تستحق لامية العرب أن يُخصص لها وزير ووزارة، فهي إحدى عيون الشعر الإنساني في كل العصور. والشعر فيها عمارة من مستويات متعددة: مستوى الجزالة اللغوية، ومستوى الروح الرعوية البدوية الصحراوية، ومستوى الأخلاق الفروسية، ومستوى الإبداع الفردي الخاص، ومستوى الموسيقى العالية، والصور الأصيلة... ومن ينسى افتتاحية القصيدة الخالدة خلود افتتاحية الإليادة:
( أقيموا بني أمي صدورَ مَطيِّكم = فإني إلى قوم سواكمْ لأميلُ
فقد حُمَّت الحاجاتُ والليلُ مُقمرٌ = وشُدَّت لطيّاتٍ مطايا وأرحُلُ
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى= وفيها لمن خاف القِلَى مُتَعَزَّلُ
لعمرُك ما بالأرض ضيقٌ على امرئ = سَرَى راغبا أو راهبا وهو يَعقِلُ... )
. والبيت الأخير من مقتبس ( إتحاف الخلان.. ) آخر بيت من مقطع في اللامية يُعتبر من أجمل اللوحات في الشعر العربي القديم. يقول المقطع:
( وليلةِ نحسٍ يصطلي القوسَ ربُّها = وأسهمَه اللاتي بها يتنبَّلُ
دعستُ على غطش وبغش، وصحبتي = سُعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ وأفكلُ
فأيَّمتُ نسوانا وأيتمتُ إِلْدَةً = وعدتُ كما أبدأتُ والليلُ أَليَلُ
وأصبح عنّي بالغُمَيصاء جالسا = فريقان: مسؤولٌ وآخرُ سائلُ
فقالوا: لقد هَرَّت بليلٍ كلابُنا = فقلنا: أذئبٌ عسَّ أم عسَّ فُرْعُلُ
فلم يكُ إلّا نبأةٌ ثم هَوَّمَت = فقلنا: قطاةٌ ريع أم ريع أجدلُ
فإن يكُ من جِنٍّ لأبرحَ طارقا = وإن يكُ إنسا ما كها الإنسُ تفعلُ ..)
وفي المقطع خروجات إبداعية واجتهادات حيّرت علماء اللغة والنحو فسهروا جَرَّاها واختصموا بينما كان صاحبها الشنفرى ينظر إليهم من عل ويبتسم....ومنها قوله ( ما كها الإنسُ تفعل )، فأدخل الكاف على الضمير ( كها ) أي ( مثلها ).. وهي جرأة لا يُقدم عليها إلا الرواد ( الذين يرمون بأنفسهم في القفار البعيدة وينتجعون للغتهم العشب الأخضر الوحشي غير المطروق ).
نعم سي عبد القادر. ولا بأس من أن نُسِفَّ قليلا تحيت هذا الشعر العالي لنداعب ( تحيت ) في هذا الرجز النادر لخطام المجاشعي:
( ياربّ بيضاءَ بوعس الأرملِ= شبيهة العين بعيني مُغزِلِ
فيها طماحٌ عن حليل حَنكلِ = وهي تُداري ذاك بالتجمّلِ
قد شُغفت بناشئ هَبَرْكَلِ= ينفض عطفيْ خَضِلٍ مُرجَّلِ
يُحسبُ مختالا وإن لم يختَلِ = دسَّ إليها برسول مُجمِلِ
عن كيف بالوصل لكم أم كيف لي = فلم تزل عن زوجها المُخْتَشِلِ
: ابعث وكن في الرائحين أو كُلِ = وكُلُّ ما أكلتَ في مُحلّلِ
وأوقِرَنَّ، ياهُديتَ جمَلي = حتى إذا دبَّ الرضا في المفصل
وكان في القلب تُحيتَ المَسْعَلِ ثم غدا الشيخُ لها بأزفَلِ/
كأنَّ خُصْيَيْه من التدَلدُلِ ظرفُ عجوز فيه ثنتا حنظلِ
لما غدت تبهّلت : لا تأتلي = عن: ربّ ياربّ عليه عجِّلِ
برهصة تقتله أو دُمَّلِ = أو حيّةٍ تَعَضُّ فوق المِفصَلِ )
فانظر معي سي عبد القادر إلى القلب ( تُحَيْتَ ) المَسعل، والمسعل هو محل السعال والقلب تُحيته..فأما ما يقابل ( تحيت ) وهو ( فُوَيْقَ ) فنبدأ بمعلقة الملك التي يصف فيها الفرس ويقول عن الذيل المثالي ( الأفلاطوني ) للخيل:
( ضليع إذا استدبرتَه سدَّ فَرْجَه = بِضافٍ فُوَيقَ الأرض ليس بأعزلِ )
ويقول أوس عن قوس لم يقتطعها صاحبها من شجرة نادرة فوق قُنَّة جبل إلا بمشقة شاقّة: ( فُويقَ جُبَيلٍ شامخ الرأس لم تكن/ لتبلغه حتى تكلَّ وتعملا ) وواضح أن تصغير الجبل هنا شبيه بتصغير الداهية في قول لبيد عن الموت ( دُوَيهِيةٌ تَصفرُّ منها الأناملُ ). ويقول زهير عن صاحبته ويشبه جيدها الأتلع بجيد ظبية بيضاء وعينيها النجلاوين الواسعتين بعيني بقرة وحشية وأسنانها البيضاء بالدرّ...
