علجية عيش - الدكتور عبد القدر حشاني... "أنا ابنك يا جزائر"

في ذكري اغتياله الـ: 25


في مثل اليوم من الثاني و العشرين من نوفمبر تسعة و تسعون و تسعمائة و ألف (1999)، قد نسمع من بين القبور صوت ينادي : " أنا ابنك يا جزائر فليدفئني ترابك الطاهر" هي رسالة لكل من له ضمير و إنسانية بأن ذلك الوجه البريء لا يمكن أن يكون إلا داعية "سلام" من أجل أن تظل أرض الشهداء أمنة مستقرة ، و هو الرجل الذي سعي إلي زرع الوعي الديني و الوطني في قلوب الجميع و التذكير بمكائد الإستعمار الذي تعامل مع الجزائريين بمنطق "فرق تسد" ، تصاعد فيه خطاب الكراهية، إنه الدكتور عبد القادر حشاني نجل المجاهد ابراهيم حشاني، المنحدر من عائلة ثورية ، إن الروح التي كانت تسري في نفس هذا الرجل هي روح ربانية، إنسانية مصحوبة بوازع ديني

في مثل هذا اليوم من 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 تمرُّ الذكري 25 عن اغتيال الدكتور عبد القادر حشاني ، في هذا اليوم سُمِعَ دويُّ رصاص من داخل قاعة الانتظار في عيادة طبيب الأسنان بحي باب الواد بالجزائر العاصمة أردت برجل أرضا حين تلقى رصاصتين على مستوي الرأس، نقل على جناح السرعة إلى المستشفى و أخضع لعملية جراحية فارق على إثرها الحياة، و هزت هذه الجريمة القاعة و من حضروا في ذلك اليوم للعلاج، طبعا ليست هذه الورقة لإعادة الحديث عن أحداث وقعت طيلة عشرية كاملة و ذكرها يعتبر تحصيل حاصل، لأن العام و الخاص يعلم بها و لعل بعض من عايشوها لا يزالون على قيد الحياة، كما هي ليست للحديث عن قاتله لأنه كما يقال : كان دمية بين أيدي من خططوا لاغتياله سواء من الداخل أو الخارج .


كما ليس الحديث عن الجريمة السياسية و القوانين الدولية التي صدرت لمحاربتها، لمعرفة من هو المجرم الحقيقي؟ هل الذي رسم و خطط و أمر بتنفيذها ؟ أم الذي نفذها؟ أي الذي قام بفعل الاغتيال و هو مغلوب على أمره، فقد جاء ذكر هذه المسائل في كتابنا بعنوان: "كرونولوجيا الاغتيالات في الجزائر من أيام الثورة إلى غاية العشرية السوداء" ( فتنة السلطة أو المظلومية التاريخية للرجال) صادر عن دار الأوطان للنشر الجزائر الطبعة الأولي 2021 و لكن الحديث هنا عن واحد من أبناء الجزائر ينتمي إلى الأسرة الثورية، و كما هو معلوم فعبد القادر حشاني هو رجل علم، لكنه عرف بانتمائه لجبهة الإنقاذ الإسلامية بالجزائر، حيث كان الرجل الثالث في الفيس FIS ( المحظور) بعد اعتقال رئيسه عباسي مدني و يده اليمني علي بنحاج اللذان لقيا عقوبة السجن لمدة 12 ، سنة ، عين خلالها رئيسا لمكتبها التنفيذي المؤقت.

والدكتور عبد القادر حشاني ديسمبر 1956 بتاملوكة دائرة عين مخلوف بمدينة قالمة شرق الجزائر والده هو المجاهد إبراهيم حشاني، كان أمين عامنا عاما بمنظمة المجاهدين بالعاصمة، تخرج عبد القادر حشاني من معهد "البتروكيمياء" من جامعة بومرداس بالجزائر، عمل بشركة سوناطراك و قيل عنه أنه كان مزدوج اللغة و يتمتع بخطاب عقلاني ، و في عهد التعددية، انظم عبد القادر حشاني إلى التيار الإسلامي، و تعرض للاعتقالات و التعذيب، و دون الدخول في التفاصيل، انتقل حشاني إلى جبهة عباسي مدني و شارك في مؤتمر الوفاء بمؤتمر "الوفاء" احتضنته مدينة باتنة وتم على إثره انتخابه كرئيس للمكتب التنفيذي الوطني للجبهة، عرف عبد القادر حشاني برزانته و استقامته و رجاحة تفكيره ، فكان منهجا تحليليا للأزمة و الخروج منها، و بحنكته السياسية و وعيه النضالي استطاع عبد القادر حشاني أن يغير خطاب الجبهة إلى خطاب عقلاني ومعتدل ، حيث كان يعمل على تغليب منطق التقارب مع الحركات السياسية الأولى و مع شخصيات سياسية و وطنية لإحداث التوافق مثل حسين أية أحمد، و عبد الحميد مهري و الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، و كان بينهم اتفاق حول مخارج محتملة للأزمة السياسية ، وتقديم تنازلات من طرف جبهة الإنقاذ من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي ، لكن أيادي الغدر و الخيانة أطاحت به ، كانت السلطات الجزائرية قد اعتبرت جريمة اغتياله جريمة بشعة و مكيدة دبرها أعداء الوئام الوطني.

