بدأت أحداث الحكاية عندما أقتربت منى احدى السائحات ذات يوم لتسألنى عن الاماكن التى تتواجد بها الحمامات الشعبية فى مصر. فاجأنى السؤال وشرد ذهنى للحظة، وعندما هممت للاجابة عن سؤالها، وقبل أن أقول لها أننى لا أعلم أصلا عن وجود مثل هذا النوع من الحمامات فى مصر فاذا بها تجلب لى أحد الكتب السياحية التى تحملها معها وترينى صورة لأحد هذه الحمامات فى مصر، واذا بها تنهال على بوابل من الأسئلة عن هذه الحمامات وفيما كانت تستعمل؟ وهل مازالت تؤدى نفس وظيفتها الى الآن أم انها تحولت الى تراث وأثر يزوره السياح؟... وجدت نفسى فى حالة من الذهول مصحوبة بحالة من الضيق، ليس السبب فى ذلك أننى لم أعرف الاجابة على أسئلتها؛ فأننى على يقين تام بأن الغالبية العظمى منا لا تعلم الاجابة أيضا، ولكن السبب فى ضيقى كان راجعا الى أن الغرب تسلل فى كل نواحى حياتنا حتى التراث أصبح الغربيون يجيدون الكتابة فيه أكثر منا، فتجد السائح الذى يأتى الى مصر مزود بذخيرة من الكتب الأثرية تتضمن كل معالم تاريخنا لدرجة تجعله يستطيع الاستغناء عن وجود المرشد السياحى معه فى رحلاته فى بعض الاحيان طالما يحمل معه هذا الكتاب المفصل.
ولاننى لا أحب أبدا الشعور بالهزيمة ، ولاننى أيضا لا أحبذ الاحساس بالجهل فى أى ناحية من مناحى حياتى، قررت أن أسأل وأعرف كل ما استطيع معرفته عن الحمامات بدءا من نشأتها واستعمالاتها انتهاءا لما آلت اليه الآن، وقد كان، فلقد قررت النزول الى حى باب الشعرية بعدما سمعت عن أن هذا الحى كان من أكثر المناطق التى انتشرت بها الحمامات الشعرية، وكنت فى قرارة نفسى أتمنى الدخول فى واحد من هذه الحمامات، الا اننى عندما وصلت الى هناك واقتربت من منطقة الحمامات وجدت عندها عدد من مهندسى الترميمات من المجلس الأعلى لللآثار يقومون بترميمها وقد منعوا الدخول اليها .
تسرب بداخلى احساس دفين باليأس ولكننى لم أستسلم له، بل قررت أن أكمل التجربة الى نهايتها، فذهبت الى المجلس الأعلى للآثار لعلى أعثر على بعض المعلومات، وهناك أرشدونى للذهاب الى كلية الآثار التى تعد المرجع الأساسى للباحثين فى هذا المجال، وحتى يسهلوا على الطريق نصحونى بالبحث فى الآثار الاسلامية لأ ن هذا العصر كان من أكثر العصور التى ازدهرت فيها الحمامات الشعبية .
وفعلا بدأت جولتى البحثية بين الكتب والمراجع وعلى الرغم من ندرة المعلومات عن هذه الحمامات الا أن هذه المعلومات القليلة التى عثرت عليها كانت مفيدة للغاية، فلقد علمت أن الحمامات الشعبية التى تم انشاؤها فى هذا العصر- أى العصر الاسلامى- ومازالت موجودة الى يومنا هذا يبلغ عددها فى القاهرة وحدها حوالى احدى عشرحماما ، منها ما أنشىء فى عصر الدولة العثمانية مثل"حمام الطمبلى " الموجود بباب الشعرية والذى تم انشاؤه فى القرن 18م ، و"حمام سنان باشا" ببولاق أبو العلا والذى انشىء عام 1571م، و"حمام السكرية" بمنطقة الدرب الأحمروأنشىء فى القرن18م أيضا، و"حمام الملاطيلى" بحى باب الشعرية وأنشىء عام 1780م ، ومنها ما أنشىء فى عصر الدولة الفاطمية مثل"الحمام الفاطمى" الموجود بمنطقة مصر القديمة و انشىء فى القرن11م وهناك أيضا من الحمامات ما أنشىء فى عصر أسرة محمد على مثل"حمام العدوى" الموجود بمنطقة الجمالية وأنشىء فى القرن 19م، وهناك من الحمامات ما أنشىء فى عصر الدولة الأيوبية مثل "حمام سعيد السعداء" الذى انشأه السلطان صلاح الدين الأيوبى وهو مازال قائما بمنطقة الجمالية، وغيره الكثير من الحمامات التى أنشئت فى عصر المماليك منها ما هو مازال قائما ومنها ما أندثر ولم يعد متبقى منه سوى جدار أو باب أو حتى ذكرى مكان.
