ديوان الغائبين ديوان الغائبين : فروغ فرخزاد - ايــران - 1935 - 1967

فروغ فرخزاد (5 يناير، 1935 — 14 فبراير، 1967) تعتبر من أشهر الشاعرات الإيرانيات.

ولدت في عائلة عسكرية في طفرش سنة 1935 ولها ستة أشقاء. استكملت دراستها حتى الصف التاسع وحين أتمت عامها السادس عشر تزوجت من برويز شابور. أكملت فروغ دراستها عبر دروس الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز وبعد عام رزقت بولدها الوحيد (كتبت فيه قصيدة "قصيدة لك").

بعد أقل من عامين حدث الطلاق بينها وبين زوجها وحصل الزوج على حضانة الابن مما دفع فروخ لإكمال مسيرتها الأدبية. وعادت إلى طهران لكتابة الشعر وأصدرت أول ديوان لها في عام 1955 بعنوان الأسير.

جذبت فروخ الانتباه والرفض من مجتمعها كمطلقة تحمل أفكار نسوية جدلية. في عام 1958 قضت تسعة شهور في أوروبا قابلت خلالها المنتج والكاتب الإيراني إبراهيم جولستان. نشرت ديوانين آخرين بعنوان الجدار والثورة وذلك قبل ذهابها إلى تبريز سنة 1962 لتصوير فيلماً عن الإيرانيين المصابين بالجذام بعنون "البيت أسود" وفاز بجوائز عالمية.وفى العام التالي 1963 نشرت ديوان "ميلاد جديد" والذي كان علامة في تاريخ الشعر الحديث بإيران.

في 14 فبراير 1967 توفت فروغ في حادث سيارة في عمر الثانية والثلاثين ونشر لها بعد وفاتها قصيدة بعنوان "لنؤمن ببداية موسم البرد" وتعد أقوى القصائد في الشعر الفارسي الحديث. دفنت في مقبرة ظهير الدولة.

وهي أخت المغني والشاعر والناشط السياسي فريدون فرخزاد


عن ويكيبيديا


لنؤمن ببداية فصل البرد"
(نشر بعد وفاتها).

الجمعة
الجمعة الصامتة
الجمعة المهجورة
الجمعة المحزنة كالأزقة القديمة،
جمعة الأفكار الكسولة المريضة
جمعة التثاؤبات الشقية الطويلة،
الجمعة الخالية من الانتظار
جمعة الخضوع.

