نقوس المهدي
كاتب
كم هو قاتل حجم الكبت الذي في داخلنا، كم هو متقرح ومتسرطن في عقولنا، كم نحن مساكين. فما هو كامن فينا من كبت توارثناه كجينات خبيثة متخندقة في دواخلنا يجعل من كل كلمة تحمل معنى جنسيا تستثير فينا غرائز تدفعنا لمتابعة الموضوع الذي ذكرت فيه.
أقول هذا من خلال متابعتي للموضوعات التي يزورها قراء الموقع، وملاحظتي إلى أن الموضوعات الأكثر قراءة هي تلك التي تتحدث في الجنس، وكلما زاد الإيغال في التسميات الجنسية كلما كان الموضوع أو النص الأدبي أكثر قراءة. ويحزنني كثيرا أن تكون قصيدة متوسطة الجودة ولكنها تتحدث في الجنس وعنه تتصدر القراءات في الوقت الذي يكون إلى جانبها قصيدة أكثر جمالا ومتانة وجزالة.
حين فكرت أن أكتب عدت إلى مجموعة أرشيف المواضيع في الموقع وتأكدت أن كل الموضوعات والنصوص الجنسية تتصدر قراءات الموقع في الوقت الذي تأتي فيه قصائد ودراسات هامة وجادة ولكتاب كبار في المركز الثالث. فبعد الموضوعات الجنسية تأتي الموضوعات السياسية أو ذات الطابع الجدلي، ثم تأتي الموضوعات الأكثر أهمية والأقل قراءة.
كنت أتوقع حين أسست الموقع على أساس تبنيه الكلام المباشر والواضح والصريح في التابوهات العربية الثلاثة في العصر الحديث، والممنوع الكتابة عنها وفيها ألا وهي الجنس ـ الدين ـ السياسة. كانت غاية هذا التوجه الوصول بالقارئ إلى حالة من التوازن، يصبح فيه الممنوع شيئا عاديا، وبالتالي تصبح مقولة كل ممنوع مرغوبا ملغية، ويصبح الموضوع المطروح هو الأساس. لا أدعي أن ما ينشر في الموقع من إبداعات هو غاية ما أرجوه من الإبداع، وهذا رأي هيئة التحرير ومن يتواصل معنا من الكتاب، بعكس الذي حدث في ألف المطبوعة، ففي تلك كان ما نشر فيها في الغالب الأعم هو كشف في مجال القصيدة الحديثة، في الموقع كان علينا تقديم تنازلات فرضها عليَّنا قانون الإنترنت، ولكن هذه التنازلات لم تنزل عن المستوى المطلوب للمادة المنشورة أو المادة مهما كان تصنيفها.
ست سنوات من مسيرة الموقع، وكل سنة أقول لنفسي سيصل القارئ إلى ما أردته أن يصل إليه، ولكن ذلك لم يحدث، وظلت الكلمة الجنسية المباحة والمباشرة والتي كان يعتبر لفظها محرما هي التي تدفعه لقراءة النص الذي ذكرت فيه.
ست سنوات ولم نستطع أن نجعل قارئ الموقع يكتشف القصيدة الجيدة من المتوسطة وبالتالي يقدم على قراءة الجيدة أكثر من المتوسطة، وكنت أخطط فيما لو حدث هذا، وأعني اكتشاف القارئ للعمل الجيد، أن أعتمد على ذائقته، في الاستغناء عن النشر لبعض الأسماء من الكتاب والمبدعين الشباب التي تهبط عدد قراءاتها، لأن هذا، لو صحت نظريتي، يعني أن يصبح القارئ هو الحكم وأن هذا النص أو ذاك، هذا الكاتب أو ذاك لم يتناسب مع ذوقه العام.
ولكني لم استطع فعل ذلك، لم أستطع جعل القارئ محررا معي للمادة، يرفض ما يريد ويقبل ما يريد، لأن هذا القارئ مازال شبقه للجنس، وللكلمة الجنسية وللصورة الجنسية هو الأساس وليس النص.