إن قضية اغتيال عبد القادر حشاني لا تزال أثارها إلى اليوم و لا يزال من عايشوه و ناضلوا معه يتذكرونه و يحيون ذكراه، وهو ما أشار إليه أحدهم ( س.س) الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا عندما وصف الضحية بأنه كان صوت العقل والحكمة داخل جبهة الإنقاذ الإسلامية ، و كما قال هو في رسالته أن عبد القادر حشاني كانت له رؤية خاصة للأزمة، و كان قد دعا إلى عقد مؤتمر جامع لكل الأطياف السياسية و إحداث تصالح بين الجميع والعودة إلى المسار الصحيح، بل عبّر حشاني عن استعداد حزبه للتنازل عن الحكومة و الاكتفاء بثلاث وزارات فقط، و قد باركت الأطراف السياسية التي كانت منحصرة في ثلاثة أحزاب: حزب جبهة التحرير الوطني FLN بقيادة أمينه العام المجاهد عبد الحميد مهري و جبهة القوي الإشتراكية FSS بقيادة المجاهد حسين أية أحمد و الفيس (حينها) بقيادة الفقيد، باركت هذه المبادرة أو الأطروحة إن صح التعبير و وافق الاثنان على رؤيته و مبادرته ، حتى أنه كانت هناك أصوات من المؤسسة العسكرية ( وخاصة الجهاز) تؤيد هاته الرؤية ولكن هذه الأصوات كانت خافتة ، لأن التيار الاستئصالي رفض هاته المبادرة وهذا ما جعل البلاد تدخل في دوامة العنف.

يقول صاحب الرسالة، إن الجهة التي خططت لاغتيال عبد القادر حشاني هي الجهة نفسها التي رفضتْ أطروحته ومقاربته السياسية، اغتالوه لانهم يُدركون عبقريته، و من يتأمل ذلك الوجه يقف علي أن الرجال يحمل الهيبة و قوة الشخصية و رجاحة العقل و يحمل في هرموناته صفات المثقف الملتزم بقضايا ، الرجل الذي يركن إلى التفكير العقلاني و ينبذ التهور في اتخاذ القرارات ، كما يفند صاحب الرسالة بأن ما تم ترويجه بأن الجهاز وراء اغتيال عبد القادر حشاني و اتهام قائده بذلك غير صحيح ، و من روّجوا لهذه الفكرة ارادوا تغليط الرأي العام ، وقد دفع الجهاز العشرات من أرواح منتسبيه لأجل تحقيق الأمن والسلام، ومنهم اللواء فضيل سعيدي والعقيد رضوان وجابر بن يامينة وقاصدي مرباح وغيرهم، و الجهاز سلك مسلك الحوار مع الجماعات المسلحة في معاقلها بل و الأخطار تحذّق برجال الجهاز، فكيف يغتاله والجهاز نفسه رحّب برؤية حشاني للخروج من الأزمة؟ ، ما يمكن قوله هو أن الوضع في الجزائر (في تلك المرحلة) كان مأساويا و حصد المئات من خيرة ابناء الجزائر، من كلا الجانبين، و لا يزال هذا الوضع قائما في واقعنا الفكري و الثقافي و الإجتماعي، بدليل أن مشروع لم شمل الجزائري كان حبرا علي الورق و لا يزال رجال يعدون إطارات الدولة و كوادرها رهن المعتقلات السياسية و دون محاكمة، خاصة و أن بعضهم لم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء، فكان لا بد من المراجعة ، و استذكار ما عناه أمثال هذا الرجل، الذي باغتياله فقدت الجزائر خيرة أبنائها، و كم دفع أبناء المجاهدين في الجزائر من ثمن من أجل استقرار البلاد؟، تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جناته.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...