نقوس المهدي
كاتب
العنوان الذي اخترته ، لعرض هذا الكتاب ، مأخوذ من هذه القصيدة القصيرة والبديعة الذي وردت فيه.
فمي لك
لاتخش شيئاً
فهو ليس مصنوعاً من سكر يوشك ان يذوب
وردت القصيدة في كتاب (اللانداي) وهو مختارات من الشعر الشعبي للنساء «البشتون» جمعة سعيد بهو الدين مجروح، افغاني الجنسية، وحاصل على درجة الدكتوراه من فرنسا (جامعة مونبيليه)، عمل عميداً لكلية الآداب جامعة كابول، وحاكماً لمقاطعة كابيشا. نفي الى بيشاور واسس هناك مركز المعلومات الافغاني الذي نشر في العالم تقارير وتحليلات حول المقاومة وقد اغتيل في عام 1988.
ترجم الكتاب اولاً الى اللغة الفرنسية من قبل الشاعر الفرنسي اندريه فيلتر، ثم ترجم فيما بعد الى اللغة العربية عام 2002 وصدرت طبعته الاولى عن دار الانتشار العربي، بعد ان اضاف اليه المترجم جميل صلاح فصلاً غير موجود في الترجمة الفرنسية.
يعني (اللانداي) حرفياً في اللغة العربية (الموجز) وهو قصيدة قصيرة جداً، تتكون من بيتين من الشعر تقالان حين تذهب النساء «البشتون» الى البئر او النبع لجلب الماء، اوحينما يرقصن ويغنين في مناسبة عزيزة عليهن، وعملياً يمكن ان يعبر به الرجال والنساء عن رغبة او شعور او شكوى.
(اللانداي) شكل شعري شفهي وارتجالي ولد من غير اي نماذج تقيده او مرجعيات شعرية، يرتجل بلغة شفهية تنأى عن اي كتاب، شكل شعري ممتع وبديع وهش مثله مثل الزهور البرية التي تنبت في السهول والجبال الافغانية التي تحيط بالنساء «البشتون».
ينتشر هذا الشكل الشعري في مجتمع «البشتون» الذي يتكون من تركيبة قبلية ودينية معقدة، ويدار وفق قيم ذكورية طاغية، وفيه تعاني المرأة من اضطهاد جسدي يتمثل في التفاصيل اليومية الملزمة التي يلزم ان تقوم بها، حيث تستيقظ قبل بزوغ الفجر وتستمر حتى وقت متأخر من الليل من غير اي راحة، تذهب لتجلب الماء، وتحمل على رأسها الحطب، وتعتني بالاطفال، تطحن وتعجن وتخبز وتغزل الصوف وتسقي الزرع. واضطهاد نفسي، حيث تشعر انها مقموعة ومهانة، وانها كائن من الدرجة الثانية، بدءاً من ولادتها غير المرغوب فيها، ومروراً بتحويلها الى سلع تتداول بين العائلات من غير ان يكون لها اي رأي.
في مواجهة هذا الاضطهاد المزدوج (الجسدي والنفسي) ماذا يمكن ان يكون رد المرأة البشتونية؟ ظاهرياً تبدو مذغنة، تنجز عملها كنملة، وترضخ لنظام القيم الذي جعل منها كائناً لا قيمة له، لكن في العمق نجدها ساخطة ومحتجة ومتمردة وهذا تعبر عنه اغلب قصائد الكتاب.
ونحن نقرأ، يوجد في قصائد الكتاب شيء بسيط وحيوي يؤكد نفسه في كل مرة، فهو اغاني نساء ارضيات، بهواجسهن، وقلقهن وفرحهن ومتعتهن، اغان تحتفل بالطبيعة، بالجبال والغابات والانهار، بفضاءات الليل والحب والحق والخير والجمال والشرف والعار.
