نقوس المهدي
كاتب
لماذا الجسد والمقدس في الخطاب الفقهي ؟ لأن الجسد بداية حدث في الفلسفة اليوم، إنـه اكتشاف شكّل رؤية جديدة في فهمنا لذواتنا ولغيرنا وللعالم. لقد كان دوما المغـمور، الغريب، المدنس والمسكوت عنه، الثاني في التراتبية الوجودية، الضار والناقص في التراتبية الأخلاقية والنسبي في التراتبية الجمالية. لكنه سيتحول من الهامش إلى المركز مع الفلسفة الفينومينولوجية بداية بميرلوبونتيMerleau-Ponty، إلى ذات فاعلة، سوف لن يعود مجرد موضوع مادي تصفه العلوم البيولوجية، أو تتجاذبه الفلسفات الثنائية، بل سيتخذ دلالات متعددة، وسيخترق حقولا مختلفة، فلسفية، دينية، وحقول الأدب والعلوم الإنسانية .
بناء على هذه الرؤى الجديدة، أحاول أن أبحث دلالاته في التراث الديني الإسلامي من خلال الخطاب الفقهي عند الفقيه الحنبلي ابن القيم الجوزية، لكن لماذا نص ابن القيم بالذات ؟ لأنه يحوي في تصوري خطابا حول جسد مسكوت عنه، إنه رغم نزعته الفقهية الحنبلية المحتاطة، فقد كتب في الجمال الأنثوي وتحدث في الحب الجنسي. إن بحث الجسد في هذا الخطاب يضعنا مباشرة أمام المقدس الذي يتمظهر كمؤثر فاعل، يفـرض نفسه، يطلب دوما الطاعة والولاء، يتوخى من كل خطاب ينسب إليه أن يتسم بالطهارة والسمو والصفاء، الأمر الذي يقتضي من كل مساءلة نقدية تستهدف الجسد في النص الفقـهي أن تبحث إشكالية علاقته بالمقدس الديني، وعليه أحاول في هذه القراءة الأولية أن أبحث في السؤال التالي :
ما هي الإستراتيجية الخطابية التي يعتمدها ابن القيم في تناوله للجسد ؟ كيف يتحدث عن الجمال والحب والجنسانية ؟ هل هو حديث الفقيه المحتاط أم حديث الفقيه المنفتح على جسده؟ وهل هناك نموذج واحد لمدلول الجسد في خطابه ؟
1. الجسد : الغياب والحضور
لم يفهم الجسد في الثنائية الكلاسيكية دينية كانت أو فلسفية إلاّ في جدليته مع الروح، لقد كان يمثل اللاروح le non-esprit ، فكان دوما الثاني في التراتبية الوجودية، السيئ في التراتبية الأخلاقية والنسبي في التراتبية الجمالية، يقول François Chirpaz في كتابه : الجسد le corps : " إن الثنائية الكلاسيكية، والعلوم الحديثة – البيولوجيا – تتحدث عن تنظيم عضوي لا عن إنسان" 1. إن الأسئلة التي طرحت حول الجسد في الفلسفة اليونانية تتعلق أساسا بالكل والأجزاء، فالجسد موضوع مادي مجزأ، إنه المكوّن المادي للنفس التي تمثل الكل والوحدة، وفي نفس الاتجاه يقول Patočka :" إن الجسد الذي كان يعنيه هؤلاء المفكرون – يعني مفكري اليونان – هو الجسد الموضوعي، الجسد من أجل الملاحظة، الجسد الغريب في العمق، جسد نظرية الثالثthéorie de la troisième personne"2، هذه الرؤية هي التي حكمت النص الأفلاطوني حيث عدّ الجسد سجنا للنفس، يحجزها بداخله ويعيق معرفتها للحقائق، وعليه يجب أن يقاد بدل أن يقود، ففي كتابه –Phèdre- وهو يتحدث عن الأنفس الثلاث من خلال مثال السائق الماهر الذي يقود عربة بفرسين : فرس أسود وفرس أبيض، يعتبر أفلاطون السائق بمثابة النفس العاقلة ذات الطبيعة السماوية فينا، في حين أن الفرسين يمثلان النفسين الميتتين، أما الفرس الأبيض فهو التيموس Le thumos نفس تستقر في القلب تمكن الإنسان من الدفاع وتضمن إرادة الحياة، وأما الفرس الأسود فيمثل الإبيتوميا l’épitumia، إنها نفس مرتبطة بالجسد وشهواته الأرضية السفلى، شهوات الأكل والشرب والجنس، نفس متهورة تقود في حال انفلاتها عن العربة إلى التيه والفقدان، إن النفس العاقلة هنا عليها أن تقود العربة بحكمة حتى تضمن الوجود المتوازن في المسير أمام تهوّر الجسد الذي يهدّد بالفناء والفقدان3. هذا التحليل يرى في الجسد رؤية الدونية في مقابل تعالي وسماوية الروح، رؤية الفناء في مقابل رؤية الخلود، فالروح جوهر خالص، واللذة الحسية تحط الإنسان نحو الأسفل، نحو التدنيس والخطيئة التي تتصل بالجسد.
سيعرف الجسد حضورا مركزيا مع الفلسفة الفينومينولوجية بداية مع كتابات ميرلوبونتي Merleau-ponty التي استطاعت تجاوز الالتباس الثنائي في تفسير الكينونة الإنسانية لتؤسس واحدية تعلي من الجسد، لكن دون سقوط في مادية تقابل المثالية، لقد قدمت تفسيرا جديدا، فلم تتحدث عن ذلك – الجسد الموضوعي – le corps objectif الذي استهدفته التأملات الفلسفية، ورفضته الرؤى المثالية، واستنكرته الأحكام الأخلاقية وأرادت أن تتحكم فيه الدراسات العلمية، بل جسد ذاتيun corps subjectif عبّر عنه ميرلوبونتي بقوله : " تجربة الجسد ستقوم على فضاء ذاتي، أين يأخذ الجسد مكانه كعين ذواتنا بعد أن كان مجرد غلاف لذواتنا".4
إن النظرة إلى الجسد فينومينولوجيا تعني التفكير فيه لا كطبيعة ولكن كبنية comme structure متكونّة من عمليات ذات طابع إداراكي وجودي، أي أن هناك ترابطا بين جسدي وجسد العالم باعتبار أن الوعي هو دائما وعي بشيء ما، الفينومينولوجيا تنطلق من أنه"، ليس هناك طبيعتان، عقل وجسد، بل هناك طبيعة واحدة مزودجة" 5وأن العلم – ونعني البيولوجيا – قد أثبت بأن الجسد ليس آلة، بل هناك حياة في الجسد الإنساني، لكن التفكير العلمي الوصفي لا يمكنه أن يبحث في الحياة لأن اختصاصه البحث في الآلة، لقد أصبح الجسد بهذا الاكتشاف حقيقة خافية عن العلم وعليه لابد من تفكير آخر، من فلسفة تستطيع أن تفسّر الايجابية الثانية في الجسد، إن الحياة بالنسبة للماديين مستقلة عن الوعي، وبالنسبة للمثاليين مجرد موضوع للوعي أما ميرلوبونتي فيقول : " الآن الجسد الإنساني، وليس الوعي، يجب أن يفهم كمدرك للطبيعة من حيث إنه يعيش فيها أيضا"6. إن الجسد بهذا المعنى لم يعد مجرد غلاف للذات بل أصبح عين حضورنا في العالم واتصالنا به ،أن تكون جسدا معناه أن تكون مرتبطا بعالم، إنه ليس مادة بل فضاء espace أحس به من الداخل قبل أن أراه من الخارج. الجسد الذاتي جسد يحيا، يفكر، يتحدث، حسّاس إحساسا مزدوجا، إنه ينظر وينظر إليه، يمس ويمسّ، فعندما ألمس يدي اليمنى بيدي اليسرى، فإن يدي اليمنى تحس باللمس كما تحسّ به اليد اليسرى اللاّمسة، بحيث يصبح الجسد كله لامسا ملموسا7، إن الجسد هنا ليس موضوعا للفعل بل ذاتا فاعلة.
الجسد الذاتي ليس الجسد الذي هو لي، بل الجسد الذي هو ذاتي، هذا هو البعد الفاعل للجسد الذي يؤكد حضوره لا بشكل تجزيئي آلي بل بشكل كلي، والفاعلية هنا لا ترتبط بأجزائه بل كل جزء منه يعبّر عن الكل فيه، هذه الفاعلية تحددّها الفينومينولوجيا في وظيفتين، اللغة والتجربة الجنسية.8
2. الجسد في الخطاب الفقهي : الاحتياط والانفلات
إن التفكير في الجسد في الفكر الديني الإسلامي يحكمه تعدد الخطاب الديني الذي يتداخل فيه الفقهي والبلاغي والتاريخي والفلسفي والصوفي، يتداخل فيه المقدس والمدنس، الحلال والحرام، التجربة الفردية والسلطة الاجتماعية، الأمر الذي يستدعي مساءلة هذا الخطاب من منطلق أن هناك جسدا دينيا بدلالات متعددة بحكم كونه جسدا له محدداته من جهة وله تمثلاته ورموزه وتخييلاته المتنوعة تنوع الفضاء الزمني والمكاني، إن الجسد الديني بهذا المعنى ليس جسدا عضويا بل جسد ثقافي رمزي فاعل9 وفق المنظور الفينومينولوجي لكن محدداته لا تنفصل عن تمظهرات المقدس باعتباره هدفا مركزيا للنص في جانب الشعائر والجمالية والجنس، فهو "نقطة الانطلاق في إجلال المطلق "10كما يقول مالك شبال. لكن الجسد الديني ستتعدد مفاهيمه وأهدافه تاريخيا فلم يعد جسدا من أجل تقديس العظمة الإلهية، بل أصبحت له تجليات أخرى أبرزها جسد المجون والمرح حيث سنشهد لحظة إبداع واسعة حول اللذات الجسدية وقلة الإهتمام بالمقدس ومحدداته، حتى أن ابن عربي قال يوما بأن مسلمي زمنه يفضلون الحدائق على المساجد.11
أطلق مالك شبال على هذه الفترة، فترة الخطاب الغزلي بكل أبعاده الرغبوية والروحية، وتمثلت في الكتابات الشعرية، الصوفية والفقهية أيضا، أي أن موضوع الحب والمرأة لم يقتصر على الشاعر فحسب بل تعدّاه إلى الفقيه، فقد كتب عدد من الفقهاء حول أوصاف الجسد الأنثوي، والحب وأحوال أصحابه، والعشق وطرقه وهواجسه، سّماهم مالك شبال بفقهاء الحب 12les théologiens de l’amour من هؤلاء، ابن داوود الظاهري (توفي سنة 297 هجرية) وكتابه : -الزهرة-، ابن حزم (توفي سنة 456 هجرية) وكتابه :-طوق الحمامة-، إضافة إلى ابن القيم (توفي سنة 751 هجرية) وكتبه :-أخبار النساء-،-روضة المحبين- و-حادي الأرواح-، بما يشير إلى حضور كتابة مسكوت عنها حول الجسد في الخطاب الفقهي، لكن الفقيه يختلف في كتابته عن الشاعر كونه ينطلق من احتياط ديني سببه مسألة "القدوة" التي يضفيها على شخصه وكتاباته، إنه سيهدف في خطابه أن يكون نموذجا لإضفاء شرعية تضاف إلى شرعية النص الديني، إن الفقيه لا يستطيع إلاّ أن يكون ذا وظيفة تتمثل في ضمان تشكيل جسد اجتماعي خاضع للمقدس بامتياز. يحضر هذا الاحتياط أكثر عندما يكتب الفقيه في موضوعات الحب والمرأة والجنسانية، فهذا ابن حزم مثلا يبرّر كتابته لطوق الحمامة بأنها مجرد استجابة لطلب صديق له ولولاه لما تكلّف تلك المشقة، وهي مشقة ناتجة عن إحساس بالخروج عن مقتضيات "القدوة" حيث يقول في مقدمة الكتاب : " ولو الإيجاب لك كما تكلفته، فهذا من العفو، والأولى بنا مع قصر أعمارنا ألاّ نصرفها إلاّ فيما نرجو به رحب المنقلب وحسن المآب غدا"13، التردد نفسه نجده عند ابن القيم في كتابه – روضة المحبين ونزهة المشتاقين – وهو يتحدث عن الحب ومراتبه وأسمائه فلا يلبث أن يربط محبة النسوان بمحبة الرحمن، ليستدرك بأن الله يفضل أهل محبته على سائر المحبين تفضيلا.14 لكن هذا لا يعني أن كل كتابات ابن القيم أو ابن حزم كانت محتاطة، بل نجد في جانب آخر تخييلا واسعا حول الجسد واللذات الجنسية. هناك طابعان يحكمان الخطاب الفقهي في هذا المجال، طابع الاحتياط والخضوع للمقدس وطابع التخييل والانفلات من المقدس، الأمر الذي يدفعنا إلى مساءلة نقدية للجسد في الخطاب الفقهي وفق رؤية فينومينولوجية تأخذ بعين الاعتبار الفاعلية الجسدية، بناء على هذه الرؤية يقسمّ مالك شبال الجسد الديني إلى أربع مستويات :15
الجسد le corps : ويعنى به المعطى الأولي، الذي يميزنا، إنه غلافنا، علامتنا وتوقيعنا في العالم، وهو تصورّ يقترب من مفهوم الجسم عند المتكلمة والفلاسفة المسلمين.
الجسدي le corporel : ويعنى به تعبيرية الجسد وحضوره في العالم، إنه ذلك الجسد الاجتماعي المرتبط بالأطر الاجتماعية بما تحمله من شبكات وعلاقات ورموز.
الجسديةla corporéité : يتصل بها كل ما يتعلق بالعالم الغريزي ذكوريا كان أنثويا، إنها ذلك الجسد الحميمي الذي لا نريد أن يراه الآخرون – بتعبير شبال – و يرتبط بذلك كل ما يتعلق بالحب والجنسانية.
