د. أحمد الحطاب - المغرب أولاً

السؤال الذي يفرضُه علينا عنوانُ هذه المقالة، هو : "هل يوجد من بين البشر شخصٌ واحدٌ، سليم العقل، لا يريد الخيرَ لبلادِه أو لوطنه"؟

جواباً على هذا السؤال، أقول، وأنا مُتأكِّدٌ مما أقول، لا يوجد هذا النوع من البشر. وإن وُجِدَ، فهو شخصٌ أو مُواطِن عاق، أي لا يعترف بالجميل. فما هو الجميل الذي لا يعترف به "المواطنُ العاق"؟

الوطن هو الذي يهب للناس حقَّ المواطنة la citoyenneté. والمواطنة هي التي تمنح للناس حقوقاً droits وتضع على عاتِقِهم واجباتٍ obligations. والحقوق والواجبات مضمونة دستوريا. والدستورُ وجودُه غير ممكنٍ بدون موافقة المواطنات والمواطنين على مضامينِه، من خلال الاستفتاء. والمواطن الصالحُ، أي الذي يُساهِم في بناء الوطن، هو الذي يتمتَّع بالحقوق، وفي نفس الوقت، يُؤدِّي ما عليه من واجبات.

من بين الحقوق، أذكر على سبيل المِثال، الحق في تعليمٍ جيِّدٍ، الحق في الصحة، الحق في السكن الائق، الحق في العمل، الحق في التعبير عن الرأي، الحق في حرية المبادرة… ومن بين الواجبات، أذكر على سبيل المِثال أداءُ الضرائب، احترام القانون، احترام الملك العام… والتَّمتُّع بالحقوق وأداء الواجبات التي تفرِضُها المواطنة، هما الضامِنان الأساسيان للتساكن والتعايش في مجتمعات آمِنة ومستقرَّة. فكل شخصٍ أراد أن يتمتَّع بالحقوق التي تضمنُها المواطنة دون أن يُؤدِّيَ الواجبات، فهو شخصٌ عاق. وهو عاقٌّ بالنسبة لوطنِه، وكذاك، بالنسبة للمواطنين الآخرين.

ولعلَّ أول الأشخاص الذين، مفروضٌ عليهم أن لا يكونوا عاقين بالنسبة لوطنِهم وبالنسبة للمواطنين الآخرين، هم السياسيون. بل السياسيون هم مَن يدبِّرون الشأن العام. وحماية الوطن والمواطنة تدخل في أولويات تدبير الشأن العام. إذ وجودُ الوطن مرتبِطٌ ارتباطاً وثيقاً بحمايتِه. وحماية الوطن من أقدس الواجبات. بمعنى أن حمايةَ الوطن والدفاعَ عنه، في السرَّاء والضرَّاء، واجبٌ يعلو ولا يُعلى عليه. ولهذا، فلن نجِدَ ولو مواطنا واحدا، سليمَ العقل، لا يريد الخيرَ لبلادِه وله الاستعداد لحمايتِها والدَّودِ عنها والدفاع عن وحدتها التُّرابية intégrité territoriale.

وهنا، لا أريد أن أُفوِّتَ الفرصةَ لأقولَ، بكل وضوحٍ، أن أوَّلَ مَن يسهر على حماية الوطن، المغرب، وضمان استقراره والدفاع عن وحدتِه التُّرابية وعن مصالحِه العُليا، هو مَلِكُ البلاد. لماذا؟

لأن المُتربِّصين بزععزعة الوطن وهَدمِ استقراره كُثُرٌ. فمنهم أشخاص ومنهم جماعات. وفي غالب الأحيان، هؤلاء الأشخاص أو الجماعات، لهم أجندات أجنبية. وأخطر المُتربِّصين، هم المتديِّنون المُتطرِّفون الحامِلون لما يُسمُّونه مشروع "الإسلام السياسي"، الذي، إذا أُتِيحَت لهم الفرصةُ لتحقيقه على أرض الواقع، سيجرُّون البلادَ قُروناً طويلةً إلى الوراء. ،انظروا إلى ما يجري حالياً في أفغانستان! لكن هيهات!

لكن هيهات! لأن مَلِكََ البلاد، دستورياً، يسود ويحكم، وفي نفس الوقت، إنه أمير المؤمنين. وإمارة المؤمنين تعني أن ملكَ البلاد يرعى الشؤون الدينية لكل المؤمنين، سواءً كانوا مسلمين أو مسلمين سُنيين أو مسلمين شيعيين أو مسلمين يتبعون أحدَ المذاهب الأربعة أو يهود أو مسيحيين. ورعاية الشؤون الدينية للمواطنين المؤمنين تعني أن هؤلاء المؤمنين لهم الحق في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية بكل حرية. بل إن إمارةَ المؤمنين تقف سدّاً منيعاً في وجه كلِّ المُتربِّصين الذين يريدون أن يستعملوا الدين مطيةً لتحقيق أغراضٍ تسيئ للوطن ولمصالحِه العليا. وإرادَةُ أمير المؤمنين هي التي أعطت الأوامر لإصلاحٍ ثانٍ لمدوَّنة الأحوال الشخصية، أبى مَن أبى وكرِه مَن كَرِه.

المغاربة يحبُّون وطنَهم وملكَهم. ومَلِكُهم هو الضامن الأول لاستقرار البلاد ولوحدَتِها الترابية. ولهذا، قلتُ أعلاه أنه لا يوجد مواطنٌ واحدٌ، سليم العقل، لا يريد الخيرَ لبلاده. بل لا يوجد مواطنٌ واحدٌ، سليم العقل، لا يعترف بالدور الذي تلعبُه الملكية، كنظام دستوري سياسي، جعل من استقرار البلاد ومن وحدَتِها التُّرابية أولويةَ الأولويات. وكذلك بالدور الذي تلعبه إمارةُ المؤمنين في رعاية الشؤون الدينية للمؤمنين.

الملكِية، كنظام دستوري سياسي، سيادةً وحُكماً، وإمارة المؤمنين، يقودان البلادَ، بتأنٍّ وحِكمة، نحو سيادة المواطنة وجعلِها فوق كل اعتبار. مواطنةٌ يتساوى فيها الجميع، من حيث الحقوق والواجبات، وبغض النظر عن المُعتقداتِ الدينية أو الثقافاتِ أو اللهجاتِ أو ألوان البِشرة… بل يقودان البلادَ نحو الحداثة la modernité، بخُطى ثابتة ولو كانت بطيئة.

ولولا سيادة المواطنة على كل الاعتبارات، لَما قال دونالد ترامب Donald Trump الجمهوري، في حملتِه الإنتخابية الأولى التي هزمه فيها الديمقراطي جو بايدن Joe Biden، لَما قال America first، أي أمريكا أولاً. فإذا كان مَن هو مرشَّحٌ بأن يُصبحَ رئيساً لأغنى وأقوى دولة في العالم، اقتصادياً، علمياً، عسكرياً، تكنولوجياً… يُفضِّل بلادَه على البلدان الأخرى، رغم ما تعرفُه من تفوُّقٍ في الكثيرِ من الميادين واضعاً مصالحَها فوق كل اعتبار. فما بالُك بالمواطنين العاديين؟

فما بالُك بالمواطنين العاديين الذين ليسوا سياسيين، وما أكثرهم، والذين هم مستعدون، قولاً وفِعلاً، وعلى الدوام، أن يُصرِّحوا ويفتخروا بعِبارة "المغرب أولاً".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...