نقوس المهدي
كاتب
ليس من شعب، إلا وله حياة جنسية، يتم التعرض لها، أو تناولها، أو التعبير عنها، وتمثيلها شفاهة، أو كتابة، أو بطريقة فنية وغيرها، إنها مهما اختلفت من جهة الموقف منها، يكون الموقف هذا من الناحية الأخلاقية، أو القيمية، حيث تلعب الأديان والأعراف والتقاليد وتلك الثقافات التي ترجع إلى عصور موغلة في القدم، من خلال النصوص المعتبرة ميثولوجية وسواها، ولكن تبقى الحياة الجنسية، وإن تعددت صورها وتنوعت باقية ، هي ذاتها مذ كانت . في المجتمعات التي تشهد على غزارة في الأمثلة الخاصة بما هو جنسي، عبر ارتباطها بما هو ديني وسلطوي ، وبقدر ما تكون المجتمعات هذه تعيش مآزق وتناقضات بين القيم الأخلاقية التي تنادي بها، والواقع الذي يتحرك في اتجاه آخر، وكيف أن بوابة السماء، تكون قابلة للفتح والإغلاق بكلمات أولي الأمر، أصحاب القبعات والعمائم والعلامات الفارقة الخاصة، وفي مسعى لجعل الجنس ذاته متداخلاً مع ما هو ديني وسياسي، الجنس الذي يشكل بعداً فعلياً من أبعاد ثقافة المجتمع، إلى درجة لافتة، تكون الحياة الجنسية لابسة أو ملبوسة بأكثر من قبعة إخفاء.
يبلغ دور أو نفاذ دور الجنس، في مجمل دلالاته في المجتمع: سلباً أو إيجاباً، درجة من التأثير، يمكن القول معها، وكأن الجنس، في المعنى العميق له، مستهل الحياة ومختتمها. أليس وضع كل من آدم وحواء، بصفتهما وجهي الحياة الجنسية، على طرفي نقيض، وما في الذكورة والأنوثة، والثقافة التي تتعرض لهذا المشكل الأبدي: الجنساني، بمعنى الموقف الثقافي من قضية الجنس، من دلالات، ووجائب لتفعيل نقاشات وتحريك روافع معتقدية وإيديولوجية، وكأن الجنس كذلك هو مختتم الحياة، ومبتدأ حياة أخرى: في الجنة، بالمفهوم الاسلامي مثلاً، حيث الصراع على الحور العين عدداً وقيمة، ومكافأة، والنظر إلى المرأة من خلالهن، امتداد لما هو ثقافي واجتماعي وسياسي وفكري صريح ومجازي، أليس هذا إبرازاً لخصوبة الجنس من جهة المحرَّك به؟.
لهذا، ليس الحديث عن الجنس بتزجية للوقت، أو لعبة مفرقعات نارية، إلا من كان في شخصه وحياته مجرد فقاعة أو مفرقعة نارية، خلبية ليس إلا، بقدر ما يمتد بجذوره في صميم المهاد المجتمعي والتاريخي والنفسي والقانوني والفقهي والأدبي والفني والعلمي ... الخ.
ومن جانب آخر، يبدو أكثر الذين يستهلكون القيم المركزة إلى الجنس باعتباره ( تسويق أجساد) في أعراق وألوان مختلفة، هم أكثر من يحاول التستر على ما هو جدي، لعدم الكشف عن المؤثّر العملي في الجنس هذا، كما يعلم هذا المعنيون بشؤون المجتمع هنا وهناك.