الجسدانية la corporalité : هي الممارسة العليا للجسد في كل تمظهراته التأويلية، إنها التصور النظري حول الجسد.
انطلاقا من هذه الشبكة المفاهيمية للجسد الفاعل، وبناء على قراءتي الأولية لعدد من نصوص ابن القيم خاصة منها كتب : أخبار النساء، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، الفوائد، الجواب الكافي وغيرها جعلتني أكتشف كتابة حول جسد له حضوره وفاعليته تتمحور أساسا حول مدلولي الجسدي le corporel والجسدية la corporéité.
3. الجسدي le corporel أو مراقبة الجسد في خطاب ابن القيم
إن – الجسدي - le corporel باعتباره فعل الجسد الوظيفي التواصلي المرتبط بالأطر الاجتماعية، سيظهر في الخطاب الفقهي لابن القيم وهو يتناول العلاقات الجنسية وما يتعلق بها من أحكام ونظم بناء على ما يتطلبه المقدس الديني من منع أو إباحة، والحديث عن- الجسدي – في هذا المستوى يعني تحليل إستراتيجية خطابية فقهية تستهدف مراقبة الجسد، والعمل على تنظيمه وتنميطه من خلال سلطة المقدس التي يستند إليها الخطاب، فالكلام عن الخطاب هو كلام عن السلطة التي بإمكانها أن تتحول إلى نص موضوعه الجسد – حسب ميشال فوكو -، إن الجسد بالنسبة للخطاب مجال لإنتاج النظام والانتظام، ووطن ممارسة السلطة ومراقبتها، ولو أردنا أن نتتبع حقيقة السلطة، فما علينا إلاّ تشريح الجسد ليس تشريحا عضويا بل تشريحا فضائيا ينطلق من حيوية الجسد المباشر في علاقته مع فضائه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي16، إن المراقبة بالنسبة للسلطة هي سياسة الجسد الذي تعاد كتابة تاريخه لا باعتباره جسدا – وعيا ولكن باعتباره جسدا – منضبطا.
إن الخطاب الفقهي لابن القيم يتضمن إستراتيجية مراقبة للجسد الفردي لأنه يعمل على إدماج الرغبات والغرائز الجنسية في النظام الاجتماعي الذي يحكمه المقدس الديني بصورتيه، الحظر والإباحة أو الحرام والحلال، فالمطلوب عنده هو أن تمارس الحياة الجنسية وفق ما تفرضه الشريعة بقواعدها وقوانينها التي يضعها الفقيه، لأن الوظيفة الجسدية وظيفة مقدسة تخدم الإرادة الإلهية في منطلقاتها وغاياتها وطريقة ممارستها، وما دون ذلك فهو – فتنة- وفوضى جنسية تهز أركان النظام الديني والاجتماعي، وعليه فالهدف هو ربط تلك الوظيفة بحدود المأمور والمنهي، المباح والمحظور أي حدود المقدس، وابن القيم يعدّ الاشتغال بتلك الحدود من أجلّ الأعمال وأشرفها عندما يقول في كتابه الفوائد : " فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولاسيما حدود المشروع المأمور والمنهي، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود (...) وأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلا".17
بناء على تلك الحدود، لا يعدّ كل فعل جنسي مقبولا في الحياة الدينية القدسية، إلاّ إذا تحدّد بنظام مضبوط له طقوسه الخاصة هو نظام الزواج، وأي خروج عن هذا النظام معناه الفتنة والفوضى والفساد في العلاقات الاجتماعية، فإذا تتبعا متن ابن القيم سنجد هذا المنحى بارزا عندما يضع أمام كل حديث عن الحياة الجنسية تحذيرا من المحرمات التي تتعلق بها، إذ يتوسط كتابه – أخبار النساء – بما يحويه من حديث عن المرأة وجمالها، بابا يسميه : باب الزنا والتحذير من آلام عقابه، يورد فيه كمّا من النصوص النبوية والأخبار العربية التي تذم هذا الشكل من الفعل الجسدي وتعدّه تجاوزا للمحظور الديني18 ويقول عنه في كتابه – الجواب الكافي - : " ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، وهي منافية لنظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج وصيانة الحرمات، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس (...) وفي ذلك خراب للعالم".19
يتأسس خطاب ابن القيم حول المحظورات والمباحات الجنسية على نظرية الاحتياطات الخارجية التي أشار إليها George Peter Murdock في تقسيمه للمجتمعات في تعاملها مع الجنس20، حيث يتناول ابن القيم أجزاء جسدية بعينها مستهدفا مراقبتها، فيشير إلى العين باعتبارها دليلا إلى "الزنا" ودافعا إليه لذا يشيد بغض البصر21، إذ يجب أن تنتظم رؤية العين فلا ترى في الجسد الغريب إلاّ ما أباحت "الشريعة" النظر فيه، والقلب أيضا لا بد أن ينتظم ويراقب لأنه مركز الإيمان فلا يجب أن يفسد بالهوى ويسقط في المحظور، يورد ابن القيم في هذا السياق مناظرة بين العين والقلب يلوم كل واحد منهما الآخر حول مسؤوليته في خرق المقدس ،يقول :" لما كانت العين رائدا، والقلب باعثا وطالبا، وهذه لها لذة الرؤية، وهذا له لذة الظفر كانا في الهوى شريكي عنان، ولما وقعا في العناء، واشتركا في البلاء، أقبل كل منهما يلوم صاحبه"22. كما يستهدف في خطابه السمع باعتباره طريقا قريبا إلى الأفعال الجنسية المحظورة، لذا يعدّ سماع الغناء وليدا شيطانيا وفسوقا وفتنة ويقول عنه :"وبه ينال العاشق من معشوقه غايةالمنى23"، إن ابن القيم يتناول في خطابه المراقب جغرافية جسدية جزئية، إذ لا يستهدف كل أعضاء الجسد بالاحتواء والاحتجاز والمراقبة بل يحذّر أجزاء ويهدّدها ويجرّمها بينما يبرئ أجزاء أخرى، فلا يتحدّث عن القدم التي تحرّك الجسد إلى مكان المعشوق، ولا عن اليد التي تلتذ بلمسه، والأنف الذي يشم رائحته، والفم الذي يغامر بتقبيله والعضو الجنسي الذي تنتهي عنده كل علاقة جنسية، إن ابن القيم يتناول جسدا جزئيا ليحتوي جسدا كليّا.
في السياق نفسه يفرق الفقيه، وهو يتحدث في موضع آخر عن الحب، بين حب نافع محمود وحب ضار مذموم، يقول : " تنقسم المحبة إلى نافعة وضارة باعتبار متعلقها ومحبوبها، فالمحبة النافعة هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم، والمحبة الضارة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره من الشقاء والألم والعناء"24، وعندما يحدد معيار النفع والضرر، السعادة والشقاء يجعل ذلك مرتبطا بمدى إجلال المقدس والتوافق مع حدوده حيث يستدرك قائلا : " وأعظم أنواع المحبة المذمومة، المحبة مع الله التي يسوّي المحبّ فيها بين محبته لله ومحبّته للند الذي اتخذه من دونه، وأعظم أنواعها المحمودة محبّة الله وحده ومحبّة من أحب، هذه المحبّة هي أصل السعادة"25.
إن الجسدي – le corporel أو خطاب مراقبة الجسد عند ابن القيم هو محاولة وضع تراتبية أخلاقية دينية مقدسة للحب والحياة الجنسية، يكون فيها حب الذات الإلهية في المرتبة الأعلى والأفضل من أي حب آخر، فتنقسم بحضور المقدس26 أفعال الجسد إلى أفعال نافعة وضارة، مباحة ومحظورة، إنه يتناول الحياة الجنسية تناولا أخلاقيا أو ما يمكن أن يطلق عليه بعلم أخلاق الجنسl’éthique sexuelle 27 من خلال إدماجه في النسيج الديني.
4. الجسدية la corporéité و إشكالية المقدس
إن حضور الجسد وفاعليته في خطاب ابن القيم لم يكونا من خلال الارتباط بالمقدس وحسب، بل و من خلال الانفلات منه أيضا، انفلات عبرت عنه إستراتيجية خطابية مغايرة نجدها في متن الفقيه وهو يصف جمال المرأة، ويتحدث عن الحب الجسدي، والعشق الشبقي، هذا ما عنيت به عندما استخدمت مصطلح – مالك شبال – الجسدية la corporéité إنها كتابة حول جسد فردي حميمي رغبوي وجنساني، وأشير هنا إلى أنّ لغة الجسد تجد مكانها في النص القرآني، - عبد الكبير الخطيبي- يتحدث عن هذا الحضور عندما يقول استنادا إلى الشيخ النفزاوي28 قوله :" القرآن كلام شعائري لكنه فاتح للشهية"29، فلم يخل حديث قرآني عن الأنبياء من إشارة إلى فاعلية حضور الأنثى، وقد تناول -عبد الوهاب بوحديبة- هذا الموضوع بإسهاب في كتابه : la sexualité en Islam ووجد أن النص القرآني لا يتحفظ في تناول مغامرة النبوة والحب مشيرا في ذلك إلى قصة يوسف وزوجة العزيز،30 إنه يقدم تعبيرا مربكا بين المقدس والدنيوي، ويرجع سبب هذا الإرباك إلى – محورية أخلاقية –31بتعبير محمد أركون، محورية تحدد النواة الدينية المسماة بالبعد الروحي للقرآن والتي يؤطر من خلالها كل خطاب وسلوك، الإرباك نفسه نجده جليا في خطاب ابن القيم، فتارة يبدو في متنه فقيه حب ورغبة وجنسانية ويبدو تارة أخرى موجها، آمرا ومحذرا يعبر المقدس من خلاله، يتبين لنا هذا المنحى عند تناوله لموضوعات ثلاثة : وصف جمال المرأة، الحكي عن جنسانية الجنة والحديث عن الحب والعشق.
جمال الجسد الأنثوي : الشهوة و الخصوبة
يكشف لنا كتاب - أخبار النساء - لإبن القيم عن إستراتيجية خطابية ذات صورتين :
صورة وصف جمال الأنثى، حبها، رغبتها، غيرتها، غدرها وحال العشاق معها، وصورة أخرى يحكمها الحديث عن العفة والصبر أمام شهوة الأنثى وكيدها والتحذير من الخلوة بها، مما يؤكد طابع الإرباك الذي أشرنا إليه سابقا، لكن ما يثير هنا أن الحديث عن جمال المرأة يغلب على خطاب التحذير، فمعظم ما جاء في الكتاب حكي عن قصص حدثت لملوك أو شعراء أو فقهاء مع النساء، يتحدث من خلالها ابن القيم عن جغرافية لجمالية الجسد من الوجه إلى القد إلى الثدي فالبطن وصولا إلى الساق والقدم، يصف بكل ببلاغة جمالية فائقة، ومما جاء في كتابه حديثه عن وصف الفضل بن الربيع –وزير الأمين– لجارية رآها قائلا : " ثم رفعت ثيابها حتى جاوزت نحرها، فإذا هي كقضيب فضة قد شيب بماء الذهب يهتز على مثل كثيب، ولها صدر كالورد، عليها رمانتان أو حقّان من عاج يملآن يد اللامس، وخصر مطري الاندماج، يهتز كفل رجراج، (...) وسرة مستديرة يقصر وهمي عن بلوغ وصفها، تحت ذلك أرنب جاثم أو جبهة أسد غادر، وفخذان لفاوان، 32 وساقان خدلجان،33 يحرسان الخلاخيل، وقدمان خمصاوان34" 35. إنه وصف جمالي وفق رؤية عمودية من الأعلى إلى الأسفل ينطلق فيه الفقيه من تشبيه طبيعي، ليبدو الوصف خطابا حول جسد رغبوي له قيمته الثقافية واللغوية، إنه يعبّر كما يقول – فريد الزاهي – عن "جسد ظاهراتي (فينومينولوجي) يتمّ فيه جدل المرئي واللامرئي، الفيزيقي والذاتي"36، لأن الواصف هنا ينطلق من الطبيعة الخارجية في التشبيه، لكن بناء على وعي ذاتي بالجمال، وعي كله تخييل بلاغي، وشهوانية مفرطة إننا أمام جسد كلي، ذاتي وثقافي، مما يشير إلى حالة انفلات من المقدس لدى ابن القيم، ذلك أن ميزة الجسد الفقهي المحتاط والمتحفظ أنه جسد جزئي يركزّ على بعض الأعضاء لمراقبة الجسد كلّه من خلالها، في حين أننا في هذا الوصف أمام جمالية معممّة على كلّ أعضاء الجسد عبر بلاغة اللغة.
تبدو هذه الكلاّنية جليّة في معظم كتاب – أخبار النساء – إذ يتحدث فيه الفقيه، وبنفس اللغة الشعرية، الشهوانية المغايرة للغة المقدس، عن الصفات الجسدية للنساء فيصنفهن حسب جمالية أعضاء على أخرى، ليشير إلى الرمجلة وهي المرأة الضخمة، والعيطبول وهي المرأة الطويلة، والغانية وهي التي تستغني بجمالها عن الزينة، والوسيمة أي ذات الحسن الثابت وكأنها وسمت به، والصبّاحة ذات البشرة الوضاءة والجمال في الأنف، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والظرف في اللسان، والرشاقة في القدّ، واللباقة في الشمائل، وكمال الحسن في الشعر37 ثم يضع نمذجة لجمال الجسد حسب تطوّره في الزمن فتسمى "المرأة طفلة ما دامت صغيرة، ثم وليدة إذا تحركت، ثم كاعب إذا كعب ثديها، ثم ناهد إذا زاد، ثم معصر إذا أدركت، ثم خود إذا توسطت الشباب" 38، ويضيف إلى ذلك معجما لغويا لصفات جسد المرأة في جانبه الرغبوي فيتحدث عن الزجّاء والجيد والبهنكة والمملوءة والممشوقة والرقراقة والبضة والنظرة والرشوف39 وغيرها، وكأننا في هذا الوصف أمام صورة فنية، تظهر أعدادا من الصور الصغيرة لنساء يظهر في كل منها عضو من أعضائهن باد في جماليته على غيره، من الوجه والأنف والقدّ والثدي وهكذا، فقط حلت اللغة محل الريشة والكلمات بدل الألوان.
