دعتني الحاجة ـ وكم للحاجة من أحكام ـ إلى مراجعة أكثر من أرشيف كتب بحثا عن بعض المفردات التي تخص علاقة الرجل بالمرأة، ونظرته إليها؛ في المجتمع العربي والإسلامي، وهي علاقة يبدو أنها خضعت إلى الكثير من الضغوط غير المبررة والبعيدة عن منظومات الدين والقيم والأخلاق والنواميس، فصُدِمتُ لكثرة ما وجدته كُتبَ عن (المرأة والجنس)، واستغربت من نوعية المواضيع والمفردات والمسميات التي تناولتها تلك الكتب، والتي لم تعرف أوربا وأمريكا الكثير منها؛ إلا في أواسط القرن العشرين.
وصعقت لندرة ما كتب عن (المرأة والأخلاق)، بالرغم من اهتمام الإسلام بهذه الجنبة كثيرا، إذا لم أجد إلا لمما مما كتب عن المرأة الأم والأخت والبنت والجدة، أو المرأة المجاهدة العاملة الفاضلة المقاتلة الشاعرة العالمة.!
والظاهر أن العلاقة بين هذين الكائنين الغريبين كانت عبر التاريخ موضع حوار لا ينتهي، ليس لإيجاد الحلول لها، وإنما لترجيح كفة أحدهما وهو (الرجل) على الآخر وهي (المرأة)، والأغرب أن بدايات الحديث كانت ترجع إلى الخلف، إلى مراحل العماء البوهيمي، حيث لا شاهد ولا شهيد، لتتوقف عند لحظات خلق أمنا الطيبة حواء، حيث ادعى المفسرون والمؤولون الذين جاءوا بعد آلاف السنين، وتحدثوا عن حدث لم يشهده أحد على الإطلاق؛ إلا الملائكة المقربون، أن الله سبحانه خلقها من ضلع أبينا المسكين آدم؛ فجعل أحد أضلعه أقصر من الأخريات، في إشارة إلى التبعية التاريخية المطلقة، وكأن الله تعالى كان غير قادر على خلقها من عين التراب الذي خلق منه زوجها، أو من أي مصدر آخر؛ وهو خالق كل شيء!. ولتستمر محاولاتهم مع استمرار وجودها وإلى اليوم.
ولا غرابة في هذا الرأي لأن قوما يؤمنون أن رسول الله (ص) كان له الموقف نفسه من النساء، لدرجة أنه قال محذرا من شر النساء: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، لا يستبعد أن يؤمنوا بقصة الضلع الأعوج.!
والنكاية الكبرى أن هذا الحديث أخذ حيزا واسعا من تفكير النساء والرجال على السواء، حيث تناولته إحداهن، وتدعى سارة بنت عبد الرحمن الفارس في رسالتها لنيل درجة الماجستير؛ المعنونة "التدابير الواقية من انتكاسة المسلم"، لتلقي اللوم من خلاله على النساء؛ اللواتي يُغرِيَنَ الرجال ويوقعنهم بالمعاصي. وبالتأكيد أن هذه الباحثة لم تبن رأيها من فراغ، وإنما استندت إلى أقوال تنال لديها ولدى المشرفين على رسالتها والمناقشين لها رضا ومصداقية، كيف لا؛ وابن أبي شيبة على جليل قدره، أخرج في مصنفه عن أحد السلف قوله: "لم يكن كفر من مضى إلا من قـِبَل النساء، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء"؟.
كيف لا؛ والقرطبي على كبير منزلته، يذكر في كتابه الموسوم "التذكرة في أمور الآخرة"، قصة خرافية، جاء فيها: "ذكر أن رجلا ملتزما مسجدا للأذان والصلاة ، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة ، كان يرقى كل يوم المنارة للأذان ، وفي أحد الأيام نظر إلى بيت نصراني ذمي تحت منارة المسجد فرأى بنت صاحب الدار، فافتتن بها، وترك الأذان، ونزل إليها، ودخل الدار، فقالت له: ماذا تريد؟ قال: أريدك أنتِ، قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبتني لبي، وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك، قال: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر ليتزوجها، وأقام معها في الدار، وقبل الزواج رقى إلى سطح الدار فسقط منه فمات، فلا ظفر بها، ولا ظفر بدينه".