لا نجد في القصائد ما يشير الى حب الزوج، او حتى ابداء مشاعر رقيقة تجاهه، فالحب والمشاعر تقتصر على الحبيب، هذه النبرة العالية والدعوة الى العشق تلغي بجلاء قيم المجتمع البشتوني، وتتصرف فيه المرأة كما لو كنت تريد ان تصدم وتفضح وتصرخ:
احبه. احبه
لا أخفي ذلك
لن أنكره
حتى لو قطعوا كل شاماتي بالسكين
هذه الجسارة لا تقتصر على الدعوة بالرقة والعذوبة (أحبه) بل تذهب احياناً الى حد استفزاز الرجل لكي يغامر:
اذا كنت تبحث عن دفء ذراعي
ينبغي عليك ان تخاطر بحياتك
لكن اذاكنت تحرص على سلامتك
قَبِّل الغبار عِوَضَ الحب
تتحدث المرأة البشتونية عن جسدها، عن عينيها الذابلتين،عن شاماتها التي تشبه، نجوم السماء، عن وجهها الطري وخديها الحمراوين وشعرها الاسود بلون الليل، وبالرغم مما نعرف عن مصير الجسد، الا اننا لانجد الا قصيدة واحدة تعبر عن تحوله الى رماد:
ايها اللحد الخراب
ايها القرميد المشتت
لم يعد حبيبي سوى رماد
وريح السهل تذروه بعيداً عني
ويبدو ان المرأة البشتونية مخلصة للارض، وتؤمن ان الموت عودة بسيطة الى المواد الاولية كالريح والغبار، والعشب والماء والنار، ولا نجد قصيدة واحدة تعبر عن امل او خوف من عالم آخر بعد الحياة، وما يتحكم في يأسها هو انها لم تعش وقتاً كافياً وشعورها انها لم تعش مسرات الحب بما فيه الكفاية.غير ان شيئاً ما حدث بعد عام 1978 فمنذ الانقلاب الشيوعي والاحتلال السوفيتي والجهاد الاسلامي واللجوء والهجرة تراجعت موضوعات الحب والعشق، وهيمن على هذا الشكل الشعري البديع الحماس الديني والدعوة الى الجهاد والحنين الى القرى واراضي الاجداد، ومع ذلك فحتى هذا يجعلنا نعرف وجوهاً اخرى عن نساء قاسيات وحنونات، عنيفات ولطيفات، ماكرات وساذجات، ينأين بأروحهن، ويعشن في قطيعة مع قلوبهن.[/RIGH
مختارات
***
ضع شفتك فوق شفتي
لكن دع لساني طليقا لأكلمك عن الحب .
***
فمي لك . التهمه لا نخش شيئا
فهو ليس مصنوعا من سكر يوشك أن يذوب .
***
أليس هناك مجنون واحد في القرية ؟
لون سروالي الناري يحترق فوق فخذي
***
يريدني حبيبي أن أقبله بين ورق التوت
وأنا أقفز من غصن لغصن لأهبه شفتي
***
خذني بين يديك أولا ثم ضمني
بعدها أدر وجهي وقبل شاماتي واحدة تلو أخرى .
***
اذهب يا حبيبي ، وانتقم لدم الشهداء
قبل أن تستحق اللجوء إلى نهدي .
***
عاد بثقوب رصاص بندقية جهنمية
سأضمد جراحك وأهبك شفتي .
***
أسرع يا حبيبي ، أريد أن أهبك شفتي
يجول الموت في القرية ويمكن أن يأخذك .
***
اختبأت َخلف الباب
وخلسة طالعْتني ، أدلك نهدي العاريين .
***
طواعية سأهبك شفتي
لكن لم علي أن أهز جرتي ؟ فأنا مبتلة تماما .
***
أيها الربيع ! شجر الرمان مزهر
من حديقتي ، سأحتفظ لحبيبي البعيد ، برمان صدري .
***
خذني أولا بين ذراعيك . كن لي
بعدها فقط بإمكانك أن تلتف حول فخذي المخمليين .
***
فعلت بي كل ما أردت
ضع الآن غطاء على وجهي : فأنا أريد أن أنام .
***
تعلم كيف تلتهم شفتي
أولا : ضع شفتيك ، ثم اضغط على خط أسناني برفق .
***
تنازلت لك فقط عن حظوة شفتي
فلا تبحث دون جدوى عن عقدة حزامي .
***
لون سروالي ، المنزلق على فخذي ، ناري
قلبي يحدثني أنك آت الليلة هذا المساء أو غدا .
***
أتمنى أن يُدعى إلى بيتنا
لأذيقه طرف شفتي الندية .
***
إذا لم تعرف كيف تحب
لماذا أيقظت قلبي النائم ؟
***
حل منتصف الليل وأنت لا زلت غائبا
أغطيتي مشتعلة وتحرقني .
***
تعال ، ياحبيبي ، اسرع ، أشبعه
فرس قلبي الأشقر أرهقه اللجام .
ـ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
كتاب ( اللانداي . الشعر الشعبي للنساء البشتون ) من الكتب البديعة ، جمعه البروفيسور سعيد بهو الدين الذي عمل عميدا لكلية الآداب في جامعة كابول ، واغتيل عام 1988 م في بشاور .
الكتاب ترجم أولا إلى الفرنسية ، ترجمه الشاعر الفرنسي أندريه فيليتر ، وترجم إلى العربية عام 2002 . ترجمه جميل صلاح .
