نقوس المهدي
كاتب
ذات عيد ٍ
ذات عصر ٍ أخضر .
كنت في بيت صديقي " إبراهيم صيادي "
ذلك الذي يقطر من أصابعه الناحلة ِ
حليبُ الموسيقى ..
ومن حنجرته شهدُ الأهلة ِ ..
وفي صوته تتبختر نرجسة ُ الماء .
كنا صِبيْة ً في نضارة الورد ِ
وفي نصاعة الياسمين .
في رقة الفراشة ِ
ووسامة ِ الجناح .
بيتُ " إبراهيم "
المشيدُ من حجر ٍ
وجصٍّ
وهمس ٍ
وأنّة ٍ
وهديل .
كان يموجُ كفلّة ٍ بيضاء .
يموج بالعيد ِ
والحلوى
والبخور ِ
وضوع ِ الأمهات .
كنا صِبْية ً فاتنين ..
نلمس الغبار فيستحيل أغنية ً
ونهمسُ للغصون فتستحيل غابة نساء ٍ
ونتخيل جذع فتاة ٍ ،
فتميل بنا الحجرة ُ
ونختبئ في ضحكة ٍ صغيرة ٍ
أو نسترخي على أريكة ِ الدندنة .
كنا صبية ً ،
في بياض ِ " العمامة ِ "
ليس لنا شبيه ٌ سوى قطع الحلوى
التي تشبه بيضَ عصفور ٍ صغير .
خرجنا من الحجرة ،
وآثرنا جلسة ً خضراء في ظلال ِ البيت
تلك الظلالُ كانت فاترة ً كقلب ِ سيدة ٍ يابسة ..
وعامرة ً بأعراسنا المؤجلة .
تلك إذن جلسة خضراء
في الفناء المغمور بأشجار الليمون
والتين واللوز والنعناع والذكريات .
جلسنا على " قعادة ٍ " مجدولة ٍ
من سعف ٍ
ومكابدات ..
تناول " إبراهيم " عوده الحصيف َ
وشرع يدندن كما يهطلُ المطرُ على زجاج النافذة
كما يهطل الصيفُ في القلب
والربيعُ في الغصون :
ـ " ريانة العود ..
نادي الليالي تعود
وجهي اللي ضيعته زمان
في عيونك السود " !
فتبخترت في مشيتها الأشجارُ
واستحالت نساء .
كل شجرة ٍ أنثى
وكل جذع ٍ يميلُ .
دندن بعذوبة ٍ :
ـ " البارحة ...
لامرّوا علي ربعي أقولْ
إن السما
ما هي سما
وأغيّرْ أوقاتْ الفصول ْ " .
امتلأت تكة الساعة بدلال ِ
فتاة ٍ من الحي ِّ ، قالت : سلاما ..
واستردّت عجوزٌ جاءت تعودُ " أم إبراهيم "
صباها الغارب ..
واشتعالها القديم ..
القديم كجمرة ٍ ،
أو كخمرة ٍ
من وله ٍ حارق .
دندنَ :
ـ " يا طفلة ً تحت المطر " ،
فابتلت عباءاتُ النساء ِ في المخيلة ِ..
كل العباءات ِ حين تكون مليئة ً بالحسان ِ
تستحيلُ حدائق ذات بهجة .
تستحيل ُ أعيادًا فوق الأعياد .
دندن َ واصفًا مليحة ً عصية ً :
ـ " أحلى من الكذبة على شفّة طفلْ " !
فطرقت ِ البابَ
( وربما قلبي
وقلب هذا الذي يسيلُ غناءً
ناعمًا كالحرير . )
مليحتان ..
مليحتان بالباب ِ
مليحتان على العتبة
مليحتان عامرتان بما ليس يوصف
مليحتان ...
حينها تذكر خشبُ الباب ِ
أمه الشجرة ..
وتذكر " العودُ " أصوله الخضراء ..
واستبدّ به الحنين .
دخلت الفتاتان ..
فذاعت رائحة النسوة ِ
في المكان .
وتضوع العطرُ في الرئات
وراح الفلُّ والكادي والبعيثرانُ والشيح ُ
يضرمون في قمصاننا العبق ..
وكان العبقُ مسرانا إلى سماء ٍ ثامنة ٍ
ورب ٍ كريم .
دخلت الفتاتان ..
علانية ً ، علانية ً ..
فصارت ِ الجدرانُ الكالحةُ مرايا ..
والوجوه ُ من ذهول .