وبعد أن حصرت كل الحمامات الشعبية الموجودة فى مصر وعرفت أماكنها ، كان لابد من الاجابة على السؤال الثانى الذى تراءى لذهنى وقتها وهو : من كان صاحب أول فكرة لانشاء حمام شعبى؟ وكيف جاءته الفكرة؟ وبعد بحث متأنى علمت أن صاحب أول فكرة لانشاء الحمام الشعبى كان الرومان وأول حمام شعبى تم انشائه كان فى القرن الثانى قبل الميلاد، وكانت فكرة الحمام فى بدايتها بسيطة للغاية وتعتمد على مجموعة من الاحواض الصغيرة لا يوجد بها سوى ماءا باردا وماءا ساخنا وبعض دهانات المساج وبعض التدليك، وكان عدد الحمامات فى هذا الوقت يبلغ 180 حماما. أما الحمامات بمفهومها الشعبى فقد ظهرت فى القرن ال25 ق.م. وكانت تحوى كل خدمات الحمام الشعبى التقليدية وأضافوا حولها الحدائق وأحواض السباحة كنوع من الترفيه بعد أخذ الحمام، وكانت هذه الحمامات مفتوحة بدون مقابل للعامة يرتادها الجميع صغيرا كان أم كبيرا.
وعن المراحل التى كان يمر بها الفرد داخل الحمام الرومانى نجدها تبدأ عندما يدخل الشخص للحمام فيأخذ منه أحد الخدم الموجودين بالحمام ملابسه ليرصها بعناية بمكان مخصص لايداع الملابس، ويقوم بعد ذلك بعمل بعض التمارين الجسمانية فى صالة شبيهة بصالات الجيمانيزيوم فى عصرنا الحديث، ثم يدخل قاعة أخرى ليدهن له جسمه أحد العاملين بالمكان بنوع من الزيوت المكون من الصودا و الرمد -لأنهم لم يكونوا على دراية بالصابون وقتذاك- وبعد أن يتخلص من هذه الزيوت يأتى لمرحلة أخرى وهى مرحلة السنفرة وفيها تتم عمليات كشط للطبقات الخارجية من الجلد بحكها بنوع من برادة الحديد، ومن الممكن أيضا خلال هذه المرحلة أن تتم عمليات لازالة الشعر الزائد.
يدخل بعد ذلك الرومانى الى غرفة فاترة الحرارة تجنبا لحدوث صدمة للجسم اذا ما مر من درجة الحرارة الباردة الى درجة السخونة القصوى، وبعد مكوثة لبعض الوقت فى هذه الغرفة ينتقل بعد ذلك الى غرفة بخار الماء والتى تصل درجات الحرارة فيها لاعلى معدلاتها لدرجة يصعب معها أن يظل الشخص حافى القدمين وهنا يتم ارتداء القبقاب ، وينتهى الحمام بمغطس كبير من المياه الباردة ينزل فيه الفرد بعد قضاء مدته داخل حمام البخار.
وبعد معرفة ما الذى كان يدور بداخل هذه الحمامات كان من المهم أن أطرح هذا السؤال: ما أهمية استخدام الحمام الشعبى؟ وما هو الفارق بينه وبين الحمام العادى الموجود داخل أى منزل؟ فكانت الاجابة أن الابخرة الموجودة فى هذه الحمامات تساعد على فتح مسام البشرة وتقوم بتعقيمها من الميكروبات والفيروسات وكذلك فانها تساهم فى علاج الجيوب الانفية كما أن المكوث بالحمام يعمل على ارتخاء العضلات ويهدىء آلامها ويسهل عملية التنفس.
