اللي تولد ف مكة، يجيب اخبار الحجاج
تقديـــــــــم :
يقول أحمد أمين : "الأمثال نوع من أنواع الأدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكناية، ولا تكاد تخلو منها أمة من الأمم. ومزية الأمثال أنها تنبع من كل طبقات الشعب، وليست كالشعر والنثر الفني فإنهما لا ينبعان إلا من الطبقة الأرستقراطية في الأدب (..). وأمثال كل أمة مصدر مهم جدا للمؤرخ الأخلاقي والاجتماعي، يستطيع كل منهما أن يعرف كثيرا من أخلاق الأمة، وعاداتها وعقليتها ونظرتها إلى الحياة، لأن الأمثال عادة وليدة البيئة التي نشأت عنها".
ركز التعريف أعلاه على مستويين :
1. الجانب الأدبي أي شكل المثل ؛
2. الجانب الاجتماعي أي الموضوعي.
في الجانب الأدبي ركز على الجانب البلاغي، المتمثل في كون الجملة المثلية تتصف بـــــ :
• الإيجاز في اللفظ ؛
• حسن المعنى ؛
• التحلي بالمحسنات البلاغية : التشبيه، الاستعارة، الكناية، والسجع، والجناس، والطباق والمقابلة ؛
• الذيوع والانتشار بين الجميع.
وفي الجانب الموضوعي ركز على أن الأمثال أفيد وأشمل لأنها لا تخص طبقة معينة، بل تدل على عادات وتقاليد الأمة وعقليتها ونظرتها إلى الحياة. لهذا هي مادة أساسية لمؤرخ الأفكار والمتتبع للعقليات وتطورها.
وكما تكون الأمثال ميدانا للبحث الموضوعي فإنها تكون مجالا للبحث البلاغي واللغوي. وسنحاول في الالواح السبعة التالية أن نتناول الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة على ضوء هذين المكونين. وحتى تكون لنا ذاكرة بحثية تشيد لبنة فوق لبنة إلى أن يتم البناء لا بد من القول بأننا اعتمدنا على العمل القيم للأستاذ إسماعيل زويريق الموسوم بــــالأمثال المراكشية أربعة آلاف مثل – المتن-، فكل الأمثال الواردة في هذا العمل هي مأخوذة من عمل أستاذنا سيدي إسماعيل زويريق، مع ما لنا عليه من ملاحظات نذكر منها هنا أربع :
أولها : كلامه على هذا المتن المثلي منسوبا إلى مراكش وكأن هذه الأمثال جميعها خاصة بمراكش، فيه مبالغة. لأننا إذا دققنا البحث فإننا نجد أغلب هذه الأمثال يقال في مدن أخرى، لهذا أفضل القول بالأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة، بمعنى أن هذه الأمثال تستعمل بكثرة في مراكش، وليست كلها وليدة البيئة المراكشية.
ثانيها : يقول الأستاذ زويريق أنه حذف أمثال السوقة التي تجمع لديه منها الكثير. ومعنى هذا أن الأستاذ قام بانتقاء الأمثال واختيارها، بل إنه مارس نوعا من الإقصاء لأمثال ربما تخدش الحياء أو تمس بالأخلاق عامة أو بالدين. هنا يقفز سؤال : ألا يمس هذا بروح الدعابة والفكاهة والسخرية المميزة للشخصة المراكشية ؟ بل ألا يمس هذا باحترام الرأي الآخر وإن كنا لا نتفق معه ؟
ثالثها : يقول "فقد توصلت بعدد آخر والكتاب تحت الطبع، وهذا جعلني لا أطمئن لهذا العمل مائة بالمائة". يعني هذا أن هذا المجموع الذي نعتمده ناقص وغير تام. ولا شك أن بعد مرور عقد من الزمان على طبعه قد تيسر للأستاذ جمع أضعاف هذا المتن. نرجو أن يصدره كجزء ثان مكمل ومتمم لهذا العمل القيم.