الفتاتان
لجتان من فلفل ٍ
وقرنفل ٍ ..
من " قات ٍ "
و " أوقات " ..
تبسمتا ..
فأشعلتا فينا ارتباكًا صغيرًا
كارتباك شمعة ٍ في النسائم .
تمايلتا ..
كنخلتين فائضتين بالأنوثة ،
وزاخرتين بالعذوق .
تمايلتا ..
فتراقص َ الشمّامُ في الصدور
وأطل المشمشُ ناضجاً من تحت الغلالة .
مشتا قليلاً
توقفتا ...
فماجَ البيتُ
وأدركتنا شرارة ٌ
واشتعلنا ..
مدّت كلٌّ منهما يدًا .
فغرقنا في العطر ِ
وأدركنا طربٌ
ليس كالطرب ِ ..
أنصتتا
لغناء ٍ ليس كالغناء ..
ـ " هي قشيعة نخلْ وظنونْ
يرقّصْ سعفها قيلولة الدارْ .
وهي قطيره من الحنّون ْ..
تضحك ْ في الدفا ..
وتكحّلْ النار ْ
ومن تمشي
تميلْ غصون ْ ..
وتتفتّحْ جروحي ازهارْ
ومن تضحكْ يرقْ الكون ْ
وتصبحْ دمعته أوتارْ "
مسَّتهما غيمة ٌ
واستحالتا كرذاذ ٍ خفيفْ ..
طفقتا ترقصان ..
حينها ..
رأيتُ فيما رأيتُ
غزالتين من سهد ٍ
وقمرين من فضة ٍ
واشتهاء ٍ نبيل ْ ..
ما الذي لديهما
ليس مهيأً للقطف ِ
والقصف .؟
نهضتُ
تدفقتُ
تشبثتُ
بجذعي نخلتين ِ شهيتين
بخصرين ضيقين كمضيق هرمز ..
وناحلين كعودي ثقاب ..
ناحلين
ناحلين
من فرط لمس الأصابع ..
رقصتُ كبجعة ٍ..
كزوربا ..
واخضرَّ الحب ُّفي الأطراف
والوقت ُ في القافية .
* عبد المحسن يوسف
اللتان تدفقتا ذات عصر ٍ أخضر .
.
ذات عصر ٍ أخضر .
كنت في بيت صديقي " إبراهيم صيادي "
ذلك الذي يقطر من أصابعه الناحلة ِ
حليبُ الموسيقى ..
ومن حنجرته شهدُ الأهلة ِ ..
وفي صوته تتبختر نرجسة ُ الماء .
كنا صِبيْة ً في نضارة الورد ِ
وفي نصاعة الياسمين .
في رقة الفراشة ِ
ووسامة ِ الجناح .
بيتُ " إبراهيم "
المشيدُ من حجر ٍ
وجصٍّ
وهمس ٍ
وأنّة ٍ
وهديل .
كان يموجُ كفلّة ٍ بيضاء .
يموج بالعيد ِ
والحلوى
والبخور ِ
وضوع ِ الأمهات .
كنا صِبْية ً فاتنين ..
نلمس الغبار فيستحيل أغنية ً
ونهمسُ للغصون فتستحيل غابة نساء ٍ
ونتخيل جذع فتاة ٍ ،
فتميل بنا الحجرة ُ
ونختبئ في ضحكة ٍ صغيرة ٍ
أو نسترخي على أريكة ِ الدندنة .
كنا صبية ً ،
في بياض ِ " العمامة ِ "
ليس لنا شبيه ٌ سوى قطع الحلوى
التي تشبه بيضَ عصفور ٍ صغير .
خرجنا من الحجرة ،
وآثرنا جلسة ً خضراء في ظلال ِ البيت
تلك الظلالُ كانت فاترة ً كقلب ِ سيدة ٍ يابسة ..
وعامرة ً بأعراسنا المؤجلة .
تلك إذن جلسة خضراء
في الفناء المغمور بأشجار الليمون
والتين واللوز والنعناع والذكريات .
جلسنا على " قعادة ٍ " مجدولة ٍ
من سعف ٍ
ومكابدات ..
تناول " إبراهيم " عوده الحصيف َ
وشرع يدندن كما يهطلُ المطرُ على زجاج النافذة
كما يهطل الصيفُ في القلب
والربيعُ في الغصون :
ـ " ريانة العود ..
نادي الليالي تعود
وجهي اللي ضيعته زمان
في عيونك السود " !
