نقوس المهدي
كاتب
نشأ خلاف قديم حول ما إذا كانت المرأة تُفرز سائلا خاصا، لدى بلوغها النشوة الجنسية. كان الطبيب اليوناني القديم أبو قراط قد أكد أن المرأة تُخرج ماء، لدى بلوغها النشوة الجنسية. لكن الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو، نفى ما ذهب إليه ابو قراط. وانتقل الخلاف القديم حول مسألة ماء المرأة الجنسي، إلى العصر الحالي.
ورد في مقال للدكتور وائل أبو هندي، المنشور بعنوان "الماء والنساء ، ماء المرأة في الإرجاز(نشوة الجماع)" على الرابط التالي /maganin أن الباحثين الأمريكيين في المسألة الجنسية، ماسترز وجونسون نفيا في بداية بحوثهما أن يكونَ هناك مقذوف أنثوي يخرج من مبال المرأة، لدى بلوغ النشوة الجنسية، كما حال الرجل. لكنهما قالا بعد عقدين من الزمن: إن هناك سائلا يخرج من فتحة المبال في بعض الإناث مع بلوغهن النشوة الجنسية؛ استدركا: لكن هذا السائل هو بول يفلت من المرأة كشكل من أشكال سلس الضِّغاط Stress Incontinence في نسبة قليلة من النساء.
السائل الذي يشير إليه الباحثان الأمريكيان هو غير إفرازت المهبل وعنق الرحم وغدة بارثولين التي تفرز من المرأة عند استثارتها جنسيا.
لكن ابحاثا علمية أخرى، كشفت عن إفرازاتٍ من الغدة القرب مَبَالية Parauretheral Gland. وتختلطُ هذه الإفرازات بكميةٍ ضئيلةٍ من البول أيضًا، وما تزالُ الأبحاثُ في هذا الموضوع ضئيلةً جدًّا لأن معظمَ هذه الإفرازاتُ إن حدثت إنما تدخل إلى المثانة ولا تخرجُ من الفتحة الخارجية.
فقد تواترت في الآونة الأخيرة الأبحاثُ -العلمية جدا- التي تشيرُ:
أولاً: إلى الوجود التشريحي لما يمكنُ أن نسميه مَوْثةَ المرأة Female Prostate أو إسفنجة المبال Urethral Sponge في الإناث، والتي تحيط بالمبال في الأنثى مثلما تحيط الموثة (البروستاتا) بالمبال في الذكور.
وثانيا: إلى أن هذه الموثة الأنثوية الموجودة في جدار المهبل الأمامي وهي ما أسماه جرافينبرج Grafenberg منذ سنة(1950) بنقطة جي تمثل المصدر التشريحي لما يفرز في داخل المبال الأنثوي مع الإرجاز فضلا عن أن لاستثارتها دورا في تسهيل الوصول إلى الإرجاز، وربما أيضًا في كمية السائل المفرز.
وثالثاً: إلى أن هناك إفرازًا لسائل ما يختلف كثافةً وكَمًّا إلى داخل المبال الأنثوي مع الإرجاز، وأن ذلك قد ثبت في ثلاثة أرباع النساء ولكن خروجه من فتحة المبال الخارجية أمرٌ مختلف، فالأغلب هو أن يتجه ذلك السائل إلى المثانة البولية أي إلى فتحة المبال الداخلية في المثانة، وليس إلى فتحة المبال الخارجية في الفرج، معنى هذا أن المرأة عندما تقول أنها تنزل أثناء الجماع فإنها صادقة حتى لو لم يخرج شيء من فتحة المبال الخارجية، لأنها ستكونُ بالضبط كالرجل الذي يشعرُ بالقذف ولا يخرج منه شيء لأن القذف يحدثُ في الاتجاه المعاكس Retrograde Ejaculation إلى المثانة وليس إلى خارج القضيب، ومعنى ذلك أيضًا هو أن هناك ماءً قد تراه وقد لا تراه والأغلب أنها لن تراه.
ولكن هناك اختلافات كثيرةٍ في هذا الموضوع ما تزال، فمن النساء من تنزل من فتحة المبال لديهن مع الإرجاز كميات متفاوتةٍ من سائل ما كثيرًا ما يكونُ مختلطا بالبول، ومنهن من يكونُ لسائلهن لونا أبيض غير شفاف أي أنه يشبه مني الرجل!! وما يزال اختلاف بين الدراسات حول تفسير منشئه كماءٍ يشبه منيَّ الرجل، وهل هو فقط الغدد المبالية والجار مبالية (أي موثة الأنثى) أم هو محتوى رتجٍٍ أو ردبٍ مبالي Urethral Diverticulum، أو حويصلة قناة سكين Skene s ducts cyst ، وكلها حالات نسائية مرضية معروفة لأطباء النساء، إلى آخر ذلك من احتمالات.