رابعها : يقول إنه عمل برأي صديقه الدكتور محمد زهير، حفظه الله، فأصدر المتن أولا على أساس ردفه بدراسة وافية تبحث في كل ما يتعلق بالمثل، مصادره، سبب وضعه إن وجد، وموضوعاته، وصيغه، وأصوله وما يتناوله من مشاكل وخاصياته...إلخ. إلا أن الزمن طال، والدراسة التي لا شك ستكون ممتعة ومفيدة، كما عودنا الأستاذ زويريق، لم تر النور بعد.
لهذا أفردنا لهذه الأمثال هذه الألواح السبعة آملين أن تحظى لديك عزيزي القارئ بالقبول والرضا. والله الموفق
الألواح السبعة في الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة
اللوح الأول :
اعتزاز المراكشي بمدينته وحبه لها جسدته مجموعة من الأمثال. فالمراكشي يعتز ببلدته ويرتبط بها ويرى أنها الرحم الدافئ، والأم الرؤوم، وأن الحياة خارجها لا تطاق لهذا يفضل ان يعيش ويموت ويقبر بها. فالموت بين الحباب نزاهة. وأغلب من يبتعد عنها ويفارقها، اضطرارا أو اختيارا، إذا ذكرت حن إليها حنين الإبل إلى أعطانها. وكان كما قال الشاعر :
إذا ما ذكرت الثغر فاضت مدامعــــي وأضحـــــــــــــى فؤادي نهبـــــــة الهمــــــــــــاهم
حنينا إلى أرض بها اخضر شاربـــي وحلت بهـــــــا عنـــــــــــي عقود التمائـــــــــــم
وألطف قوم بالفتــــــــــــــى أهــــــــــل أرضه وأرعــــــــاهم للمرء حـــــــــــق التقــــــــــــــــــــــادم
وقديما قالت العرب : حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك.
ويبدو أن طبيعة البهجة تساعد على تقوية ارتباط المراكشي، وغيره من داخل المغرب وخارجه، ببلاد الرجال السبعة. وإن كان يؤمن أن حتى زين ما خطاتو لوله، وحتى بلعمان فيه الكحوله، فإنه غالبا ما يفضل مسقط القلب والرأس على غيرها من البلدان.
لهذا وجدنا عددا غير قليل من الأمثال تتشبث بأرض الأولياء والصالحين، ببهجة البهوج، واللي ما منها جوج. وليس اعتداد المراكشي ببلدته من باب حتى واحد ما تيقول عسلي حامض، أو كيل زرع بلادك واخى يكون شعير، ولكن نتيجة ما تتحلى به المدينة من جمال طبيعة، وهواء نقي، وكرم حاتمي، وطبخ متميز، وألمعية وظرف، فمراكش كما يقول الطاهر سباطة في بهجة مراكش وكأني به يتحدث بلسان كل زائريها :
مراكــــــــش راحـــــــــــــة الروح هي اللي عليهــــــــــــا نغني
يوم نزورهــــــــــا الهم يروح ونعيش مرتـــــــــــــاح مهني
المتعة فلحديث المنغوم النكتة اللي ترفه عنــــــــي
وكيف البارح كيف اليوم مــــــا يخبش فيها ظنـــــــــــي
ويقول عميد الأدب المغربي المدرسي والشعبي عباس الجراري عن مميزات هذه الحاضرة المرابطية العريقة، وعن أريحية أبنائها الأفاضل : "....وإنها لأريحية اشتهرت بها هذه الحاضرة المجيدة التي هي دائما مهوى أفئدة الرجال، يقصدونها بالآمال ويشدون لها الرحال. وقد طبعت فلذاتها اللامعين غررا ناصعة بالبشر والطلاقة، والإشراق واللطافة، والتهلل والظرافة، وجعلت القائمين على شؤونها جادين في إبراز ما حباها الله من نعم وأفضال، لإدراك ما هي أهل له من بسوق وسموق، وارتقاء واعتلاء".
