كانت الفلسفة هي المعرفة الحقة للكون السماوي والارض والانسان.. وتفكير يراد به معرفة حقائق الوجود والمبدأ الاول لذلك كله.. ولا شك ان القرآن الكريم هو كتاب هداية.. وانه دعوة للناس جميعا على اختلاف حظوظهم من العقل والقدرة والتفكير.. كان منه ما يتجه للقلب ليفتح للموعظة المقرونة بالعمل.. ومنه ما يتجه للعقل ليذعن للمنطق والدليل.. ومنه ما يجانب هذا وذاك.. (قالوا ما هي الا حياتنا الدنيا تموت ونحيا وما يهلكنا الدهر.. وما لهم من علم ان هم الا يضنون) الجاثية 24.
ورغم ان القرآن نزل في بيئة لا تهتم بالعلوم العقلية قدر اهتمامها بالشعر والادب.. الا انه بين الحق في مشاكل الالوهية والطبيعة والوجود.. رغم ان المسلمين لم يكن في تفكيرهم البحث عن الحقيقة ما لدى الاغريق.. بل ان غاية تفكيرهم ان يعرفوا ما يجود به الوحي الالهي والذي كانوا قريب العهد به.. فكانت غايتهم كما يقول المستشرق (كارني مو) شرح الحقيقة والانتصار لها، ووضعها في اسلوب ادبي وفي قالب فني يعتمد قوة العبادة وانسيابيتها، وجرس المفردة المموسقة.. فكان للكلام وللعبارة اثرهما في العلاقات الاجتماعية.. هذا رغم ان القرآن طرح الكثير من الآيات التي تخص الكون والطبيعة والانسان ويستشف فيها حقائق الفلسفة والجدل مع الاخر الذي يخالف تعاليمه.. يقول تعالى: (انتم اشد خلقا ام السماء، بناها ورفع سمكها فسواها.. واغطس ليلها واخرج ضحاها.. والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها.. والجبال ارساها متاعا لكم ولانعامكم) النازعات 27-33. وقوله: (قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا) فصلت 9. وهذه الايات ترينا بمقدار العناية الفائقة بالعالم الذي خلقه الله تعالى فجعله في نظام محكم متماسك.. ليقول تعالى ان هذا العالم لم يخلق عبثاً.. وانه من صنع حكيم عليم تام الارادة والعدة.. وانه لا بد من حياة اخرى، يجزى فيها الانسان بما عمل من حياته الدنيا من خير او شر.. بل ان هناك ايات ترينا الطريقة الاستدلالية على وجود الله ووحدانيته بما خلق.. وبمد الانسان بكل الوسائل للاستقرار على الارض واستغلال كل ما في العالم من قوى وخيرات.. يقول تعالى: (والهكم اله واحد لا اله الا هو، الرحمن الرحيم، ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) البقرة 113-114. وقوله: (ان في خلق السموات والارض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا على جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا) وغيرها من الآيات التي تدعو الى التأمل والتفكر في خلق هذا الكون الرحب. وقد ظهر في حياة الرسول(ص) معارضة للقرآن، فيما يتصل بمسألة القدر وهي من السمائل الفلسفية الكبرى.. والذي اطلق عليهم (القدريون) وعلى رأسهم معبد الجهني.. وكانت مشكلة القدر اول مسالة ظهر الخلاف فيها لما لها من تعقيد وجدل.. وبعد اخذ ورد وتشكيك سكت القرآن والرسول عن بيانه.. واخذ بعض المسلمين يرددون حديث ينسب للرسول (ما ظل قوم بعد هدى الا اتو الجدل).. وان المسكوت عن بيانه لا يفيد في الدنيا ولا في الاخرى.. ما مسألة القضاء والقدر بالتعبير الديني.. ومسألة الحرية بالتعبير الفلسفي.. وهي مسألة تعارض فيها الاراء الى درجة التكافؤ.. فمن يجرؤ على التأكيد على ان الانسان غير خاضع الى رجة كبيرة لجبرية طبيعية لا تتخلف ولا ترحم.. ومن يستطيع الادعاء بان النصوص الدينية خالية مما يفيد ان الانسان مسير، محكوم، بقضاء وقدر وان آيات كثيرة تؤكد ان (لا فاعل الا الله) كما انه يستحضر بنفس التلقائية فكرة القدر في الفلسفة اليونانية.. والميل الى الاعتقاد في ان الانسان حر مختار.. بل ونجد ايضا في الشريعة (الدين) والحكمة (الفلسفة) انهما على وفاق فيما يثبت للانسان الحرية والاختيار، وفيهما ما يسلبهما عنه سلبا.. وهناك آيات تفيد ان الانسان مخير يفعل ما يشاء.. واخرى تفيد انه مسير مجبور على ما يفعل.. وحجج العقول