ـــــــــــــــــــــــــ
نشر الجزء الأول في جريدة عكاظ ، 2006
فمي لك
لاتخش شيئاً
فهو ليس مصنوعاً من سكر يوشك ان يذوب
وردت القصيدة في كتاب (اللانداي) وهو مختارات من الشعر الشعبي للنساء «البشتون» جمعة سعيد بهو الدين مجروح، افغاني الجنسية، وحاصل على درجة الدكتوراه من فرنسا (جامعة مونبيليه)، عمل عميداً لكلية الآداب جامعة كابول، وحاكماً لمقاطعة كابيشا. نفي الى بيشاور واسس هناك مركز المعلومات الافغاني الذي نشر في العالم تقارير وتحليلات حول المقاومة وقد اغتيل في عام 1988.
ترجم الكتاب اولاً الى اللغة الفرنسية من قبل الشاعر الفرنسي اندريه فيلتر، ثم ترجم فيما بعد الى اللغة العربية عام 2002 وصدرت طبعته الاولى عن دار الانتشار العربي، بعد ان اضاف اليه المترجم جميل صلاح فصلاً غير موجود في الترجمة الفرنسية.
يعني (اللانداي) حرفياً في اللغة العربية (الموجز) وهو قصيدة قصيرة جداً، تتكون من بيتين من الشعر تقالان حين تذهب النساء «البشتون» الى البئر او النبع لجلب الماء، اوحينما يرقصن ويغنين في مناسبة عزيزة عليهن، وعملياً يمكن ان يعبر به الرجال والنساء عن رغبة او شعور او شكوى.
(اللانداي) شكل شعري شفهي وارتجالي ولد من غير اي نماذج تقيده او مرجعيات شعرية، يرتجل بلغة شفهية تنأى عن اي كتاب، شكل شعري ممتع وبديع وهش مثله مثل الزهور البرية التي تنبت في السهول والجبال الافغانية التي تحيط بالنساء «البشتون».
ينتشر هذا الشكل الشعري في مجتمع «البشتون» الذي يتكون من تركيبة قبلية ودينية معقدة، ويدار وفق قيم ذكورية طاغية، وفيه تعاني المرأة من اضطهاد جسدي يتمثل في التفاصيل اليومية الملزمة التي يلزم ان تقوم بها، حيث تستيقظ قبل بزوغ الفجر وتستمر حتى وقت متأخر من الليل من غير اي راحة، تذهب لتجلب الماء، وتحمل على رأسها الحطب، وتعتني بالاطفال، تطحن وتعجن وتخبز وتغزل الصوف وتسقي الزرع. واضطهاد نفسي، حيث تشعر انها مقموعة ومهانة، وانها كائن من الدرجة الثانية، بدءاً من ولادتها غير المرغوب فيها، ومروراً بتحويلها الى سلع تتداول بين العائلات من غير ان يكون لها اي رأي.
في مواجهة هذا الاضطهاد المزدوج (الجسدي والنفسي) ماذا يمكن ان يكون رد المرأة البشتونية؟ ظاهرياً تبدو مذغنة، تنجز عملها كنملة، وترضخ لنظام القيم الذي جعل منها كائناً لا قيمة له، لكن في العمق نجدها ساخطة ومحتجة ومتمردة وهذا تعبر عنه اغلب قصائد الكتاب.
ونحن نقرأ، يوجد في قصائد الكتاب شيء بسيط وحيوي يؤكد نفسه في كل مرة، فهو اغاني نساء ارضيات، بهواجسهن، وقلقهن وفرحهن ومتعتهن، اغان تحتفل بالطبيعة، بالجبال والغابات والانهار، بفضاءات الليل والحب والحق والخير والجمال والشرف والعار.