وفي مجتمع كان يحمل مثل هذه الرؤى في صدر الإسلام والقرون الإسلامية الماضية، لا غرابة أن تجد المرأة نفسها مخلوقا ومواطنا وكائنا وإنسانا من الدرجة الثانية، ولا غرابة أن يستمر هذا الشعور إلى الآن، فهي لا زالت في الدرجة الثانية أو الثالثة في سلم الرقي، ليس في عالمنا الإسلامي فحسب، بل حتى في البلدان الأكثر تقدما وتطورا، فهي عبر نضالها الطويل نجحت في الصعود إلى هاتين الدرجتين، وتوقفت، أو أجبرت على التوقف عندهما، فلا قانون ولا عرف يسمح لها بتجاوزهما، لتضع رأسها قبالة رأس الرجل؛ المقدم عليها في كل شيء.
أما دعوات تحرير المرأة التي انطلقت هنا وهناك فهي مجرد حديث هرطقة إنسانية فيه الكثير من الضوضاء والضجيج، والقليل من الثمر والخير، بل إنه وصل في بعض مراحله إلى إعادة المرأة إلى درجات سبق وان تجاوزتها ببطولاتها ومواقفها التاريخية.
والأكثر دهشة أن الأعم الأغلب من الأيديولوجيات الدنيوية والدينية تشترك في هذا الجهد، دون اتفاق، فالمرأة ليس في الحضارات السابقة فحسب بل حتى في الحضارات المعاصرة، لا زالت أداة للمتعة وإشباع النزوات والرغبات والتمتع بالجمال، وهي ليست أكثر من سلعة، كأي سلعة أخرى، تقيم وتباع وتشترى. والأمر ليس موقوفا على الحضارات وإنما تجده حتى في الديانات السماوية المعاصرة، ولاسيما ديانات الغربيين، وتجده في فكر الجماعات الإرهابية الإسلاموية المتطرفة؛ التي تدعي أنها تمثل الدين.
في الحضارة المعاصرة والدين المعاصر تجد المرأة فضلا عن كونها أنموذجا لمعنى الخطيئة الأبدية، لا تزيد عن كونها مكلفة بنفس الواجب النزوي التاريخي، لا يحق لها تجاوزه، فحينما يقاتل (المسلم الراديكالي) من أجل فرض عقيدة (الإسلام المتطرف) على جميع البشر والأديان كما يدعي ويحلم، لا تُكلف المرأة بحمل السلاح والتواجد في ساحات الحرب، ولا تترك جالسة في بيتها، وإنما تُوكل إليها مهمة من نوع آخر، عرفت باسم (جهاد المناكحة) تؤديها في الخطوط الخلفية للجبهات الساخنة، فالرجل عند الإسلامويين، يجاهد بسلاحيه، والمرأة عندهم تجاهد بسلاح جسدها وحده.
وهذا ليس ابتداعا فرضته حالة العزلة التي تعيشها المجاميع الراديكالية المتطرفة، ولا فوضى الانبهار التي تعيشها المجتمعات الغربية، وإنما تمتد جذوره إلى عمق تاريخنا الإنساني، هذا التاريخ الحافل بأقوال وأفعال (الذكورية المطلقة).
وبعيدا عن التحدث عن السبي والإماء والقيان واستباحة الأجساد باسم الدين، كان الفكر العربي الإسلامي محصورا في حيز ضيق جدا لا يرغب بمغادرته، فأنت حينما تبحث عن كتب إسلامية تتحدث عن الحقيقة، لا تجد سوى متفرقات هنا وهناك، فكتب الأخلاق والتربية والحوار والتعايش والمحبة الإنسانية والألفة وقبول الآخر واحترام التفرعات المذهبية، لا تمثل سوى محاولات شخصية، باءت أغلبها بالفشل الذريع بعد أن وجد فيها الخلفاء والحكام والسياسيون تهديدا لحكمهم وتحديا لسطوتهم وتقييدا لحرياتهم.