لا يمكن تعميم هذه المقولة على قراء الموقع كلهم، فلا شك أن هناك عدد كبير منهم صاحب ذائقة عالية، ويعرف النص الجيد من غيره، ولكن ما لم يستطعه الموقع هو الوصول بالجميع إلى هذا المستوى الذي كنت آمل جادا أن أحققه.
أستطيع الآن أن أنشر كل يوم قصيدة ليس القصد منها سوى إثارة الغرائز الجنسية، ومذكور فيها كل الكلمات التي تثير الغريزة، والمذكورة كثيرا في كتب السلف كالجاحظ والنفزاوي وغيرهما، ولكن كل هذا يمكن إيجاده في مواقع البورنو غير المحجوبة في سورية على الأقل، وعلى مواقع التشات غير المحجوبة أيضا ومن السهولة بمكان الوصول إليها.
السؤال المطروح لماذا يدخل قارئ الشبق الجنسي موقعا كألف، بدلا من زيارته لمواقع تحكي حكايات سكسية في علاقات الجنس مع المحارم، ومع الفتيات الصغيرات وتصف دون أي إبداع. حالات جنسية يمكن أن تكون بديلا عن فيلم جنسي.
ولكن هل بهذا أكون صادقا مع نفسي ومع التوجه الذي وضعناه للموقع اليوم، ولمجلة ألف من قبل.؟
لا يعنيني أن يقرأ الموقع عشرة آلاف قارئ في اليوم، أو حتى مئة ألف، كما لا يعنيني أن أصنف على موقع أليكسا كواحد من المواقع الرئيسية في سورية أو في العالم، ما يعنيني في الحقيقة الاحترام المتبادل بيني وبين القارئ،. التواصل الجميل بين المبدعين والكتاب والقراء، التعليقات التي تبني لا التي يكون همها تصفية حسابات قديمة مع الكاتب، أو الغيرة أو الحقد أو أي شيء يجعل المعلق يخفي اسمه باسم مستعار، ولا يضع إيميلا له وإن وضع إيميلا يكون مزيفا ، لا بد دائما من الاستثناء فهناك معلقون محترمون يضعون إيميلهم الحقيقي وأسمائهم الحقيقية وتشعر أنهم يحترمون الموقع كما يحترمهم الموقع، ولكن الغالبية ليسوا كذلك، ولأن ليس لي غاية ربحية من الموقع، ولم أفكر يوما أن أحصل على إعانات أو إعلانات، رغم أنني حاولت تحت ضغط الحاجة، الحصول على إعلانات من شركات محايدة، وأنا أعرف تماما أنه من المستحيل لشركة أو مصنع أو شخص عربي أن يدعم موقعا كموقع ألف والأسباب كثيرة ولا داعي لتكرارها هنا.
إذن، وحين لا تكون غايتنا الربح، فما هي غايتنا الشهرة والمجد، حين بدأنا كنا جميعا قد حققنا ذلك بجهودنا الخاصة، ولم نكن محتاجين للموقع لمثل هذا، لا يبقى سوى أننا فعلا نرغب بإيجاد كمٍّ محدود جدا من القراء يعنيهم ما يعنينا، والذي وضَّحناه في كتاباتنا وفي اختيارنا للموضوعات التي ننشرها.
لا ننشر عن الجنس لنستجدي القارئ، ولا نكتب في ضد كل ما يسيء للوطن، لأجل هذا أيضا، ولا نناقش أمور الدين لأننا لا نحترمه، بل لأننا نحترمه أكثر من الذين يؤمون المساجد في أوقات الصلاة ويسرقون وينهبون ويرشون ويرتشون.
أقول لكم صادقا؛ يكفينا في كل يوم مائة قارئ جاد يناقشنا فيما نقول وما نكتب بكل ديموقراطية.. ولسنا بحاجة إلى الألف التي نصل إليها يوميا.. ربما يبدو في حديثي عدم احترام لقارئ الموقع، هو ليس كذلك بل هو دعوة لهذا القارئ أن يحترم كتاب الموقع ويقرأهم كما يجب، لأن من حقهم عليه ذلك.