إلى هنا، ينتهي الجانب العلمي من مقال الدكتور أبو هندي؛ ويبدأ الجانب الديني العاطفي. تابع الكاتب:
وهنا أجد نفسي مضطرًا لإعادة تذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها إذ قالت: جاءت أم سليم - أم أنس بن مالك رضي الله عنه- امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث متفق عليه، لأقول صدقت يا أكرم خلق الله عليك الصلاة والسلام، وغفر الله لكل من قال وأكد أن العلم يقول: ليس هناك ماء للمرأة.
أبو هندي كان يقول، قبل أن يطلع على البحوث العلمية الجديدة، أنه "ليس هناك ماء للمرأة".
نفهم إذن أن تطور موقف ابو هندي من مسألة ماء المرأة، ارتبط بتطور موقف البحوث العلمية. هذا فضيلة علمية. ولكن ليس من الفضيلة الأخلاقية والدينية والعلمية معا، أن نربط مفاهيمنا العلمية، بالمرويات أو العاطفة الدينية.
هل تم إغلاق باب البحث العلمي في مسألة ماء المرأة، وانتهى العلماء إلى قول فصل لا يقبل نقدا أو نقضا؟!
يبدو كاتب المقال، مؤمنا بصدق ما روي عن النبي محمد، خاصا بماء المرأة الجنسي. وإيمانه عاطفي، ودفعه للقول: إذن فلم تكن على حقٍّ كل تفسيرات أهل الطب التي حملت في طياتها نوعا من الشك أو اللبس في ما تعنيه الكلمات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نصف موقف الكاتب من مسألة ماء المرأة الجنسي بالعاطفي، لانتقاله من المنهجية العلمية المنفتحة، للمنهجية الدينية التي توقفت عند حدود "نص مختار". الكاتب فرضَ النص الديني المختار، سقفا غالقا مغلقا، على الموضوع؛ حيث، وفقا له، لا مجال أبدا لفتح الموضوع علميا من جديد؛ باب التجديد مغلق بقفل نبوي مقدس يحرم التفكير بكسره أو فتحه!
وإذا كان موقف النبي من مسألة ماء المرأة، مؤيدا ببحوث علمية جديدة؛ فالنبي مسبوق وليس سابقا: باعتراف الكاتب، فإن أبا قراط سبق النبي بالحديث عن ماء المرأة الجنسي. فإذا كان هناك فضل للسبق، فهو لأبي قراط، الذي لم تكن أفكاره غائبة عن ثقافة زمن النبي محمد. ونزول ماء من بعض النساء، مسألة يمكن اكتشافها من الواقع، وفيما يخص النبي محمد، فهو صاحب خبرة نسائية واسعة، وعميقة، تؤهله لاكتشاف أن النساء، أو بعضهن، يُنزلن ماء، كما يُنزل الرجال. وقد يكون النبي التقط معلومة نزول الماء من المرأة التي جاءت تستفتيه بخصوص هذه المسالة؛ فالنبي كان نابها جدا، وسريع البديهة، وذكيا، ومرنا، ومتكيفا مع المتغيرات حوله، بقدرات عالية، ما مكنّه من التقاط المعلومة، والتعامل معها، بسرعة. وقد يكون الماء الذي أشارت إليه المرأة المستفتية، إفرازا لا علاقة له بالنشوة الجنسية؛ فالنساء يفرزن سوائل عديدة، ويصعب تحديد دقيق لطبيعة الإفراز الذي اكتشفت المرأة السائلة أثره، بعدما استيقظت من نوم احتلمت فيه، حلما جنسيا؛ والنبي لم يكن إخصائي مختبرات طبية، وطبيعة الوحي الذي كان يأتيه، وثقافة عصره لا تسعفانه، لإخضاع سائل المرأة الذي اكتشفته صاحبة الاستفسار، للتحليل، وتحديد طبيعة السائل النازل من المرأة، وعلاقته بالإنجاب ونقل الصفات الوراثية، التي قررها النبي في مرويات أخرى عن الرواية التي ذكرها أبو هندي!