وقد اكتشف حديثا أن المكوث بهذه الحمامات لفترة منتظمة يعمل على انقاص الوزن لانه يساعد على افقاد الجسم للمياه الزائدة الموجودة به ، فقد اكدت الدراسات على ان من يمارس رياضته ثم يحاول الغطس فى حمام من بخار الماء الساخن يساعده ذلك على النشاط والحركة ويعيد اليه الحيوية والنشاط بعد يوم منهك طويل من العمل الشاق. وقد يظن البعض أن المداومة على الذهاب الى هذه الحمامات قد تشفى من الامراض، وما نود التأكيد عليه هنا أن بخار الماء الموجود بهذه الحمامات يقوم بعمل مجرد تنقية سطحية للميكروبات الموجودة بالجسم، فقد يظن البعض أنه اذا دخل الحمام مصابا بالانفلونزا يخرج منه وهو معافى منها ، وهذا غير صحيح، ولكنه قد يساهم مثلا فى علاج بعض الامراض كالروماتيزم وذلك بشهادة من الاطباء. أما فيما يتعلق بالفرق بين الحمام الشعبى والحمام المنزلى فنجد أن درجة الحرارة والرطوبة الساخنة الموجودة بالحمامات الشعبية تعمل على تنقية المسامات الجلدية بعمق أكثر بكثير مما قد يفعل حمام منزلى دافىء.
ومن خلال استعراضنا لتاريخ وطريقة عمل الحمامات الشعبية وجدنا الكثير من نقاط الشبه بينها وبين ما تقوم به مراكز التجميل الحديثة بدءا من المساج انتهاءا بالساونا، ولكن ظهرت احدى الدراسات التى اكدت على وجود فرق شاسع ما بين حمام البخار الحديث والذى يطلق عليه الساونا وحمام البخار القديم الموجود بالحمامات الشعبية، يتلخص هذا الفارق فى بضعة نقاط نذكر منها : أن هواء الساونا يتم تسخينه عن طريق أحجار حرارية مسامية تختزن الحرارة لفترات طويلة ،ويتم تقفيل حجرة الساونا فى الغالب بخشب الصنوبر، فنجد أن نسبة الترطيب بالغرفة يكون منخفضا للغاية. أما فى الحمام الشعبى فالذى ينقل الحرارة هو بخار الماء وجدرانه تكون فى الغالب مبطنة بأحجار من الفخار أو الرخام، كما أن نسبة الرطوبة بها تكون مرتفعة للغاية، ومن ثم نجد أن درجات الحرارة فى الحمامات الشعبية أقل بكثير من درجات الحرارة فى غرف الساونا على الرغم من الايحاء الشعورى بعكس ذلك. ومن هنا يكون الحمام أقل خطرا فى التعرض لدرجات حرارته المرتفعة عن الساونا .
ومع ذلك نجد أن تقدم التكنولوجيا جعل وجود الحمامات الشعبية يتضاءل أمام اجتياح مراكز التجميل لميدان الموضة والجمال، التى يتميز كل روادها بالثراء الفاحش. أما هذه الحمامات أصبحت مجرد جدران يتم ترميمها ليشاهدها السياح ويتعجبوا للفن الاسلامى وللعقل العربى الذى أبدع وأبتكر فى مرحلة ما من تاريخه، وها نحن نتعجب الآن لهذا العقل الذى بدأ يعتمد على الغرب ويقلدهم بعد أن كانوا يقلدوه ويستقوا منه
ولاننى لا أحب أبدا الشعور بالهزيمة ، ولاننى أيضا لا أحبذ الاحساس بالجهل فى أى ناحية من مناحى حياتى، قررت أن أسأل وأعرف كل ما استطيع معرفته عن الحمامات بدءا من نشأتها واستعمالاتها انتهاءا لما آلت اليه الآن، وقد كان، فلقد قررت النزول الى حى باب الشعرية بعدما سمعت عن أن هذا الحى كان من أكثر المناطق التى انتشرت بها الحمامات الشعرية، وكنت فى قرارة نفسى أتمنى الدخول فى واحد من هذه الحمامات، الا اننى عندما وصلت الى هناك واقتربت من منطقة الحمامات وجدت عندها عدد من مهندسى الترميمات من المجلس الأعلى لللآثار يقومون بترميمها وقد منعوا الدخول اليها .
تسرب بداخلى احساس دفين باليأس ولكننى لم أستسلم له، بل قررت أن أكمل التجربة الى نهايتها، فذهبت الى المجلس الأعلى للآثار لعلى أعثر على بعض المعلومات، وهناك أرشدونى للذهاب الى كلية الآثار التى تعد المرجع الأساسى للباحثين فى هذا المجال، وحتى يسهلوا على الطريق نصحونى بالبحث فى الآثار الاسلامية لأ ن هذا العصر كان من أكثر العصور التى ازدهرت فيها الحمامات الشعبية .