و يقف القارئ لأخبار النساء على اهتمام خاص لابن القيم بصفة الضخامة، فتكون أول ما يبدأ به في صفات المرأة، بل يضع بابا كاملا حول الثدي الضخم قائلا في بدايته : " ونذكر اختلافات الناس في الثدي (...) من استحسن الثدي الضخم ومن ذمّ ذلك"40 ليورد بعد ذلك عددا هائلا من الأبيات لشعراء يتغزلون بالثدي الضخم كنموذج مثالي لجسد أنثوي جميل، ولو عدنا إلى مقولته في بداية الكتاب حول أحسن النساء لأمكننا اكتشاف سبب اهتمامه بالضخامة، إذ يورد على لسان أعرابي قوله : " أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت (...) الولود التي كل أمرها محمود"41، هناك تراتبية يزاح فيها الجمال لصالح الخصوبة، بما يدل على تأثير واضح للتصورات العربية قبل الإسلامية بل و الشرقية القديمة خاصة منها السومرية التي تجعل من الشهوة خادمة للخصوبة42، يرجع ذلك إلى حضور المقدس الديني الذي يعطي مشروعية للجمال الرغبوي لكنه يضعه في تراتبية مقصدية تجعل الأولوية للخصوبة أو الولادة باعتبارها فعلا وجوديا يحيل إلى الإعادة المستمرة لفعل الخلق.
إن خطاب ابن القيم يبدأ بوصف جمال المرأة –الأم الولود، وينتهي بوصف جمال المرأة – الأم الضخمة، العظيمة الثدي أو الناهد كما يسميها، وبين البداية والنهاية حديث وحكي عن المرأة – الجارية. يشير – الغذامي – في كتابه - المرأة واللغة – وهو يحلل حكايات "ألف ليلة وليلة" إلى الفرق بين جمال المرأتين، فحسن وجمال المرأة – الجارية هو جمال من أجل الغواية – في حين أن جمال المرأة – الأم أو السيدة فمن أجل الولادة43، جسد الأولى جسد الرغبة والمتعة، وجسد الثانية جسد التبجيل والخصوبة. تبدو هذه الصورة جلية إذ تتكرر في أكثر من موضع في متن ابن القيم، فالجارية موضوع الحب لكنها ليست موضوع الزواج والإنجاب، أورد ذلك على لسان أعرابية سألها الأصمعي عن معنى العشق فقالت :
" ما الحب إلاّ قبلة = وغمزة كف، وعضد
ما الحب إلا هكذا = إذا نكح الحب فسد"44
وعندما ذكر لها الأصمعي أن العشق عنده أن يكون بين رجليها ويجهد نفسه، قالت : "يا ابن أخي، ما هذا عاشقا هذا طالب ولد".45 إن الجسد الأنثوي الجميل الذي يقدمه ابن القيم يعبّر بجلاء عن الإرباك الذي يفرضه الطابع المقدس للخطاب الفقهي، إذ نجده خطابا رغبويا جريئا وهو يتحدث عن صفات المرأة لكنه سرعان ما يزيح الجمال من أجل الشهوة والرغبة لصالح الخصوبة والإنجاب، لكن إستراتيجية البوح والصمت هذه لا تبرران ما للجسد الأنثوي الرغبوي من حظوة وحضور، بما يعبرّ عن "فقه جسدي" يحاكي في بلاغته الشعر الجسدي، إننا أمام "إيروس ديني " 46ميزته أنه لم يتخل تماما عن البلاغة العربية قبل الإسلامية القائمة على التشبيه الطبيعي، والطابع اللحمي في وصف الجسد.
جنسانية الجنة أو الجنسانية المتخّيلة
كتاب ابن القيم - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح –المتعلق بوصف الجنة، يحمل و بكثير من التفصيل حدثا جسديا، لكن في موقع آخر، وفي زمن آخر، إنه يتحدث عن جنسانية ورغبة بعد الموت، فالأنثى لن تكون موضوع شهوة وغواية في "الهنا"، بل ستكون موضوع حب ورغبة في"الهنالك"، إنه الإنتقال من وصف الأنثى-الإغواء إلى الأنثى – الثواب. هذا الكتاب يثير إشكالية عميقة هي إشكالية الجنسانية والموت، قد أشار إليها David Le Breton في كتابه « L’adieu au corps » عندما انطلق من عبارة George Bataille "الجنسانية تعني الانفعال بالموت والتأثر به"47 محلّلا في ذلك التشابه بينهما.
جنسانية الجنة في خطاب ابن القيم جنسانية متخيّلة، وهي مآل كل جسد مرتبك يسعى إلى رفع همّ الإرتباك والبحث عن الهدوء، والمسلم يعيش هذا الإرتباك لأنه يخضع لممنوعات وحدود جنسية يخشى تعديها، لذا كانت الجنسانية المتخيلة أمرا ملحا، ففيها ذكر للنعم تعويضا للمنع، وقد عدّ ابن القيم وصف الجنة وملذّاتها فضلا إلهيا لأنه يشكّل اطمئنانا لمن وضع جسده طيعّا للمنع، يقول : "وكان من فضل الله العظيم على عباده ورحمته بهم ومحبته لهم أن جلّى لهم أمر الجنّة ووصف لهم نعيمها "48. إن الجنة مكان آخر، في زمن آخر، يبدأ فيها الجسد رحلة جديدة كلها قداسة لكن في منحى واحد هو المباح لأنه لن يكون هناك منع وحرام أبدا، الجنة مكان واسع جدّا -يقول ابن القيم- يضم مائة درجة، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. ستكون مليئة بالنساء، دنيويات وأخرويات، فأما الصنف الثاني فهو الحور العين، نساء ذات جمال فائق، " فالحور، جمع حوراء وهي المرأة الشابة، الحسناء، الجميلة، البيضاء، شديدة سواد العين (...) التي يحار فيها الطرف من رقّة الجلد وصفاء اللون"49، ويفتح ابن القيم الباب لمخيلته في استعراض أوصاف الحور بناء على اللون والطول والعرض والاتساع والضيق فيقول : " وإنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع : فمها، وخرق أذنها، وأنفها وما هنالك، ويستحب السعة منها في أربعة مواضع : وجهها وصدرها وكاهلها وهو ما بين كتفيها وجبهتها، ويستحب البياض منها في أربعة مواضع : لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها، ويستحب السواد منها في أربعة مواضع : عينها وحاجبها وهدبها وشعرها، ويستحب الطول منها في أربعة : قوامها وعنقها وشعرها وبنانها، ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية : لسانها، ويدها ورجلها وعينها"50، جسد الحور العين في وصف ابن القيم جسد رغبوي بامتياز يحمل نفس أوصاف نساء الدنيا لكن بجمالية مثالية وجنسانية عالية، إنه جسد شفاف له شهوة غير منتهية، مضاعفة له قدرة هائلة على الملاعبة والمداعبة 51، إنه موضوع لمتعة خالدة.
يختلف جسد الرجل في الجنة تماما عن الجسد الدنيوي، في نظر ابن القيم، فهو جسد في غاية الجمال كصورة القمر، لا يبصق ولا يتغوّط، يأكل في أواني من ذهب وفضة ولؤلؤ، عرقه كرائحة المسك، إنه يحمل صفات شاب في مقتبل العمر، في سن الثالثة والثلاثين طوله ستون ذراعا، أجرد، أمرد، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه52. تحيل هذه الأوصاف إلى جسد جنساني مؤهل لأن يكون موضوعا للحب من طرف نساء الجنة لذا سيقلب ابن القيم المعادلة الجنسية الدنيوية، فبدل أن تكون المرأة موضوع الإشتهاء، سيتحوّل الرجل إلى موضوع للرغبة، حيث يضع الفقيه بابا كاملا في كتابه يسميه :" إن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهنّ"53.
ما يلاحظ عن وصف ابن القيم للجنة أنه وصف طبيعي، فعندما يتحدث عن اللون، والرائحة، والأبواب والبساتين، والأنهار والدرجات والمنازل والخيام والنساء والغلمان والخدم كما جاء في الكثير من أبواب وفصول – حادي الأرواح – يقدم هوية أخرى للجسد، هوية متخيّلة لكنها لا تنفصل عن أساسها الواقعي، كما يبدو أن هذا الوصف الطبيعي يحكمه بعد جسدي واحد هو العين، " فالكل يبدأ بالعين وينتهي بالعين"54، كما يقول عبد الوهاب بوحديبة فأول ما ينعم به الجسد رؤيته للحور العين، والإسم هنا دلالة تحيل إلى العين أيضا، ثم تستأنف اللذة برؤية مناظر الجنة، لينتهي الحدث بأعظم لذة يذكرها ابن القيم، إنها لذة رؤية الذات الإلهية، " إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلّى لهم الربّ تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كل نعيم عاينوه، حين نظروا إلى وجه الرحمن"55 . يبدو في هذا الوصف الجسدي المتخيل حول الجنة وجنسانيتها أنه وصف يجعل من الجمال والحب والرغبة موضوعات مركزية، إنه يواصل بلغته سيكولوجية، وبشكل لافت، مفهوم الحياة بعد الموت بكل متعها الجنسية وبكثير من التفصيل وكأننا أمام صور حقيقية رغم بعدها التخييلي.
الحب والعشق في خطاب ابن القيم
لقد تحدث الفقيه الحنبلي عن الحب والعشق في كتابه : "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، لكنه ليس الحب النظري الذي أشار إليه أفلاطون في –المأدبة- بل حب جسدي موضوعه المرأة – الجسد وليس الفكرة والحقيقة، وإن أرادت الكثير من القراءات الأخلاقية للحب أن تسقط النظرية الأفلاطونية للحب على كل الكتابات الفقهية من ابن داوود إلى ابن حزم وصولا إلى ابن القيم56. حديث ابن القيم عن الحب كحديثه عن الجمال يبدو أيضا مرتبكا ارتباك الفقيه الذي يستشعر انفصاله عن موضوعه التقليدي، ارتباك الصراع الخفي بين المقدس والجنسانية، سيعبر عن ذلك عندما يشير في مقدمة كتابه – روضة المحبين – إلى أنه سيعقد اتفاقا بين العقل –المنساق إلى المقدس- والهوى المنفلت منه يقول :" فلذلك وضعنا هذا الكتاب، وضع عقد الصلح بين الهوى والعقل، وإذا تمّ عقد الصلح بينهما سهل على العبد محاربة النفس والشيطان"57، هذه العبارة تحدد إستراتيجية خطابية سيعتمدها الفقيه، تقوم على اتجاهين؛ الأول أنّه سيتحدث عن الهوى، لقد قرّر أنه موضوع الحب، حب جسدي وليس حبّا روحيا أو إلهيا، ثانيا، أن حديثه عن الهوى والحب سوف لن ينحرف إلى ما يخالف المقدس، بناء على مقتضى العقد. هذه المقدمة تحيل إلى القانون "الحمدلي" الذي أشار إليه عبد الكبير الخطيبي وهو يحلل متن الشيخ النفزاوي –الروض العاطر في نزهة الخاطر – ومعناه أن الافتتاح والاختتام بآيات القرآن، والانتعاش ببعض الأحاديث خلال فترات النص، يشكل ضمانا لمراقبة أي هذيان أو انحراف بالنص، كما يشير في الآن نفسه إلى قبول إمكانية وجود حب أو ممارسة جنسية بموافقة إلهية58.
يبدأ الفقيه بتحديد مدلول الحب، فيضع له خمسين اسما59 تحيل كلها إلى تجربة العلاقة بين المحب والمحبوب، ويعزو الاختلاف بين تلك الأسماء إلى تنوع التجارب وأشكال العلاقة، وهنا يختلف عن ابن حزم الذي اعتمد في تعريفه للحب منطلقات فلسفية أفلاطونية ثم ناقشها بل ورفضها، في حين أن ابن القيم اعتمد منطلقات لغوية حاول أن يستخرج من خلالها مدلولات جسدية، فعندما يقف مثلا عند السياق اللغوي لكلمة –المحبّة – كأولى أسماء الحب، يرى أن العرب اختلفت حولها "فقيل أصلها الصفاء، لأن العرب تقول لصفاء بياض السنان ونضارتها، حبب السنان، وقيل مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد، فعلى هذا، المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج عند لقاء المحبوب"60، لم يبق الفقيه عند ظاهر الاشتقاق بل نقله ليعبّر عن تجربة العلاقة بين المحبّ و المحبوب، فانتقل من ثوران ماء المطر الشديد إلى ثوران القلب واهتياجه في الحب، بالإستراتيجية نفسها يواصل ابن القيم الاشتقاق فتعني العلاقة – كإسم من أسماء الحب – التعلق بالمحبوب، ويعني الهوى الميل الدائم بالقلب الهائم، والشغف هو رقة القلب وحرارته إلى درجة الحرق، والكلف هو الولع والارتباط، والتتيّم هو التعبّد والذلّ، ويعني الشوق سفر القلب إلى المحبوب، والشجو إسم للحب يتبعه همّ وغمّ وحزن، والدنف والوصب اسمان يتبعهما الألم والمرض، والخلابة تعبير عن علاقة الخداع في الحب، والوهل حبّ يعتريه الروع مع رعدة ورعشة للجسد أمام هول وجمال المحبوب، واللّمم هو الحب المجنون، والخلّة تعني الحب المتوحّد الذي لا يقبل المشاركة، والغرام هو الحب اللازم الولوع61.
