ديوان الغائبين ديوان الغائبين : فخري أبوالسعود - مصر - 1910 - 1940

فخري أبو السعود.
مدرس مصري، له اشتغال بالأدب والترجمة، وله نظم كثير، فيه رقة، نشر بعضه في الصحف والمجلات، تعلم بالقاهرة واستكمل دراسته في انجلترا، وعمل في التدريس بالقاهرة ثم بالإسكندرية. وتزوج بإنجليزية، فكان له منها ولد. وابتعدت عنه مضطرة خلال الحرب العالمية الثانية، فانقطعت أخبارها. وغرق ولده في إحدى السفن، فانهارت أعصابه، فأطلق على رأسه رصاصة ذهبت بحياته في الإسكندرية، وهو في نحو الخامسة والثلاثين من عمره.\nله (مقارنة بين الأدبين العربي والإنكليزي- ط) نشر متسلسلا في مجلة الرسالة، و(الثورة العرابية- ط) تاريخها ورجالها، و(التربية والتعليم) لم يطبعه. وترجم عن الإنجليزية (تس، سليلة دربرفيل- ط) لتوماس هاردي.




غب سماء

للأستاذ فخري أبو السعود

رَوِيَ الطَّرفُ والجوانحُ ريّاً ... في أصيلٍ مُشعشعِ الأضواءِ
من جمال الأشياء لمَّا تراءت ... شائقات الجمال غب سماء
بعد يوم داجي السحاب عَبوسٍ ... دائب السَّحِّ هاطل الأنواء
غائب الأفْق لم يَبِنْ فيه حتَّى ... دَلَفَتْ للمغيب وجهُ ذُكاء
أشرقتْ في غروبها وتَبَدَّتْ ... من ثنايا السحاب باللألاء
فأحالت جهامةَ الجوِّ بِشْراً ... وأَنارتْ جوانبَ الغبراء
وأذابتْ شعاعها الصافيَ الأصْ ... فَرَ في الماء والثرى والفضاء
وكَسَتْ من ضيائها أخضَرَ الأَعْ ... شابِ حُسناً وياَبِسَ الأَكْلاَء
فهما يَزْهُوَانِ في رِيقَةِ القَطْ ... رِ زِهَاَءً وفي شُفوفِ الضياء
واستطار النسيم بعد ركود ... وتَمَشَّى على سطوح الماء
وتراءتْ دون السطوح ظِلالٌ ... ذاهباتٌ في رعشةٍ وانثناء
إنَّ في هذه المجالي لَرَوْحاً ... وغذاءً للنفس أَيَّ غذاء
تُفعِم النفسَ غبطةً وهياماً ... بخلودٍ بها لغير انتهاء
وهْيَ وَحيُ الأشعار لا ذمُّك الده ... رَ وشكوى الهوى وطولُ البكاء
هِيَ شِعْرُ الوجود أَحْرِ بهِ أَنْ ... يُلْهِمَ الشِّعْرَ أَنْفُسَ الشُّعَرَاء
خيرُ ذخرٍ للنفس ديوان شِعرٍ ... قد حوى حُسْنَ هذه الأشياء
يبسم الزهرُ فيه من كل سطر ... ويهب النسيمُ حُلْوَ الزكاء
فكأَنّي أَسيرُ إِذْ أَجتليهِ ... في رياض مُنَضَّراتِ النماء
قد تَهَاَدَتْ بها الأَماليدُ والأَزْ ... هارُ شتَّى الأَلوان والأسماء
يصفُ المبهم الدقيقَ ويُحْصي ... كلَّ شيء بالنظرة الجَلْوَاء
حاكياً مَوْقِعَ الجَمَال ومَهْوي ... فتنةِ الكون في فؤاد الرَّائي
يصف الفجرَ إِذْ يهب على الأَرْ ... وَاحِ رَطْبَ الأَنفاس والأَنداء
وضياَء الشروق ينتظم الكو ... نَ بفيْضٍ من روعة وبهاء
وضُحىً مُنْضِراً وُجوهَ الروابي ... وثغور الحدائق الغَنَّاء
وأَصيلاً هِيْنَ النسائم قد شا ... عتْ بأضوائه ظلالُ المساء

فخري أبو السعود


***

يا شمس
للأستاذ فخري أبو السعود

يا ليتني كالشمس في عليائها ... لم يُرضها إلا المحلُّ الأَرفعُ
لم تمس الدنيا ولا أقذاَءها ... لكن إليها من عَلِ تتطلع
تحوِي جوانبَها بنافِذِ نظرةٍ ... وتُضيء غَيْهبَها بنورٍ يَسطعَ
وتَظَلُّ تَشَهدُ من شؤون أنيِسها ... ما مرَّ من أمرٍ وما يُتوَقَّع
وتَقلُّبَ الأحوالِ فيما بينهم ... في أعصُرٍ تَمضي وأخرى تَتبَع
يا ليتني كالشمس في تَدْآبها ... ليست بمكْثٍ في مكان تَقْنَع
تطوي الفضاَء محلَّةً فمحلَةً ... وتغيب عن أفق السماء وتطلع
موصلةً رحلاتُها فلها هنا ... مستقبل ولها هناك مُوَدًّع
مأْنوسَةَ الأسفار يَصْحَبُها السَّنى ... وطريقها بين العوالمِ مَهيْعُ
عرَضَت جمالَ الكون في غدواتها ... ورواحها مُرْتادةً ما يُمْتِع
إن خلفت حسناً بديعاً لم تزل ... حتى يلوحَ لها أحَبُّ وأبدَع
كم شاَرَفتْ نهرا يفيض ووادياً ... الزَّهر في أفنانهِ يتضوُّع
وطوى عبابُ اليمّ آيةَ ضوْئها ... فرأى محيَّاها اليبابُ البلقع
وأجازَتِ البيدَ القِفار فطالعت ... غاباً ألَفَّ به البلابِلُ تسجع
يا ليتني كالشمس في إخلادِها ... لا الخوف يعروني ولا بيَ مَطمع
لا المادحُ الشادِي يَخِفُّ بمهجتي ... طرَباً ولا لهجاء هاج أجزع
أتدَبرَّ الدنيا وأغنم حُسنها ... وأجوب أطراف الحياة وأذرع
يا شمس إنَّ الشعر يسمو بي إلى ... أوْجٍ لديك هو الأعزُّ الأمنع
يَسْرِي خفيُّ ندائه فيُهيبُ بي ... ويَرِنُّ في أذني صداه فأسمع
أسمو على الدنيا به وأودُّ لو ... أني إلى أقذائها لا أرْجع

فخري أبو السعود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...