وفعلا بدأت جولتى البحثية بين الكتب والمراجع وعلى الرغم من ندرة المعلومات عن هذه الحمامات الا أن هذه المعلومات القليلة التى عثرت عليها كانت مفيدة للغاية، فلقد علمت أن الحمامات الشعبية التى تم انشاؤها فى هذا العصر- أى العصر الاسلامى- ومازالت موجودة الى يومنا هذا يبلغ عددها فى القاهرة وحدها حوالى احدى عشرحماما ، منها ما أنشىء فى عصر الدولة العثمانية مثل"حمام الطمبلى " الموجود بباب الشعرية والذى تم انشاؤه فى القرن 18م ، و"حمام سنان باشا" ببولاق أبو العلا والذى انشىء عام 1571م، و"حمام السكرية" بمنطقة الدرب الأحمروأنشىء فى القرن18م أيضا، و"حمام الملاطيلى" بحى باب الشعرية وأنشىء عام 1780م ، ومنها ما أنشىء فى عصر الدولة الفاطمية مثل"الحمام الفاطمى" الموجود بمنطقة مصر القديمة و انشىء فى القرن11م وهناك أيضا من الحمامات ما أنشىء فى عصر أسرة محمد على مثل"حمام العدوى" الموجود بمنطقة الجمالية وأنشىء فى القرن 19م، وهناك من الحمامات ما أنشىء فى عصر الدولة الأيوبية مثل "حمام سعيد السعداء" الذى انشأه السلطان صلاح الدين الأيوبى وهو مازال قائما بمنطقة الجمالية، وغيره الكثير من الحمامات التى أنشئت فى عصر المماليك منها ما هو مازال قائما ومنها ما أندثر ولم يعد متبقى منه سوى جدار أو باب أو حتى ذكرى مكان.
وبعد أن حصرت كل الحمامات الشعبية الموجودة فى مصر وعرفت أماكنها ، كان لابد من الاجابة على السؤال الثانى الذى تراءى لذهنى وقتها وهو : من كان صاحب أول فكرة لانشاء حمام شعبى؟ وكيف جاءته الفكرة؟ وبعد بحث متأنى علمت أن صاحب أول فكرة لانشاء الحمام الشعبى كان الرومان وأول حمام شعبى تم انشائه كان فى القرن الثانى قبل الميلاد، وكانت فكرة الحمام فى بدايتها بسيطة للغاية وتعتمد على مجموعة من الاحواض الصغيرة لا يوجد بها سوى ماءا باردا وماءا ساخنا وبعض دهانات المساج وبعض التدليك، وكان عدد الحمامات فى هذا الوقت يبلغ 180 حماما. أما الحمامات بمفهومها الشعبى فقد ظهرت فى القرن ال25 ق.م. وكانت تحوى كل خدمات الحمام الشعبى التقليدية وأضافوا حولها الحدائق وأحواض السباحة كنوع من الترفيه بعد أخذ الحمام، وكانت هذه الحمامات مفتوحة بدون مقابل للعامة يرتادها الجميع صغيرا كان أم كبيرا.
وعن المراحل التى كان يمر بها الفرد داخل الحمام الرومانى نجدها تبدأ عندما يدخل الشخص للحمام فيأخذ منه أحد الخدم الموجودين بالحمام ملابسه ليرصها بعناية بمكان مخصص لايداع الملابس، ويقوم بعد ذلك بعمل بعض التمارين الجسمانية فى صالة شبيهة بصالات الجيمانيزيوم فى عصرنا الحديث، ثم يدخل قاعة أخرى ليدهن له جسمه أحد العاملين بالمكان بنوع من الزيوت المكون من الصودا و الرمد -لأنهم لم يكونوا على دراية بالصابون وقتذاك- وبعد أن يتخلص من هذه الزيوت يأتى لمرحلة أخرى وهى مرحلة السنفرة وفيها تتم عمليات كشط للطبقات الخارجية من الجلد بحكها بنوع من برادة الحديد، ومن الممكن أيضا خلال هذه المرحلة أن تتم عمليات لازالة الشعر الزائد.