الدافع إلى الحب عند ابن القيم هو الجمال، " فمتى كان المحبوب في غاية الجمال، وشعور المحّب بجماله أتمّ شعور، والمناسبة التي بين الروحين قوية، فذلك الحب اللازم الدائم"62. لكن ما الذي يجعل المحبّ يهيم في جمال محبوبه؟ هل يرى من ورائه فكرة الجميل ومثاليتها؟ هل هو شعور الروع والاحترام الذي وقفه العقل – الحوذي أو السائق الماهر – أمام فكرة الجميل كما جاء في محاورة le Phèdre – فيدروس -؟ ابن القيم لم يكن أفلاطونيا في إجابته عندما قال : " فإنه إذا شاهد)حسنها وجمالها كان ذلك أدعى إلى حصول المحبّة والألفة بينهما" 63فالداعي إلى الحب هو الجمال وموضوع الجمال جسد المرأة لا فكرة الجمال في ذاتها، وحتى المناسبة أو المشاكلة بين نفسي المحب والمحبوب ليست مناسبة روحية مثالية بالمعنى الأفلاطوني بل جسدية، التناسب في أصل الخلقة والطباع المجبولة، إنه "تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة"64، إن الحب عند ابن القيم "واحدي"65 فالاشتياق إلى المحبوب هو اشتياق إلى الذات وحبّه هو حبّها لذاتها، لخلقتها وطباعها، يقول في ذلك : " صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها في كل أحوالها"66، وكلما كانت المناسبة أوالمشاكلة أعلى وأعظم كانت المحبة أثبت وأكثر استحكاما.
عندما يعمد الفقيه الحنبلي إلى تحديد ماهية العشق، يضعنا أمام قسمين من الأقوال، قسم يعرّف العشق في جانبه السلبي، وآخر يعرفه في جانبه الإيجابي، فأما التعريف السلبي فهو التعريف الفلسفي والطبي، حيث يستدل بتعريف أفلاطوني وأرسطي قائلا : " وقال أفلاطون : العشق حركة النفس الفارغة، (...) وقال أرسطو، العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا"67، ثم يذكر أن الأطباء قد أجمعوا على أن العشق مرض وسواسي يشبه الماليخوليا 68 له أعراض نفسية كالاستحسان وأعراض بدنية كارتفاع بخار رديء إلى الدماغ عن منيّ محتقن، وأكثر ما يعتري العزّاب وكثرة الجماع تزيله69. وفي المقابل يذكر التعريف الإيجابي للعشق، فيمن يرى فيه هياما وجنونا وتضرّعا وسحرا، يلطّف الطباع ويرفع الأخلاق، ويستند في ذلك إلى ما ذكره – ثمامة بن الأشرس – أحد جلساء –المأمون- عن العشق قائلا : "جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جارية، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعقول وآرائها"69، وعندما يأتي ليتخذ موقفا من العشق بين إيجابيته وسلبيته، نفعه وضرره، يتوسط الآراء وتتدخل المعايير الأخلاقية، فالعشق عنده "لابد فيه من التمييز بين الواقع والجائز، النافع والضار، ولا يحكم عليه بالذم والإنكار ولا بالمدح والقبول من حيث الجملة، وإنما يبيّن حكمه وينكشف أمره بذكر متعلقه "70، أي أسبابه ودواعيه، فالعشق صنفان : فاسد وعفيف، العشق الفاسد، "متعلقه فعل الفاحشة بالمعشوق" 71، أما العشق العفيف فهو " الرجل الظريف الذي يأبى له دينه وعفته ومروءته، أن يفسد بينه وبين الله، وبين معشوقه بالحرام" 72، رغم ما يبدو من إدراج ابن القيم للعشق في مجال المقدس والتمييز بين مظاهره وممارساته وفق معايير أخلاقية ودينية، إلاّ أن ذلك لم يمنعه من فتح المجال لخياله الفسيح في الحديث عن حالات العشق وأحوال العشاق من خلال قصص لملوك وشعراء مع الجواري وذكر للكلام المتعارف عليه بين العرب حول الحب والعشق في تلك الفترة من الزمن، فتبدو الكتابة مفتوحة، منفلتة و هذيانية. و قد أدرك ابن القيم هذه الصورة الثانية في كتابته عندما سمّاها في مقدمة كتابه – روضة المحبين – "نكتا تفسيرية هدفها الترويح"73، ويسمي – الخطيبي- هذه الإستراتيجية في الخطاب الفقهي حول الحب والجسد بالقانون الحكائي 74.
إن الكتابة المنفلتة حول الجسد أو ما سميته – جسدية – Corporéité تبدو في متن الفقيه خطابا – جهويا – يتحرك في الهامش، وهذا الخطاب لا يخلو من سلطة ثانية أضيفت إلى سلطة المقدس، إنها سلطة الذكورة، فابن القيم وهو يستعرض تجارب العشق والحب، يستعرضها كمن يعلّم الحب، فيحدّد التعريفات، ويضع الأوصاف، ويقيم التجارب، ويعرض الدواء، ويفرق بين الضار والنافع، ويمدح ويذمّ، وهذا هو الفعل المألوف للفقيه، إنه الذي يعلّم الدين فكيف لا يعلّم الحبّ، في حين أن الحب تجربة تمارس بكل امتلاء وعفوية ولا يمكن أن تعلّم. إن تعليم الحبّ، إضفاء لسلطة ونظام وانضباط، والحب يعاند كل إرادة للقوة خارج الجسد العاشق الذي تحركه الرغبة في إيقاعه الوجودي الخاص. كما أن خطاب ابن القيم هو خطاب الرجل عن المرأة، إن المرأة مجرد موضوع لحبّه ورغبته، إنه يجعل من جسدها مجرد دليل لا يستمد قيمته إلاّ من خلال علاقته بجسد الرجل، فالرغبة قضية الرجل، وما المرأة إلاّ منفعل أمامها وأمامه، في حين أن تجربة الحب ليست تجربة ذكورية وحسب بل تجربة تقتضي التكافؤ75، فإذا كان الرجل جسدا ذاتيا، فإن المرأة أيضا جسد ذاتي يمسّ ويمسّ، فاعليته مزدوجة، فالحب ليس أثر المحبوب في المحبّ كما أراد أن يظهره ابن القيم في اشتقاقاته اللغوية، بل رغبة متكافئة وتأثير متبادل لأن غرض التجربة الأول وجودي إنه إثبات الجسد الذاتي "البحث عن الحب إنما هو بحث لمعرفة الذات، ورغبتنا في الحب هي رغبتنا لأن يعترف بنا لا من أجل ما نفعل ولكن من أجل ما نكون"76 .
الخاتمة
إن دراسة إشكالية الجسد والمقدس في خطاب ابن القيم، تكشف عن تمظهر لفاعلية الجسد، فرغم أن كتابته حول الموضوع أحدثت لديه ارتباكا حيث تأرجح موقعه في النص بين فقيه الحب والفقيه الموجّه والمحذّر من الحبّ، لكن هذه الإستراتيجية الخطابية المرتبكة أفرزت معجما لغويا هائلا حول الجمال والحب والعشق، معجم عبّر عن بلاغة جسدية فقهية لا تقل في أهميتها عن بلاغة شعراء الغزل، إن المرأة لم تلهم الشعراء والفلاسفة وحدهم بل ألهمت الفقهاء أيضا. هذه الدراسة تجعلنا نؤكد ما ذكره – علي حرب – من أن العرب القدماء كانوا أكثر انفتاحا منا في نظرتهم إلى جسدهم وفي طريقة تحصيلهم لمتعهم وملذاتهم، والدليل أنهم كانوا يسمّون الأشياء بأسمائها ويتحدثون عن كثير من أعضاء الجسد، قد نخجل نحن اليوم من تسميتها، وكانوا يتكلمون عن علاقات الحب بكلام قد نسكت عنه اليوم إما بدافع الحياء أو بدافع الخوف.
1 Chirpaz, François, Le corps, Paris, P.U.F, 1ère édition, 1968, p. 2.
2 Patočka, Jan, Etudes phénoménologiques, Bruxelles, éditions Ousia, 1985, p. 42.
3 Lediraison, Serge et Zernik, Eric, Le corps des philosophes, Paris, P.U.F, 1ère édition, 1993, pp. (...)
4 Merleau Ponty, Maurice, Phénoménologie de la perception, Paris, Gallimard, 1945, p. 173.
5 Merleau Ponty, Maurice, La nature, Paris, Editions du Seuil, 1994, p. 380.
6 Ibid, p. 379.
7 سعيد، جلال الدين، فلسفة الجسد، تونس، دراميّة للنشر، ط1، 1992، ص. 87.
8 لمعرفة أكثر حول هاتين الوظيفتين، أنظر : سعيد جلال الدين، فلسفة الجسد، من ص. 31 إلى ص.47، وأنظر أيضا (...)
9 الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام، الدار البيضاء، (المغرب)، (د-ط)، دار إفريقيا الشرق، (...)
10 Chebel, Malek, Le corps en Islam, Paris, P.U.F- Quadrige, 1ère édition 1986, p. 15.
11 Ibid, p. 24.
12 Ibid, p. 24.
13 ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والآلاف ،تحقيق، فرشوخ، محمد أمين، بيروت، دار الفكر العربي، ط1، 1995،(...)
14 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، تحقيق، سمير مصطفى رباب، بيروت، المكتبة العصرية للطباعة وال (...)
15 لمعرفة هذه النمذجة الرباعية للجسد بتفصيل أكثر أنظر : Le corps en Islam , Malek, Chebel,، وفريد الزا (...)
16 فوكو، ميشيل، المراقبة والمعاقبة، ترجمة،علي المقلدّ، بيروت، مركز الإنماء القومي، (د-ط)، 1990، ص. 34.
17 ابن القيم، كتاب الفوائد، تحقيق، فوّاز، أحمد زمرلي، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2002، ص. 199.
18 ابن القيم، أخبار النساء، تحقيق، نزار رضا، بيروت، منشورات دار مكتبة الحيلة، (د-ط)، 1982، ص. 177.
19 ابن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، بيروت، دار الفكر، (د-ط) 2002، ص. 115.
20 يقسم George Peter, Murdock في كتابه "البنية الاجتماعية"، المجتمعات إلي صنفين حسب طريقتها في مراقبة (...)
21 ابن القيم، الجواب الكافي، ص. 178.
22 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 74.
23 ابن القيم، البيان في مصايد الشيطان، تحقيق، صالح أحمد الشاهي، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، (...)
24 المصدر السابق، ص. 183.
25 ابن القيم، الجواب الكافي، ص.199.
26 إلياد، يرى مارسيا،, Eliade, M. أن حضور المقدس في التجربة الدينية أو ما يطلق عليه "بالهيروفانيا" أي (...)
27 Bousquet, George, L’éthique sexuelle de l’islam, Paris, Sesclée de Brower, 1990, page5.
28 هو أبو عبدالله، محمد بن عمر النفزاوي ،عالم دين عاش في تونس، كتب سنة925هجرية (القرن 15م) كتابه الشهي (...)
29 الخطي، عبد الكبير، الإسم العربي الجريح،بيروت، دار العودة، الطبعة الأولى، 1980، ص. 101.
30 Bouhdiba, Abdelwahab, La sexualité en Islam, Paris, P.U.F- Qardrige, 5ème édition 1998, pages. 32-4 (...)
31 أركون، محمد، الإسلام – الأخلاق والسياسة - ترجمة : هاشم صالح، بيروت، مركز الإنماء القومي،الطبعة 1، 1 (...)
32 لفاوان : ممشوقان ومكتسيان لحما.
33 خدلجان : ممتلئان، ضخمان .
34 خمصاوان : مرتفع باطنهما عن الأرض لا يمسانها.
35 ابن القيم، أخبار النساء، ص. 161.
36 الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام، ص. 85.
37 ابن القيم : أخبار النساء، ص. 228.
38 المصدر نفسه، ص. 228.
39 المصدر نفسه، ص. 229-230.
40 المصدر نفسه، ص. 131.
41 المصدر نفسه، ص. 11.
42 لمعرفة أكثر حول التصور الشرقي القديم لجمال الجسد القائم على قدسية الخصوبة والإنجاب أنظر :، خياطة، م (...)
43 الغذامي، عبد الله محمد، المرأة واللغة، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط2، 1997، ص. 71.
44 ابن القيم، أخبار النساء، ص. 51.
45 المصدر نفسه، ص. 51.
46 Bousquet, George, L’éthique sexuelle de l’Islam, page. 4.
47 Le Breton, David, L’adieu au corps, Paris, Editions Métalié, 1999, page. 161.
48 ابن القيم، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو وصف الجنة، تحقيق : يوسف علي بديوي، دمشق، دار ابن كثير، (...)
49 المصدر نفسه، ص. 314.
50 المصدر السابق، ص. 315-316.
51 أنظر وصفه للحور العين وهو يفسر آيات : " أبكارا عربا أترابا" و " كواعب أترابا "، حادي الأرواح، من ص. (...)
52 أنظر وصفة لرجل الجنة، حادي الأرواح، ص. 218-219.
53 المصدر نفسه، ص. 542.
54 Bouhdiba, Abdelwahab, La sexualité en Islam, page. 103.
55 ابن القيم، حادي الأرواح، ص. 452.
56 أشير هنا إلى ما ذكره علي سامي النشّار، وعباس الشربيني عن تأثير المأدبة الأفلاطونية في الكتابات الفق (...)
57 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 16.
58 الخطيبي، عبد الكبير، الاسم العربي الجريح، ص. 102.
59 يذكر ابن القيم أن للحب ستين إسما (ص 19) لكنه لم يتحدّث إلاّ عن خمسين فقط.
60 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 20.
61 المصدر نفسه، من ص.21 إلى ص 40.
62 المصدر نفسه، ص. 49.
63 المصدر نفسه، ص. 50.
64 المصدر نفسه، ص. 50.
65 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 50.
66 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 50.
67 المصدر نفسه، ص. 94.
68 الماليخوليا : يعني مرض الوسواس عند العرب.