وفي نص أخر جمع بين الإبلاغ والبلاغة يقول : "هي على الدوام مضمخة بنسيم الأشواق، ومعلوة بنسيم الأشواق، تربة معطاء، ومفجرة البهجة والضياء، وباعثة البها والسناء، جاد على المدى صفوها، ودائم في الأديم صحوها، محط العلماء والأدباء ومقر الأولياء والصلحاء، منها مجيئهم وإليها الذهاب، طوبى لهم حسن مآب (...) ولا بدع فهي بلد المودة والقربى، وموطن الكرامة والنعمى، وموئل المنزلة العظمى، عرفت في التاريخ بما لها من سني الأخبار، وما قضت على امتداد العهود من سامي الأوطار، وبالمواقف العظيمة التي سجلها أبطالها الأحرار، وفقهاء جامعة اليوسفية الأبرار، كما عرفت بعالي مناراتها، وعامر مساجدها وما يقام فيها من صلوات ويرتل من آيات".
لكل تلك الأسباب، وغيرها كثير، التي عددها سباطة في نصه الشعري، والجراري في نصيه النثريين، يقول محمد بن الحسن في يا مراكش يا وريدة :
حسن بهاك ما لو مثيل
كل الناس تهواك يا عروس الجنوب
بك النفوس تميل، تتعلق القلوب.
بناء على ما سبق، لا عجب في أن يفضل المراكشي بلدته على كل البلدان ويتشبث بالعيش بها. يقول :
اللهم حجر بلادي، ولا حرير بلاد الناس ؛
اللهم حدج بلادي، ولا عسل بلاد الناس ؛
اللهم زوان بلادي، ولا قمح بلاد الناس ؛
اللهم قطران بلادي، ولا حليب بلاد الناس ؛
اللي شكر لك بلادو بغى يغربك ؛
اللي يبدل العاود بالحمار، عرف الحمار احسن منو ؛
اللي يبدل النقرة بالقصدير، ما هان غير راسو.
كما نجد أمثالا تختزل المعيش أو التجربة الإنسانية أو الحياتية الناتجة عن الواقع المعيش اليومي للإنسان المراكشي. ويبدو أن الأمثال بشكل عام، في جزء كبير منها، تعكس خلاصة المعيش اليومي. وهذا ما عبر عنه ألكزندر هجرتي كراب قائلا : "الأمثال تردد خلاصة التجربة اليومية التي صارت ملكا لمجموعة اجتماعية معينة والتي صارت كذلك جزءا لا ينفصل عن سلوكها في حياتها اليومية الجارية. فهي تحتوي تقاليد شعبية وقيما محلية وإشارات وتلميحات حتى إلى مختلف الصناعات والمهن والأحوال المعيشية". ويمكن تلمس هذا في الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة على مستويات عدة :
أولا : توظيف كلمات من اللسان المراكشي مثل الدفة، لقامة، الكشينة، طبيبت، بوجعران، المش،
المغانة.. :
الحداقة جات يا الراجل، بع الدفة أو ديرها مغازل ؛
أتاي بلا إقامة، كيف القايد بلا حكامة ؛
بالكشينة تبني الدار ؛
كون ما الحسد والغيرة، ما تولي طبيبت فقيرة ؛
بوجعران شاد الديور، أو الحمام خارج يدور ؛
المش إلا ما لقى الرية، كيكول خانزة ؛
المغانة وقر، أو السكات من الغدر.
ثانيا : ذكر أمكنة أو معالم مراكشية، مثل سيد غريب، باب فتوح، الكوكب، الطالعة، العطارين، القصارية، مراكش :
زور سيدي غريب ما حدك قريب ؛
باب افتوح يتسد، أو حلوق الناس ما تسد ؛
ريا ل تجاوي يبخر مراكش ؛
زينة للكوكب ؛
زلقة في الطالعة خير من روية الشاوية ؛
ما سدات عليا، لا عطارين ولا قصارية ؛
الشتا ف اغبالو ومراكش والو.