لكن الكتب التي تتحدث عن (الجنس) بلغت لديهم شأوا عاليا، ولاسيما بعد أن ملأت نساء السبي بيوتهم لدرجة أن بيت أفقر شخص بينهم كانت فيه اثنتان أو ثلاث من ملك اليمين المباح بلا حدود، فأغدقوا العطاء على من كتبها لهم، وشجعوا الآخرين على خوض هذا الميدان الناعم. وفي الوقت الذي ضاعت فيه أغلب كتب المجموعة الأولى لأسباب كثيرة يطول شرحها، ولا يستبعد التعمد والقصدية وراء تلفها، خلدت كتب المجموعة الثانية لسبب وجيه وبسيط، وهو أن الخلفاء، والحكام والأمراء والسياسيين وقادة الجيش وكبار الرأسماليين والوجهاء وحتى بعض رجال الدين، كانوا يحتفظون بها في خزائنهم المحمية المحصنة؛ مع غالي مدخراتهم وكأنها شيء نفيس.
وهم لكي يشرعنوا هذا النوع من الكتابة، عدوه من (مكملات العلوم)، فالجاحظ الذي جرب حظه وكتب، قال في إحدى رسائله يصف هذه الحالة بالذات: "إن بعض من يظهر النسك والتقشف؛ إذا ذكر الـ......[تجاوزت ذكر كلماته الخادشة]، تقزز وانقبض، وأكثر من تجده كذلك؛ فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا التصنع". إذا هي بزعمهم ثقافة، تدل على رجحان علوم من يخوضها، وعلى نبل ووقار كُتابها. هكذا أرادوا أن يقنعونا بجدواها ومنفعتها، وقد صدقهم الكثير، وكذبهم القلة.!
ومع شدة ما ستكون عليه دهشتك، لن تفاجأ حينما تجد الشيخ الكبير صاحب المؤلفات التي زاد عددها على (900) مؤلف، ينال قصب السِبق في هذا الباب، فيكتب أضعاف ما كتبه الآخرون. هذا الفقيه المحدث المفسر العالم الجليل هو جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 هجرية، والظاهر أنه تخصص في هذا الجانب أكثر من غيره؛ لأن ما وصلنا من مؤلفاته في هذا الباب، بلغ أحد عشر كتابا، أما ما ضاع منها أو كُتبَ خصيصا لأشخاص بعينهم، لم يطلع عليه أحد غيرهم، ومنعوا أن تكتب نسخا أخرى منه، فعلمها عند الله، ومن كتبه التي وصلت إلينا:
1ـ الوشاح في فوائد النكاح
2ـ نزهة المتأمل ومرشد المتأهل
3ـ نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر
4ـ الإفصاح في أسماء النكاح
5ـ اليواقيت الثمينة في صفات السمينة
6ـ مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح
7ـ الإيضاح في أسرار النكاح
8ـ الأيك في معرفة النيك
9ـ نواضر الأيك في نوادر النيك
10ـ شقائق الاترنج في رقائق الغنج
11ـ رشف الزلال من السحر الحلال . وهذا الكتاب مقامة من مقامات السيوطي اللهوية العبثية، يتحدث عن واحد وعشرين عالما من علماء ذلك الزمان لكل منهم تخصصه، تزوج كل منهم بامرأة، ووصف كل منهم ليلته الأولى مع زوجته، موريا بألفاظ فنه الذي تخصص به.
وعليه أجد قول داود سلمان الشويلي في مقاله المعنون (الجنس في التراث العربي):
"وكنا إلى زمن قريب، نظن أن المكتبة العربية خالية من هذه المؤلفات التي تدرس تلك العلاقة - مهما كانت المعالجة التي عالجتها، علمية، أو أدبية، أو كانت ممزوجة بصور اللذة والشهوة الجنسيتان، بعد أن قرأنا الكتب المترجمة من اللغات الأجنبية، إلا أن الكثير من المحققين ودور النشر، قد حققوا ونشروا مؤخرا العديد من تلك المؤلفات التي تتحدث عن الجنس بصيغته الشرعية، أو غير الشرعية، وكان اغلب مؤلفيها من رجال الدين الإسلامي" قولا واقعيا وحقيقيا.
إن أمر الكتابة في هذا التخصص الغريب لم تقتصر على السيوطي وحده، فمن خلال البحث نجد علماء كبار آخرين، كانت لهم مشاركاتهم الفاعلة والمميزة في هذا الميدان، وهم كثر، أحصينا منهم مجموعة للتذكير فقط، فمنهم على سبيل المثال:
الجاحظ في كتابه العرس والعرائس
الرازي في كتابه الباه
أبو حسان في كتابيه بردان وحباحب الكبير وبردان وحباحب الصغير
أبو العنبس الصيمري في مجموعة كتب منها: السحاقات والبغائين، الخضخضة في جلد عميرة، فضل السرم على الفم.
