القدس في التاريخ القديم والحديث (۱)
القدس يتعلق بها المسلمون والمسيحيون واليهود أيضاً وذلك لإحتوائها على المقدسات المهمة لهم.
فالمعالم الإسلامية في القدس كثيرة وأهمها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والعديد من المساجد الإسلامية والأضرحة الشهيرة.
كذا فالمعالم النصرانية المسيحية فيها تتمثل في كنيسة القيامة التي يحج إليها المسيحيون لإستجلاب البركة، وتلقي الأسرار الإلهية.
فيها من معالم اليهودية أيضاً معبد «هيكل» سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.
يذكر لنا المؤرخون أن أول ملك لبني إسرائيل هو المسمى شاؤول «طالوت» الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وقد مات طالوت منتحراً سنة ألف قبل الميلاد.
وقد بنى سليمان بن داود المعبد المقدس ليتعبد فيه للرب إبان ظهور وتقدم الدولة العبرانية الأولى في التاريخ.
وقد توحدت المملكة الإسرائيلية في عهد داود وابنه سليمان عليهما السلام، وبلغت شأوها إذ كان الملك مع النبوة يضفي عليها قوة ومراساً ومهابة، وكانت عاصمتها إبان تلك الفترة القدس.
وبعد موت سليمان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة قبل الميلاد إنقسمت هذه الدولة إلى دولة إسرائيل في الشمال، وهي التي ظلت حتى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة حيث سقطت على يد «سرجون الثاني» ملك أشور، ثم أصبحت ولاية من ضمن الولايات الأشورية أنذاك.
ثم دولة «يهوذا» في الجنوب، وهي التي بقيت حتى سنة ست وثمانين وخمسمائة قبل الميلاد، إلى أن أغار عليها، وإجتاحها، وأتى عليها، وأتى بنيانها من القواعد الملك المعروف بختنصر، ملك الكلدانيين في بابل، وكان عربياً خالصاً محضاً، ونهب أورشليم وأهرق دماء اليهود، وساقهم أسرى إلى بابل .. ولا يزال حتى يومنا هذا مذابحه الرهيبة وتنكيله الرهيب، وتدميره المروع لليهود، مذكورين ولا يمكن أن ينساهم أبناؤهم حتى الآن.
ولئن كانت الإنسانية من قديم الأزل، وحتى الأبد ترفض وتستهول إراقة الدماء سواء كانت في حوادث فردية أو جماعية على أية صورة من الصور، ولأي فرد من أحاد الناس، بصرف النظر عن هويته أو ديانته أو أي شيء آخر، كذا فإن المقارف للعظائم لا يعدم مشايعاً ملتمساً للعذر، يحامي عنه ويذب عن مواقفه، هذا ما حدث إذ رغم ما فعله بختنصر إلا أن البعض أنصفه والتمس له العذر لكونه كان مدفوعاً إلى ذلك لما رآه من صنيع اليهود، وقد قيل «ولسنا ندري مدى صحة ذلك» أنه رأى منهم ألوانا من التدمير والتخريب، فكان إشتداده عليهم من قبیل إستحقاقهم لذلك مما يبعد بالأمر عن موجب الإستهوال والإستهجان واللوم والعذيلة.
ظل اليهود متفرقين أشتاتاً بعيداً عن أرض الميعاد «فلسطين» ردحاً طويلاً من الزمان، وهم يضربون في مناحي الأرض هنا وهناك لم يستقر لهم قرار، وقد كانت الكثرة الكاثرة منهم تعيش في بابل أو أشور، لكن معيشة إذلال ومهانة وإستخزاء حيث كانوا أسرى حرب.
ظلوا على هذه الحال من التردي والهوان حتى إستطاع «كورش» الفارسي إستنقاذهم مما هم فيه .. فدفع عنهم كثيراً من البلاء، ووضع عنهم الكثير من التعذيب والنكاية.
لم يكن ما فعله كورش» حباً في اليهود، ولا لأنه يعرف عنهم صفاء ونقاء، لكن عمد إلى أن يستقطبهم، ويستعملهم عيوناً وجواسيس على حكام البلاد الأصليين من الكنعانيين.
كذا عمد إلى إستدرار عطفهم ومحاماتهم له بأن قام بإعادة بناء معبد سليمان من جديد.
من ثم فإننا ننتهي ونخلص إلى أن العرب الأقحاح الأصليين الخلصاء من الكنعانيين هم أسبق في الوجود على أرض فلسطين من اليهود، فهم «أي اليهود» قوم طارئون على سكانها الحقيقيين.
ثم جاء الإسلام لينقذ البشرية من الظلم والمهانة، وليرفع قدر الإنسان ويعلي درجته ومكانته، ولقد وقع أجل وأعظم حدث إسلامي يفخر به كل مسلم بل كل الديانات جمعاء ألا وهو حادث الإسراء حيث أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى إماما بالأنبياء جميعاً فيه، ثم عرج بعد ذلك إلى السماوات العلى.
هذا الحدث الجلل العظيم أثبته القرآن الكريم في سورة الاسراء، قال تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء : الآية ۱).
من ثم فإننا لا نعدو الحقيقة إذا ما قررنا عن يقين وصدق بأن القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة تعيش كلها في دخائلنا، هذه المقدسات الإسلامية تعيش فينا، تمازجنا ويسري حبها في دمائنا، فنسأل الله تعالى أن يصونها من أرجاس الشياطين وأن يحفظها من عبث العابثين وتخريب المخربين إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
راجع التعليقات
من كتاب "الطريق إلى القدس" تأليف سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلي
رحمه الله تعالى رحمة واسعة
اللهم تقبل من أبى
صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك محمد ﷺ .. يا رب العالمين
القدس يتعلق بها المسلمون والمسيحيون واليهود أيضاً وذلك لإحتوائها على المقدسات المهمة لهم.