لا نجد في القصائد ما يشير الى حب الزوج، او حتى ابداء مشاعر رقيقة تجاهه، فالحب والمشاعر تقتصر على الحبيب، هذه النبرة العالية والدعوة الى العشق تلغي بجلاء قيم المجتمع البشتوني، وتتصرف فيه المرأة كما لو كنت تريد ان تصدم وتفضح وتصرخ:
احبه. احبه
لا أخفي ذلك
لن أنكره
حتى لو قطعوا كل شاماتي بالسكين
هذه الجسارة لا تقتصر على الدعوة بالرقة والعذوبة (أحبه) بل تذهب احياناً الى حد استفزاز الرجل لكي يغامر:
اذا كنت تبحث عن دفء ذراعي
ينبغي عليك ان تخاطر بحياتك
لكن اذاكنت تحرص على سلامتك
قَبِّل الغبار عِوَضَ الحب
تتحدث المرأة البشتونية عن جسدها، عن عينيها الذابلتين،عن شاماتها التي تشبه، نجوم السماء، عن وجهها الطري وخديها الحمراوين وشعرها الاسود بلون الليل، وبالرغم مما نعرف عن مصير الجسد، الا اننا لانجد الا قصيدة واحدة تعبر عن تحوله الى رماد:
ايها اللحد الخراب
ايها القرميد المشتت
لم يعد حبيبي سوى رماد
وريح السهل تذروه بعيداً عني
ويبدو ان المرأة البشتونية مخلصة للارض، وتؤمن ان الموت عودة بسيطة الى المواد الاولية كالريح والغبار، والعشب والماء والنار، ولا نجد قصيدة واحدة تعبر عن امل او خوف من عالم آخر بعد الحياة، وما يتحكم في يأسها هو انها لم تعش وقتاً كافياً وشعورها انها لم تعش مسرات الحب بما فيه الكفاية.غير ان شيئاً ما حدث بعد عام 1978 فمنذ الانقلاب الشيوعي والاحتلال السوفيتي والجهاد الاسلامي واللجوء والهجرة تراجعت موضوعات الحب والعشق، وهيمن على هذا الشكل الشعري البديع الحماس الديني والدعوة الى الجهاد والحنين الى القرى واراضي الاجداد، ومع ذلك فحتى هذا يجعلنا نعرف وجوهاً اخرى عن نساء قاسيات وحنونات، عنيفات ولطيفات، ماكرات وساذجات، ينأين بأروحهن، ويعشن في قطيعة مع قلوبهن.[/RIGH
مختارات
***
ضع شفتك فوق شفتي
لكن دع لساني طليقا لأكلمك عن الحب .
***
فمي لك . التهمه لا نخش شيئا
فهو ليس مصنوعا من سكر يوشك أن يذوب .
***
أليس هناك مجنون واحد في القرية ؟
لون سروالي الناري يحترق فوق فخذي
***
يريدني حبيبي أن أقبله بين ورق التوت
وأنا أقفز من غصن لغصن لأهبه شفتي
***
خذني بين يديك أولا ثم ضمني
بعدها أدر وجهي وقبل شاماتي واحدة تلو أخرى .
***
اذهب يا حبيبي ، وانتقم لدم الشهداء
قبل أن تستحق اللجوء إلى نهدي .
***
عاد بثقوب رصاص بندقية جهنمية
سأضمد جراحك وأهبك شفتي .
***
أسرع يا حبيبي ، أريد أن أهبك شفتي
يجول الموت في القرية ويمكن أن يأخذك .
***
اختبأت َخلف الباب
وخلسة طالعْتني ، أدلك نهدي العاريين .
***
طواعية سأهبك شفتي
لكن لم علي أن أهز جرتي ؟ فأنا مبتلة تماما .
***
أيها الربيع ! شجر الرمان مزهر
من حديقتي ، سأحتفظ لحبيبي البعيد ، برمان صدري .
***
خذني أولا بين ذراعيك . كن لي
بعدها فقط بإمكانك أن تلتف حول فخذي المخمليين .
***
فعلت بي كل ما أردت
ضع الآن غطاء على وجهي : فأنا أريد أن أنام .
***
تعلم كيف تلتهم شفتي
أولا : ضع شفتيك ، ثم اضغط على خط أسناني برفق .
***
تنازلت لك فقط عن حظوة شفتي
فلا تبحث دون جدوى عن عقدة حزامي .
***
لون سروالي ، المنزلق على فخذي ، ناري
قلبي يحدثني أنك آت الليلة هذا المساء أو غدا .
***
أتمنى أن يُدعى إلى بيتنا
لأذيقه طرف شفتي الندية .
***
إذا لم تعرف كيف تحب
لماذا أيقظت قلبي النائم ؟
***
حل منتصف الليل وأنت لا زلت غائبا
أغطيتي مشتعلة وتحرقني .
***
تعال ، ياحبيبي ، اسرع ، أشبعه
فرس قلبي الأشقر أرهقه اللجام .
ـ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
كتاب ( اللانداي . الشعر الشعبي للنساء البشتون ) من الكتب البديعة ، جمعه البروفيسور سعيد بهو الدين الذي عمل عميدا لكلية الآداب في جامعة كابول ، واغتيل عام 1988 م في بشاور .
الكتاب ترجم أولا إلى الفرنسية ، ترجمه الشاعر الفرنسي أندريه فيليتر ، وترجم إلى العربية عام 2002 . ترجمه جميل صلاح .
ـــــــــــــــــــــــــ
نشر الجزء الأول في جريدة عكاظ ، 2006