لقد حاولتُ من خلال العديد من كتبي، ومنذ أكثر من سنوات عشر، تلك التي نشرتها شركة رياض الريّس، في كل من لندن - بيروت، كما في ( الجنس في القرآن - جغرافية الملذات - المتعة المحظورة - الشبق المحرَّم - الضلع الأعوج..)، أن أتناول أهم الموضوعات الحيوية ذات الصلة بالجنس، وعلى أكثر من صعيد، ولعلي عندما أحاول سرد القوائم التي تحيل القارىء ، فقط، إلى المراجع أو المصادر التي اعتمدت عليها: العربية منها والاسلامية خصوصاً، وتلك التي تمكنت من الوصول إليها مترجمة، يحتاج الأمر إلى تخصيص صفحات مطولة، نخرج بذلك عن موضوعنا. والمفارقة أن من بين الذين تعرضوا لها، وفي الغالب لم يقرؤوها، كما هو ملاحَظ في أحكامهم المتسرعة، أو أظهروا موقفهادم المزاجي منها، وفي وسطنا الكردي تحديداً، ممن يقرؤون بالعربية، هم من بين أكثر الذين تميزوا بفجور ملحوظ في مسلكهم القولي والفعلي، كما يعلم ذلك المعنيون بذلك، لأن آخر ما يمكن التفكير فيه هو النظر فيها بوصفها كتب ( إمتاع ومؤانسة) في الحد الأقصى.
الجنس عند الكرد:
لا يمكن التعرض للجنس عند الكرد، بالسهولة المتصورة، وفي ميادين مختلفة، فما أثرته في كتبي السالفة الذكر، كان للكرد حضور فيها، إن كان عبر المشاركة بالدين، أو بالإشارة اللماحة أو الواضحة في نقاط متنوعة. ما يهمني هنا، هو كيفية التطهر من عقدة : الجنس كمفهوم، وكأن الجنس لفظاً يعني التعامل مع ما هو مبتذل، إن هذا جانب من جوانب التفكير القيمي والاجتماعي والثقافي المبتذل المعمول به كردياً، كما هو في المنحى التحزبي تماماً.
يكفي المرء أن يتوقف لبعض الوقت عند المأثور في أغانينا الكردية: القديمة منها والحديثة، حيث منطقة الصدر والنحر، ومن ثم منطقة النهدين ومن ثم منطقة الصرة وما دون، تشكل ثالوثاُ من الكلمات المتداخلة الثرة، وهي تصف ما هو محرّك للخيال الإيروسي، أو الشبقي لكل من الأنثى والذكر، وخصوصاً في الأعراس ( أعراسنا الكردية)، كما لو أن الكرد لا يمكنهم أن يستشعروا غبطة ورواءً دونها.
هذا لم يأت عفو الخاطر، إنما تقودنا الكلمات هذه، إلى المحرك العميق للميال المجتمعي الكردي عند كل من المرأة والرجل، والمهاد اللاشعوري لذلك.
إن تعرض أي كان للقتل: قتله أو حين يقتل هو سواه، بدواعي الشرف، ليس لأن الجنس محظور دخول عالمه إلا بحسبان مرسوم، وإنما لأن ثمة تشديداً على خاصية الملكية في طابعها الذكوري، سواء من خلال ما هو مرئي في المجتمع، أو من خلال الحراك الثقافي ضمناً وسواه.
يوسع الرجل مثلاً، وكذكر أن يستأثر بأي كلمة لها صلة بجسد المرأة، في المناطق المرسومة والمرصودة، وما يرادفها، أو يستمتع أي استمتاع بها، وغالباً يكون هو واضع الكلمات ومصنفها، ومرددها ومروجها ولكن نادراً ما تجد المرأة كلمات تعني المرأة وهي تتغزل بجسد الرجل: بصدره ونحره ومادون صرته، وهذا يشير إلى المحظور والمهدور في الجانب الثقافي، بالنسبة لكل جنس أو نوع، رغم أن الأمثال الكردية والأقوال الكردية المأثورة لم تأل جهداً في إبراز الكثير مما يخص النوعين، من جهة استخدام عضوي كل من الأنثى والذكر وخلافهما، كما ذكرت ذلك، في كتابي ( الشبق المحرم، ط1، 2002، ص 392-395).
