الحلقة الأولى
إن تناول السير الذاتية المتعلقة بتجارب النساء في السجون. يعد من المشاريع الهامة والغنية التي تَبْرُزُ فيها عدة علامات كاشفة عن طبيعة الأنظمة الاجتماعية، وقياس التحولات والتغييرات الطارئة على نظم الحياة والتفكير داخل مجتمعاتنا.
ارتباطا بهذا نستدعي مساهمة باربرا هارلو (1). التي قاربت هذه الموضوع من خلال كتابها "من سجن النساء؛ سرديات السجن لدى نساء العالم الثالث"(2)
تنطلق باربرا من التأكيد على أن الكتابات النسائية للسجن في العالم المصنف كعالم ثالث، هي في الحقيقة تحدي مزدوج للتطورات الغربية في نظرية النقد الأدبي والنظرية النسوية. فما قد يبدو مسألة عرضية ممثلة في كون السمة المشتركة بين تلك الكتابات هي أنها مكتوبة بأقلام نساء العالم الثالث. وتتناول تجربة السجن، هو أمر سطحي مقارنة مع أنها جوهرها يحمل نواة فئة خطابية، حيث تتحدى تلك الكتابات تصنيف الانواع. متجاورة القيود والفروق التقليدية. لتؤسس لنموذج منفلت، يجمع بين السرد الروائي والتسجيل الوثائقي. فضلا عن هذا فإن التجربة الجماعية النسائية والتطورات السياسية التي تنقلها تلك الكتابات هي وليدة تبلور وتطور أفرزته مجموعة من العلاقات الاجتماعية المؤدية إلى تشكل تجارب ليست حكرا على النساء. بل يشترك فيها الرجال. وربما لا تشترك فيها كافة النساء.
هدف اسهام باربرا هولرو إلى دراسة وتفكيك التحدي المزدوج المضمن في تلك الكتابات. والمنطلق هنا هو دور القوى السياسية والضغوط الاقتصادية في إحداث التغيير الجذري لمجمل بنى حيوات النساء في مجتمعاتنا. عبر خلق التحول في علاقاتهن بالرجال داخل سياق الأسرة. كما دورهن داخل النظام الاجتماعي الأوسع أيضا.
واستدعت الكاتبة مثال تحمل امرأة مجتمع "بالوتش" عبئا اجتماعيا متزايدا بعد وفاة الزوج والشقيق والابن. وعلى غرارهن انخرطت نساء الشعوب الأخرى في حركات الكفاح من أجل التحرر الوطني وفي حركات المقاومة. رغم انتهائهن إلى انظمة اجتماعية تقليدية. فأدوارهن السياسية تعرضت لإعادة الترتيب. وتجلى في خروجهن من قوقعة المجال الحريمي. وحملهن للسلاح إلى جانب الرجال. كما أوردت تجربة رحيل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الغزو الاسرائيلي عام 1982. وكيف قامت النساء الفلسطينيات ( البنات الزوجات والاخوات) بتولي زمام الامور. تماما كما فعلن من قبل حين أشرفنا وحافظنا على العديد من الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها المنظمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1- كاتبة أمريكية من مواليد 1948. توفيت سنة 2017. اشتغلت أستاذة للآداب الإنجليزية ودراسات السوق الاوسط في جامعة تكساس بأوستن في الولايات المتحدة الأمريكية. درست كذلك في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. متخصصة في دراسات العالم الثالث، والنظرية النقدية. وكتابات السجون وأدب المقاومة. ودراسات ما بعد الكولونيالية والإمبريالية والاستشراف. مهتمة تحديدا بالثقافات والآداب الافريقية والعربية. اكتسبت شهرتها بعد نشر كتابها عن أدب المقاومة عام 1987. ولها عدة مؤلفات من أبرزها كتابها عن الكتابات الثورية والاغتيال السياسي الصادر سنة 1996. والذي تطرقت فيه إلى تجربة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني.
2ـ Barbara Harlow, "From the Women's Prison: Third World Women's Narratives of Prison".