الكاتب كان يحتاج لمزيد من الوفاء للمنهجية العلمية، التي التزمها في حديثه العلمي عن المسألة موضوع البحث. كان من واجبه، أن يورد صيغا أخرى مروية عن النبي، نوردها فيما يلي:
في رواية للبخاري : جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غُسل إذا احتلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأت الماء . فغطّت أم سلمة - تعني وجهها – وقالت : يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ قال : نعم ، تربت يمينك ! فبمَ يُشبهها ولدها ؟
وفي رواية لمسلم قالت أم سلمة رضي الله عنها : قلت : فضحت النساء !
وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : فقلت لها : أف لك ! أترى المرأة ذلك ؟
وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت ، وأبصرت الماء ؟ فقال : نعم . فقالت لها عائشة : تربت يداك وأُلّتْ ! قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعيها ، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؛ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه .
ومعنى ( وأُلّتْ ) يعني أصابتها الأَلّـة ، وهي الحربة .
نستنتج من حديث النبي في الروايتين الكاملتين للحديث الذي اعتمد عليه أبو هندي، أن ماء المرأة الجنسي، ينقل خصائص وراثية للجنين: في رواية البخاري " قال : نعم ، تربت يمينك ! فبمَ يُشبهها ولدها ؟"؛ وفي رواية مسلم: " وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؛ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه".
هل يملك أبو هندي، أدلة علمية، تثبت أن ماء المرأة الجنسي، يدخل في عملية الإخصاب بين بويضة الأنثى وحيوان الرجل المنوي؟!
إغفال الكاتب للروايتين الكاملتين للحديث النبوي المتعلق بماء المرأة، يدخل إما تحت باب الجهل، أو باب العاطفة الدينية، التي كانت تدفع بعض علماء المسلمين، إلى تأليف أحاديث من صنع الهوى، للدفاع عن سلامة موقف النبي، أو موقفهم الاعتقادي. كانوا يدافعون عن الكذب على النبي بالقول: نكذب له، لا عليه!
الذين يكتبون عن ما يسمى الاعجاز العلمي في القرآن والسنة، يصدرون عن عاطفة دينية، جاهلة، أو ذات غرض: نكذب له لا عليه!
معرفة النبي، بواقع إفراز بعض النساء، ماء لدى بلوغهن النشوة الجنسية، لا تقع تحت باب الإعجاز العلمي؛ فهي مسألة تعرفها الثقافة العامة التي تلقى منها النبي معارفه. وتعرفها بعض النساء، ومنهن المرأة، التي استفتت الرسول في مسألة احتلامها، المصحوب بإنزال أحست به؛ فهي قالت في سؤالها: "هل تغتسل المرأة إذا احتلمت، وأبصرت الماء"؟؛ لذا، فهي لم تستغرب قول النبي: "إذا رأت الماء"! زوجتا النبي، أم سلمة، وعائشة استغربتا إنزال المرأة للماء؛ يبدو أنهما تقعان بين النساء اللواتي لا يخرج الماء الجنسي من مبالهن الخارجي، أو بين النساء اللواتي لا يخرج منهن ماء جنسي مطلقا، وربما لم تكونا تصلان لمرحلة النشوة الجنسية التي يفرز عندها ماء النساء!
أما حديث النبي عن مسؤولية ماء المرأة، عن انتقال الصفات الوراثية من الأم لأبنائها عن طريق ماء المرأة الجنسي، فهو موضوع مختلف عن حقيقة إفراز المرأة لماء النشوة الجنسية.
وفقا لما نقله أبو هندي، عن البحوث العلمية، فليس كل النساء، يفرزن ماء لدى بلوغ النشوة. وفقا للنبي، فإن المرأة التي لا تُفرز ماء النشوة، لا تحمل. لو صح هذا، فإن النبي يكون قد كشف سرا من أسرار العقم عند النساء؟!
وكثير جدا من النساء، يمارسن العلاقات الجنسية، ولا يبلغن مرحلة النشوة، التي يفرز عندها ماء المرأة؛ فهل جميع هذه النساء لا يحملن، من علاقات جنسية تنتهي قبل مرحلة النشوة الجنسية؟! وفقا للنبي، فإن المرأة، التي لا تبلغ مرحلة النشوة الجنسية، لا تحمل ايضا؟!
وإذا قبلنا ما قرره حديث النبي، فهل ماء النشوة الذي يتجه نحو مثانة المرأة، ينتقل من المثانة، إلى الموضع الذي يتم فيه إخصاب البويضة؟! إن صح هذا، فإن النساء اللواتي يخرج منهن ماء النشوة النسائي من المبال، لا يحملن؟!