ثالثا : أمثال تعكس ملاحظة يومية للإنسان المراكشي مستقاة من الحرف التي يمارسها، مثل السمايطي، الروابزي ، الكسال، الصباغ، الخراز، البقال...:
آش كتجلد، دابا يبس وتسمعوا ؛
إصوت ما يعض كالرابوز ؛
اعرك ما يحشم كقبة الحمام ؛
كون الحمام يبيض، كون بيض قبابو ؛
إلا تلاقى الشب مع الطرطار، كتخرج الصباغة هندية ؛
إلا كنت معلم خراز اتبع لغراز ؛
ما تعطي للبقال ويرد عليك
تقديـــــــــم :
يقول أحمد أمين : "الأمثال نوع من أنواع الأدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكناية، ولا تكاد تخلو منها أمة من الأمم. ومزية الأمثال أنها تنبع من كل طبقات الشعب، وليست كالشعر والنثر الفني فإنهما لا ينبعان إلا من الطبقة الأرستقراطية في الأدب (..). وأمثال كل أمة مصدر مهم جدا للمؤرخ الأخلاقي والاجتماعي، يستطيع كل منهما أن يعرف كثيرا من أخلاق الأمة، وعاداتها وعقليتها ونظرتها إلى الحياة، لأن الأمثال عادة وليدة البيئة التي نشأت عنها".
ركز التعريف أعلاه على مستويين :
1. الجانب الأدبي أي شكل المثل ؛
2. الجانب الاجتماعي أي الموضوعي.
في الجانب الأدبي ركز على الجانب البلاغي، المتمثل في كون الجملة المثلية تتصف بـــــ :
• الإيجاز في اللفظ ؛
• حسن المعنى ؛
• التحلي بالمحسنات البلاغية : التشبيه، الاستعارة، الكناية، والسجع، والجناس، والطباق والمقابلة ؛
• الذيوع والانتشار بين الجميع.
وفي الجانب الموضوعي ركز على أن الأمثال أفيد وأشمل لأنها لا تخص طبقة معينة، بل تدل على عادات وتقاليد الأمة وعقليتها ونظرتها إلى الحياة. لهذا هي مادة أساسية لمؤرخ الأفكار والمتتبع للعقليات وتطورها.
وكما تكون الأمثال ميدانا للبحث الموضوعي فإنها تكون مجالا للبحث البلاغي واللغوي. وسنحاول في الالواح السبعة التالية أن نتناول الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة على ضوء هذين المكونين. وحتى تكون لنا ذاكرة بحثية تشيد لبنة فوق لبنة إلى أن يتم البناء لا بد من القول بأننا اعتمدنا على العمل القيم للأستاذ إسماعيل زويريق الموسوم بــــالأمثال المراكشية أربعة آلاف مثل – المتن-، فكل الأمثال الواردة في هذا العمل هي مأخوذة من عمل أستاذنا سيدي إسماعيل زويريق، مع ما لنا عليه من ملاحظات نذكر منها هنا أربع :
أولها : كلامه على هذا المتن المثلي منسوبا إلى مراكش وكأن هذه الأمثال جميعها خاصة بمراكش، فيه مبالغة. لأننا إذا دققنا البحث فإننا نجد أغلب هذه الأمثال يقال في مدن أخرى، لهذا أفضل القول بالأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة، بمعنى أن هذه الأمثال تستعمل بكثرة في مراكش، وليست كلها وليدة البيئة المراكشية.
ثانيها : يقول الأستاذ زويريق أنه حذف أمثال السوقة التي تجمع لديه منها الكثير. ومعنى هذا أن الأستاذ قام بانتقاء الأمثال واختيارها، بل إنه مارس نوعا من الإقصاء لأمثال ربما تخدش الحياء أو تمس بالأخلاق عامة أو بالدين. هنا يقفز سؤال : ألا يمس هذا بروح الدعابة والفكاهة والسخرية المميزة للشخصة المراكشية ؟ بل ألا يمس هذا باحترام الرأي الآخر وإن كنا لا نتفق معه ؟
ثالثها : يقول "فقد توصلت بعدد آخر والكتاب تحت الطبع، وهذا جعلني لا أطمئن لهذا العمل مائة بالمائة". يعني هذا أن هذا المجموع الذي نعتمده ناقص وغير تام. ولا شك أن بعد مرور عقد من الزمان على طبعه قد تيسر للأستاذ جمع أضعاف هذا المتن. نرجو أن يصدره كجزء ثان مكمل ومتمم لهذا العمل القيم.
رابعها : يقول إنه عمل برأي صديقه الدكتور محمد زهير، حفظه الله، فأصدر المتن أولا على أساس ردفه بدراسة وافية تبحث في كل ما يتعلق بالمثل، مصادره، سبب وضعه إن وجد، وموضوعاته، وصيغه، وأصوله وما يتناوله من مشاكل وخاصياته...إلخ. إلا أن الزمن طال، والدراسة التي لا شك ستكون ممتعة ومفيدة، كما عودنا الأستاذ زويريق، لم تر النور بعد.