ليس البحث فيما هو جنسي هو المعيب ( وللكلمة هذه تاريخ طويل ومقلق بدورها)، إنما فيما يجعل الجنس مادة رخيصة لمتعة رخيصة، لكائن أنسي - إنسي مسترخص كينونته، كما في تلفيق أو تركيب نكات وما يسمى بطرائف لها علاقة بالجنس، وما يخص مجالس الذين يتلمسون في التعليقات ذات الغمز واللمز الجنسيين.
إن سماع أغانينا الكردية والتي تواجه كل من يدعي العفة الممثَّلة أو الطهرانية، بحقيقتها التاريخية التليدة والأصيلة بأكثر من معنى غير مأخوذ به في متنها، لهو ضرب من ضروب التاريخ الحي، ذاك الذي يتطلب المزيد من الجدية لتناول الجانب هذا بعمق.
هذه القصة، هذه اللفتة:
قصة أنور كاراهان الكاتب الكردي، الذي تعرضت لـه في حلقة من حلقات ( سردية البداية في القصة الكردية المعاصرة)، وأعني بها ( على وجه السرعة)، تُعتبر، حسب اهتمامي بها، ومن خلال صياغتها، من القصص القليلة جداً، في التعرض لوجه من وجوه النشاط الاجتماعي واليومي كردياً، ومن خلال النساء، وعلى التنور، وما للتنور من قيمة رمزية ( تعرضت للتنور عندنا، في كتابي" مجالس الورد والشوك، ط1، 2005)، هذه القصة تنفتح على أكثر من مستوى قيمي، نفسي، ثقافي، تاريخي، لغوي، سردي أدبي، خطابي ( من يكون المتكلم والسارد في القصة)، سياسي، تربوي، ألسني ... الخ).
ليس الكاتب، وهو ذكر، بخارج عن مناخ القصة وكيفية بنائها الأدبي، إنه من نواح كثيرة ترجمان واقع، ولسان حال مجتمع ( من لا يتذكر التنور، وما كان يدور حوله) بنسبة ما، إنما هو داخل المناخ، ومحور محرّك وجاذب له، حيث استطاب له الحديث عن النساء من خلال قصة، يمكن للقارىء تحري أبعادها الاجتماعية والتاريخية والأدبية والجمالية... الخ، ورب سؤال وارد هنا، هو: لماذا لم يتعرض لقصة ذات صلة بالجنس، وبالمقابل، من خلال المضافة وأجوائها الذكورية المحضة، أو عبر مشهد مجالسي ذكوري، يكون المتحدثون هم الذكور، كما كان حال رجال الدين، أو أشباههم، قبل عقود زمنية عدية خصوصاً، وهم يمضون ساعات في سرد مآثر جمال الحور العين والمغزى من ذلك، وكيفية التعامل مع المرأة، من الناحية الجنسية، وحق الرجل على المرأة في الفراش ... الخ.
مهما كان الموقف مما هو وارد في القصة، فإنها تظل قابلة للمساءلة والتنقيب في بنيتها الجنسانية، أي المؤثّر الذكري في تحريكها، وكيف يتم توجيه القصة، وأي قيمة أخلاقية يمكن الاستئناس بها أدبياً، أو ما يخص فتنة الكتابة وخطورة الملفوظ في القصة.
أنور كاراهان، كما هو ملحوظ، يقدم قصة، لا تخلو من ذكاء في البناء السردي، مثلما لا تخلو من الذهنية الفاعلة في تلوين البناء ومن يمكنه أن يقيم فيه أكثر من الآخر: الذكر أم الأنثى.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الذكر مأخوذا بفتنة المرأة، كما يخيَّل للقارىء بداية، فإن الأنثى هي التي تبقى لاصقة بقعر الذاكرة من خلال سيرورة القصة حتى النهاية.
من يمكن إدانته أكثر من الآخر في القصة هذه، وفي سياق لقيا الجنس: الرجل أم المرأة، ولماذا؟ سؤال في وسع كل قارىء، أن يكوّن إجابته وهو يقرأ القصة التي ترجمتُها عن الكردية، أو في نهايتها، أو ربما وهو يحاول إعادة قراءتها كاملة، أو مقاطع مؤثرة، لأسباب تعنيه، ليس على وجه السرعة، كما هو مثار في العنوان ، إنما ما أوصل ويوصل القارىء إلى عنوان، هو حكم قيمة أو شبيهه، وبحسب موقعه الاجتماعي والثقافي.