مرطوس الرومي في كتابه حديث الباه.
النحلي في كتابه الباه.
عز الدين المسيحي في كتابه المناكحه والمفاتحة في أصناف الجماع وآلاته.
النفزاوي في كتابه الروض العاطر في نزهة الخاطر.
أبن حاجب النعمان في كتابه القيان أو حديث ابن الدكاني.
الشيخ عبد الرحمن بن نصر الشيرازي في كتابه الإيضاح في أسرار النكاح.
أبو نصر في كتابه جامع اللذات في الباه
ابن مندويه أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني في كتابه رسالة في الباه وأسبابه
الشيخ ابن قليته أبى العباس أحمد بن محمد بن علي اليمنى في كتاب رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب.
القاضي كمال الدين محمد ابن احمد الزملكاني في كتاب المنهاج في تعلقات الايلاج.
أحمد بن مصطفى المعروف بطاشكبري زاده في كتابيه منية الشبان في معاشرة النسوان، في علم الباه
الشيخ السموأل بن يحيى بن عباس المغربي في كتابه نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب.
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتابه أسماء النكاح.
وكالعادة وصلتنا مجموعة أخرى من الكتب مجهولة المؤلف، ومنها
الحرة والأمة .
الأكفية الكبير .
الأكفية الصغير .
لعوب الرئيسة وحسين اللوطي
الفخ المنصوب إلى صيد المحبوب في علم الباه .
الإيضاح في أسرار النكاح .
برجان وجناحب .
الجواري الحبائب .
ضوء الصباح في لغات النكاح.
إن أمة تجد في تراثها كل هذا الاهتمام بالجنس وثقافته، وتجد خلفائها وملوكها وقادتها وسياسييها وكبار رجالها مهتمون بالإماء والجواري والقيان أكثر من اهتمامهم بجندهم وشعبهم، لابد وان تكون مهووسة بالجنس إلى درجة تلهيها عن أمور حياتها الأخرى، والنظر إلى المخاطر التي تحيق بها، والشرور التي تترصد بها، وبالتالي ليس من الغرابة أن نتربع على عرش الجهل والتخلف والتوحش والقسوة والغباء، ولا من العجب أن نتقاتل فيما بيننا ونترك عدونا يضحك ملء شدقيه علينا، في وقت كان من المنتظر أن نقود العالم كله، ونصبح الأنموذج الأروع للإنسانية الحقيقية.!
صالح الطائي
وصعقت لندرة ما كتب عن (المرأة والأخلاق)، بالرغم من اهتمام الإسلام بهذه الجنبة كثيرا، إذا لم أجد إلا لمما مما كتب عن المرأة الأم والأخت والبنت والجدة، أو المرأة المجاهدة العاملة الفاضلة المقاتلة الشاعرة العالمة.!
والظاهر أن العلاقة بين هذين الكائنين الغريبين كانت عبر التاريخ موضع حوار لا ينتهي، ليس لإيجاد الحلول لها، وإنما لترجيح كفة أحدهما وهو (الرجل) على الآخر وهي (المرأة)، والأغرب أن بدايات الحديث كانت ترجع إلى الخلف، إلى مراحل العماء البوهيمي، حيث لا شاهد ولا شهيد، لتتوقف عند لحظات خلق أمنا الطيبة حواء، حيث ادعى المفسرون والمؤولون الذين جاءوا بعد آلاف السنين، وتحدثوا عن حدث لم يشهده أحد على الإطلاق؛ إلا الملائكة المقربون، أن الله سبحانه خلقها من ضلع أبينا المسكين آدم؛ فجعل أحد أضلعه أقصر من الأخريات، في إشارة إلى التبعية التاريخية المطلقة، وكأن الله تعالى كان غير قادر على خلقها من عين التراب الذي خلق منه زوجها، أو من أي مصدر آخر؛ وهو خالق كل شيء!. ولتستمر محاولاتهم مع استمرار وجودها وإلى اليوم.
ولا غرابة في هذا الرأي لأن قوما يؤمنون أن رسول الله (ص) كان له الموقف نفسه من النساء، لدرجة أنه قال محذرا من شر النساء: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، لا يستبعد أن يؤمنوا بقصة الضلع الأعوج.!