تقضي بان السمؤولية والجزاء والثواب والعقاب، تتطلب ان يكون الانسان يفعل بحرية واختيار.. وهذا ما ذهب اليه المعتزلة غير ان قوما رأوا ان ذلك يتعارض مع القول باردة الله المطلقة وفعله المطلق، ولذلك سلبوا الانسان الحرية والارادة وهم المجبرة.. اما الاشعرية فقد ارادوا ان يقفوا موقفا وسطا فقالوا بما اسموه الكسب، ومعناه عندهم ان الانسان اذا اراد شيئا خلق الله فيه القدرة على فعله، وهو يكسب جزاءه وتبعته.. وهكذا يكون الفعل خلقا من الله.. وفقا مع مبدأ لا فاعل الا الله وكسبا من الانسان.. وبالتالي يحاسب عليه.. وهذا في نظر ابن رشد مفهوم غامض لا معنى له، لانه اذا كان الاكتساب والمكتسب مخلوقان لله سبحانه فالعبد ولا به مجبور على اكتسابه.. فيلسوف قرطبة حلا لهذه المسألة من داخل السبيبة لا من خارجها وخلاصة فكرته ان الله خلق لنا قوى نقدر بها ان نكسب اشياء هي اضداد.. لكن لما كان لاكتساب لتلك الاشياء.. ليس يتم الا بمواتاة الاسباب التي سخرها الله لنا من خارج وزوال العوائق عنها، كانت الافعال المنسوبة الينا تتم بالامرين جميعا يعني يمواتاة: القوى الداخلية المخلوقة فينا وهي تابعة لنظام السببية في ابداننا. والقوة الخارجية المسخرة لنا وهي تابعة لنظام السببية في العالم.. ويعتقد ابن رشد ان القضاء والقدر الذي كتبه الله على عباده مكتوب باللوح المحفوظ.. (انظر الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الحلة، 85-86).. اما النبوة فقد كان الفلاسفة والمتكلمون يستدلون عليها بما يأتي النبي من معجزات.. والمعجزة عندهم عمل يخرق العادة.. وهو الامر الذي لا يحتاج الى استدلالات نظرية، فوجود الانبياء ظاهرة تاريخية، وقد تواتر الخبر عن وجودهم في الماضي، جيلا بعد جيل، كما تواتر الخبر عن وجود الفلاسفة والعلماء.. ومثلما لا نشك في وجود فلاسفة مثل سقراط وافلاطون وارسطو، من خلال ما تركوه من مؤلفات، نعرف الانبياء عن شرائهم، وليس بوسع الانسان وضع شرائع كشرائع الانبياء.. ولا معجزاتهم.. فالقرآن قد يجانب بعض الافكار الفلسفية، الا انه لا يبتعد عنها كثيرا.. وان الكثير من آياته تجيب عن تساؤلات الانسان عن الطبيعة والكون والانسان، وما وراء الطبيعة.
* عن الصباح
ورغم ان القرآن نزل في بيئة لا تهتم بالعلوم العقلية قدر اهتمامها بالشعر والادب.. الا انه بين الحق في مشاكل الالوهية والطبيعة والوجود.. رغم ان المسلمين لم يكن في تفكيرهم البحث عن الحقيقة ما لدى الاغريق.. بل ان غاية تفكيرهم ان يعرفوا ما يجود به الوحي الالهي والذي كانوا قريب العهد به.. فكانت غايتهم كما يقول المستشرق (كارني مو) شرح الحقيقة والانتصار لها، ووضعها في اسلوب ادبي وفي قالب فني يعتمد قوة العبادة وانسيابيتها، وجرس المفردة المموسقة.. فكان للكلام وللعبارة اثرهما في العلاقات الاجتماعية.. هذا رغم ان القرآن طرح الكثير من الآيات التي تخص الكون والطبيعة والانسان ويستشف فيها حقائق الفلسفة والجدل مع الاخر الذي يخالف تعاليمه.. يقول تعالى: (انتم اشد خلقا ام السماء، بناها ورفع سمكها فسواها.. واغطس ليلها واخرج ضحاها.. والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها.. والجبال ارساها متاعا لكم ولانعامكم) النازعات 27-33. وقوله: (قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا) فصلت 9. وهذه الايات ترينا بمقدار العناية الفائقة بالعالم الذي خلقه الله تعالى فجعله في نظام محكم متماسك.. ليقول تعالى ان هذا العالم لم يخلق عبثاً.. وانه من صنع حكيم عليم تام الارادة والعدة.. وانه لا بد من حياة اخرى، يجزى فيها الانسان بما عمل من حياته الدنيا من خير او شر.. بل ان هناك ايات ترينا الطريقة الاستدلالية على وجود الله ووحدانيته بما خلق.. وبمد الانسان بكل الوسائل للاستقرار على الارض واستغلال كل ما في العالم من قوى وخيرات.. يقول تعالى: (والهكم اله واحد لا اله الا هو، الرحمن