هل الواقع، يقرّ فرضياتنا المبنية على ما توصل إليه البحث العلمي من جهة، وما قضى به حديث النبي، بروايته الكاملة، من جهة أخرى؟!
نترك الجواب، للذين يدافعون عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
فإذا لم يقدموا أدلة علمية على صحة ما يقولون، فهم يرتكبون خطيئة أخلاقية بحق الدين، وبحق العقل!
* الكاتب إمام دعوة النورانية الروحي ومؤسسها
فلسطين – قطاع غزة – بيت لاهيا
24/8/2012م
.
ورد في مقال للدكتور وائل أبو هندي، المنشور بعنوان "الماء والنساء ، ماء المرأة في الإرجاز(نشوة الجماع)" على الرابط التالي /maganin أن الباحثين الأمريكيين في المسألة الجنسية، ماسترز وجونسون نفيا في بداية بحوثهما أن يكونَ هناك مقذوف أنثوي يخرج من مبال المرأة، لدى بلوغ النشوة الجنسية، كما حال الرجل. لكنهما قالا بعد عقدين من الزمن: إن هناك سائلا يخرج من فتحة المبال في بعض الإناث مع بلوغهن النشوة الجنسية؛ استدركا: لكن هذا السائل هو بول يفلت من المرأة كشكل من أشكال سلس الضِّغاط Stress Incontinence في نسبة قليلة من النساء.
السائل الذي يشير إليه الباحثان الأمريكيان هو غير إفرازت المهبل وعنق الرحم وغدة بارثولين التي تفرز من المرأة عند استثارتها جنسيا.
لكن ابحاثا علمية أخرى، كشفت عن إفرازاتٍ من الغدة القرب مَبَالية Parauretheral Gland. وتختلطُ هذه الإفرازات بكميةٍ ضئيلةٍ من البول أيضًا، وما تزالُ الأبحاثُ في هذا الموضوع ضئيلةً جدًّا لأن معظمَ هذه الإفرازاتُ إن حدثت إنما تدخل إلى المثانة ولا تخرجُ من الفتحة الخارجية.
فقد تواترت في الآونة الأخيرة الأبحاثُ -العلمية جدا- التي تشيرُ:
أولاً: إلى الوجود التشريحي لما يمكنُ أن نسميه مَوْثةَ المرأة Female Prostate أو إسفنجة المبال Urethral Sponge في الإناث، والتي تحيط بالمبال في الأنثى مثلما تحيط الموثة (البروستاتا) بالمبال في الذكور.
وثانيا: إلى أن هذه الموثة الأنثوية الموجودة في جدار المهبل الأمامي وهي ما أسماه جرافينبرج Grafenberg منذ سنة(1950) بنقطة جي تمثل المصدر التشريحي لما يفرز في داخل المبال الأنثوي مع الإرجاز فضلا عن أن لاستثارتها دورا في تسهيل الوصول إلى الإرجاز، وربما أيضًا في كمية السائل المفرز.
وثالثاً: إلى أن هناك إفرازًا لسائل ما يختلف كثافةً وكَمًّا إلى داخل المبال الأنثوي مع الإرجاز، وأن ذلك قد ثبت في ثلاثة أرباع النساء ولكن خروجه من فتحة المبال الخارجية أمرٌ مختلف، فالأغلب هو أن يتجه ذلك السائل إلى المثانة البولية أي إلى فتحة المبال الداخلية في المثانة، وليس إلى فتحة المبال الخارجية في الفرج، معنى هذا أن المرأة عندما تقول أنها تنزل أثناء الجماع فإنها صادقة حتى لو لم يخرج شيء من فتحة المبال الخارجية، لأنها ستكونُ بالضبط كالرجل الذي يشعرُ بالقذف ولا يخرج منه شيء لأن القذف يحدثُ في الاتجاه المعاكس Retrograde Ejaculation إلى المثانة وليس إلى خارج القضيب، ومعنى ذلك أيضًا هو أن هناك ماءً قد تراه وقد لا تراه والأغلب أنها لن تراه.
ولكن هناك اختلافات كثيرةٍ في هذا الموضوع ما تزال، فمن النساء من تنزل من فتحة المبال لديهن مع الإرجاز كميات متفاوتةٍ من سائل ما كثيرًا ما يكونُ مختلطا بالبول، ومنهن من يكونُ لسائلهن لونا أبيض غير شفاف أي أنه يشبه مني الرجل!! وما يزال اختلاف بين الدراسات حول تفسير منشئه كماءٍ يشبه منيَّ الرجل، وهل هو فقط الغدد المبالية والجار مبالية (أي موثة الأنثى) أم هو محتوى رتجٍٍ أو ردبٍ مبالي Urethral Diverticulum، أو حويصلة قناة سكين Skene s ducts cyst ، وكلها حالات نسائية مرضية معروفة لأطباء النساء، إلى آخر ذلك من احتمالات.