فالمعالم الإسلامية في القدس كثيرة وأهمها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والعديد من المساجد الإسلامية والأضرحة الشهيرة.
كذا فالمعالم النصرانية المسيحية فيها تتمثل في كنيسة القيامة التي يحج إليها المسيحيون لإستجلاب البركة، وتلقي الأسرار الإلهية.
فيها من معالم اليهودية أيضاً معبد «هيكل» سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.
يذكر لنا المؤرخون أن أول ملك لبني إسرائيل هو المسمى شاؤول «طالوت» الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وقد مات طالوت منتحراً سنة ألف قبل الميلاد.
وقد بنى سليمان بن داود المعبد المقدس ليتعبد فيه للرب إبان ظهور وتقدم الدولة العبرانية الأولى في التاريخ.
وقد توحدت المملكة الإسرائيلية في عهد داود وابنه سليمان عليهما السلام، وبلغت شأوها إذ كان الملك مع النبوة يضفي عليها قوة ومراساً ومهابة، وكانت عاصمتها إبان تلك الفترة القدس.
وبعد موت سليمان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة قبل الميلاد إنقسمت هذه الدولة إلى دولة إسرائيل في الشمال، وهي التي ظلت حتى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة حيث سقطت على يد «سرجون الثاني» ملك أشور، ثم أصبحت ولاية من ضمن الولايات الأشورية أنذاك.
ثم دولة «يهوذا» في الجنوب، وهي التي بقيت حتى سنة ست وثمانين وخمسمائة قبل الميلاد، إلى أن أغار عليها، وإجتاحها، وأتى عليها، وأتى بنيانها من القواعد الملك المعروف بختنصر، ملك الكلدانيين في بابل، وكان عربياً خالصاً محضاً، ونهب أورشليم وأهرق دماء اليهود، وساقهم أسرى إلى بابل .. ولا يزال حتى يومنا هذا مذابحه الرهيبة وتنكيله الرهيب، وتدميره المروع لليهود، مذكورين ولا يمكن أن ينساهم أبناؤهم حتى الآن.
ولئن كانت الإنسانية من قديم الأزل، وحتى الأبد ترفض وتستهول إراقة الدماء سواء كانت في حوادث فردية أو جماعية على أية صورة من الصور، ولأي فرد من أحاد الناس، بصرف النظر عن هويته أو ديانته أو أي شيء آخر، كذا فإن المقارف للعظائم لا يعدم مشايعاً ملتمساً للعذر، يحامي عنه ويذب عن مواقفه، هذا ما حدث إذ رغم ما فعله بختنصر إلا أن البعض أنصفه والتمس له العذر لكونه كان مدفوعاً إلى ذلك لما رآه من صنيع اليهود، وقد قيل «ولسنا ندري مدى صحة ذلك» أنه رأى منهم ألوانا من التدمير والتخريب، فكان إشتداده عليهم من قبیل إستحقاقهم لذلك مما يبعد بالأمر عن موجب الإستهوال والإستهجان واللوم والعذيلة.
ظل اليهود متفرقين أشتاتاً بعيداً عن أرض الميعاد «فلسطين» ردحاً طويلاً من الزمان، وهم يضربون في مناحي الأرض هنا وهناك لم يستقر لهم قرار، وقد كانت الكثرة الكاثرة منهم تعيش في بابل أو أشور، لكن معيشة إذلال ومهانة وإستخزاء حيث كانوا أسرى حرب.
ظلوا على هذه الحال من التردي والهوان حتى إستطاع «كورش» الفارسي إستنقاذهم مما هم فيه .. فدفع عنهم كثيراً من البلاء، ووضع عنهم الكثير من التعذيب والنكاية.
لم يكن ما فعله كورش» حباً في اليهود، ولا لأنه يعرف عنهم صفاء ونقاء، لكن عمد إلى أن يستقطبهم، ويستعملهم عيوناً وجواسيس على حكام البلاد الأصليين من الكنعانيين.
كذا عمد إلى إستدرار عطفهم ومحاماتهم له بأن قام بإعادة بناء معبد سليمان من جديد.
من ثم فإننا ننتهي ونخلص إلى أن العرب الأقحاح الأصليين الخلصاء من الكنعانيين هم أسبق في الوجود على أرض فلسطين من اليهود، فهم «أي اليهود» قوم طارئون على سكانها الحقيقيين.
ثم جاء الإسلام لينقذ البشرية من الظلم والمهانة، وليرفع قدر الإنسان ويعلي درجته ومكانته، ولقد وقع أجل وأعظم حدث إسلامي يفخر به كل مسلم بل كل الديانات جمعاء ألا وهو حادث الإسراء حيث أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى إماما بالأنبياء جميعاً فيه، ثم عرج بعد ذلك إلى السماوات العلى.
هذا الحدث الجلل العظيم أثبته القرآن الكريم في سورة الاسراء، قال تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء : الآية ۱).
من ثم فإننا لا نعدو الحقيقة إذا ما قررنا عن يقين وصدق بأن القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة تعيش كلها في دخائلنا، هذه المقدسات الإسلامية تعيش فينا، تمازجنا ويسري حبها في دمائنا، فنسأل الله تعالى أن يصونها من أرجاس الشياطين وأن يحفظها من عبث العابثين وتخريب المخربين إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
راجع التعليقات
من كتاب "الطريق إلى القدس" تأليف سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلي
اللهم تقبل من أبى