====================
ملاحظتان:
- هذه القصة مأخوذة، من مجموعة أنور كاراهان الكردية (أمسيات الليالي الخالية)، منشورات دوز، استانبول، ط1، 2001، ص 115- 123.
قي القصتين السابقتين ثمة أخطاء وقعت سهواً، في الأولى ، جاءت (عاماً) في الجملة الأولى زيادة، وفي الثانية، بدلاً من لكنهم بالمقابل : لكنها بالمقابل- ..
يبلغ دور أو نفاذ دور الجنس، في مجمل دلالاته في المجتمع: سلباً أو إيجاباً، درجة من التأثير، يمكن القول معها، وكأن الجنس، في المعنى العميق له، مستهل الحياة ومختتمها. أليس وضع كل من آدم وحواء، بصفتهما وجهي الحياة الجنسية، على طرفي نقيض، وما في الذكورة والأنوثة، والثقافة التي تتعرض لهذا المشكل الأبدي: الجنساني، بمعنى الموقف الثقافي من قضية الجنس، من دلالات، ووجائب لتفعيل نقاشات وتحريك روافع معتقدية وإيديولوجية، وكأن الجنس كذلك هو مختتم الحياة، ومبتدأ حياة أخرى: في الجنة، بالمفهوم الاسلامي مثلاً، حيث الصراع على الحور العين عدداً وقيمة، ومكافأة، والنظر إلى المرأة من خلالهن، امتداد لما هو ثقافي واجتماعي وسياسي وفكري صريح ومجازي، أليس هذا إبرازاً لخصوبة الجنس من جهة المحرَّك به؟.
لهذا، ليس الحديث عن الجنس بتزجية للوقت، أو لعبة مفرقعات نارية، إلا من كان في شخصه وحياته مجرد فقاعة أو مفرقعة نارية، خلبية ليس إلا، بقدر ما يمتد بجذوره في صميم المهاد المجتمعي والتاريخي والنفسي والقانوني والفقهي والأدبي والفني والعلمي ... الخ.
ومن جانب آخر، يبدو أكثر الذين يستهلكون القيم المركزة إلى الجنس باعتباره ( تسويق أجساد) في أعراق وألوان مختلفة، هم أكثر من يحاول التستر على ما هو جدي، لعدم الكشف عن المؤثّر العملي في الجنس هذا، كما يعلم هذا المعنيون بشؤون المجتمع هنا وهناك.
لقد حاولتُ من خلال العديد من كتبي، ومنذ أكثر من سنوات عشر، تلك التي نشرتها شركة رياض الريّس، في كل من لندن - بيروت، كما في ( الجنس في القرآن - جغرافية الملذات - المتعة المحظورة - الشبق المحرَّم - الضلع الأعوج..)، أن أتناول أهم الموضوعات الحيوية ذات الصلة بالجنس، وعلى أكثر من صعيد، ولعلي عندما أحاول سرد القوائم التي تحيل القارىء ، فقط، إلى المراجع أو المصادر التي اعتمدت عليها: العربية منها والاسلامية خصوصاً، وتلك التي تمكنت من الوصول إليها مترجمة، يحتاج الأمر إلى تخصيص صفحات مطولة، نخرج بذلك عن موضوعنا. والمفارقة أن من بين الذين تعرضوا لها، وفي الغالب لم يقرؤوها، كما هو ملاحَظ في أحكامهم المتسرعة، أو أظهروا موقفهادم المزاجي منها، وفي وسطنا الكردي تحديداً، ممن يقرؤون بالعربية، هم من بين أكثر الذين تميزوا بفجور ملحوظ في مسلكهم القولي والفعلي، كما يعلم ذلك المعنيون بذلك، لأن آخر ما يمكن التفكير فيه هو النظر فيها بوصفها كتب ( إمتاع ومؤانسة) في الحد الأقصى.
