويتبركون بقاطنيها، والناس في المدن الجديدة مثلا لا يعرفون شيئا عن القرية، مقبلون على الحياة أكثر، وهم أقل التزاما بالمحاذير الريفية.

ونصح الكاتب محمد إبراهيم طه شباب الأدباء بضرورة الابتعاد عن الوعظ والارشاد وأن يمتلك الكاتب الحس النقدي العالي وأن يبتعد عن الأدلجة، والفن اليوم يلزمه قدر من الجنون ليتوافق مع جنون الواقع، والرواية لا بد أن تثير جدلا، وتناقش وجهة النظر الأخرى.

وحول المناطق الشائكة التي اقتحمها في رواية ( شيطان الخضر ) قال :

( حاولت أن أزيل في هذه الرواية الحواجز بين التلاوة والغناء حين تصل إلى أن القواعد الحاكمة لهما واحدة، هي المقامات والقواعد الموسيقية، بما يعني أن التجويد والترتيل والتواشيح ما هي إلا غناء محكوم بقواعد، ومن ثم تكون القيود المفروضة على الفن والغناء والتواشيح حواجز وهمية ومزيفة، لا تتفق والمنطق ولا مع الروح الإنسانية التي تطرب في ذات الوقت لجملة لحنية وتنتشي مع آية مرتلة، حيث لا فرق حينئذ بين أنشودة دينية تشدو بها نجاة الصغيرة في إذاعة، ويبتهل بها مبتهل قبل قرآن الفجر، ففي كليهما نزهة للنفوس وراحة للأرواح.

تصطبغ الرواية بنظرة صوفية للعالم، تأخذ قارئها دائما إلى الاهتمام بجوهر الأشياء لا الشكل، وتسير في هذا الطريق بسلاسة، عبر أحداث واقعية وافتراضية وخيالية، تسير فيها شخوص بالغة العذوبة والإنسانية على خط درامي شفيف غير واضح تماما وغير خفي في نفس الوقت، كأنه علامة مائية، تعود الأحداث والشخوص والرواية ككل إلى نهايتها الغريبة.

....................................................................

وفي مداخلة للكاتب عبدالعزيز دياب، قال :

السرد عند الدكتور محمد إبراهيم طه ينتمي إلى لغة السينما، لو وضعنا أمام الجمل السردية السينمائية المصطلحات التي تعبر عن الصور لتكون لدينا سيناريو سينمائي بكل فنياته، حركة الكاميرا واضحة في قصصه ورواياته، وحركة الزمن واضحة أيضا، فيرتد بالزمن حوالي خمسة عشر عاما، وتظل هذه المراوحة في السرد بين زمنين عندما التقى صديق الراوي بشجون وطلبها للزواج، وعندما وصل سن السبعين ومات، الصديق أو الرفيق توقع عمره كنبوءة بأنه سيكمل عمره إلى السبعين عاما.

الأفكار الأيدولوجية التي تحملها الشخصيات في الرواية رئيسية ومهمة، ومعالجة الحلم في الرواية، المشاهد الحميمية غير مبتذلة، المراوحة بين الرواة، المراوحة في السرد، الشخصيات الثانوية جاءت لضرورة فنية وموضوعية، تجهيل اسم الراوي واسم الرفيق وعدم حضورهما بكثافة، وفي حضور اسم شجون دلالات كثيرة، براعة الكاتب في الصياغة اللغوية وهو يسرد عن الدكتورة هند ويصف " التي شيرت " وبراعة الحوار، النقلة السردية المتعلقة بالهن، نقلة ثرية وأضافت إلى الرواية

....................................................

وعن الزمن في رواية ( البجعة البيضاء ) قال محمد إبراهيم طه :

( الزمن في البجعة البيضاء يبدو دائريا، تصلح كل نقطة على قوسه الخارجي أن تصبح نقطة بداية أو نهاية، وتقف مآثر بطلة الرواية في مركز هذه الدائرة، في المنتصف تحلق وسط عدد كبير من الذكور يمثل كل منهم نقطة ذات دلالة في تاريخها الأنثوي والإنساني معا، حيث يمثل الرجل في وعي مآثر جسدا واحدا متعدد الأقنعة، والفروق الدقيقة بين ذكر وآخر تتبدى حين تصطفيهم البجعة البيضاء إلى جنتها فتتساقط الأقنعة عنهم تباعا.

بمقاييس المجتمع القديم ربما تبدو مآثر للقارئ الشرقي عاهرة متعددة العلاقات، لكن الرواية تشير من قريب وتوثق لميلاد امرأة جديدة قد تخلقت من معاناة الأنثى القديمة لقرون في مفاوضة الرجل بشأن حقوقها حتى يئست وقررت أن تتناول حظها في الندية والاختيار، فلم تعد في حاجة إلى الرجل كي يطعمها من جوع أو يحميها من خوف )

( وتدور أحداث رواية " باب الدنيا " في أقل من يوم، لكنها تستدعي عبر أربعة عقود حيوات وأحداث تتسم بالواقعية التي تخفي خلفها جانبا غيبيا وميتافيزيقيا، وفي المسافة الفاصلة بين الواقعي والميتافيزيقي يعيد الراوي اكتشاف نفسه من خلال إعادة اكتشاف فتح الله الشحات صديقه وابن عمته الذي مات بالامس، عبر رؤية كلية للعالم أكثر رحابة من رؤيته الحدية الجزئية ضيقة الأفق )

وتوالت الحوارات والمداخلات حول المجموعات القصصية والروايات للكاتب الكبير الدكتور محمد إبراهيم طه، من المجموعات القصصية ( توتة مائلة على نهر، الركض في مساحة خضراء، امرأة أسفل الشرفة، طيور ليست للزينة، الأميرة والرجل من العامة ) ومن الروايات : ( سقوط النوار، العابرون، دموع الإبل، باب الدنيا، البجعة البيضاء، شيطان الخضر ) وجاءت المداخلات من الكاتب الكبير محمد عبدالله الهادي والشاعر الكبير إبراهيم حامد رئيس مجلس إدارة فرع اتحاد الكُتّاب والذي احتفى بحضور كاتبنا الكبير وبأدبه، والشاعر السيد داود عضو مجلس إدارة الفرع الذي ألقى كلمة ترحيب بضيف المنصة وبإبداعه، د. كارم عزيز، بهاء الصالحي، العربي عبدالوهاب، عبدالعزيز دياب، محمد الديب، محمود رمضان، وكاتب هذه السطور، محمد العزبي، أحمد نبيه الصعيدي، وغيرهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...