( فأما ما فُوَيقَ العقد منها = فمن أدماءَ مرتعُها الخلاءُ
وأما المقلتان فمن مهاةٍ = وللدُّرِّ الملاحةُ والصفاءُ ).
( أقيموا بني أمي صدورَ مَطيِّكم = فإني إلى قوم سواكمْ لأميلُ
فقد حُمَّت الحاجاتُ والليلُ مُقمرٌ = وشُدَّت لطيّاتٍ مطايا وأرحُلُ
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى= وفيها لمن خاف القِلَى مُتَعَزَّلُ
لعمرُك ما بالأرض ضيقٌ على امرئ = سَرَى راغبا أو راهبا وهو يَعقِلُ... )
. والبيت الأخير من مقتبس ( إتحاف الخلان.. ) آخر بيت من مقطع في اللامية يُعتبر من أجمل اللوحات في الشعر العربي القديم. يقول المقطع:
( وليلةِ نحسٍ يصطلي القوسَ ربُّها = وأسهمَه اللاتي بها يتنبَّلُ
دعستُ على غطش وبغش، وصحبتي = سُعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ وأفكلُ
فأيَّمتُ نسوانا وأيتمتُ إِلْدَةً = وعدتُ كما أبدأتُ والليلُ أَليَلُ
وأصبح عنّي بالغُمَيصاء جالسا = فريقان: مسؤولٌ وآخرُ سائلُ
فقالوا: لقد هَرَّت بليلٍ كلابُنا = فقلنا: أذئبٌ عسَّ أم عسَّ فُرْعُلُ
فلم يكُ إلّا نبأةٌ ثم هَوَّمَت = فقلنا: قطاةٌ ريع أم ريع أجدلُ
فإن يكُ من جِنٍّ لأبرحَ طارقا = وإن يكُ إنسا ما كها الإنسُ تفعلُ ..)
وفي المقطع خروجات إبداعية واجتهادات حيّرت علماء اللغة والنحو فسهروا جَرَّاها واختصموا بينما كان صاحبها الشنفرى ينظر إليهم من عل ويبتسم....ومنها قوله ( ما كها الإنسُ تفعل )، فأدخل الكاف على الضمير ( كها ) أي ( مثلها ).. وهي جرأة لا يُقدم عليها إلا الرواد ( الذين يرمون بأنفسهم في القفار البعيدة وينتجعون للغتهم العشب الأخضر الوحشي غير المطروق ).
نعم سي عبد القادر. ولا بأس من أن نُسِفَّ قليلا تحيت هذا الشعر العالي لنداعب ( تحيت ) في هذا الرجز النادر لخطام المجاشعي:
( ياربّ بيضاءَ بوعس الأرملِ= شبيهة العين بعيني مُغزِلِ
فيها طماحٌ عن حليل حَنكلِ = وهي تُداري ذاك بالتجمّلِ
قد شُغفت بناشئ هَبَرْكَلِ= ينفض عطفيْ خَضِلٍ مُرجَّلِ
يُحسبُ مختالا وإن لم يختَلِ = دسَّ إليها برسول مُجمِلِ
عن كيف بالوصل لكم أم كيف لي = فلم تزل عن زوجها المُخْتَشِلِ
: ابعث وكن في الرائحين أو كُلِ = وكُلُّ ما أكلتَ في مُحلّلِ
وأوقِرَنَّ، ياهُديتَ جمَلي = حتى إذا دبَّ الرضا في المفصل
وكان في القلب تُحيتَ المَسْعَلِ ثم غدا الشيخُ لها بأزفَلِ/
كأنَّ خُصْيَيْه من التدَلدُلِ ظرفُ عجوز فيه ثنتا حنظلِ
لما غدت تبهّلت : لا تأتلي = عن: ربّ ياربّ عليه عجِّلِ
برهصة تقتله أو دُمَّلِ = أو حيّةٍ تَعَضُّ فوق المِفصَلِ )
فانظر معي سي عبد القادر إلى القلب ( تُحَيْتَ ) المَسعل، والمسعل هو محل السعال والقلب تُحيته..فأما ما يقابل ( تحيت ) وهو ( فُوَيْقَ ) فنبدأ بمعلقة الملك التي يصف فيها الفرس ويقول عن الذيل المثالي ( الأفلاطوني ) للخيل:
( ضليع إذا استدبرتَه سدَّ فَرْجَه = بِضافٍ فُوَيقَ الأرض ليس بأعزلِ )
ويقول أوس عن قوس لم يقتطعها صاحبها من شجرة نادرة فوق قُنَّة جبل إلا بمشقة شاقّة: ( فُويقَ جُبَيلٍ شامخ الرأس لم تكن/ لتبلغه حتى تكلَّ وتعملا ) وواضح أن تصغير الجبل هنا شبيه بتصغير الداهية في قول لبيد عن الموت ( دُوَيهِيةٌ تَصفرُّ منها الأناملُ ). ويقول زهير عن صاحبته ويشبه جيدها الأتلع بجيد ظبية بيضاء وعينيها النجلاوين الواسعتين بعيني بقرة وحشية وأسنانها البيضاء بالدرّ...
( فأما ما فُوَيقَ العقد منها = فمن أدماءَ مرتعُها الخلاءُ
وأما المقلتان فمن مهاةٍ = وللدُّرِّ الملاحةُ والصفاءُ ).