يقولون إن الديماس في اللغة هو المكان تحت الأرض لا يدخله ضوء.. ويقول بعضهم إن أصل الكلمة عربي وهو مأخوذ من الدمس بمعنى التغطية. ويقول آخرون إن أصلها من اللغة الحبشية.. وقيل إن الديماس مأخوذ من dimosion أي السجن في اللغة اليونانية ( ويبدو أن السجون تتشابه لدى الطغاة ليس في المسمى فقط بل كذلك في الاسم ) أما بكر بن النطاح العجلي ( أو الحنفي ) فقد أصبح معروفا بعض المعرفة لدى المعاصرين حين غنت من شعره أم كلثوم( ولحن النص الشيخ أبو العلا نفسه ):
( أكذب طرفي عنك والطرف صادق = وأُسمع أذني منك ما ليس تسمعُ
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة = ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع
لقيتُ أمورا فيك لم ألق مثلها = وأعظم منها منك ما أتوقعُ ...)
وشعر بكر يشق الجيوب ( والجيب في اللغة طوق الثوب حول النحر. وكان العرب يشقون الأطواق إذا طربوا والعربيات كن يشققن الأطواق أيضا ولكن إذا آدهنّ الحزن وأنفد صبرهن، فسبحان من جعل رمز الفرح عند رجال العرب رمزا للحزن عند نسائهم. والطريف أن الطرب من الأضداد، فهو بمعنى الفرح وبمعنى الحزن أيضا. ). وأنا أقول هذا لأن بكرا قال:
( أرانا معشرَ الشعراء قوما = بألسننا تنعّمت القلوبُ
إذا انبعثت قرائحُنا أتينا = بألفاظ تُشقُّ لها الجيوبُ )
وقال:
( خُلق السرورُ لمعشر خُلقوا له = وخُلقتُ للعبرات والأحزان )
وقد غطى على شعر بكر في الغزل والغنائيات شعرُه في أبي دُلَف القاسم بن عيسى العجلي: ( تجمع بينهما عجل أو الجد الأكبر بكر بن وائل )
وأبو دلف هذا قائد عباسي من قواد الرشيد والمامون. وفيه يقول بكر:
( هذا أبو دلفِ الذي لسيوفه = ورماحه تتعبّد الأقدارُ )
ويقول:
( مثال أبي دُلَفٍ أُمّةٌ = وسيفُ أبي دلف عسكرُ
وإن المنايا إلى الدارعين = بعين أبي دُلَفٍ تَنظُرُ )
ويستعير بكر لمدح أبي دلف لفظ الكيمياء ( وهي عندهم ما يحول الأشياء إلى ذهب ) فيقول:
( ياطالبا للكيمياء ونفعها = مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظمُ
لو لم يكن في الأرض إلا درهمٌ = ومدحتَه لأتاك ذاك الدرهمُ )
وطبعا فإن غزل بكر أصدق من مدحه، وهو أول من يعترف بذلك حين يقول:
( أبا دُلفٍ ياأكذب الناس كلهم = سواي، فإني في مديحك أَكْذَبُ ).
وكان أبو دلف مُمَدَّحا ، وقد مدحه شعراءُ كثيرون منهم أبو تمام نفسه.. ويبدو أنه كان غزير الثروة غزير العطاء، وكان أحيانا يستدين ليعطي، وقد سمع أحد الشعراء أن أبا دلف أثقلته الديون فجاءه وقال له:
( لقد خُبّرتُ أن عليك دَيْنا = فزد في رقم دَينك واقض دَيني )
فأعطاه ما طلب. ولكن أشهر ما قيل فيه هو قصيدة عليّ بن جَبَلَة العَكَوَّك الرائعة والتي يقول مطلعها:
( ذاد وِردَ الغيّ عن صَدَرهْ = فارعوى واللهو من وطَرهْ
وأبت إلا الوقارَ له = ضحكاتُ الشيب في شَعَرهْ
ندمي أن الشباب مضى = لم أُبَلّغه مدى أَشَرهْ
وانقضت أيامُه سَلَما = لم أُهج حربا عل غِيَره
حسرت عني بشاشتُهُ = وذوى اليانعُ من ثَمَره... )
والتي يقول فيها ما أثار حسد طغاة عصره:
( إنما الدنيا أبو دلفٍ = بين باديه ومُحتضرهْ
فإذا ولّى أبو دُلَفٍ = ولّت الدنيا على أثَره.. )
حتى ليقال إن أحد الطغاة ( ولعله المامون نفسه ) قتل ابن جبلة بهذين البيتين. وقد سُئل ابن عنين، وكان من أخبر الناس بالشعر عن هذه القصيدة وقصيدة أبي نواس:
( أيها المنتاب من عفرهْ = لستَ من ليلي ولا سَمَره ..)
وهي طردية معروفة لدى علماء الشعر، فلم يفضل إحداهما على الأخرى، وقال في تواضع العلماء ( لا يصلح أن يفاضل بينهما إلا شخص يكون في درجة هذين الشاعرين ). فأي منزلة يمكن أن يتطلع إليها العكوك أعلى من هذه: أن يُقرن في معايير العلماء إلى أبي نواس؟ على أن أبا دلف نفسه كان شاعرا. وقد ظللت زمنا أبحث عن شاعر ثان قرن الحرب بالحب بنفس اقتدار عنترة حين يقول:
( ولقد ذكرتُك والرماح نواهل = مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددتُ تقبيل السيوف لأنها = لمعت كبارق ثغرك المتبسم )
حتى وجدت أبا دلف يقول:
( أحبكِ ياجنان وأنتِ مني = مكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحي = خشيتُ عليكِ بادرة الزمان ).
