عبد القادر وساط - امتحان.. في معاني الطغيان

جاء في كتاب " إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان " :
حدثنا أبو الفضل النجداني ، عن الشيخ خالد بن عُمَير الجرْمي، الملقب بحية الوادي ، قال :
كنتُ وزيرا للطغيان في حكومة نجدان ، فاستدعاني المستبد بالله ذات يوم و قال لي :
- أخبرْني أيها الشيخ الوزير ، كم مضى لك من سنة على رأس وزارة الطغيان ؟
قلتُ :
- لقد شرفني بها مولاي المستبد منذ تسع سنوات و نيّف .
فحرك رأسه مستغربا ثم سألني قائلا :
- يا حية الوادي ، كيف تَقول " تسع سنوات و نيف " ؟ أتُراك نسيتَ أن كلمة " نيف" لا تُستعمل إلا بعد العقود ، فنقول عشرة و نيف و عشرون و نيف ، و لا نقول : تسعة و نيف .
فبقيتُ مرتبكا، لا أعرف كيف أجيب ، إلى أن قال لي :
- ما لهذا دعَوْتُك أيها الشيخ الوزير ، و لكني أريد أن أسمع منك المعنى الدقيق للطغيان ، بعد أن توليتَ هذه الوزارة فترة طويلة من الزمان .
فتوجستُ خيفة من سؤاله ، و لم أدر ما الذي يرمي إليه ، لكني أسلمتُ أمري لله و قلت :
- الطغيان ، يا مولاي ، هو مجاوزة الحد في كل شيء ، و قد قال تعالى في سورة الحاقة ( إنا لما طغا الماء) ، أي زاد على حده . و قال عز من قائل ، في سورة النجم ( ما زاغ البصر و ما طغى ) ، أي لم يتجاوز حده و قصده . و الفعل ، يا مولاي، هو طغيْتُ و طغَوت .
قال :
- فما الطغوى ، أيها الشيخ ؟
قلت ، و أنا أسأل الله حسنَ العاقبة :
- يقول شيخُنا الفراء في تفسير قوله تعالى ، في سورة الشمس ( كذبتْ ثمود بطغواها) :" أيْ بطغيانها ." و الطغيان و الطغوى مصْدَران ، مثل الدعاء و الدعوى. فمن ذلك قوله تعالى في سورة يونس( و آخر دعواهم أنِ الحمد لله رب العالمين ) معناه : و آخر دعائهم ."
قال :
- فما الطاغوت ؟
قلت :
- الطاغوت هو كل ما يُعبد من دون الله ، يا مولانا الهمام .
قال :
- فأخبرني الآن عن معنى الطاغية .
قال الشيخ خالد بن عُمَير الجرمي :
فلما سمعتُ سؤاله ذاك اقشعرّ جلدي ، و أدركتُ أني قد ألا أعود إلى أهلي بعدها . بيد أني توكلتُ على خالقي و قلت للمستبد بالله :
- الطاغية هي الصاعقة ، يا مولاي .
فقطبَ و قال لي :
- ما عن هذا المعنى سألتُك .
فأدركت أنه لن يقنع مني بذلك الجواب ، فقلت :
- الطاغية هو الجبار العنيد ، كما قال الليث بن المظفر الكناني .
قال :
- ثم ماذا ؟
قلت :
- و هو المستكبر الظالم ، كما قال أبو الحسن النضر بن شميل .
فنظر إلي مستغربا و قال :
- ابن شميل لم يقل هكذا ، و إنما قال : الطاغية هو الأحمق المستكبر الظالم .
قال الشيخ خالد بن عمير الجرمي:
فعجبتُ و الله من ذاكرة هذا المستبد الجبار و كيف لم يغب عنه أني تجاهلتُ عامدا كلمة " الأحمق" خوفا من غضبه . و عجبتُ أكثر كيف يسألني عن أشياء يَعرفها أكثر مني. ثم إنه سكت قليلا و عاد يقول لي :
- ثم ماذا ، أيها الشيخ الوزير ؟
قلت :
- و الطاغية هو الذي لا يبالي ما أتى ، يأكل الناسَ و يقهرهم ، لا يثنيه تَحَرّجٌ و لا فَرَق ، كما قال شمر بن حمدويه .
فلما سمعَ المستبد كلامي ذاك ابتسم من جديد و قال لي :
- هو ذاك أيها الشيخ ، يأكل الناسَ و يقهرهم . امض الآن بسلام يا حية الوادي.
و لم تمض أيام بعد ذلك حتى أمر بعزلي و جعلَ مكاني ، على رأس الوزارة ، أخي الأصغر الشيخ غامد بن عمير الجرمي، الملقب بنطاق الجوزاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...