البيتُ الخالي
البيتُ الكئيب
البيتُ الموصد الباب أمام هجوم الشباب،

***

تلك الأيام

ذهبت تلك الأيام‏
تلك الأيام الجيدة، ‏
الأيام الممتلئة والنزيهة، ‏
تلك السماوات المغطاة بالـبلك * .‏
تلك الأغصان المثقلة بالكرز، ‏
تلك البيوت المتكئة معاً على غلاف‏
اللبلاب الأخضر، ‏
سطوح البالونات اللعوبة تلك، ‏
تلك الأزقة السكرى من عطر الأكاسيا.‏
ذهبت تلك الأيام‏
حيث من بين شقوق أجفاني‏
يتصاعد غنائي مثلما فقاعة تغلي‏
مترعة بالهواء، ‏
وحيث تنعكس عيني على كل الأشياء‏
وتشربها كحليب طازج، ‏
كأنما في بؤبؤيَّ أرنب قلق وسعيد‏
يسافر كل صباح مع الشمس العجوز‏
إلى حقول مجهولة، ‏
وفي الليالي‏
يغوص في غابات العتمة.‏
ذهبت تلك الأيام‏
الأيام الثلجية الآفلة‏
عندما من وراء الزجاج، في الغرفة الدافئة، ‏
دائماً‏
أتأمل في الخارج، ثلجي الطاهرَ‏
كيف يتساقط مثل زغب ناعم‏
بهدوء‏
على السلم الخشبي القديم‏
على حبال الغسيل المرتخية‏
على ضفائر الصنو برات العجائز‏
وأفكر بالغد...، ‏
آه‏
الغد: حجم أبيض صقيل‏
يبدأ مع حفيف عباءة جدتي؟،‏
مع بزوغ ظلّها الشبحي في إطار الباب‏
وهو يطلق نفسه في إحساس النور البارد،‏
وفكرة التحليق الحائر للطيور، ‏
في كؤوس الزجاج الملونة.‏
الغد...‏
دفء الكرسي يجلب لي النوم.‏
عجولة أنا وغير خائفة أبتعد عن‏
أنظار أمي لأمسح خطوط الباطل من‏
مسوداتي العتيقة.‏
عندما ينام الثلج.‏
أتجول قلقة في الحديقة، ‏
وتحت أصّ شجرة الآس اليابسة‏
أدفن عصافيري الميتة.‏
ذهبت تلك الأيام‏
أيام الانجذاب والحيرة‏
أيام النوم والصحو،‏
أيامَ كل ظل له سر، ‏
وكل علبة مغلقة تخفي كنزاً‏
وكل زاوية من الصندوق، في سكوت‏
الظهيرة، كأنها العالم، ‏
وكل من لا يخاف من الظلمة‏
كان في عيني هو البطل.‏
ذهبت تلك الأيام‏
أيام العيد‏
انتظار الشمس والوردة، ‏
ارتعاشات العطر في اجتماع صامت، ‏
وعفّة النرجس الصحراوي‏
الذي يزور المدينة آخر صباحات‏
الشتاء، ‏
أغاني البائع المتجول في الشارع‏
الطويل المبقع بالأخضر، ‏
السوق وهي تطوف في روائح هائمة‏
ـ الرائحة القوية للقهوة والسمك ـ، ‏
السوق تمتد تحت الأقدام‏
تمتزج بكل لحظات الطريق‏
وتدور في قعر أعماق عيون الدمى، ‏
السوق كانت أمّاً‏
تذهب مسرعة إلى أحجام ملوّنة وسيالة‏
ثم تأتي‏
مع علب الهدايا في الزنابيل الملأى.‏
السوق كانت مطراً‏
ينهمر‏
ينهمر‏
ينهمر‏
ذهبت تلك الأيام‏
أيام التأمل في أسرار الجسد‏
أيام التعارف الحذر‏
مع جمال الشرايين الزرق:‏
ـ يد من وراء الحائط تناديني بوردة، ‏
ـ واليد الأخرى‏
بقعُ حبرٍ على تلك اليد المرتبكة‏
المضطربة الخائفة.‏
والحب‏
يكرّر نفسه بتحية خجلى.‏
في الظهيرات الحارة الملوثة بالدخان‏
نادينا حبنا في غبار الزقاق‏
وعرفنا اللغة البسيطة لأزهار الـقاصد)، ‏
نحن أخذنا قلوبنا إلى بستان الرحمات المعصومة‏
وأقرضنا الأشجار، ‏
والمدفع، مع رسائل القبلات، كان يدور‏
في أيدينا، ‏
وكان الحب‏
ذلك الحس الشبحي في الظلمة الثامنة‏
حاصرنا فجأة‏
وجذبنا في زحام الأنفاس الملتهبة الحرى‏
والابتسامات المسروقة.‏
ذهبت تلك الأيام‏
تلك الأيام مثلما نباتات تفسخت في الشمس، ‏
من أشعة الشمس تفسخت‏
وضاعت تلك الأزقة التي‏
كانت سكرى من عطر الأكاسيا، ‏
ضاعت في شوارع اللا عودة المليئة بالصخب.‏
والبنت التي لونت خديها يوماً‏
بأوراق الشمعدان، ‏
الآن امرأة وحيدة‏
الآن امرأة وحيدة‏

__________

* البلك: نوع من الشذر الصغير الملون تزين به الثياب

*

ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين
مخـتارات من كتاب: (عمدني بنبيذ الأمواج)
الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...