د. أحمد الحطاب - فشل المنظومة التربوية ليس الأساتذة

لا أبدا، ليس الأساتذة مَن هم سبب فشل المنظومة التربوية في أداء مهامها. سبب الفشل هو عدم الاهتمام والعناية بهؤلاء الأساتذة مِهنيا، معنويا ومادِّيا.

"الاعتناء بالأساتذة مهنيا" يعني أن يخضع المدرسون لتكوينٍ رفيعِ المستوى علميا وتربويا ومسايرٍ للتطورات الحاصلة في عالم علوم التربية والنظريات التَّعلُّمية.

وما يجب التَّركيزُ عليه، هو أن يكون تكوينُهم مُنطلِقاً من أبحاث علمية محلية، أي أبحاث وطنية تأخذ بعين الاعتبار، في صُلبِها، الواقعَ التعليمي التَّربوي المغربي. بمعنى أن هذه الأبحاث يجب أن تنطلقَ من المشاكل التي تُعرقلُ السَّيرَ العادي للأنشطة التَّعليمية التَّعلُّمية activités d'enseignement apprentissage داخل الأقسام.
ومن أجل القيام بهذه الأبحاث، من الضروري أن تتوفَّرَ بلادنا على بِنية (معهد، كلية، مدرسة عُليا…) مخصَّصة لهذا الغرض. وبصفة عامة، أن يخضعَ كل ما يجري داخل الأقسام من علاقات بين الأساتذة والمتعلِّمين تربوية وبيداغوجية… إذ لا يُعقل أن بلاداً تعاني منظومتُها التربوية من مشاكل متعدِّدة لا يوجد بها مؤسسة متخصِّصة في البحث التربوي.

قد يقول قائلٌ هذه المؤسسة موجودة وهي كلية علوم التربية. نعم موجودة وتقوم بأبحاث تربوية على مستوى الماستر والدكتوراه. لكن هذه الأبحاث بعيدة كل البعد عن واقع البلاد، التعليمي والتَّربوني. بمعنى أن أبحاثَ الماستر والدكتوراه تتطرَّق لمواضيع يقترحها الأساتذة الباحثون وليست، بالضرورة، ملتصقة بالمشاكل التي يُعاني منها الأساتذة في علاقاتِهم مع المتعلمين داخلَ الأقسام. وبعبارة أخرى وما دام أن المشاكل الأساسية التي تعاني منها المنظومة التربوية ناتِجةٌ عن ما يجري داخل الأقسام، فالأبحاث التربوية يجب أن تجد حلولا لهذا النوع من المشاكل.

وبالإضافة إلى كل هذه الأبحاث، يجب أن يرتكز تكوين الأساتذة على ما ينتظرهم من مهام داخل الأقسام. وهذه المهام لا يجب اختزالُها في تبليغ المعرفة للمتعلمين. الأستاذ الكُفء والمقتدِر هو الذي يساعد المتعلِّمين على بناء واكتساب الكفاءات الذين هم في حاجة إليها في حياتهم المستقبلية من تحليل analyse وتركيب synthèse وحلِّ المشكلات résolution des problèmes وتفتُّحٍ فكري épanouissement intellectuel وتحرُّرٍ اجتماعي émancipation sociale وفكرٍ نقدي pensée critique وجودة التواصل qualité de la communication…

ثم يجب أن لا ننسى أن المهمة الأساسية للأساتذة هي تمكين جميع المتعلمين من النجاح في مسارهم الدراسي parcours scolaire. ومن أجل هذا النجاح، من الضروري أن يتمركزَ تكوين الأساتذة على تحسين ما يجري داخلَ الأقسام، عِلماً أن هذا التكوين هدفُه الرئيسي هو إنتاج أساتذة أكفاء compétents ومُحفَّزين motivés للقيام بواجبهم الوطني. وهذا يقتضي من المسئولين أن يعتنوا بالأساتذة معنويا وماديا.