الجنس عند الكرد:
لا يمكن التعرض للجنس عند الكرد، بالسهولة المتصورة، وفي ميادين مختلفة، فما أثرته في كتبي السالفة الذكر، كان للكرد حضور فيها، إن كان عبر المشاركة بالدين، أو بالإشارة اللماحة أو الواضحة في نقاط متنوعة. ما يهمني هنا، هو كيفية التطهر من عقدة : الجنس كمفهوم، وكأن الجنس لفظاً يعني التعامل مع ما هو مبتذل، إن هذا جانب من جوانب التفكير القيمي والاجتماعي والثقافي المبتذل المعمول به كردياً، كما هو في المنحى التحزبي تماماً.
يكفي المرء أن يتوقف لبعض الوقت عند المأثور في أغانينا الكردية: القديمة منها والحديثة، حيث منطقة الصدر والنحر، ومن ثم منطقة النهدين ومن ثم منطقة الصرة وما دون، تشكل ثالوثاُ من الكلمات المتداخلة الثرة، وهي تصف ما هو محرّك للخيال الإيروسي، أو الشبقي لكل من الأنثى والذكر، وخصوصاً في الأعراس ( أعراسنا الكردية)، كما لو أن الكرد لا يمكنهم أن يستشعروا غبطة ورواءً دونها.
هذا لم يأت عفو الخاطر، إنما تقودنا الكلمات هذه، إلى المحرك العميق للميال المجتمعي الكردي عند كل من المرأة والرجل، والمهاد اللاشعوري لذلك.
إن تعرض أي كان للقتل: قتله أو حين يقتل هو سواه، بدواعي الشرف، ليس لأن الجنس محظور دخول عالمه إلا بحسبان مرسوم، وإنما لأن ثمة تشديداً على خاصية الملكية في طابعها الذكوري، سواء من خلال ما هو مرئي في المجتمع، أو من خلال الحراك الثقافي ضمناً وسواه.
يوسع الرجل مثلاً، وكذكر أن يستأثر بأي كلمة لها صلة بجسد المرأة، في المناطق المرسومة والمرصودة، وما يرادفها، أو يستمتع أي استمتاع بها، وغالباً يكون هو واضع الكلمات ومصنفها، ومرددها ومروجها ولكن نادراً ما تجد المرأة كلمات تعني المرأة وهي تتغزل بجسد الرجل: بصدره ونحره ومادون صرته، وهذا يشير إلى المحظور والمهدور في الجانب الثقافي، بالنسبة لكل جنس أو نوع، رغم أن الأمثال الكردية والأقوال الكردية المأثورة لم تأل جهداً في إبراز الكثير مما يخص النوعين، من جهة استخدام عضوي كل من الأنثى والذكر وخلافهما، كما ذكرت ذلك، في كتابي ( الشبق المحرم، ط1، 2002، ص 392-395).
ليس البحث فيما هو جنسي هو المعيب ( وللكلمة هذه تاريخ طويل ومقلق بدورها)، إنما فيما يجعل الجنس مادة رخيصة لمتعة رخيصة، لكائن أنسي - إنسي مسترخص كينونته، كما في تلفيق أو تركيب نكات وما يسمى بطرائف لها علاقة بالجنس، وما يخص مجالس الذين يتلمسون في التعليقات ذات الغمز واللمز الجنسيين.
إن سماع أغانينا الكردية والتي تواجه كل من يدعي العفة الممثَّلة أو الطهرانية، بحقيقتها التاريخية التليدة والأصيلة بأكثر من معنى غير مأخوذ به في متنها، لهو ضرب من ضروب التاريخ الحي، ذاك الذي يتطلب المزيد من الجدية لتناول الجانب هذا بعمق.
