مَن هم الناس الذين لا يؤمنون ب"الوطن" كمفهوم؟ إنهم أشخاصٌ وجماعات. أشخاصٌ وجماعاتٌ يؤمنون، فقط وحصريا، بالولاءِ لجهات توجد خارج الوطن، أو يؤمنون بأفكارٍ ليست من إنتاجهم، بل، أحياناً، يؤمنون بهذه الأفكار دون أن يُشغِّلوا عقولَهم. إنهم لا يحبون وطنَهم لكنهم يُريدون الاستفادة من خيراتِه ويستغلُّون دستورَه وقوانينَه للتَّعبير عن آرائهم بكل حرية. بل قد يقودُهم استغلالُهم هذا لإنشاء حزبٍ سياسي طمعا منهم في الوصول إلى السلطة وإخراج إيدولوجياتهم، إن استطاعوا، إلى حيز الوجود.
وليس من الغريب أن نلاحظَ أن أكثرَ الناس جحوداً لمفهوم "الوطن" والمتفانين في ولائهم لجهاتٍ أخرى خارجَ الوطن أو لأفكارٍ ليست من آنتاجِهم، هم الإسلاميون السَّلفيون، وخصوصا، المُتطرِّفون منهم.
بالنسبة لهذا النوع من الناس، الدين ليس إلا وسيلة يُؤَدلجونَها، أي يجعلون من هذا الدين إيديولوجيا يركبونها لتحقيق مآربهم التي يمكن تلخِيصُها في الوصول إلى السلطة، بكيفية ديمقراطية، وبالتالي، فرض أفكارهم الدينية المؤدلَجَة على الناس.
وهذا النوع من الناس لا علاقة لهم بالوطن كمفهوم. لماذا؟ لأنهم يحملون مشروعاً أو أفكارا يدينان لجهة أخرى غير وطنهم. ولهذا، فإن مصلحة الوطن هي آخِر ما يفكِّرون فيه. بل إنهم ينشغلون في خدمة وطنٍ آخَرَ داخلَ وطنِهم. أو بعبارةٍ أخرى، إنهم مستعِدُّون للتَّضحية بمصالح وطَنهم لخدمة وطنٍ آخَرَ أو مدّاً سياسيا/دينيا آخر لا علاقةَ. له بالوطن الأم.
إنهم يعترفون فقط بما هو راسخٌ ومُرسَّخٌ في أدمغتهم، أي مفهوم "الأمة الإسلامية"، علما أن هذا المفهوم لم يعد له وجودٌ منذ نهاية دولة الخلافة العثمانية سنة 1924. بل إن ما كان يُسمى "الأمة الإسلامية" أصبح، اليوم وبعد نهاية الدولة العثمانية، مجموعةَ أوطان. وكلُّ وطنٍ متشبِّثٌ بحدوده وبهويته دينيا، مذهبيا، سياسيا، ثقافيا ولغويا. ومجموعة الأوطان هذه لم تعُد مشكَّلة فقط وحصريا من المسلمين. بل يتساكن في هذه الأوطان مسلمون ومسيحيون ويهود ومُتديِّنون وضعيون وهندوسيون وبودِيون وملحِدون ومجوسيون…، علما أن الدولةَ الإسلامية التي بدأَ تأسيسَها الرسول (ص)، في المدينة بعد هجرته من مكة، كان يتساكن فيها المسلمون واليهودٌ والنصارى وكفار ومشركون… وهذا هو حال جميع بلدان العالم اليوم، إذ أن سكان هذه البلدان عبارة عن خليط من الأديان، سماوية أو وضعية، بما في ذلك اللادينيون. هذا هو ما لا يريد السلفيون إدراكَه، أي أن مفهومَ "الأمةَ الإسلامية" ليس إلا وهمٌ قد ولَّى منذ زمان. لكن السلفيين مُتشبِّثون بهذا الوهم، رغم أنه بعيد المنال.
ولهذا، قلتُ أعلاه أن السلفيين، وخصوصا، منهم المتطرِّفون يحملون مشروعا يريدون، عندما تتاح لهم الفرصة، إن عاجلاً أو آجلاً، أن يفرضونه على الغير. في الحقيقة، ما يسعون إلى تحقيقه، هو عودة دولة الخلافة التي هي دولةٌ دينيةٌ تحكمها الشريعة، ناسين أو متناسين أن جلَّ أوطان العالم الإسلامي متَّجِهةٌ نحو الحداثة أو تبنتها في جميع مرافق الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. بل إن القوانينَ التي تنظِّم المجتمعَ، قوانينٌ مدنية إلا النزرَ القليلَ منها يستمِد أحكامَه من الشريعة الإسلامية.