6 المصدر نفسه، ص. 94.
69 المصدر نفسه، ص. 95.
70 ابن القيم، الجواب الكافي، ص.227.
71 المصدر نفسه، ص. 221.
72 المصدر نفسه، ص. 221.
73 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 18.
74 الخطيبي عبد الكبير، الاسم العربي الجريح، ص. 103.
75 السعداوي، نوال، المرأة والجنس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط4،1980، ص.39.
76 المرجع نفسه، ص.141.
.
بناء على هذه الرؤى الجديدة، أحاول أن أبحث دلالاته في التراث الديني الإسلامي من خلال الخطاب الفقهي عند الفقيه الحنبلي ابن القيم الجوزية، لكن لماذا نص ابن القيم بالذات ؟ لأنه يحوي في تصوري خطابا حول جسد مسكوت عنه، إنه رغم نزعته الفقهية الحنبلية المحتاطة، فقد كتب في الجمال الأنثوي وتحدث في الحب الجنسي. إن بحث الجسد في هذا الخطاب يضعنا مباشرة أمام المقدس الذي يتمظهر كمؤثر فاعل، يفـرض نفسه، يطلب دوما الطاعة والولاء، يتوخى من كل خطاب ينسب إليه أن يتسم بالطهارة والسمو والصفاء، الأمر الذي يقتضي من كل مساءلة نقدية تستهدف الجسد في النص الفقـهي أن تبحث إشكالية علاقته بالمقدس الديني، وعليه أحاول في هذه القراءة الأولية أن أبحث في السؤال التالي :
ما هي الإستراتيجية الخطابية التي يعتمدها ابن القيم في تناوله للجسد ؟ كيف يتحدث عن الجمال والحب والجنسانية ؟ هل هو حديث الفقيه المحتاط أم حديث الفقيه المنفتح على جسده؟ وهل هناك نموذج واحد لمدلول الجسد في خطابه ؟
1. الجسد : الغياب والحضور
لم يفهم الجسد في الثنائية الكلاسيكية دينية كانت أو فلسفية إلاّ في جدليته مع الروح، لقد كان يمثل اللاروح le non-esprit ، فكان دوما الثاني في التراتبية الوجودية، السيئ في التراتبية الأخلاقية والنسبي في التراتبية الجمالية، يقول François Chirpaz في كتابه : الجسد le corps : " إن الثنائية الكلاسيكية، والعلوم الحديثة – البيولوجيا – تتحدث عن تنظيم عضوي لا عن إنسان" 1. إن الأسئلة التي طرحت حول الجسد في الفلسفة اليونانية تتعلق أساسا بالكل والأجزاء، فالجسد موضوع مادي مجزأ، إنه المكوّن المادي للنفس التي تمثل الكل والوحدة، وفي نفس الاتجاه يقول Patočka :" إن الجسد الذي كان يعنيه هؤلاء المفكرون – يعني مفكري اليونان – هو الجسد الموضوعي، الجسد من أجل الملاحظة، الجسد الغريب في العمق، جسد نظرية الثالثthéorie de la troisième personne"2، هذه الرؤية هي التي حكمت النص الأفلاطوني حيث عدّ الجسد سجنا للنفس، يحجزها بداخله ويعيق معرفتها للحقائق، وعليه يجب أن يقاد بدل أن يقود، ففي كتابه –Phèdre- وهو يتحدث عن الأنفس الثلاث من خلال مثال السائق الماهر الذي يقود عربة بفرسين : فرس أسود وفرس أبيض، يعتبر أفلاطون السائق بمثابة النفس العاقلة ذات الطبيعة السماوية فينا، في حين أن الفرسين يمثلان النفسين الميتتين، أما الفرس الأبيض فهو التيموس Le thumos نفس تستقر في القلب تمكن الإنسان من الدفاع وتضمن إرادة الحياة، وأما الفرس الأسود فيمثل الإبيتوميا l’épitumia، إنها نفس مرتبطة بالجسد وشهواته الأرضية السفلى، شهوات الأكل والشرب والجنس، نفس متهورة تقود في حال انفلاتها عن العربة إلى التيه والفقدان، إن النفس العاقلة هنا عليها أن تقود العربة بحكمة حتى تضمن الوجود المتوازن في المسير أمام تهوّر الجسد الذي يهدّد بالفناء والفقدان3. هذا التحليل يرى في الجسد رؤية الدونية في مقابل تعالي وسماوية الروح، رؤية الفناء في مقابل رؤية الخلود، فالروح جوهر خالص، واللذة الحسية تحط الإنسان نحو الأسفل، نحو التدنيس والخطيئة التي تتصل بالجسد.
سيعرف الجسد حضورا مركزيا مع الفلسفة الفينومينولوجية بداية مع كتابات ميرلوبونتي Merleau-ponty التي استطاعت تجاوز الالتباس الثنائي في تفسير الكينونة الإنسانية لتؤسس واحدية تعلي من الجسد، لكن دون سقوط في مادية تقابل المثالية، لقد قدمت تفسيرا جديدا، فلم تتحدث عن ذلك – الجسد الموضوعي – le corps objectif الذي استهدفته التأملات الفلسفية، ورفضته الرؤى المثالية، واستنكرته الأحكام الأخلاقية وأرادت أن تتحكم فيه الدراسات العلمية، بل جسد ذاتيun corps subjectif عبّر عنه ميرلوبونتي بقوله : " تجربة الجسد ستقوم على فضاء ذاتي، أين يأخذ الجسد مكانه كعين ذواتنا بعد أن كان مجرد غلاف لذواتنا".4
إن النظرة إلى الجسد فينومينولوجيا تعني التفكير فيه لا كطبيعة ولكن كبنية comme structure متكونّة من عمليات ذات طابع إداراكي وجودي، أي أن هناك ترابطا بين جسدي وجسد العالم باعتبار أن الوعي هو دائما وعي بشيء ما، الفينومينولوجيا تنطلق من أنه"، ليس هناك طبيعتان، عقل وجسد، بل هناك طبيعة واحدة مزودجة" 5وأن العلم – ونعني البيولوجيا – قد أثبت بأن الجسد ليس آلة، بل هناك حياة في الجسد الإنساني، لكن التفكير العلمي الوصفي لا يمكنه أن يبحث في الحياة لأن اختصاصه البحث في الآلة، لقد أصبح الجسد بهذا الاكتشاف حقيقة خافية عن العلم وعليه لابد من تفكير آخر، من فلسفة تستطيع أن تفسّر الايجابية الثانية في الجسد، إن الحياة بالنسبة للماديين مستقلة عن الوعي، وبالنسبة للمثاليين مجرد موضوع للوعي أما ميرلوبونتي فيقول : " الآن الجسد الإنساني، وليس الوعي، يجب أن يفهم كمدرك للطبيعة من حيث إنه يعيش فيها أيضا"6. إن الجسد بهذا المعنى لم يعد مجرد غلاف للذات بل أصبح عين حضورنا في العالم واتصالنا به ،أن تكون جسدا معناه أن تكون مرتبطا بعالم، إنه ليس مادة بل فضاء espace أحس به من الداخل قبل أن أراه من الخارج. الجسد الذاتي جسد يحيا، يفكر، يتحدث، حسّاس إحساسا مزدوجا، إنه ينظر وينظر إليه، يمس ويمسّ، فعندما ألمس يدي اليمنى بيدي اليسرى، فإن يدي اليمنى تحس باللمس كما تحسّ به اليد اليسرى اللاّمسة، بحيث يصبح الجسد كله لامسا ملموسا7، إن الجسد هنا ليس موضوعا للفعل بل ذاتا فاعلة.
الجسد الذاتي ليس الجسد الذي هو لي، بل الجسد الذي هو ذاتي، هذا هو البعد الفاعل للجسد الذي يؤكد حضوره لا بشكل تجزيئي آلي بل بشكل كلي، والفاعلية هنا لا ترتبط بأجزائه بل كل جزء منه يعبّر عن الكل فيه، هذه الفاعلية تحددّها الفينومينولوجيا في وظيفتين، اللغة والتجربة الجنسية.8
2. الجسد في الخطاب الفقهي : الاحتياط والانفلات
إن التفكير في الجسد في الفكر الديني الإسلامي يحكمه تعدد الخطاب الديني الذي يتداخل فيه الفقهي والبلاغي والتاريخي والفلسفي والصوفي، يتداخل فيه المقدس والمدنس، الحلال والحرام، التجربة الفردية والسلطة الاجتماعية، الأمر الذي يستدعي مساءلة هذا الخطاب من منطلق أن هناك جسدا دينيا بدلالات متعددة بحكم كونه جسدا له محدداته من جهة وله تمثلاته ورموزه وتخييلاته المتنوعة تنوع الفضاء الزمني والمكاني، إن الجسد الديني بهذا المعنى ليس جسدا عضويا بل جسد ثقافي رمزي فاعل9 وفق المنظور الفينومينولوجي لكن محدداته لا تنفصل عن تمظهرات المقدس باعتباره هدفا مركزيا للنص في جانب الشعائر والجمالية والجنس، فهو "نقطة الانطلاق في إجلال المطلق "10كما يقول مالك شبال. لكن الجسد الديني ستتعدد مفاهيمه وأهدافه تاريخيا فلم يعد جسدا من أجل تقديس العظمة الإلهية، بل أصبحت له تجليات أخرى أبرزها جسد المجون والمرح حيث سنشهد لحظة إبداع واسعة حول اللذات الجسدية وقلة الإهتمام بالمقدس ومحدداته، حتى أن ابن عربي قال يوما بأن مسلمي زمنه يفضلون الحدائق على المساجد.11
أطلق مالك شبال على هذه الفترة، فترة الخطاب الغزلي بكل أبعاده الرغبوية والروحية، وتمثلت في الكتابات الشعرية، الصوفية والفقهية أيضا، أي أن موضوع الحب والمرأة لم يقتصر على الشاعر فحسب بل تعدّاه إلى الفقيه، فقد كتب عدد من الفقهاء حول أوصاف الجسد الأنثوي، والحب وأحوال أصحابه، والعشق وطرقه وهواجسه، سّماهم مالك شبال بفقهاء الحب 12les théologiens de l’amour من هؤلاء، ابن داوود الظاهري (توفي سنة 297 هجرية) وكتابه : -الزهرة-، ابن حزم (توفي سنة 456 هجرية) وكتابه :-طوق الحمامة-، إضافة إلى ابن القيم (توفي سنة 751 هجرية) وكتبه :-أخبار النساء-،-روضة المحبين- و-حادي الأرواح-، بما يشير إلى حضور كتابة مسكوت عنها حول الجسد في الخطاب الفقهي، لكن الفقيه يختلف في كتابته عن الشاعر كونه ينطلق من احتياط ديني سببه مسألة "القدوة" التي يضفيها على شخصه وكتاباته، إنه سيهدف في خطابه أن يكون نموذجا لإضفاء شرعية تضاف إلى شرعية النص الديني، إن الفقيه لا يستطيع إلاّ أن يكون ذا وظيفة تتمثل في ضمان تشكيل جسد اجتماعي خاضع للمقدس بامتياز. يحضر هذا الاحتياط أكثر عندما يكتب الفقيه في موضوعات الحب والمرأة والجنسانية، فهذا ابن حزم مثلا يبرّر كتابته لطوق الحمامة بأنها مجرد استجابة لطلب صديق له ولولاه لما تكلّف تلك المشقة، وهي مشقة ناتجة عن إحساس بالخروج عن مقتضيات "القدوة" حيث يقول في مقدمة الكتاب : " ولو الإيجاب لك كما تكلفته، فهذا من العفو، والأولى بنا مع قصر أعمارنا ألاّ نصرفها إلاّ فيما نرجو به رحب المنقلب وحسن المآب غدا"13، التردد نفسه نجده عند ابن القيم في كتابه – روضة المحبين ونزهة المشتاقين – وهو يتحدث عن الحب ومراتبه وأسمائه فلا يلبث أن يربط محبة النسوان بمحبة الرحمن، ليستدرك بأن الله يفضل أهل محبته على سائر المحبين تفضيلا.14 لكن هذا لا يعني أن كل كتابات ابن القيم أو ابن حزم كانت محتاطة، بل نجد في جانب آخر تخييلا واسعا حول الجسد واللذات الجنسية. هناك طابعان يحكمان الخطاب الفقهي في هذا المجال، طابع الاحتياط والخضوع للمقدس وطابع التخييل والانفلات من المقدس، الأمر الذي يدفعنا إلى مساءلة نقدية للجسد في الخطاب الفقهي وفق رؤية فينومينولوجية تأخذ بعين الاعتبار الفاعلية الجسدية، بناء على هذه الرؤية يقسمّ مالك شبال الجسد الديني إلى أربع مستويات :15
الجسد le corps : ويعنى به المعطى الأولي، الذي يميزنا، إنه غلافنا، علامتنا وتوقيعنا في العالم، وهو تصورّ يقترب من مفهوم الجسم عند المتكلمة والفلاسفة المسلمين.
الجسدي le corporel : ويعنى به تعبيرية الجسد وحضوره في العالم، إنه ذلك الجسد الاجتماعي المرتبط بالأطر الاجتماعية بما تحمله من شبكات وعلاقات ورموز.
الجسديةla corporéité : يتصل بها كل ما يتعلق بالعالم الغريزي ذكوريا كان أنثويا، إنها ذلك الجسد الحميمي الذي لا نريد أن يراه الآخرون – بتعبير شبال – و يرتبط بذلك كل ما يتعلق بالحب والجنسانية.
الجسدانية la corporalité : هي الممارسة العليا للجسد في كل تمظهراته التأويلية، إنها التصور النظري حول الجسد.
انطلاقا من هذه الشبكة المفاهيمية للجسد الفاعل، وبناء على قراءتي الأولية لعدد من نصوص ابن القيم خاصة منها كتب : أخبار النساء، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، الفوائد، الجواب الكافي وغيرها جعلتني أكتشف كتابة حول جسد له حضوره وفاعليته تتمحور أساسا حول مدلولي الجسدي le corporel والجسدية la corporéité.