Nicolas de Staël - Nue bleue couchée - 1955
.
أقول هذا من خلال متابعتي للموضوعات التي يزورها قراء الموقع، وملاحظتي إلى أن الموضوعات الأكثر قراءة هي تلك التي تتحدث في الجنس، وكلما زاد الإيغال في التسميات الجنسية كلما كان الموضوع أو النص الأدبي أكثر قراءة. ويحزنني كثيرا أن تكون قصيدة متوسطة الجودة ولكنها تتحدث في الجنس وعنه تتصدر القراءات في الوقت الذي يكون إلى جانبها قصيدة أكثر جمالا ومتانة وجزالة.
حين فكرت أن أكتب عدت إلى مجموعة أرشيف المواضيع في الموقع وتأكدت أن كل الموضوعات والنصوص الجنسية تتصدر قراءات الموقع في الوقت الذي تأتي فيه قصائد ودراسات هامة وجادة ولكتاب كبار في المركز الثالث. فبعد الموضوعات الجنسية تأتي الموضوعات السياسية أو ذات الطابع الجدلي، ثم تأتي الموضوعات الأكثر أهمية والأقل قراءة.
كنت أتوقع حين أسست الموقع على أساس تبنيه الكلام المباشر والواضح والصريح في التابوهات العربية الثلاثة في العصر الحديث، والممنوع الكتابة عنها وفيها ألا وهي الجنس ـ الدين ـ السياسة. كانت غاية هذا التوجه الوصول بالقارئ إلى حالة من التوازن، يصبح فيه الممنوع شيئا عاديا، وبالتالي تصبح مقولة كل ممنوع مرغوبا ملغية، ويصبح الموضوع المطروح هو الأساس. لا أدعي أن ما ينشر في الموقع من إبداعات هو غاية ما أرجوه من الإبداع، وهذا رأي هيئة التحرير ومن يتواصل معنا من الكتاب، بعكس الذي حدث في ألف المطبوعة، ففي تلك كان ما نشر فيها في الغالب الأعم هو كشف في مجال القصيدة الحديثة، في الموقع كان علينا تقديم تنازلات فرضها عليَّنا قانون الإنترنت، ولكن هذه التنازلات لم تنزل عن المستوى المطلوب للمادة المنشورة أو المادة مهما كان تصنيفها.
ست سنوات من مسيرة الموقع، وكل سنة أقول لنفسي سيصل القارئ إلى ما أردته أن يصل إليه، ولكن ذلك لم يحدث، وظلت الكلمة الجنسية المباحة والمباشرة والتي كان يعتبر لفظها محرما هي التي تدفعه لقراءة النص الذي ذكرت فيه.
ست سنوات ولم نستطع أن نجعل قارئ الموقع يكتشف القصيدة الجيدة من المتوسطة وبالتالي يقدم على قراءة الجيدة أكثر من المتوسطة، وكنت أخطط فيما لو حدث هذا، وأعني اكتشاف القارئ للعمل الجيد، أن أعتمد على ذائقته، في الاستغناء عن النشر لبعض الأسماء من الكتاب والمبدعين الشباب التي تهبط عدد قراءاتها، لأن هذا، لو صحت نظريتي، يعني أن يصبح القارئ هو الحكم وأن هذا النص أو ذاك، هذا الكاتب أو ذاك لم يتناسب مع ذوقه العام.
ولكني لم استطع فعل ذلك، لم أستطع جعل القارئ محررا معي للمادة، يرفض ما يريد ويقبل ما يريد، لأن هذا القارئ مازال شبقه للجنس، وللكلمة الجنسية وللصورة الجنسية هو الأساس وليس النص.
لا يمكن تعميم هذه المقولة على قراء الموقع كلهم، فلا شك أن هناك عدد كبير منهم صاحب ذائقة عالية، ويعرف النص الجيد من غيره، ولكن ما لم يستطعه الموقع هو الوصول بالجميع إلى هذا المستوى الذي كنت آمل جادا أن أحققه.