يدخل بعد ذلك الرومانى الى غرفة فاترة الحرارة تجنبا لحدوث صدمة للجسم اذا ما مر من درجة الحرارة الباردة الى درجة السخونة القصوى، وبعد مكوثة لبعض الوقت فى هذه الغرفة ينتقل بعد ذلك الى غرفة بخار الماء والتى تصل درجات الحرارة فيها لاعلى معدلاتها لدرجة يصعب معها أن يظل الشخص حافى القدمين وهنا يتم ارتداء القبقاب ، وينتهى الحمام بمغطس كبير من المياه الباردة ينزل فيه الفرد بعد قضاء مدته داخل حمام البخار.
وبعد معرفة ما الذى كان يدور بداخل هذه الحمامات كان من المهم أن أطرح هذا السؤال: ما أهمية استخدام الحمام الشعبى؟ وما هو الفارق بينه وبين الحمام العادى الموجود داخل أى منزل؟ فكانت الاجابة أن الابخرة الموجودة فى هذه الحمامات تساعد على فتح مسام البشرة وتقوم بتعقيمها من الميكروبات والفيروسات وكذلك فانها تساهم فى علاج الجيوب الانفية كما أن المكوث بالحمام يعمل على ارتخاء العضلات ويهدىء آلامها ويسهل عملية التنفس.
وقد اكتشف حديثا أن المكوث بهذه الحمامات لفترة منتظمة يعمل على انقاص الوزن لانه يساعد على افقاد الجسم للمياه الزائدة الموجودة به ، فقد اكدت الدراسات على ان من يمارس رياضته ثم يحاول الغطس فى حمام من بخار الماء الساخن يساعده ذلك على النشاط والحركة ويعيد اليه الحيوية والنشاط بعد يوم منهك طويل من العمل الشاق. وقد يظن البعض أن المداومة على الذهاب الى هذه الحمامات قد تشفى من الامراض، وما نود التأكيد عليه هنا أن بخار الماء الموجود بهذه الحمامات يقوم بعمل مجرد تنقية سطحية للميكروبات الموجودة بالجسم، فقد يظن البعض أنه اذا دخل الحمام مصابا بالانفلونزا يخرج منه وهو معافى منها ، وهذا غير صحيح، ولكنه قد يساهم مثلا فى علاج بعض الامراض كالروماتيزم وذلك بشهادة من الاطباء. أما فيما يتعلق بالفرق بين الحمام الشعبى والحمام المنزلى فنجد أن درجة الحرارة والرطوبة الساخنة الموجودة بالحمامات الشعبية تعمل على تنقية المسامات الجلدية بعمق أكثر بكثير مما قد يفعل حمام منزلى دافىء.
ومن خلال استعراضنا لتاريخ وطريقة عمل الحمامات الشعبية وجدنا الكثير من نقاط الشبه بينها وبين ما تقوم به مراكز التجميل الحديثة بدءا من المساج انتهاءا بالساونا، ولكن ظهرت احدى الدراسات التى اكدت على وجود فرق شاسع ما بين حمام البخار الحديث والذى يطلق عليه الساونا وحمام البخار القديم الموجود بالحمامات الشعبية، يتلخص هذا الفارق فى بضعة نقاط نذكر منها : أن هواء الساونا يتم تسخينه عن طريق أحجار حرارية مسامية تختزن الحرارة لفترات طويلة ،ويتم تقفيل حجرة الساونا فى الغالب بخشب الصنوبر، فنجد أن نسبة الترطيب بالغرفة يكون منخفضا للغاية. أما فى الحمام الشعبى فالذى ينقل الحرارة هو بخار الماء وجدرانه تكون فى الغالب مبطنة بأحجار من الفخار أو الرخام، كما أن نسبة الرطوبة بها تكون مرتفعة للغاية، ومن ثم نجد أن درجات الحرارة فى الحمامات الشعبية أقل بكثير من درجات الحرارة فى غرف الساونا على الرغم من الايحاء الشعورى بعكس ذلك. ومن هنا يكون الحمام أقل خطرا فى التعرض لدرجات حرارته المرتفعة عن الساونا .
ومع ذلك نجد أن تقدم التكنولوجيا جعل وجود الحمامات الشعبية يتضاءل أمام اجتياح مراكز التجميل لميدان الموضة والجمال، التى يتميز كل روادها بالثراء الفاحش. أما هذه الحمامات أصبحت مجرد جدران يتم ترميمها ليشاهدها السياح ويتعجبوا للفن الاسلامى وللعقل العربى الذى أبدع وأبتكر فى مرحلة ما من تاريخه، وها نحن نتعجب الآن لهذا العقل الذى بدأ يعتمد على الغرب ويقلدهم بعد أن كانوا يقلدوه ويستقوا منه