لهذا أفردنا لهذه الأمثال هذه الألواح السبعة آملين أن تحظى لديك عزيزي القارئ بالقبول والرضا. والله الموفق
الألواح السبعة في الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة
اللوح الأول :
اعتزاز المراكشي بمدينته وحبه لها جسدته مجموعة من الأمثال. فالمراكشي يعتز ببلدته ويرتبط بها ويرى أنها الرحم الدافئ، والأم الرؤوم، وأن الحياة خارجها لا تطاق لهذا يفضل ان يعيش ويموت ويقبر بها. فالموت بين الحباب نزاهة. وأغلب من يبتعد عنها ويفارقها، اضطرارا أو اختيارا، إذا ذكرت حن إليها حنين الإبل إلى أعطانها. وكان كما قال الشاعر :
إذا ما ذكرت الثغر فاضت مدامعــــي وأضحـــــــــــــى فؤادي نهبـــــــة الهمــــــــــــاهم
حنينا إلى أرض بها اخضر شاربـــي وحلت بهـــــــا عنـــــــــــي عقود التمائـــــــــــم
وألطف قوم بالفتــــــــــــــى أهــــــــــل أرضه وأرعــــــــاهم للمرء حـــــــــــق التقــــــــــــــــــــــادم
وقديما قالت العرب : حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك.
ويبدو أن طبيعة البهجة تساعد على تقوية ارتباط المراكشي، وغيره من داخل المغرب وخارجه، ببلاد الرجال السبعة. وإن كان يؤمن أن حتى زين ما خطاتو لوله، وحتى بلعمان فيه الكحوله، فإنه غالبا ما يفضل مسقط القلب والرأس على غيرها من البلدان.
لهذا وجدنا عددا غير قليل من الأمثال تتشبث بأرض الأولياء والصالحين، ببهجة البهوج، واللي ما منها جوج. وليس اعتداد المراكشي ببلدته من باب حتى واحد ما تيقول عسلي حامض، أو كيل زرع بلادك واخى يكون شعير، ولكن نتيجة ما تتحلى به المدينة من جمال طبيعة، وهواء نقي، وكرم حاتمي، وطبخ متميز، وألمعية وظرف، فمراكش كما يقول الطاهر سباطة في بهجة مراكش وكأني به يتحدث بلسان كل زائريها :
مراكــــــــش راحـــــــــــــة الروح هي اللي عليهــــــــــــا نغني
يوم نزورهــــــــــا الهم يروح ونعيش مرتـــــــــــــاح مهني
المتعة فلحديث المنغوم النكتة اللي ترفه عنــــــــي
وكيف البارح كيف اليوم مــــــا يخبش فيها ظنـــــــــــي
ويقول عميد الأدب المغربي المدرسي والشعبي عباس الجراري عن مميزات هذه الحاضرة المرابطية العريقة، وعن أريحية أبنائها الأفاضل : "....وإنها لأريحية اشتهرت بها هذه الحاضرة المجيدة التي هي دائما مهوى أفئدة الرجال، يقصدونها بالآمال ويشدون لها الرحال. وقد طبعت فلذاتها اللامعين غررا ناصعة بالبشر والطلاقة، والإشراق واللطافة، والتهلل والظرافة، وجعلت القائمين على شؤونها جادين في إبراز ما حباها الله من نعم وأفضال، لإدراك ما هي أهل له من بسوق وسموق، وارتقاء واعتلاء".
وفي نص أخر جمع بين الإبلاغ والبلاغة يقول : "هي على الدوام مضمخة بنسيم الأشواق، ومعلوة بنسيم الأشواق، تربة معطاء، ومفجرة البهجة والضياء، وباعثة البها والسناء، جاد على المدى صفوها، ودائم في الأديم صحوها، محط العلماء والأدباء ومقر الأولياء والصلحاء، منها مجيئهم وإليها الذهاب، طوبى لهم حسن مآب (...) ولا بدع فهي بلد المودة والقربى، وموطن الكرامة والنعمى، وموئل المنزلة العظمى، عرفت في التاريخ بما لها من سني الأخبار، وما قضت على امتداد العهود من سامي الأوطار، وبالمواقف العظيمة التي سجلها أبطالها الأحرار، وفقهاء جامعة اليوسفية الأبرار، كما عرفت بعالي مناراتها، وعامر مساجدها وما يقام فيها من صلوات ويرتل من آيات".