إن السلفيين، وخصوصا، المتطرِّفون منهم، يجعلون من الدين أمراً جماعِياً عِوض أن يكونَ أمرا محصورا بين خالقٍ ومخلوقٍ. وبالتالي، تنمحي في أذهانِهم حدودُ الأوطان وتنصهر الشعوبُ المسلمة في شعبٍ واحدٍ اسمُه "الأمة الإسلامية". بل إن اعتبارَهم الدينَ أمرا جماعِياً جعلهم يُفكِّرون في فرضه على الناس خِلافا لِما أراده اللهُ، سبحانه وتعالى، للناس أن يختاروا طريقَ الإيمان أو طريقَ الكفر.
إن السلفيين، وخصوصا، المُتطرِّفون منهم، لا يريدون الاعترافَ بالواقع الذي أصبحت تسير عليه دُولُ العالم الإسلامي. إنهم يعترفون، فقط، بمفهوم "الأمة الإسلامية" الذي أكل عليه الدَّهرُ وشرب ولم يعُد له وجودٌ إلا في عقولهم. بل إن هذه العقول تتنكَّر لحق البلدان في التَّشبُّث بحدودها والدفاع عنها، إن اقتضى الحال، وكما هو الشأنُ لجميع بلدان العالم، مسلمةً كانت أو غير مسلمة.
وختاماً لهذه المقالة، فإن السلفيين، وخصوصا المتطرِّفون منهم، مُتشبِّثون بشيءٍ لم يعد له وجودٌ إلا في أذهانِهم. وعوض أن يُساهموا، بأفكارِهم، في بناء الإنسان المغربي وفي بناء الوطن، فإنهم يريدون عودةَ الماضي السحيق الذي لم يعُد صالِحا لعصرنا الحاضر. عودة الماضي بخلافته، بشريعتِه، بعُرفه بعاداتِه… وباختصار، بظروفه الزمانية والمكانية. وهذا شيءٌ مستحيلٌ لأن لكل زمان ومكان نساءُه ورجالُه وتساكنُهم وأفكارُهم ومعتقداتُهم وثقافاتُهم وعاداتُهم… تصلح لهم وليس لغيرهم.
فلا غرابةَ أن لا يُؤمنَ السلفيون، وخصوصا المتطرِّفون منهم، بمفهوم "الوطن" وما يترتَّب عنه من مقوِّمات هذا الوطن، التي أصبحت، بحُكم ما طرأَ من تغييرات جذرية داخلَ المجتمعات إنسانياً، علمياً، تكنولوجياً، ثقافياً، اقتصادياً، اجتماعياً، صناعياً، زراعياً، طبِّياً…
وليس من الغريب أن نلاحظَ أن أكثرَ الناس جحوداً لمفهوم "الوطن" والمتفانين في ولائهم لجهاتٍ أخرى خارجَ الوطن أو لأفكارٍ ليست من آنتاجِهم، هم الإسلاميون السَّلفيون، وخصوصا، المُتطرِّفون منهم.
بالنسبة لهذا النوع من الناس، الدين ليس إلا وسيلة يُؤَدلجونَها، أي يجعلون من هذا الدين إيديولوجيا يركبونها لتحقيق مآربهم التي يمكن تلخِيصُها في الوصول إلى السلطة، بكيفية ديمقراطية، وبالتالي، فرض أفكارهم الدينية المؤدلَجَة على الناس.
وهذا النوع من الناس لا علاقة لهم بالوطن كمفهوم. لماذا؟ لأنهم يحملون مشروعاً أو أفكارا يدينان لجهة أخرى غير وطنهم. ولهذا، فإن مصلحة الوطن هي آخِر ما يفكِّرون فيه. بل إنهم ينشغلون في خدمة وطنٍ آخَرَ داخلَ وطنِهم. أو بعبارةٍ أخرى، إنهم مستعِدُّون للتَّضحية بمصالح وطَنهم لخدمة وطنٍ آخَرَ أو مدّاً سياسيا/دينيا آخر لا علاقةَ. له بالوطن الأم.