3. الجسدي le corporel أو مراقبة الجسد في خطاب ابن القيم
إن – الجسدي - le corporel باعتباره فعل الجسد الوظيفي التواصلي المرتبط بالأطر الاجتماعية، سيظهر في الخطاب الفقهي لابن القيم وهو يتناول العلاقات الجنسية وما يتعلق بها من أحكام ونظم بناء على ما يتطلبه المقدس الديني من منع أو إباحة، والحديث عن- الجسدي – في هذا المستوى يعني تحليل إستراتيجية خطابية فقهية تستهدف مراقبة الجسد، والعمل على تنظيمه وتنميطه من خلال سلطة المقدس التي يستند إليها الخطاب، فالكلام عن الخطاب هو كلام عن السلطة التي بإمكانها أن تتحول إلى نص موضوعه الجسد – حسب ميشال فوكو -، إن الجسد بالنسبة للخطاب مجال لإنتاج النظام والانتظام، ووطن ممارسة السلطة ومراقبتها، ولو أردنا أن نتتبع حقيقة السلطة، فما علينا إلاّ تشريح الجسد ليس تشريحا عضويا بل تشريحا فضائيا ينطلق من حيوية الجسد المباشر في علاقته مع فضائه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي16، إن المراقبة بالنسبة للسلطة هي سياسة الجسد الذي تعاد كتابة تاريخه لا باعتباره جسدا – وعيا ولكن باعتباره جسدا – منضبطا.
إن الخطاب الفقهي لابن القيم يتضمن إستراتيجية مراقبة للجسد الفردي لأنه يعمل على إدماج الرغبات والغرائز الجنسية في النظام الاجتماعي الذي يحكمه المقدس الديني بصورتيه، الحظر والإباحة أو الحرام والحلال، فالمطلوب عنده هو أن تمارس الحياة الجنسية وفق ما تفرضه الشريعة بقواعدها وقوانينها التي يضعها الفقيه، لأن الوظيفة الجسدية وظيفة مقدسة تخدم الإرادة الإلهية في منطلقاتها وغاياتها وطريقة ممارستها، وما دون ذلك فهو – فتنة- وفوضى جنسية تهز أركان النظام الديني والاجتماعي، وعليه فالهدف هو ربط تلك الوظيفة بحدود المأمور والمنهي، المباح والمحظور أي حدود المقدس، وابن القيم يعدّ الاشتغال بتلك الحدود من أجلّ الأعمال وأشرفها عندما يقول في كتابه الفوائد : " فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولاسيما حدود المشروع المأمور والمنهي، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود (...) وأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلا".17
بناء على تلك الحدود، لا يعدّ كل فعل جنسي مقبولا في الحياة الدينية القدسية، إلاّ إذا تحدّد بنظام مضبوط له طقوسه الخاصة هو نظام الزواج، وأي خروج عن هذا النظام معناه الفتنة والفوضى والفساد في العلاقات الاجتماعية، فإذا تتبعا متن ابن القيم سنجد هذا المنحى بارزا عندما يضع أمام كل حديث عن الحياة الجنسية تحذيرا من المحرمات التي تتعلق بها، إذ يتوسط كتابه – أخبار النساء – بما يحويه من حديث عن المرأة وجمالها، بابا يسميه : باب الزنا والتحذير من آلام عقابه، يورد فيه كمّا من النصوص النبوية والأخبار العربية التي تذم هذا الشكل من الفعل الجسدي وتعدّه تجاوزا للمحظور الديني18 ويقول عنه في كتابه – الجواب الكافي - : " ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، وهي منافية لنظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج وصيانة الحرمات، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس (...) وفي ذلك خراب للعالم".19
يتأسس خطاب ابن القيم حول المحظورات والمباحات الجنسية على نظرية الاحتياطات الخارجية التي أشار إليها George Peter Murdock في تقسيمه للمجتمعات في تعاملها مع الجنس20، حيث يتناول ابن القيم أجزاء جسدية بعينها مستهدفا مراقبتها، فيشير إلى العين باعتبارها دليلا إلى "الزنا" ودافعا إليه لذا يشيد بغض البصر21، إذ يجب أن تنتظم رؤية العين فلا ترى في الجسد الغريب إلاّ ما أباحت "الشريعة" النظر فيه، والقلب أيضا لا بد أن ينتظم ويراقب لأنه مركز الإيمان فلا يجب أن يفسد بالهوى ويسقط في المحظور، يورد ابن القيم في هذا السياق مناظرة بين العين والقلب يلوم كل واحد منهما الآخر حول مسؤوليته في خرق المقدس ،يقول :" لما كانت العين رائدا، والقلب باعثا وطالبا، وهذه لها لذة الرؤية، وهذا له لذة الظفر كانا في الهوى شريكي عنان، ولما وقعا في العناء، واشتركا في البلاء، أقبل كل منهما يلوم صاحبه"22. كما يستهدف في خطابه السمع باعتباره طريقا قريبا إلى الأفعال الجنسية المحظورة، لذا يعدّ سماع الغناء وليدا شيطانيا وفسوقا وفتنة ويقول عنه :"وبه ينال العاشق من معشوقه غايةالمنى23"، إن ابن القيم يتناول في خطابه المراقب جغرافية جسدية جزئية، إذ لا يستهدف كل أعضاء الجسد بالاحتواء والاحتجاز والمراقبة بل يحذّر أجزاء ويهدّدها ويجرّمها بينما يبرئ أجزاء أخرى، فلا يتحدّث عن القدم التي تحرّك الجسد إلى مكان المعشوق، ولا عن اليد التي تلتذ بلمسه، والأنف الذي يشم رائحته، والفم الذي يغامر بتقبيله والعضو الجنسي الذي تنتهي عنده كل علاقة جنسية، إن ابن القيم يتناول جسدا جزئيا ليحتوي جسدا كليّا.
في السياق نفسه يفرق الفقيه، وهو يتحدث في موضع آخر عن الحب، بين حب نافع محمود وحب ضار مذموم، يقول : " تنقسم المحبة إلى نافعة وضارة باعتبار متعلقها ومحبوبها، فالمحبة النافعة هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم، والمحبة الضارة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره من الشقاء والألم والعناء"24، وعندما يحدد معيار النفع والضرر، السعادة والشقاء يجعل ذلك مرتبطا بمدى إجلال المقدس والتوافق مع حدوده حيث يستدرك قائلا : " وأعظم أنواع المحبة المذمومة، المحبة مع الله التي يسوّي المحبّ فيها بين محبته لله ومحبّته للند الذي اتخذه من دونه، وأعظم أنواعها المحمودة محبّة الله وحده ومحبّة من أحب، هذه المحبّة هي أصل السعادة"25.
إن الجسدي – le corporel أو خطاب مراقبة الجسد عند ابن القيم هو محاولة وضع تراتبية أخلاقية دينية مقدسة للحب والحياة الجنسية، يكون فيها حب الذات الإلهية في المرتبة الأعلى والأفضل من أي حب آخر، فتنقسم بحضور المقدس26 أفعال الجسد إلى أفعال نافعة وضارة، مباحة ومحظورة، إنه يتناول الحياة الجنسية تناولا أخلاقيا أو ما يمكن أن يطلق عليه بعلم أخلاق الجنسl’éthique sexuelle 27 من خلال إدماجه في النسيج الديني.
4. الجسدية la corporéité و إشكالية المقدس
إن حضور الجسد وفاعليته في خطاب ابن القيم لم يكونا من خلال الارتباط بالمقدس وحسب، بل و من خلال الانفلات منه أيضا، انفلات عبرت عنه إستراتيجية خطابية مغايرة نجدها في متن الفقيه وهو يصف جمال المرأة، ويتحدث عن الحب الجسدي، والعشق الشبقي، هذا ما عنيت به عندما استخدمت مصطلح – مالك شبال – الجسدية la corporéité إنها كتابة حول جسد فردي حميمي رغبوي وجنساني، وأشير هنا إلى أنّ لغة الجسد تجد مكانها في النص القرآني، - عبد الكبير الخطيبي- يتحدث عن هذا الحضور عندما يقول استنادا إلى الشيخ النفزاوي28 قوله :" القرآن كلام شعائري لكنه فاتح للشهية"29، فلم يخل حديث قرآني عن الأنبياء من إشارة إلى فاعلية حضور الأنثى، وقد تناول -عبد الوهاب بوحديبة- هذا الموضوع بإسهاب في كتابه : la sexualité en Islam ووجد أن النص القرآني لا يتحفظ في تناول مغامرة النبوة والحب مشيرا في ذلك إلى قصة يوسف وزوجة العزيز،30 إنه يقدم تعبيرا مربكا بين المقدس والدنيوي، ويرجع سبب هذا الإرباك إلى – محورية أخلاقية –31بتعبير محمد أركون، محورية تحدد النواة الدينية المسماة بالبعد الروحي للقرآن والتي يؤطر من خلالها كل خطاب وسلوك، الإرباك نفسه نجده جليا في خطاب ابن القيم، فتارة يبدو في متنه فقيه حب ورغبة وجنسانية ويبدو تارة أخرى موجها، آمرا ومحذرا يعبر المقدس من خلاله، يتبين لنا هذا المنحى عند تناوله لموضوعات ثلاثة : وصف جمال المرأة، الحكي عن جنسانية الجنة والحديث عن الحب والعشق.
جمال الجسد الأنثوي : الشهوة و الخصوبة
يكشف لنا كتاب - أخبار النساء - لإبن القيم عن إستراتيجية خطابية ذات صورتين :
صورة وصف جمال الأنثى، حبها، رغبتها، غيرتها، غدرها وحال العشاق معها، وصورة أخرى يحكمها الحديث عن العفة والصبر أمام شهوة الأنثى وكيدها والتحذير من الخلوة بها، مما يؤكد طابع الإرباك الذي أشرنا إليه سابقا، لكن ما يثير هنا أن الحديث عن جمال المرأة يغلب على خطاب التحذير، فمعظم ما جاء في الكتاب حكي عن قصص حدثت لملوك أو شعراء أو فقهاء مع النساء، يتحدث من خلالها ابن القيم عن جغرافية لجمالية الجسد من الوجه إلى القد إلى الثدي فالبطن وصولا إلى الساق والقدم، يصف بكل ببلاغة جمالية فائقة، ومما جاء في كتابه حديثه عن وصف الفضل بن الربيع –وزير الأمين– لجارية رآها قائلا : " ثم رفعت ثيابها حتى جاوزت نحرها، فإذا هي كقضيب فضة قد شيب بماء الذهب يهتز على مثل كثيب، ولها صدر كالورد، عليها رمانتان أو حقّان من عاج يملآن يد اللامس، وخصر مطري الاندماج، يهتز كفل رجراج، (...) وسرة مستديرة يقصر وهمي عن بلوغ وصفها، تحت ذلك أرنب جاثم أو جبهة أسد غادر، وفخذان لفاوان، 32 وساقان خدلجان،33 يحرسان الخلاخيل، وقدمان خمصاوان34" 35. إنه وصف جمالي وفق رؤية عمودية من الأعلى إلى الأسفل ينطلق فيه الفقيه من تشبيه طبيعي، ليبدو الوصف خطابا حول جسد رغبوي له قيمته الثقافية واللغوية، إنه يعبّر كما يقول – فريد الزاهي – عن "جسد ظاهراتي (فينومينولوجي) يتمّ فيه جدل المرئي واللامرئي، الفيزيقي والذاتي"36، لأن الواصف هنا ينطلق من الطبيعة الخارجية في التشبيه، لكن بناء على وعي ذاتي بالجمال، وعي كله تخييل بلاغي، وشهوانية مفرطة إننا أمام جسد كلي، ذاتي وثقافي، مما يشير إلى حالة انفلات من المقدس لدى ابن القيم، ذلك أن ميزة الجسد الفقهي المحتاط والمتحفظ أنه جسد جزئي يركزّ على بعض الأعضاء لمراقبة الجسد كلّه من خلالها، في حين أننا في هذا الوصف أمام جمالية معممّة على كلّ أعضاء الجسد عبر بلاغة اللغة.
تبدو هذه الكلاّنية جليّة في معظم كتاب – أخبار النساء – إذ يتحدث فيه الفقيه، وبنفس اللغة الشعرية، الشهوانية المغايرة للغة المقدس، عن الصفات الجسدية للنساء فيصنفهن حسب جمالية أعضاء على أخرى، ليشير إلى الرمجلة وهي المرأة الضخمة، والعيطبول وهي المرأة الطويلة، والغانية وهي التي تستغني بجمالها عن الزينة، والوسيمة أي ذات الحسن الثابت وكأنها وسمت به، والصبّاحة ذات البشرة الوضاءة والجمال في الأنف، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والظرف في اللسان، والرشاقة في القدّ، واللباقة في الشمائل، وكمال الحسن في الشعر37 ثم يضع نمذجة لجمال الجسد حسب تطوّره في الزمن فتسمى "المرأة طفلة ما دامت صغيرة، ثم وليدة إذا تحركت، ثم كاعب إذا كعب ثديها، ثم ناهد إذا زاد، ثم معصر إذا أدركت، ثم خود إذا توسطت الشباب" 38، ويضيف إلى ذلك معجما لغويا لصفات جسد المرأة في جانبه الرغبوي فيتحدث عن الزجّاء والجيد والبهنكة والمملوءة والممشوقة والرقراقة والبضة والنظرة والرشوف39 وغيرها، وكأننا في هذا الوصف أمام صورة فنية، تظهر أعدادا من الصور الصغيرة لنساء يظهر في كل منها عضو من أعضائهن باد في جماليته على غيره، من الوجه والأنف والقدّ والثدي وهكذا، فقط حلت اللغة محل الريشة والكلمات بدل الألوان.