فتبخترت في مشيتها الأشجارُ
واستحالت نساء .
كل شجرة ٍ أنثى
وكل جذع ٍ يميلُ .
دندن بعذوبة ٍ :
ـ " البارحة ...
لامرّوا علي ربعي أقولْ
إن السما
ما هي سما
وأغيّرْ أوقاتْ الفصول ْ " .
امتلأت تكة الساعة بدلال ِ
فتاة ٍ من الحي ِّ ، قالت : سلاما ..
واستردّت عجوزٌ جاءت تعودُ " أم إبراهيم "
صباها الغارب ..
واشتعالها القديم ..
القديم كجمرة ٍ ،
أو كخمرة ٍ
من وله ٍ حارق .
دندنَ :
ـ " يا طفلة ً تحت المطر " ،
فابتلت عباءاتُ النساء ِ في المخيلة ِ..
كل العباءات ِ حين تكون مليئة ً بالحسان ِ
تستحيلُ حدائق ذات بهجة .
تستحيل ُ أعيادًا فوق الأعياد .
دندن َ واصفًا مليحة ً عصية ً :
ـ " أحلى من الكذبة على شفّة طفلْ " !
فطرقت ِ البابَ
( وربما قلبي
وقلب هذا الذي يسيلُ غناءً
ناعمًا كالحرير . )
مليحتان ..
مليحتان بالباب ِ
مليحتان على العتبة
مليحتان عامرتان بما ليس يوصف
مليحتان ...
حينها تذكر خشبُ الباب ِ
أمه الشجرة ..
وتذكر " العودُ " أصوله الخضراء ..
واستبدّ به الحنين .
دخلت الفتاتان ..
فذاعت رائحة النسوة ِ
في المكان .
وتضوع العطرُ في الرئات
وراح الفلُّ والكادي والبعيثرانُ والشيح ُ
يضرمون في قمصاننا العبق ..
وكان العبقُ مسرانا إلى سماء ٍ ثامنة ٍ
ورب ٍ كريم .
دخلت الفتاتان ..
علانية ً ، علانية ً ..
فصارت ِ الجدرانُ الكالحةُ مرايا ..
والوجوه ُ من ذهول .
الفتاتان
لجتان من فلفل ٍ
وقرنفل ٍ ..
من " قات ٍ "
و " أوقات " ..
تبسمتا ..
فأشعلتا فينا ارتباكًا صغيرًا
كارتباك شمعة ٍ في النسائم .
تمايلتا ..
كنخلتين فائضتين بالأنوثة ،
وزاخرتين بالعذوق .
تمايلتا ..
فتراقص َ الشمّامُ في الصدور
وأطل المشمشُ ناضجاً من تحت الغلالة .
مشتا قليلاً
توقفتا ...
فماجَ البيتُ
وأدركتنا شرارة ٌ
واشتعلنا ..
مدّت كلٌّ منهما يدًا .
فغرقنا في العطر ِ
وأدركنا طربٌ
ليس كالطرب ِ ..
أنصتتا
لغناء ٍ ليس كالغناء ..
ـ " هي قشيعة نخلْ وظنونْ
يرقّصْ سعفها قيلولة الدارْ .
وهي قطيره من الحنّون ْ..
تضحك ْ في الدفا ..
وتكحّلْ النار ْ
ومن تمشي
تميلْ غصون ْ ..
وتتفتّحْ جروحي ازهارْ
ومن تضحكْ يرقْ الكون ْ
وتصبحْ دمعته أوتارْ "
مسَّتهما غيمة ٌ
واستحالتا كرذاذ ٍ خفيفْ ..
طفقتا ترقصان ..
حينها ..
رأيتُ فيما رأيتُ
غزالتين من سهد ٍ
وقمرين من فضة ٍ
واشتهاء ٍ نبيل ْ ..
ما الذي لديهما
ليس مهيأً للقطف ِ
والقصف .؟
نهضتُ
تدفقتُ
تشبثتُ
بجذعي نخلتين ِ شهيتين
بخصرين ضيقين كمضيق هرمز ..
وناحلين كعودي ثقاب ..
ناحلين
ناحلين
من فرط لمس الأصابع ..
رقصتُ كبجعة ٍ..
كزوربا ..
واخضرَّ الحب ُّفي الأطراف
والوقت ُ في القافية .
* عبد المحسن يوسف
اللتان تدفقتا ذات عصر ٍ أخضر .
.