إن تناول السير الذاتية المتعلقة بتجارب النساء في السجون. يعد من المشاريع الهامة والغنية التي تَبْرُزُ فيها عدة علامات كاشفة عن طبيعة الأنظمة الاجتماعية، وقياس التحولات والتغييرات الطارئة على نظم الحياة والتفكير داخل مجتمعاتنا.
ارتباطا بهذا نستدعي مساهمة باربرا هارلو (1). التي قاربت هذه الموضوع من خلال كتابها "من سجن النساء؛ سرديات السجن لدى نساء العالم الثالث"(2)
تنطلق باربرا من التأكيد على أن الكتابات النسائية للسجن في العالم المصنف كعالم ثالث، هي في الحقيقة تحدي مزدوج للتطورات الغربية في نظرية النقد الأدبي والنظرية النسوية. فما قد يبدو مسألة عرضية ممثلة في كون السمة المشتركة بين تلك الكتابات هي أنها مكتوبة بأقلام نساء العالم الثالث. وتتناول تجربة السجن، هو أمر سطحي مقارنة مع أنها جوهرها يحمل نواة فئة خطابية، حيث تتحدى تلك الكتابات تصنيف الانواع. متجاورة القيود والفروق التقليدية. لتؤسس لنموذج منفلت، يجمع بين السرد الروائي والتسجيل الوثائقي. فضلا عن هذا فإن التجربة الجماعية النسائية والتطورات السياسية التي تنقلها تلك الكتابات هي وليدة تبلور وتطور أفرزته مجموعة من العلاقات الاجتماعية المؤدية إلى تشكل تجارب ليست حكرا على النساء. بل يشترك فيها الرجال. وربما لا تشترك فيها كافة النساء.
هدف اسهام باربرا هولرو إلى دراسة وتفكيك التحدي المزدوج المضمن في تلك الكتابات. والمنطلق هنا هو دور القوى السياسية والضغوط الاقتصادية في إحداث التغيير الجذري لمجمل بنى حيوات النساء في مجتمعاتنا. عبر خلق التحول في علاقاتهن بالرجال داخل سياق الأسرة. كما دورهن داخل النظام الاجتماعي الأوسع أيضا.
واستدعت الكاتبة مثال تحمل امرأة مجتمع "بالوتش" عبئا اجتماعيا متزايدا بعد وفاة الزوج والشقيق والابن. وعلى غرارهن انخرطت نساء الشعوب الأخرى في حركات الكفاح من أجل التحرر الوطني وفي حركات المقاومة. رغم انتهائهن إلى انظمة اجتماعية تقليدية. فأدوارهن السياسية تعرضت لإعادة الترتيب. وتجلى في خروجهن من قوقعة المجال الحريمي. وحملهن للسلاح إلى جانب الرجال. كما أوردت تجربة رحيل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الغزو الاسرائيلي عام 1982. وكيف قامت النساء الفلسطينيات ( البنات الزوجات والاخوات) بتولي زمام الامور. تماما كما فعلن من قبل حين أشرفنا وحافظنا على العديد من الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها المنظمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1- كاتبة أمريكية من مواليد 1948. توفيت سنة 2017. اشتغلت أستاذة للآداب الإنجليزية ودراسات السوق الاوسط في جامعة تكساس بأوستن في الولايات المتحدة الأمريكية. درست كذلك في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. متخصصة في دراسات العالم الثالث، والنظرية النقدية. وكتابات السجون وأدب المقاومة. ودراسات ما بعد الكولونيالية والإمبريالية والاستشراف. مهتمة تحديدا بالثقافات والآداب الافريقية والعربية. اكتسبت شهرتها بعد نشر كتابها عن أدب المقاومة عام 1987. ولها عدة مؤلفات من أبرزها كتابها عن الكتابات الثورية والاغتيال السياسي الصادر سنة 1996. والذي تطرقت فيه إلى تجربة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني.
2ـ Barbara Harlow, "From the Women's Prison: Third World Women's Narratives of Prison".