و يقف القارئ لأخبار النساء على اهتمام خاص لابن القيم بصفة الضخامة، فتكون أول ما يبدأ به في صفات المرأة، بل يضع بابا كاملا حول الثدي الضخم قائلا في بدايته : " ونذكر اختلافات الناس في الثدي (...) من استحسن الثدي الضخم ومن ذمّ ذلك"40 ليورد بعد ذلك عددا هائلا من الأبيات لشعراء يتغزلون بالثدي الضخم كنموذج مثالي لجسد أنثوي جميل، ولو عدنا إلى مقولته في بداية الكتاب حول أحسن النساء لأمكننا اكتشاف سبب اهتمامه بالضخامة، إذ يورد على لسان أعرابي قوله : " أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت (...) الولود التي كل أمرها محمود"41، هناك تراتبية يزاح فيها الجمال لصالح الخصوبة، بما يدل على تأثير واضح للتصورات العربية قبل الإسلامية بل و الشرقية القديمة خاصة منها السومرية التي تجعل من الشهوة خادمة للخصوبة42، يرجع ذلك إلى حضور المقدس الديني الذي يعطي مشروعية للجمال الرغبوي لكنه يضعه في تراتبية مقصدية تجعل الأولوية للخصوبة أو الولادة باعتبارها فعلا وجوديا يحيل إلى الإعادة المستمرة لفعل الخلق.
إن خطاب ابن القيم يبدأ بوصف جمال المرأة –الأم الولود، وينتهي بوصف جمال المرأة – الأم الضخمة، العظيمة الثدي أو الناهد كما يسميها، وبين البداية والنهاية حديث وحكي عن المرأة – الجارية. يشير – الغذامي – في كتابه - المرأة واللغة – وهو يحلل حكايات "ألف ليلة وليلة" إلى الفرق بين جمال المرأتين، فحسن وجمال المرأة – الجارية هو جمال من أجل الغواية – في حين أن جمال المرأة – الأم أو السيدة فمن أجل الولادة43، جسد الأولى جسد الرغبة والمتعة، وجسد الثانية جسد التبجيل والخصوبة. تبدو هذه الصورة جلية إذ تتكرر في أكثر من موضع في متن ابن القيم، فالجارية موضوع الحب لكنها ليست موضوع الزواج والإنجاب، أورد ذلك على لسان أعرابية سألها الأصمعي عن معنى العشق فقالت :
" ما الحب إلاّ قبلة = وغمزة كف، وعضد
ما الحب إلا هكذا = إذا نكح الحب فسد"44
وعندما ذكر لها الأصمعي أن العشق عنده أن يكون بين رجليها ويجهد نفسه، قالت : "يا ابن أخي، ما هذا عاشقا هذا طالب ولد".45 إن الجسد الأنثوي الجميل الذي يقدمه ابن القيم يعبّر بجلاء عن الإرباك الذي يفرضه الطابع المقدس للخطاب الفقهي، إذ نجده خطابا رغبويا جريئا وهو يتحدث عن صفات المرأة لكنه سرعان ما يزيح الجمال من أجل الشهوة والرغبة لصالح الخصوبة والإنجاب، لكن إستراتيجية البوح والصمت هذه لا تبرران ما للجسد الأنثوي الرغبوي من حظوة وحضور، بما يعبرّ عن "فقه جسدي" يحاكي في بلاغته الشعر الجسدي، إننا أمام "إيروس ديني " 46ميزته أنه لم يتخل تماما عن البلاغة العربية قبل الإسلامية القائمة على التشبيه الطبيعي، والطابع اللحمي في وصف الجسد.
جنسانية الجنة أو الجنسانية المتخّيلة
كتاب ابن القيم - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح –المتعلق بوصف الجنة، يحمل و بكثير من التفصيل حدثا جسديا، لكن في موقع آخر، وفي زمن آخر، إنه يتحدث عن جنسانية ورغبة بعد الموت، فالأنثى لن تكون موضوع شهوة وغواية في "الهنا"، بل ستكون موضوع حب ورغبة في"الهنالك"، إنه الإنتقال من وصف الأنثى-الإغواء إلى الأنثى – الثواب. هذا الكتاب يثير إشكالية عميقة هي إشكالية الجنسانية والموت، قد أشار إليها David Le Breton في كتابه « L’adieu au corps » عندما انطلق من عبارة George Bataille "الجنسانية تعني الانفعال بالموت والتأثر به"47 محلّلا في ذلك التشابه بينهما.
جنسانية الجنة في خطاب ابن القيم جنسانية متخيّلة، وهي مآل كل جسد مرتبك يسعى إلى رفع همّ الإرتباك والبحث عن الهدوء، والمسلم يعيش هذا الإرتباك لأنه يخضع لممنوعات وحدود جنسية يخشى تعديها، لذا كانت الجنسانية المتخيلة أمرا ملحا، ففيها ذكر للنعم تعويضا للمنع، وقد عدّ ابن القيم وصف الجنة وملذّاتها فضلا إلهيا لأنه يشكّل اطمئنانا لمن وضع جسده طيعّا للمنع، يقول : "وكان من فضل الله العظيم على عباده ورحمته بهم ومحبته لهم أن جلّى لهم أمر الجنّة ووصف لهم نعيمها "48. إن الجنة مكان آخر، في زمن آخر، يبدأ فيها الجسد رحلة جديدة كلها قداسة لكن في منحى واحد هو المباح لأنه لن يكون هناك منع وحرام أبدا، الجنة مكان واسع جدّا -يقول ابن القيم- يضم مائة درجة، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. ستكون مليئة بالنساء، دنيويات وأخرويات، فأما الصنف الثاني فهو الحور العين، نساء ذات جمال فائق، " فالحور، جمع حوراء وهي المرأة الشابة، الحسناء، الجميلة، البيضاء، شديدة سواد العين (...) التي يحار فيها الطرف من رقّة الجلد وصفاء اللون"49، ويفتح ابن القيم الباب لمخيلته في استعراض أوصاف الحور بناء على اللون والطول والعرض والاتساع والضيق فيقول : " وإنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع : فمها، وخرق أذنها، وأنفها وما هنالك، ويستحب السعة منها في أربعة مواضع : وجهها وصدرها وكاهلها وهو ما بين كتفيها وجبهتها، ويستحب البياض منها في أربعة مواضع : لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها، ويستحب السواد منها في أربعة مواضع : عينها وحاجبها وهدبها وشعرها، ويستحب الطول منها في أربعة : قوامها وعنقها وشعرها وبنانها، ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية : لسانها، ويدها ورجلها وعينها"50، جسد الحور العين في وصف ابن القيم جسد رغبوي بامتياز يحمل نفس أوصاف نساء الدنيا لكن بجمالية مثالية وجنسانية عالية، إنه جسد شفاف له شهوة غير منتهية، مضاعفة له قدرة هائلة على الملاعبة والمداعبة 51، إنه موضوع لمتعة خالدة.
يختلف جسد الرجل في الجنة تماما عن الجسد الدنيوي، في نظر ابن القيم، فهو جسد في غاية الجمال كصورة القمر، لا يبصق ولا يتغوّط، يأكل في أواني من ذهب وفضة ولؤلؤ، عرقه كرائحة المسك، إنه يحمل صفات شاب في مقتبل العمر، في سن الثالثة والثلاثين طوله ستون ذراعا، أجرد، أمرد، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه52. تحيل هذه الأوصاف إلى جسد جنساني مؤهل لأن يكون موضوعا للحب من طرف نساء الجنة لذا سيقلب ابن القيم المعادلة الجنسية الدنيوية، فبدل أن تكون المرأة موضوع الإشتهاء، سيتحوّل الرجل إلى موضوع للرغبة، حيث يضع الفقيه بابا كاملا في كتابه يسميه :" إن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهنّ"53.
ما يلاحظ عن وصف ابن القيم للجنة أنه وصف طبيعي، فعندما يتحدث عن اللون، والرائحة، والأبواب والبساتين، والأنهار والدرجات والمنازل والخيام والنساء والغلمان والخدم كما جاء في الكثير من أبواب وفصول – حادي الأرواح – يقدم هوية أخرى للجسد، هوية متخيّلة لكنها لا تنفصل عن أساسها الواقعي، كما يبدو أن هذا الوصف الطبيعي يحكمه بعد جسدي واحد هو العين، " فالكل يبدأ بالعين وينتهي بالعين"54، كما يقول عبد الوهاب بوحديبة فأول ما ينعم به الجسد رؤيته للحور العين، والإسم هنا دلالة تحيل إلى العين أيضا، ثم تستأنف اللذة برؤية مناظر الجنة، لينتهي الحدث بأعظم لذة يذكرها ابن القيم، إنها لذة رؤية الذات الإلهية، " إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلّى لهم الربّ تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كل نعيم عاينوه، حين نظروا إلى وجه الرحمن"55 . يبدو في هذا الوصف الجسدي المتخيل حول الجنة وجنسانيتها أنه وصف يجعل من الجمال والحب والرغبة موضوعات مركزية، إنه يواصل بلغته سيكولوجية، وبشكل لافت، مفهوم الحياة بعد الموت بكل متعها الجنسية وبكثير من التفصيل وكأننا أمام صور حقيقية رغم بعدها التخييلي.
الحب والعشق في خطاب ابن القيم
لقد تحدث الفقيه الحنبلي عن الحب والعشق في كتابه : "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، لكنه ليس الحب النظري الذي أشار إليه أفلاطون في –المأدبة- بل حب جسدي موضوعه المرأة – الجسد وليس الفكرة والحقيقة، وإن أرادت الكثير من القراءات الأخلاقية للحب أن تسقط النظرية الأفلاطونية للحب على كل الكتابات الفقهية من ابن داوود إلى ابن حزم وصولا إلى ابن القيم56. حديث ابن القيم عن الحب كحديثه عن الجمال يبدو أيضا مرتبكا ارتباك الفقيه الذي يستشعر انفصاله عن موضوعه التقليدي، ارتباك الصراع الخفي بين المقدس والجنسانية، سيعبر عن ذلك عندما يشير في مقدمة كتابه – روضة المحبين – إلى أنه سيعقد اتفاقا بين العقل –المنساق إلى المقدس- والهوى المنفلت منه يقول :" فلذلك وضعنا هذا الكتاب، وضع عقد الصلح بين الهوى والعقل، وإذا تمّ عقد الصلح بينهما سهل على العبد محاربة النفس والشيطان"57، هذه العبارة تحدد إستراتيجية خطابية سيعتمدها الفقيه، تقوم على اتجاهين؛ الأول أنّه سيتحدث عن الهوى، لقد قرّر أنه موضوع الحب، حب جسدي وليس حبّا روحيا أو إلهيا، ثانيا، أن حديثه عن الهوى والحب سوف لن ينحرف إلى ما يخالف المقدس، بناء على مقتضى العقد. هذه المقدمة تحيل إلى القانون "الحمدلي" الذي أشار إليه عبد الكبير الخطيبي وهو يحلل متن الشيخ النفزاوي –الروض العاطر في نزهة الخاطر – ومعناه أن الافتتاح والاختتام بآيات القرآن، والانتعاش ببعض الأحاديث خلال فترات النص، يشكل ضمانا لمراقبة أي هذيان أو انحراف بالنص، كما يشير في الآن نفسه إلى قبول إمكانية وجود حب أو ممارسة جنسية بموافقة إلهية58.
يبدأ الفقيه بتحديد مدلول الحب، فيضع له خمسين اسما59 تحيل كلها إلى تجربة العلاقة بين المحب والمحبوب، ويعزو الاختلاف بين تلك الأسماء إلى تنوع التجارب وأشكال العلاقة، وهنا يختلف عن ابن حزم الذي اعتمد في تعريفه للحب منطلقات فلسفية أفلاطونية ثم ناقشها بل ورفضها، في حين أن ابن القيم اعتمد منطلقات لغوية حاول أن يستخرج من خلالها مدلولات جسدية، فعندما يقف مثلا عند السياق اللغوي لكلمة –المحبّة – كأولى أسماء الحب، يرى أن العرب اختلفت حولها "فقيل أصلها الصفاء، لأن العرب تقول لصفاء بياض السنان ونضارتها، حبب السنان، وقيل مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد، فعلى هذا، المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج عند لقاء المحبوب"60، لم يبق الفقيه عند ظاهر الاشتقاق بل نقله ليعبّر عن تجربة العلاقة بين المحبّ و المحبوب، فانتقل من ثوران ماء المطر الشديد إلى ثوران القلب واهتياجه في الحب، بالإستراتيجية نفسها يواصل ابن القيم الاشتقاق فتعني العلاقة – كإسم من أسماء الحب – التعلق بالمحبوب، ويعني الهوى الميل الدائم بالقلب الهائم، والشغف هو رقة القلب وحرارته إلى درجة الحرق، والكلف هو الولع والارتباط، والتتيّم هو التعبّد والذلّ، ويعني الشوق سفر القلب إلى المحبوب، والشجو إسم للحب يتبعه همّ وغمّ وحزن، والدنف والوصب اسمان يتبعهما الألم والمرض، والخلابة تعبير عن علاقة الخداع في الحب، والوهل حبّ يعتريه الروع مع رعدة ورعشة للجسد أمام هول وجمال المحبوب، واللّمم هو الحب المجنون، والخلّة تعني الحب المتوحّد الذي لا يقبل المشاركة، والغرام هو الحب اللازم الولوع61.