والنكاية الكبرى أن هذا الحديث أخذ حيزا واسعا من تفكير النساء والرجال على السواء، حيث تناولته إحداهن، وتدعى سارة بنت عبد الرحمن الفارس في رسالتها لنيل درجة الماجستير؛ المعنونة "التدابير الواقية من انتكاسة المسلم"، لتلقي اللوم من خلاله على النساء؛ اللواتي يُغرِيَنَ الرجال ويوقعنهم بالمعاصي. وبالتأكيد أن هذه الباحثة لم تبن رأيها من فراغ، وإنما استندت إلى أقوال تنال لديها ولدى المشرفين على رسالتها والمناقشين لها رضا ومصداقية، كيف لا؛ وابن أبي شيبة على جليل قدره، أخرج في مصنفه عن أحد السلف قوله: "لم يكن كفر من مضى إلا من قـِبَل النساء، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء"؟.
كيف لا؛ والقرطبي على كبير منزلته، يذكر في كتابه الموسوم "التذكرة في أمور الآخرة"، قصة خرافية، جاء فيها: "ذكر أن رجلا ملتزما مسجدا للأذان والصلاة ، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة ، كان يرقى كل يوم المنارة للأذان ، وفي أحد الأيام نظر إلى بيت نصراني ذمي تحت منارة المسجد فرأى بنت صاحب الدار، فافتتن بها، وترك الأذان، ونزل إليها، ودخل الدار، فقالت له: ماذا تريد؟ قال: أريدك أنتِ، قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبتني لبي، وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك، قال: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر ليتزوجها، وأقام معها في الدار، وقبل الزواج رقى إلى سطح الدار فسقط منه فمات، فلا ظفر بها، ولا ظفر بدينه".
وفي مجتمع كان يحمل مثل هذه الرؤى في صدر الإسلام والقرون الإسلامية الماضية، لا غرابة أن تجد المرأة نفسها مخلوقا ومواطنا وكائنا وإنسانا من الدرجة الثانية، ولا غرابة أن يستمر هذا الشعور إلى الآن، فهي لا زالت في الدرجة الثانية أو الثالثة في سلم الرقي، ليس في عالمنا الإسلامي فحسب، بل حتى في البلدان الأكثر تقدما وتطورا، فهي عبر نضالها الطويل نجحت في الصعود إلى هاتين الدرجتين، وتوقفت، أو أجبرت على التوقف عندهما، فلا قانون ولا عرف يسمح لها بتجاوزهما، لتضع رأسها قبالة رأس الرجل؛ المقدم عليها في كل شيء.
أما دعوات تحرير المرأة التي انطلقت هنا وهناك فهي مجرد حديث هرطقة إنسانية فيه الكثير من الضوضاء والضجيج، والقليل من الثمر والخير، بل إنه وصل في بعض مراحله إلى إعادة المرأة إلى درجات سبق وان تجاوزتها ببطولاتها ومواقفها التاريخية.
والأكثر دهشة أن الأعم الأغلب من الأيديولوجيات الدنيوية والدينية تشترك في هذا الجهد، دون اتفاق، فالمرأة ليس في الحضارات السابقة فحسب بل حتى في الحضارات المعاصرة، لا زالت أداة للمتعة وإشباع النزوات والرغبات والتمتع بالجمال، وهي ليست أكثر من سلعة، كأي سلعة أخرى، تقيم وتباع وتشترى. والأمر ليس موقوفا على الحضارات وإنما تجده حتى في الديانات السماوية المعاصرة، ولاسيما ديانات الغربيين، وتجده في فكر الجماعات الإرهابية الإسلاموية المتطرفة؛ التي تدعي أنها تمثل الدين.
في الحضارة المعاصرة والدين المعاصر تجد المرأة فضلا عن كونها أنموذجا لمعنى الخطيئة الأبدية، لا تزيد عن كونها مكلفة بنفس الواجب النزوي التاريخي، لا يحق لها تجاوزه، فحينما يقاتل (المسلم الراديكالي) من أجل فرض عقيدة (الإسلام المتطرف) على جميع البشر والأديان كما يدعي ويحلم، لا تُكلف المرأة بحمل السلاح والتواجد في ساحات الحرب، ولا تترك جالسة في بيتها، وإنما تُوكل إليها مهمة من نوع آخر، عرفت باسم (جهاد المناكحة) تؤديها في الخطوط الخلفية للجبهات الساخنة، فالرجل عند الإسلامويين، يجاهد بسلاحيه، والمرأة عندهم تجاهد بسلاح جسدها وحده.