هذه القصة، هذه اللفتة:
قصة أنور كاراهان الكاتب الكردي، الذي تعرضت لـه في حلقة من حلقات ( سردية البداية في القصة الكردية المعاصرة)، وأعني بها ( على وجه السرعة)، تُعتبر، حسب اهتمامي بها، ومن خلال صياغتها، من القصص القليلة جداً، في التعرض لوجه من وجوه النشاط الاجتماعي واليومي كردياً، ومن خلال النساء، وعلى التنور، وما للتنور من قيمة رمزية ( تعرضت للتنور عندنا، في كتابي" مجالس الورد والشوك، ط1، 2005)، هذه القصة تنفتح على أكثر من مستوى قيمي، نفسي، ثقافي، تاريخي، لغوي، سردي أدبي، خطابي ( من يكون المتكلم والسارد في القصة)، سياسي، تربوي، ألسني ... الخ).
ليس الكاتب، وهو ذكر، بخارج عن مناخ القصة وكيفية بنائها الأدبي، إنه من نواح كثيرة ترجمان واقع، ولسان حال مجتمع ( من لا يتذكر التنور، وما كان يدور حوله) بنسبة ما، إنما هو داخل المناخ، ومحور محرّك وجاذب له، حيث استطاب له الحديث عن النساء من خلال قصة، يمكن للقارىء تحري أبعادها الاجتماعية والتاريخية والأدبية والجمالية... الخ، ورب سؤال وارد هنا، هو: لماذا لم يتعرض لقصة ذات صلة بالجنس، وبالمقابل، من خلال المضافة وأجوائها الذكورية المحضة، أو عبر مشهد مجالسي ذكوري، يكون المتحدثون هم الذكور، كما كان حال رجال الدين، أو أشباههم، قبل عقود زمنية عدية خصوصاً، وهم يمضون ساعات في سرد مآثر جمال الحور العين والمغزى من ذلك، وكيفية التعامل مع المرأة، من الناحية الجنسية، وحق الرجل على المرأة في الفراش ... الخ.
مهما كان الموقف مما هو وارد في القصة، فإنها تظل قابلة للمساءلة والتنقيب في بنيتها الجنسانية، أي المؤثّر الذكري في تحريكها، وكيف يتم توجيه القصة، وأي قيمة أخلاقية يمكن الاستئناس بها أدبياً، أو ما يخص فتنة الكتابة وخطورة الملفوظ في القصة.
أنور كاراهان، كما هو ملحوظ، يقدم قصة، لا تخلو من ذكاء في البناء السردي، مثلما لا تخلو من الذهنية الفاعلة في تلوين البناء ومن يمكنه أن يقيم فيه أكثر من الآخر: الذكر أم الأنثى.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الذكر مأخوذا بفتنة المرأة، كما يخيَّل للقارىء بداية، فإن الأنثى هي التي تبقى لاصقة بقعر الذاكرة من خلال سيرورة القصة حتى النهاية.
من يمكن إدانته أكثر من الآخر في القصة هذه، وفي سياق لقيا الجنس: الرجل أم المرأة، ولماذا؟ سؤال في وسع كل قارىء، أن يكوّن إجابته وهو يقرأ القصة التي ترجمتُها عن الكردية، أو في نهايتها، أو ربما وهو يحاول إعادة قراءتها كاملة، أو مقاطع مؤثرة، لأسباب تعنيه، ليس على وجه السرعة، كما هو مثار في العنوان ، إنما ما أوصل ويوصل القارىء إلى عنوان، هو حكم قيمة أو شبيهه، وبحسب موقعه الاجتماعي والثقافي.
====================
ملاحظتان:
- هذه القصة مأخوذة، من مجموعة أنور كاراهان الكردية (أمسيات الليالي الخالية)، منشورات دوز، استانبول، ط1، 2001، ص 115- 123.
قي القصتين السابقتين ثمة أخطاء وقعت سهواً، في الأولى ، جاءت (عاماً) في الجملة الأولى زيادة، وفي الثانية، بدلاً من لكنهم بالمقابل : لكنها بالمقابل- ..