الدافع إلى الحب عند ابن القيم هو الجمال، " فمتى كان المحبوب في غاية الجمال، وشعور المحّب بجماله أتمّ شعور، والمناسبة التي بين الروحين قوية، فذلك الحب اللازم الدائم"62. لكن ما الذي يجعل المحبّ يهيم في جمال محبوبه؟ هل يرى من ورائه فكرة الجميل ومثاليتها؟ هل هو شعور الروع والاحترام الذي وقفه العقل – الحوذي أو السائق الماهر – أمام فكرة الجميل كما جاء في محاورة le Phèdre – فيدروس -؟ ابن القيم لم يكن أفلاطونيا في إجابته عندما قال : " فإنه إذا شاهد)حسنها وجمالها كان ذلك أدعى إلى حصول المحبّة والألفة بينهما" 63فالداعي إلى الحب هو الجمال وموضوع الجمال جسد المرأة لا فكرة الجمال في ذاتها، وحتى المناسبة أو المشاكلة بين نفسي المحب والمحبوب ليست مناسبة روحية مثالية بالمعنى الأفلاطوني بل جسدية، التناسب في أصل الخلقة والطباع المجبولة، إنه "تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة"64، إن الحب عند ابن القيم "واحدي"65 فالاشتياق إلى المحبوب هو اشتياق إلى الذات وحبّه هو حبّها لذاتها، لخلقتها وطباعها، يقول في ذلك : " صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها في كل أحوالها"66، وكلما كانت المناسبة أوالمشاكلة أعلى وأعظم كانت المحبة أثبت وأكثر استحكاما.
عندما يعمد الفقيه الحنبلي إلى تحديد ماهية العشق، يضعنا أمام قسمين من الأقوال، قسم يعرّف العشق في جانبه السلبي، وآخر يعرفه في جانبه الإيجابي، فأما التعريف السلبي فهو التعريف الفلسفي والطبي، حيث يستدل بتعريف أفلاطوني وأرسطي قائلا : " وقال أفلاطون : العشق حركة النفس الفارغة، (...) وقال أرسطو، العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا"67، ثم يذكر أن الأطباء قد أجمعوا على أن العشق مرض وسواسي يشبه الماليخوليا 68 له أعراض نفسية كالاستحسان وأعراض بدنية كارتفاع بخار رديء إلى الدماغ عن منيّ محتقن، وأكثر ما يعتري العزّاب وكثرة الجماع تزيله69. وفي المقابل يذكر التعريف الإيجابي للعشق، فيمن يرى فيه هياما وجنونا وتضرّعا وسحرا، يلطّف الطباع ويرفع الأخلاق، ويستند في ذلك إلى ما ذكره – ثمامة بن الأشرس – أحد جلساء –المأمون- عن العشق قائلا : "جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جارية، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعقول وآرائها"69، وعندما يأتي ليتخذ موقفا من العشق بين إيجابيته وسلبيته، نفعه وضرره، يتوسط الآراء وتتدخل المعايير الأخلاقية، فالعشق عنده "لابد فيه من التمييز بين الواقع والجائز، النافع والضار، ولا يحكم عليه بالذم والإنكار ولا بالمدح والقبول من حيث الجملة، وإنما يبيّن حكمه وينكشف أمره بذكر متعلقه "70، أي أسبابه ودواعيه، فالعشق صنفان : فاسد وعفيف، العشق الفاسد، "متعلقه فعل الفاحشة بالمعشوق" 71، أما العشق العفيف فهو " الرجل الظريف الذي يأبى له دينه وعفته ومروءته، أن يفسد بينه وبين الله، وبين معشوقه بالحرام" 72، رغم ما يبدو من إدراج ابن القيم للعشق في مجال المقدس والتمييز بين مظاهره وممارساته وفق معايير أخلاقية ودينية، إلاّ أن ذلك لم يمنعه من فتح المجال لخياله الفسيح في الحديث عن حالات العشق وأحوال العشاق من خلال قصص لملوك وشعراء مع الجواري وذكر للكلام المتعارف عليه بين العرب حول الحب والعشق في تلك الفترة من الزمن، فتبدو الكتابة مفتوحة، منفلتة و هذيانية. و قد أدرك ابن القيم هذه الصورة الثانية في كتابته عندما سمّاها في مقدمة كتابه – روضة المحبين – "نكتا تفسيرية هدفها الترويح"73، ويسمي – الخطيبي- هذه الإستراتيجية في الخطاب الفقهي حول الحب والجسد بالقانون الحكائي 74.
إن الكتابة المنفلتة حول الجسد أو ما سميته – جسدية – Corporéité تبدو في متن الفقيه خطابا – جهويا – يتحرك في الهامش، وهذا الخطاب لا يخلو من سلطة ثانية أضيفت إلى سلطة المقدس، إنها سلطة الذكورة، فابن القيم وهو يستعرض تجارب العشق والحب، يستعرضها كمن يعلّم الحب، فيحدّد التعريفات، ويضع الأوصاف، ويقيم التجارب، ويعرض الدواء، ويفرق بين الضار والنافع، ويمدح ويذمّ، وهذا هو الفعل المألوف للفقيه، إنه الذي يعلّم الدين فكيف لا يعلّم الحبّ، في حين أن الحب تجربة تمارس بكل امتلاء وعفوية ولا يمكن أن تعلّم. إن تعليم الحبّ، إضفاء لسلطة ونظام وانضباط، والحب يعاند كل إرادة للقوة خارج الجسد العاشق الذي تحركه الرغبة في إيقاعه الوجودي الخاص. كما أن خطاب ابن القيم هو خطاب الرجل عن المرأة، إن المرأة مجرد موضوع لحبّه ورغبته، إنه يجعل من جسدها مجرد دليل لا يستمد قيمته إلاّ من خلال علاقته بجسد الرجل، فالرغبة قضية الرجل، وما المرأة إلاّ منفعل أمامها وأمامه، في حين أن تجربة الحب ليست تجربة ذكورية وحسب بل تجربة تقتضي التكافؤ75، فإذا كان الرجل جسدا ذاتيا، فإن المرأة أيضا جسد ذاتي يمسّ ويمسّ، فاعليته مزدوجة، فالحب ليس أثر المحبوب في المحبّ كما أراد أن يظهره ابن القيم في اشتقاقاته اللغوية، بل رغبة متكافئة وتأثير متبادل لأن غرض التجربة الأول وجودي إنه إثبات الجسد الذاتي "البحث عن الحب إنما هو بحث لمعرفة الذات، ورغبتنا في الحب هي رغبتنا لأن يعترف بنا لا من أجل ما نفعل ولكن من أجل ما نكون"76 .
الخاتمة
إن دراسة إشكالية الجسد والمقدس في خطاب ابن القيم، تكشف عن تمظهر لفاعلية الجسد، فرغم أن كتابته حول الموضوع أحدثت لديه ارتباكا حيث تأرجح موقعه في النص بين فقيه الحب والفقيه الموجّه والمحذّر من الحبّ، لكن هذه الإستراتيجية الخطابية المرتبكة أفرزت معجما لغويا هائلا حول الجمال والحب والعشق، معجم عبّر عن بلاغة جسدية فقهية لا تقل في أهميتها عن بلاغة شعراء الغزل، إن المرأة لم تلهم الشعراء والفلاسفة وحدهم بل ألهمت الفقهاء أيضا. هذه الدراسة تجعلنا نؤكد ما ذكره – علي حرب – من أن العرب القدماء كانوا أكثر انفتاحا منا في نظرتهم إلى جسدهم وفي طريقة تحصيلهم لمتعهم وملذاتهم، والدليل أنهم كانوا يسمّون الأشياء بأسمائها ويتحدثون عن كثير من أعضاء الجسد، قد نخجل نحن اليوم من تسميتها، وكانوا يتكلمون عن علاقات الحب بكلام قد نسكت عنه اليوم إما بدافع الحياء أو بدافع الخوف.
1 Chirpaz, François, Le corps, Paris, P.U.F, 1ère édition, 1968, p. 2.
2 Patočka, Jan, Etudes phénoménologiques, Bruxelles, éditions Ousia, 1985, p. 42.
3 Lediraison, Serge et Zernik, Eric, Le corps des philosophes, Paris, P.U.F, 1ère édition, 1993, pp. (...)
4 Merleau Ponty, Maurice, Phénoménologie de la perception, Paris, Gallimard, 1945, p. 173.
5 Merleau Ponty, Maurice, La nature, Paris, Editions du Seuil, 1994, p. 380.
6 Ibid, p. 379.
7 سعيد، جلال الدين، فلسفة الجسد، تونس، دراميّة للنشر، ط1، 1992، ص. 87.
8 لمعرفة أكثر حول هاتين الوظيفتين، أنظر : سعيد جلال الدين، فلسفة الجسد، من ص. 31 إلى ص.47، وأنظر أيضا (...)
9 الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام، الدار البيضاء، (المغرب)، (د-ط)، دار إفريقيا الشرق، (...)
10 Chebel, Malek, Le corps en Islam, Paris, P.U.F- Quadrige, 1ère édition 1986, p. 15.
11 Ibid, p. 24.
12 Ibid, p. 24.
13 ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والآلاف ،تحقيق، فرشوخ، محمد أمين، بيروت، دار الفكر العربي، ط1، 1995،(...)
14 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، تحقيق، سمير مصطفى رباب، بيروت، المكتبة العصرية للطباعة وال (...)
15 لمعرفة هذه النمذجة الرباعية للجسد بتفصيل أكثر أنظر : Le corps en Islam , Malek, Chebel,، وفريد الزا (...)
16 فوكو، ميشيل، المراقبة والمعاقبة، ترجمة،علي المقلدّ، بيروت، مركز الإنماء القومي، (د-ط)، 1990، ص. 34.
17 ابن القيم، كتاب الفوائد، تحقيق، فوّاز، أحمد زمرلي، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2002، ص. 199.
18 ابن القيم، أخبار النساء، تحقيق، نزار رضا، بيروت، منشورات دار مكتبة الحيلة، (د-ط)، 1982، ص. 177.
19 ابن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، بيروت، دار الفكر، (د-ط) 2002، ص. 115.
20 يقسم George Peter, Murdock في كتابه "البنية الاجتماعية"، المجتمعات إلي صنفين حسب طريقتها في مراقبة (...)
21 ابن القيم، الجواب الكافي، ص. 178.
22 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 74.
23 ابن القيم، البيان في مصايد الشيطان، تحقيق، صالح أحمد الشاهي، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، (...)
24 المصدر السابق، ص. 183.
25 ابن القيم، الجواب الكافي، ص.199.
26 إلياد، يرى مارسيا،, Eliade, M. أن حضور المقدس في التجربة الدينية أو ما يطلق عليه "بالهيروفانيا" أي (...)
27 Bousquet, George, L’éthique sexuelle de l’islam, Paris, Sesclée de Brower, 1990, page5.
28 هو أبو عبدالله، محمد بن عمر النفزاوي ،عالم دين عاش في تونس، كتب سنة925هجرية (القرن 15م) كتابه الشهي (...)
29 الخطي، عبد الكبير، الإسم العربي الجريح،بيروت، دار العودة، الطبعة الأولى، 1980، ص. 101.
30 Bouhdiba, Abdelwahab, La sexualité en Islam, Paris, P.U.F- Qardrige, 5ème édition 1998, pages. 32-4 (...)
31 أركون، محمد، الإسلام – الأخلاق والسياسة - ترجمة : هاشم صالح، بيروت، مركز الإنماء القومي،الطبعة 1، 1 (...)
32 لفاوان : ممشوقان ومكتسيان لحما.
33 خدلجان : ممتلئان، ضخمان .
34 خمصاوان : مرتفع باطنهما عن الأرض لا يمسانها.
35 ابن القيم، أخبار النساء، ص. 161.
36 الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام، ص. 85.
37 ابن القيم : أخبار النساء، ص. 228.
38 المصدر نفسه، ص. 228.
39 المصدر نفسه، ص. 229-230.
40 المصدر نفسه، ص. 131.
41 المصدر نفسه، ص. 11.
42 لمعرفة أكثر حول التصور الشرقي القديم لجمال الجسد القائم على قدسية الخصوبة والإنجاب أنظر :، خياطة، م (...)
43 الغذامي، عبد الله محمد، المرأة واللغة، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط2، 1997، ص. 71.
44 ابن القيم، أخبار النساء، ص. 51.
45 المصدر نفسه، ص. 51.
46 Bousquet, George, L’éthique sexuelle de l’Islam, page. 4.
47 Le Breton, David, L’adieu au corps, Paris, Editions Métalié, 1999, page. 161.
48 ابن القيم، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو وصف الجنة، تحقيق : يوسف علي بديوي، دمشق، دار ابن كثير، (...)
49 المصدر نفسه، ص. 314.
50 المصدر السابق، ص. 315-316.
51 أنظر وصفه للحور العين وهو يفسر آيات : " أبكارا عربا أترابا" و " كواعب أترابا "، حادي الأرواح، من ص. (...)
52 أنظر وصفة لرجل الجنة، حادي الأرواح، ص. 218-219.
53 المصدر نفسه، ص. 542.
54 Bouhdiba, Abdelwahab, La sexualité en Islam, page. 103.
55 ابن القيم، حادي الأرواح، ص. 452.
56 أشير هنا إلى ما ذكره علي سامي النشّار، وعباس الشربيني عن تأثير المأدبة الأفلاطونية في الكتابات الفق (...)
57 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 16.
58 الخطيبي، عبد الكبير، الاسم العربي الجريح، ص. 102.
59 يذكر ابن القيم أن للحب ستين إسما (ص 19) لكنه لم يتحدّث إلاّ عن خمسين فقط.
60 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 20.
61 المصدر نفسه، من ص.21 إلى ص 40.
62 المصدر نفسه، ص. 49.
63 المصدر نفسه، ص. 50.
64 المصدر نفسه، ص. 50.
65 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 50.
66 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 50.
67 المصدر نفسه، ص. 94.
68 الماليخوليا : يعني مرض الوسواس عند العرب.
6 المصدر نفسه، ص. 94.
69 المصدر نفسه، ص. 95.
70 ابن القيم، الجواب الكافي، ص.227.
71 المصدر نفسه، ص. 221.
72 المصدر نفسه، ص. 221.
73 ابن القيم، روضة المحبين، ص. 18.
74 الخطيبي عبد الكبير، الاسم العربي الجريح، ص. 103.
75 السعداوي، نوال، المرأة والجنس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط4،1980، ص.39.
76 المرجع نفسه، ص.141.
.
صورة مفقودة