وهذا ليس ابتداعا فرضته حالة العزلة التي تعيشها المجاميع الراديكالية المتطرفة، ولا فوضى الانبهار التي تعيشها المجتمعات الغربية، وإنما تمتد جذوره إلى عمق تاريخنا الإنساني، هذا التاريخ الحافل بأقوال وأفعال (الذكورية المطلقة).
وبعيدا عن التحدث عن السبي والإماء والقيان واستباحة الأجساد باسم الدين، كان الفكر العربي الإسلامي محصورا في حيز ضيق جدا لا يرغب بمغادرته، فأنت حينما تبحث عن كتب إسلامية تتحدث عن الحقيقة، لا تجد سوى متفرقات هنا وهناك، فكتب الأخلاق والتربية والحوار والتعايش والمحبة الإنسانية والألفة وقبول الآخر واحترام التفرعات المذهبية، لا تمثل سوى محاولات شخصية، باءت أغلبها بالفشل الذريع بعد أن وجد فيها الخلفاء والحكام والسياسيون تهديدا لحكمهم وتحديا لسطوتهم وتقييدا لحرياتهم.
لكن الكتب التي تتحدث عن (الجنس) بلغت لديهم شأوا عاليا، ولاسيما بعد أن ملأت نساء السبي بيوتهم لدرجة أن بيت أفقر شخص بينهم كانت فيه اثنتان أو ثلاث من ملك اليمين المباح بلا حدود، فأغدقوا العطاء على من كتبها لهم، وشجعوا الآخرين على خوض هذا الميدان الناعم. وفي الوقت الذي ضاعت فيه أغلب كتب المجموعة الأولى لأسباب كثيرة يطول شرحها، ولا يستبعد التعمد والقصدية وراء تلفها، خلدت كتب المجموعة الثانية لسبب وجيه وبسيط، وهو أن الخلفاء، والحكام والأمراء والسياسيين وقادة الجيش وكبار الرأسماليين والوجهاء وحتى بعض رجال الدين، كانوا يحتفظون بها في خزائنهم المحمية المحصنة؛ مع غالي مدخراتهم وكأنها شيء نفيس.
وهم لكي يشرعنوا هذا النوع من الكتابة، عدوه من (مكملات العلوم)، فالجاحظ الذي جرب حظه وكتب، قال في إحدى رسائله يصف هذه الحالة بالذات: "إن بعض من يظهر النسك والتقشف؛ إذا ذكر الـ......[تجاوزت ذكر كلماته الخادشة]، تقزز وانقبض، وأكثر من تجده كذلك؛ فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا التصنع". إذا هي بزعمهم ثقافة، تدل على رجحان علوم من يخوضها، وعلى نبل ووقار كُتابها. هكذا أرادوا أن يقنعونا بجدواها ومنفعتها، وقد صدقهم الكثير، وكذبهم القلة.!
ومع شدة ما ستكون عليه دهشتك، لن تفاجأ حينما تجد الشيخ الكبير صاحب المؤلفات التي زاد عددها على (900) مؤلف، ينال قصب السِبق في هذا الباب، فيكتب أضعاف ما كتبه الآخرون. هذا الفقيه المحدث المفسر العالم الجليل هو جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 هجرية، والظاهر أنه تخصص في هذا الجانب أكثر من غيره؛ لأن ما وصلنا من مؤلفاته في هذا الباب، بلغ أحد عشر كتابا، أما ما ضاع منها أو كُتبَ خصيصا لأشخاص بعينهم، لم يطلع عليه أحد غيرهم، ومنعوا أن تكتب نسخا أخرى منه، فعلمها عند الله، ومن كتبه التي وصلت إلينا:
1ـ الوشاح في فوائد النكاح
2ـ نزهة المتأمل ومرشد المتأهل
3ـ نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر
4ـ الإفصاح في أسماء النكاح
5ـ اليواقيت الثمينة في صفات السمينة
6ـ مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح
7ـ الإيضاح في أسرار النكاح
8ـ الأيك في معرفة النيك
9ـ نواضر الأيك في نوادر النيك
10ـ شقائق الاترنج في رقائق الغنج
11ـ رشف الزلال من السحر الحلال . وهذا الكتاب مقامة من مقامات السيوطي اللهوية العبثية، يتحدث عن واحد وعشرين عالما من علماء ذلك الزمان لكل منهم تخصصه، تزوج كل منهم بامرأة، ووصف كل منهم ليلته الأولى مع زوجته، موريا بألفاظ فنه الذي تخصص به.