الرحيم، ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) البقرة 113-114. وقوله: (ان في خلق السموات والارض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا على جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا) وغيرها من الآيات التي تدعو الى التأمل والتفكر في خلق هذا الكون الرحب. وقد ظهر في حياة الرسول(ص) معارضة للقرآن، فيما يتصل بمسألة القدر وهي من السمائل الفلسفية الكبرى.. والذي اطلق عليهم (القدريون) وعلى رأسهم معبد الجهني.. وكانت مشكلة القدر اول مسالة ظهر الخلاف فيها لما لها من تعقيد وجدل.. وبعد اخذ ورد وتشكيك سكت القرآن والرسول عن بيانه.. واخذ بعض المسلمين يرددون حديث ينسب للرسول (ما ظل قوم بعد هدى الا اتو الجدل).. وان المسكوت عن بيانه لا يفيد في الدنيا ولا في الاخرى.. ما مسألة القضاء والقدر بالتعبير الديني.. ومسألة الحرية بالتعبير الفلسفي.. وهي مسألة تعارض فيها الاراء الى درجة التكافؤ.. فمن يجرؤ على التأكيد على ان الانسان غير خاضع الى رجة كبيرة لجبرية طبيعية لا تتخلف ولا ترحم.. ومن يستطيع الادعاء بان النصوص الدينية خالية مما يفيد ان الانسان مسير، محكوم، بقضاء وقدر وان آيات كثيرة تؤكد ان (لا فاعل الا الله) كما انه يستحضر بنفس التلقائية فكرة القدر في الفلسفة اليونانية.. والميل الى الاعتقاد في ان الانسان حر مختار.. بل ونجد ايضا في الشريعة (الدين) والحكمة (الفلسفة) انهما على وفاق فيما يثبت للانسان الحرية والاختيار، وفيهما ما يسلبهما عنه سلبا.. وهناك آيات تفيد ان الانسان مخير يفعل ما يشاء.. واخرى تفيد انه مسير مجبور على ما يفعل.. وحجج العقول تقضي بان السمؤولية والجزاء والثواب والعقاب، تتطلب ان يكون الانسان يفعل بحرية واختيار.. وهذا ما ذهب اليه المعتزلة غير ان قوما رأوا ان ذلك يتعارض مع القول باردة الله المطلقة وفعله المطلق، ولذلك سلبوا الانسان الحرية والارادة وهم المجبرة.. اما الاشعرية فقد ارادوا ان يقفوا موقفا وسطا فقالوا بما اسموه الكسب، ومعناه عندهم ان الانسان اذا اراد شيئا خلق الله فيه القدرة على فعله، وهو يكسب جزاءه وتبعته.. وهكذا يكون الفعل خلقا من الله.. وفقا مع مبدأ لا فاعل الا الله وكسبا من الانسان.. وبالتالي يحاسب عليه.. وهذا في نظر ابن رشد مفهوم غامض لا معنى له، لانه اذا كان الاكتساب والمكتسب مخلوقان لله سبحانه فالعبد ولا به مجبور على اكتسابه.. فيلسوف قرطبة حلا لهذه المسألة من داخل السبيبة لا من خارجها وخلاصة فكرته ان الله خلق لنا قوى نقدر بها ان نكسب اشياء هي اضداد.. لكن لما كان لاكتساب لتلك الاشياء.. ليس يتم الا بمواتاة الاسباب التي سخرها الله لنا من خارج وزوال العوائق عنها، كانت الافعال المنسوبة الينا تتم بالامرين جميعا يعني يمواتاة: القوى الداخلية المخلوقة فينا وهي تابعة لنظام السببية في ابداننا. والقوة الخارجية المسخرة لنا وهي تابعة لنظام السببية في العالم.. ويعتقد ابن رشد ان القضاء والقدر الذي كتبه الله على عباده مكتوب باللوح المحفوظ.. (انظر الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الحلة، 85-86).. اما النبوة فقد كان الفلاسفة والمتكلمون يستدلون عليها بما يأتي النبي من معجزات.. والمعجزة عندهم عمل يخرق العادة.. وهو الامر الذي لا يحتاج الى استدلالات نظرية، فوجود الانبياء ظاهرة تاريخية، وقد تواتر الخبر عن وجودهم في الماضي، جيلا بعد جيل، كما تواتر الخبر عن وجود الفلاسفة والعلماء.. ومثلما لا نشك في وجود فلاسفة مثل سقراط وافلاطون وارسطو، من خلال ما تركوه من مؤلفات، نعرف الانبياء عن شرائهم، وليس بوسع الانسان وضع شرائع كشرائع الانبياء.. ولا معجزاتهم.. فالقرآن قد يجانب بعض الافكار الفلسفية، الا انه لا يبتعد عنها كثيرا.. وان الكثير من آياته تجيب عن تساؤلات الانسان عن الطبيعة والكون والانسان، وما وراء الطبيعة.
* عن الصباح