( أكذب طرفي عنك والطرف صادق = وأُسمع أذني منك ما ليس تسمعُ
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة = ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع
لقيتُ أمورا فيك لم ألق مثلها = وأعظم منها منك ما أتوقعُ ...)
وشعر بكر يشق الجيوب ( والجيب في اللغة طوق الثوب حول النحر. وكان العرب يشقون الأطواق إذا طربوا والعربيات كن يشققن الأطواق أيضا ولكن إذا آدهنّ الحزن وأنفد صبرهن، فسبحان من جعل رمز الفرح عند رجال العرب رمزا للحزن عند نسائهم. والطريف أن الطرب من الأضداد، فهو بمعنى الفرح وبمعنى الحزن أيضا. ). وأنا أقول هذا لأن بكرا قال:
( أرانا معشرَ الشعراء قوما = بألسننا تنعّمت القلوبُ
إذا انبعثت قرائحُنا أتينا = بألفاظ تُشقُّ لها الجيوبُ )
وقال:
( خُلق السرورُ لمعشر خُلقوا له = وخُلقتُ للعبرات والأحزان )
وقد غطى على شعر بكر في الغزل والغنائيات شعرُه في أبي دُلَف القاسم بن عيسى العجلي: ( تجمع بينهما عجل أو الجد الأكبر بكر بن وائل )
وأبو دلف هذا قائد عباسي من قواد الرشيد والمامون. وفيه يقول بكر:
( هذا أبو دلفِ الذي لسيوفه = ورماحه تتعبّد الأقدارُ )
ويقول:
( مثال أبي دُلَفٍ أُمّةٌ = وسيفُ أبي دلف عسكرُ
وإن المنايا إلى الدارعين = بعين أبي دُلَفٍ تَنظُرُ )
ويستعير بكر لمدح أبي دلف لفظ الكيمياء ( وهي عندهم ما يحول الأشياء إلى ذهب ) فيقول:
( ياطالبا للكيمياء ونفعها = مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظمُ
لو لم يكن في الأرض إلا درهمٌ = ومدحتَه لأتاك ذاك الدرهمُ )
وطبعا فإن غزل بكر أصدق من مدحه، وهو أول من يعترف بذلك حين يقول:
( أبا دُلفٍ ياأكذب الناس كلهم = سواي، فإني في مديحك أَكْذَبُ ).
وكان أبو دلف مُمَدَّحا ، وقد مدحه شعراءُ كثيرون منهم أبو تمام نفسه.. ويبدو أنه كان غزير الثروة غزير العطاء، وكان أحيانا يستدين ليعطي، وقد سمع أحد الشعراء أن أبا دلف أثقلته الديون فجاءه وقال له:
( لقد خُبّرتُ أن عليك دَيْنا = فزد في رقم دَينك واقض دَيني )
فأعطاه ما طلب. ولكن أشهر ما قيل فيه هو قصيدة عليّ بن جَبَلَة العَكَوَّك الرائعة والتي يقول مطلعها:
( ذاد وِردَ الغيّ عن صَدَرهْ = فارعوى واللهو من وطَرهْ
وأبت إلا الوقارَ له = ضحكاتُ الشيب في شَعَرهْ
ندمي أن الشباب مضى = لم أُبَلّغه مدى أَشَرهْ
وانقضت أيامُه سَلَما = لم أُهج حربا عل غِيَره
حسرت عني بشاشتُهُ = وذوى اليانعُ من ثَمَره... )
والتي يقول فيها ما أثار حسد طغاة عصره:
( إنما الدنيا أبو دلفٍ = بين باديه ومُحتضرهْ
فإذا ولّى أبو دُلَفٍ = ولّت الدنيا على أثَره.. )
حتى ليقال إن أحد الطغاة ( ولعله المامون نفسه ) قتل ابن جبلة بهذين البيتين. وقد سُئل ابن عنين، وكان من أخبر الناس بالشعر عن هذه القصيدة وقصيدة أبي نواس:
( أيها المنتاب من عفرهْ = لستَ من ليلي ولا سَمَره ..)
وهي طردية معروفة لدى علماء الشعر، فلم يفضل إحداهما على الأخرى، وقال في تواضع العلماء ( لا يصلح أن يفاضل بينهما إلا شخص يكون في درجة هذين الشاعرين ). فأي منزلة يمكن أن يتطلع إليها العكوك أعلى من هذه: أن يُقرن في معايير العلماء إلى أبي نواس؟ على أن أبا دلف نفسه كان شاعرا. وقد ظللت زمنا أبحث عن شاعر ثان قرن الحرب بالحب بنفس اقتدار عنترة حين يقول:
( ولقد ذكرتُك والرماح نواهل = مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددتُ تقبيل السيوف لأنها = لمعت كبارق ثغرك المتبسم )
حتى وجدت أبا دلف يقول:
( أحبكِ ياجنان وأنتِ مني = مكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحي = خشيتُ عليكِ بادرة الزمان ).