وعليه أجد قول داود سلمان الشويلي في مقاله المعنون (الجنس في التراث العربي):
"وكنا إلى زمن قريب، نظن أن المكتبة العربية خالية من هذه المؤلفات التي تدرس تلك العلاقة - مهما كانت المعالجة التي عالجتها، علمية، أو أدبية، أو كانت ممزوجة بصور اللذة والشهوة الجنسيتان، بعد أن قرأنا الكتب المترجمة من اللغات الأجنبية، إلا أن الكثير من المحققين ودور النشر، قد حققوا ونشروا مؤخرا العديد من تلك المؤلفات التي تتحدث عن الجنس بصيغته الشرعية، أو غير الشرعية، وكان اغلب مؤلفيها من رجال الدين الإسلامي" قولا واقعيا وحقيقيا.
إن أمر الكتابة في هذا التخصص الغريب لم تقتصر على السيوطي وحده، فمن خلال البحث نجد علماء كبار آخرين، كانت لهم مشاركاتهم الفاعلة والمميزة في هذا الميدان، وهم كثر، أحصينا منهم مجموعة للتذكير فقط، فمنهم على سبيل المثال:
الجاحظ في كتابه العرس والعرائس
الرازي في كتابه الباه
أبو حسان في كتابيه بردان وحباحب الكبير وبردان وحباحب الصغير
أبو العنبس الصيمري في مجموعة كتب منها: السحاقات والبغائين، الخضخضة في جلد عميرة، فضل السرم على الفم.
مرطوس الرومي في كتابه حديث الباه.
النحلي في كتابه الباه.
عز الدين المسيحي في كتابه المناكحه والمفاتحة في أصناف الجماع وآلاته.
النفزاوي في كتابه الروض العاطر في نزهة الخاطر.
أبن حاجب النعمان في كتابه القيان أو حديث ابن الدكاني.
الشيخ عبد الرحمن بن نصر الشيرازي في كتابه الإيضاح في أسرار النكاح.
أبو نصر في كتابه جامع اللذات في الباه
ابن مندويه أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني في كتابه رسالة في الباه وأسبابه
الشيخ ابن قليته أبى العباس أحمد بن محمد بن علي اليمنى في كتاب رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب.
القاضي كمال الدين محمد ابن احمد الزملكاني في كتاب المنهاج في تعلقات الايلاج.
أحمد بن مصطفى المعروف بطاشكبري زاده في كتابيه منية الشبان في معاشرة النسوان، في علم الباه
الشيخ السموأل بن يحيى بن عباس المغربي في كتابه نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب.
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتابه أسماء النكاح.
وكالعادة وصلتنا مجموعة أخرى من الكتب مجهولة المؤلف، ومنها
الحرة والأمة .
الأكفية الكبير .
الأكفية الصغير .
لعوب الرئيسة وحسين اللوطي
الفخ المنصوب إلى صيد المحبوب في علم الباه .
الإيضاح في أسرار النكاح .
برجان وجناحب .
الجواري الحبائب .
ضوء الصباح في لغات النكاح.
إن أمة تجد في تراثها كل هذا الاهتمام بالجنس وثقافته، وتجد خلفائها وملوكها وقادتها وسياسييها وكبار رجالها مهتمون بالإماء والجواري والقيان أكثر من اهتمامهم بجندهم وشعبهم، لابد وان تكون مهووسة بالجنس إلى درجة تلهيها عن أمور حياتها الأخرى، والنظر إلى المخاطر التي تحيق بها، والشرور التي تترصد بها، وبالتالي ليس من الغرابة أن نتربع على عرش الجهل والتخلف والتوحش والقسوة والغباء، ولا من العجب أن نتقاتل فيما بيننا ونترك عدونا يضحك ملء شدقيه علينا، في وقت كان من المنتظر أن نقود العالم كله، ونصبح الأنموذج الأروع للإنسانية الحقيقية.!
صالح الطائي