لكل تلك الأسباب، وغيرها كثير، التي عددها سباطة في نصه الشعري، والجراري في نصيه النثريين، يقول محمد بن الحسن في يا مراكش يا وريدة :
حسن بهاك ما لو مثيل
كل الناس تهواك يا عروس الجنوب
بك النفوس تميل، تتعلق القلوب.
بناء على ما سبق، لا عجب في أن يفضل المراكشي بلدته على كل البلدان ويتشبث بالعيش بها. يقول :
اللهم حجر بلادي، ولا حرير بلاد الناس ؛
اللهم حدج بلادي، ولا عسل بلاد الناس ؛
اللهم زوان بلادي، ولا قمح بلاد الناس ؛
اللهم قطران بلادي، ولا حليب بلاد الناس ؛
اللي شكر لك بلادو بغى يغربك ؛
اللي يبدل العاود بالحمار، عرف الحمار احسن منو ؛
اللي يبدل النقرة بالقصدير، ما هان غير راسو.
كما نجد أمثالا تختزل المعيش أو التجربة الإنسانية أو الحياتية الناتجة عن الواقع المعيش اليومي للإنسان المراكشي. ويبدو أن الأمثال بشكل عام، في جزء كبير منها، تعكس خلاصة المعيش اليومي. وهذا ما عبر عنه ألكزندر هجرتي كراب قائلا : "الأمثال تردد خلاصة التجربة اليومية التي صارت ملكا لمجموعة اجتماعية معينة والتي صارت كذلك جزءا لا ينفصل عن سلوكها في حياتها اليومية الجارية. فهي تحتوي تقاليد شعبية وقيما محلية وإشارات وتلميحات حتى إلى مختلف الصناعات والمهن والأحوال المعيشية". ويمكن تلمس هذا في الأمثال السائرة في مدينة الرجال السبعة على مستويات عدة :
أولا : توظيف كلمات من اللسان المراكشي مثل الدفة، لقامة، الكشينة، طبيبت، بوجعران، المش،
المغانة.. :
الحداقة جات يا الراجل، بع الدفة أو ديرها مغازل ؛
أتاي بلا إقامة، كيف القايد بلا حكامة ؛
بالكشينة تبني الدار ؛
كون ما الحسد والغيرة، ما تولي طبيبت فقيرة ؛
بوجعران شاد الديور، أو الحمام خارج يدور ؛
المش إلا ما لقى الرية، كيكول خانزة ؛
المغانة وقر، أو السكات من الغدر.
ثانيا : ذكر أمكنة أو معالم مراكشية، مثل سيد غريب، باب فتوح، الكوكب، الطالعة، العطارين، القصارية، مراكش :
زور سيدي غريب ما حدك قريب ؛
باب افتوح يتسد، أو حلوق الناس ما تسد ؛
ريا ل تجاوي يبخر مراكش ؛
زينة للكوكب ؛
زلقة في الطالعة خير من روية الشاوية ؛
ما سدات عليا، لا عطارين ولا قصارية ؛
الشتا ف اغبالو ومراكش والو.
ثالثا : أمثال تعكس ملاحظة يومية للإنسان المراكشي مستقاة من الحرف التي يمارسها، مثل السمايطي، الروابزي ، الكسال، الصباغ، الخراز، البقال...:
آش كتجلد، دابا يبس وتسمعوا ؛
إصوت ما يعض كالرابوز ؛
اعرك ما يحشم كقبة الحمام ؛
كون الحمام يبيض، كون بيض قبابو ؛
إلا تلاقى الشب مع الطرطار، كتخرج الصباغة هندية ؛
إلا كنت معلم خراز اتبع لغراز ؛
ما تعطي للبقال ويرد عليك