إنهم يعترفون فقط بما هو راسخٌ ومُرسَّخٌ في أدمغتهم، أي مفهوم "الأمة الإسلامية"، علما أن هذا المفهوم لم يعد له وجودٌ منذ نهاية دولة الخلافة العثمانية سنة 1924. بل إن ما كان يُسمى "الأمة الإسلامية" أصبح، اليوم وبعد نهاية الدولة العثمانية، مجموعةَ أوطان. وكلُّ وطنٍ متشبِّثٌ بحدوده وبهويته دينيا، مذهبيا، سياسيا، ثقافيا ولغويا. ومجموعة الأوطان هذه لم تعُد مشكَّلة فقط وحصريا من المسلمين. بل يتساكن في هذه الأوطان مسلمون ومسيحيون ويهود ومُتديِّنون وضعيون وهندوسيون وبودِيون وملحِدون ومجوسيون…، علما أن الدولةَ الإسلامية التي بدأَ تأسيسَها الرسول (ص)، في المدينة بعد هجرته من مكة، كان يتساكن فيها المسلمون واليهودٌ والنصارى وكفار ومشركون… وهذا هو حال جميع بلدان العالم اليوم، إذ أن سكان هذه البلدان عبارة عن خليط من الأديان، سماوية أو وضعية، بما في ذلك اللادينيون. هذا هو ما لا يريد السلفيون إدراكَه، أي أن مفهومَ "الأمةَ الإسلامية" ليس إلا وهمٌ قد ولَّى منذ زمان. لكن السلفيين مُتشبِّثون بهذا الوهم، رغم أنه بعيد المنال.
ولهذا، قلتُ أعلاه أن السلفيين، وخصوصا، منهم المتطرِّفون يحملون مشروعا يريدون، عندما تتاح لهم الفرصة، إن عاجلاً أو آجلاً، أن يفرضونه على الغير. في الحقيقة، ما يسعون إلى تحقيقه، هو عودة دولة الخلافة التي هي دولةٌ دينيةٌ تحكمها الشريعة، ناسين أو متناسين أن جلَّ أوطان العالم الإسلامي متَّجِهةٌ نحو الحداثة أو تبنتها في جميع مرافق الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. بل إن القوانينَ التي تنظِّم المجتمعَ، قوانينٌ مدنية إلا النزرَ القليلَ منها يستمِد أحكامَه من الشريعة الإسلامية.
إن السلفيين، وخصوصا، المتطرِّفون منهم، يجعلون من الدين أمراً جماعِياً عِوض أن يكونَ أمرا محصورا بين خالقٍ ومخلوقٍ. وبالتالي، تنمحي في أذهانِهم حدودُ الأوطان وتنصهر الشعوبُ المسلمة في شعبٍ واحدٍ اسمُه "الأمة الإسلامية". بل إن اعتبارَهم الدينَ أمرا جماعِياً جعلهم يُفكِّرون في فرضه على الناس خِلافا لِما أراده اللهُ، سبحانه وتعالى، للناس أن يختاروا طريقَ الإيمان أو طريقَ الكفر.
إن السلفيين، وخصوصا، المُتطرِّفون منهم، لا يريدون الاعترافَ بالواقع الذي أصبحت تسير عليه دُولُ العالم الإسلامي. إنهم يعترفون، فقط، بمفهوم "الأمة الإسلامية" الذي أكل عليه الدَّهرُ وشرب ولم يعُد له وجودٌ إلا في عقولهم. بل إن هذه العقول تتنكَّر لحق البلدان في التَّشبُّث بحدودها والدفاع عنها، إن اقتضى الحال، وكما هو الشأنُ لجميع بلدان العالم، مسلمةً كانت أو غير مسلمة.
وختاماً لهذه المقالة، فإن السلفيين، وخصوصا المتطرِّفون منهم، مُتشبِّثون بشيءٍ لم يعد له وجودٌ إلا في أذهانِهم. وعوض أن يُساهموا، بأفكارِهم، في بناء الإنسان المغربي وفي بناء الوطن، فإنهم يريدون عودةَ الماضي السحيق الذي لم يعُد صالِحا لعصرنا الحاضر. عودة الماضي بخلافته، بشريعتِه، بعُرفه بعاداتِه… وباختصار، بظروفه الزمانية والمكانية. وهذا شيءٌ مستحيلٌ لأن لكل زمان ومكان نساءُه ورجالُه وتساكنُهم وأفكارُهم ومعتقداتُهم وثقافاتُهم وعاداتُهم… تصلح لهم وليس لغيرهم.
فلا غرابةَ أن لا يُؤمنَ السلفيون، وخصوصا المتطرِّفون منهم، بمفهوم "الوطن" وما يترتَّب عنه من مقوِّمات هذا الوطن، التي أصبحت، بحُكم ما طرأَ من تغييرات جذرية داخلَ المجتمعات إنسانياً، علمياً، تكنولوجياً، ثقافياً، اقتصادياً، اجتماعياً، صناعياً، زراعياً، طبِّياً…