"الاعتناء بهم معنويا" يعني ردُّ الاعتبار للمدرسين داخل المجتمع المغربي، كما كان الشأن في الماضي حيث كان هؤلاء المدرسون قدوةً يُحتدى بها. فعلا، في الماضي القريب، وأعني بذلك النصف الأول وبدايات النصف الثاني من القرن الماضي، كان الأستاذ يحظى بمرتبةٍ عالية داخلَ المجتمع. كانت له هيبة وكان يُعتبر ليس فقط حاملاً للعلم والمعرفة. بل كان مُرَبيا يساهم، فعليا، في تربية المتعلمين أدبياً وأخلاقياً. كان يُشكِّل امتدادا لأُسرِ المتعلمين، أي أنه يُكمِّل ما بدأته الأسرة من تربيةٍ لبناتها وأبنائها. ولهذا كان الأستاذ موضِع احترام كبير من طرف المجتمع. لماذا؟

لأن الناسَ كانوا يرون فيه صانعَ مستقبل الأجيال وبانيَ شخصية المتعلِّمين. وبعبارة أخرى، كان الأستاذُ يساهم في التنشئة الاجتماعية للمتعلِّمين la socialisation des apprenants. وباختصار شديد، كان المجتمعُ والأستاذُ يحملان معا نفسَ الرسالة : إعداد الأجيال المتعاقِبة على المدرسة اجتماعيا، تربويا، علميا، أخلاقيا، دينيا… لتحمُّل مسئولياتِِهم، مستقبلاً، داخلَ المجتمع.

أما "الاعتناء بالأساتذة مادِّيا"، فيعني تمكينُهم من رواتب تجعل من مهنة التدريس والتعليم مهنةً تستقطب خيرةَ خريجي الجامعات والمعاهد العليا وليس كما هو الشأن اليوم حيث البابُ مفتوحٌ أمام مَن يئسوا في البحث عن عمل أو مَن يجعلون من هده المهنة، فقط وحصرياً، مصدرا للُقمَة عيشٍ لا أقل ولا أكثر.

علما ان الدراسات بينت، وخصوصا، تلك التي تقوم بها مُنظَّمة التَّعاون والتنمية الاقتصادية OCDE، أن أحسن وأجود المنظومات التربوية مردودِيةً، هي تلك التي يتقاضى أساتِذتُها أعلى الرواتب. والعكسُ هو الذي يُلاحَظ في كثيرٍ من البلدانَ التي تُعاني منظوماتُها التربوية ضعفا في المردودية، حيث أجور الأساتذة ضعيفةٌ بالمقارنة مع القدرة الشرائية ومع غلاء المعيشة. وضعف المُرتَّبات يدفع الأساتذةَ إلى العمل في المدارس الخاصة لمُواجهة غلاء المعيشة. وهو الشيء الذي ينعكس سلباً على مردوديتهم في المدارس العمومية.
وإلى جانب الاعتناء بالأساتذة مادِّيا، يجب إدخالُ تحسينات على المسار المهني carrière professionnelle ليكون هذا المسارُ مُحفِّزا وجذابا لاستقطاب خيرة الخرِّجين من الجامعات والمعاهد العليا. وهنا، لا بدَّ من توضيحٍ لِما أقصده ب"التحفيز" motivation.

التَُحفيز هو الذي يكون وراء إظهار مختلف السلوكيات comportements. أو بعبارة أخرى، التَّحفيزُ هو الذي يدفع الأشخاصَ للقيام بالتَّصرفات pousse les individus à agir. إذن التَّحفيزُ عاملٌ نفسي يدفع الناس لإظهار سلوكيات أو تصرفات actions تسير في اتِّجاهٍ مُرضي أو غير مُرضي. وعندما يكون العاملُ النفسي، أي التَّحفيزُ، نابعا من داخل النفس البشرية intrinsèque، فإن الشخص يجد متعةً un plaisir في إظهار السلوكيات أو القيام بالتَّصرُّفات. وكلما كان العامل النفسي، أي التَّحفيز، قويا، كلما زادت هذه المتعةُ حِدَّةً.

فعندما يكون الأساتذةُ مُحفَّزين ماديا، فسيشعرون بالمسئولية المُلقاةِ على عاتقهم، والأهمُّ، هو أن يجسِّدوا هذه المسئولية، بمُتعَةٍ وأريحية avec aise داخلَ الأقسام. علماً أن أحسنَ وأقوى التَّحفيزات، هي تلك التي تكون نابعةً من داخلِ النفس البشرية، أي نابعة من قناعة شخصية، conviction personnelle. وهذا يعني، فيما يخصُّ الأساتذة، أنهم راضون satisfaits عن كل ما يقومون به داخلَ الأقسام.

ومما لا شكَّ فيه أن التَّحفيزَ المادي للأساتذة سيعود بالنفع على المتعلِّمين الذين، هم في الحقيقة، ليسوا إلا صورةً للمدرسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...