أستطيع الآن أن أنشر كل يوم قصيدة ليس القصد منها سوى إثارة الغرائز الجنسية، ومذكور فيها كل الكلمات التي تثير الغريزة، والمذكورة كثيرا في كتب السلف كالجاحظ والنفزاوي وغيرهما، ولكن كل هذا يمكن إيجاده في مواقع البورنو غير المحجوبة في سورية على الأقل، وعلى مواقع التشات غير المحجوبة أيضا ومن السهولة بمكان الوصول إليها.
السؤال المطروح لماذا يدخل قارئ الشبق الجنسي موقعا كألف، بدلا من زيارته لمواقع تحكي حكايات سكسية في علاقات الجنس مع المحارم، ومع الفتيات الصغيرات وتصف دون أي إبداع. حالات جنسية يمكن أن تكون بديلا عن فيلم جنسي.
ولكن هل بهذا أكون صادقا مع نفسي ومع التوجه الذي وضعناه للموقع اليوم، ولمجلة ألف من قبل.؟
لا يعنيني أن يقرأ الموقع عشرة آلاف قارئ في اليوم، أو حتى مئة ألف، كما لا يعنيني أن أصنف على موقع أليكسا كواحد من المواقع الرئيسية في سورية أو في العالم، ما يعنيني في الحقيقة الاحترام المتبادل بيني وبين القارئ،. التواصل الجميل بين المبدعين والكتاب والقراء، التعليقات التي تبني لا التي يكون همها تصفية حسابات قديمة مع الكاتب، أو الغيرة أو الحقد أو أي شيء يجعل المعلق يخفي اسمه باسم مستعار، ولا يضع إيميلا له وإن وضع إيميلا يكون مزيفا ، لا بد دائما من الاستثناء فهناك معلقون محترمون يضعون إيميلهم الحقيقي وأسمائهم الحقيقية وتشعر أنهم يحترمون الموقع كما يحترمهم الموقع، ولكن الغالبية ليسوا كذلك، ولأن ليس لي غاية ربحية من الموقع، ولم أفكر يوما أن أحصل على إعانات أو إعلانات، رغم أنني حاولت تحت ضغط الحاجة، الحصول على إعلانات من شركات محايدة، وأنا أعرف تماما أنه من المستحيل لشركة أو مصنع أو شخص عربي أن يدعم موقعا كموقع ألف والأسباب كثيرة ولا داعي لتكرارها هنا.
إذن، وحين لا تكون غايتنا الربح، فما هي غايتنا الشهرة والمجد، حين بدأنا كنا جميعا قد حققنا ذلك بجهودنا الخاصة، ولم نكن محتاجين للموقع لمثل هذا، لا يبقى سوى أننا فعلا نرغب بإيجاد كمٍّ محدود جدا من القراء يعنيهم ما يعنينا، والذي وضَّحناه في كتاباتنا وفي اختيارنا للموضوعات التي ننشرها.
لا ننشر عن الجنس لنستجدي القارئ، ولا نكتب في ضد كل ما يسيء للوطن، لأجل هذا أيضا، ولا نناقش أمور الدين لأننا لا نحترمه، بل لأننا نحترمه أكثر من الذين يؤمون المساجد في أوقات الصلاة ويسرقون وينهبون ويرشون ويرتشون.
أقول لكم صادقا؛ يكفينا في كل يوم مائة قارئ جاد يناقشنا فيما نقول وما نكتب بكل ديموقراطية.. ولسنا بحاجة إلى الألف التي نصل إليها يوميا.. ربما يبدو في حديثي عدم احترام لقارئ الموقع، هو ليس كذلك بل هو دعوة لهذا القارئ أن يحترم كتاب الموقع ويقرأهم كما يجب، لأن من حقهم عليه ذلك.
Nicolas de Staël - Nue bleue couchée - 1955
.