إلى هنا، ينتهي الجانب العلمي من مقال الدكتور أبو هندي؛ ويبدأ الجانب الديني العاطفي. تابع الكاتب:
وهنا أجد نفسي مضطرًا لإعادة تذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها إذ قالت: جاءت أم سليم - أم أنس بن مالك رضي الله عنه- امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث متفق عليه، لأقول صدقت يا أكرم خلق الله عليك الصلاة والسلام، وغفر الله لكل من قال وأكد أن العلم يقول: ليس هناك ماء للمرأة.
أبو هندي كان يقول، قبل أن يطلع على البحوث العلمية الجديدة، أنه "ليس هناك ماء للمرأة".
نفهم إذن أن تطور موقف ابو هندي من مسألة ماء المرأة، ارتبط بتطور موقف البحوث العلمية. هذا فضيلة علمية. ولكن ليس من الفضيلة الأخلاقية والدينية والعلمية معا، أن نربط مفاهيمنا العلمية، بالمرويات أو العاطفة الدينية.
هل تم إغلاق باب البحث العلمي في مسألة ماء المرأة، وانتهى العلماء إلى قول فصل لا يقبل نقدا أو نقضا؟!
يبدو كاتب المقال، مؤمنا بصدق ما روي عن النبي محمد، خاصا بماء المرأة الجنسي. وإيمانه عاطفي، ودفعه للقول: إذن فلم تكن على حقٍّ كل تفسيرات أهل الطب التي حملت في طياتها نوعا من الشك أو اللبس في ما تعنيه الكلمات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نصف موقف الكاتب من مسألة ماء المرأة الجنسي بالعاطفي، لانتقاله من المنهجية العلمية المنفتحة، للمنهجية الدينية التي توقفت عند حدود "نص مختار". الكاتب فرضَ النص الديني المختار، سقفا غالقا مغلقا، على الموضوع؛ حيث، وفقا له، لا مجال أبدا لفتح الموضوع علميا من جديد؛ باب التجديد مغلق بقفل نبوي مقدس يحرم التفكير بكسره أو فتحه!
وإذا كان موقف النبي من مسألة ماء المرأة، مؤيدا ببحوث علمية جديدة؛ فالنبي مسبوق وليس سابقا: باعتراف الكاتب، فإن أبا قراط سبق النبي بالحديث عن ماء المرأة الجنسي. فإذا كان هناك فضل للسبق، فهو لأبي قراط، الذي لم تكن أفكاره غائبة عن ثقافة زمن النبي محمد. ونزول ماء من بعض النساء، مسألة يمكن اكتشافها من الواقع، وفيما يخص النبي محمد، فهو صاحب خبرة نسائية واسعة، وعميقة، تؤهله لاكتشاف أن النساء، أو بعضهن، يُنزلن ماء، كما يُنزل الرجال. وقد يكون النبي التقط معلومة نزول الماء من المرأة التي جاءت تستفتيه بخصوص هذه المسالة؛ فالنبي كان نابها جدا، وسريع البديهة، وذكيا، ومرنا، ومتكيفا مع المتغيرات حوله، بقدرات عالية، ما مكنّه من التقاط المعلومة، والتعامل معها، بسرعة. وقد يكون الماء الذي أشارت إليه المرأة المستفتية، إفرازا لا علاقة له بالنشوة الجنسية؛ فالنساء يفرزن سوائل عديدة، ويصعب تحديد دقيق لطبيعة الإفراز الذي اكتشفت المرأة السائلة أثره، بعدما استيقظت من نوم احتلمت فيه، حلما جنسيا؛ والنبي لم يكن إخصائي مختبرات طبية، وطبيعة الوحي الذي كان يأتيه، وثقافة عصره لا تسعفانه، لإخضاع سائل المرأة الذي اكتشفته صاحبة الاستفسار، للتحليل، وتحديد طبيعة السائل النازل من المرأة، وعلاقته بالإنجاب ونقل الصفات الوراثية، التي قررها النبي في مرويات أخرى عن الرواية التي ذكرها أبو هندي!
الكاتب كان يحتاج لمزيد من الوفاء للمنهجية العلمية، التي التزمها في حديثه العلمي عن المسألة موضوع البحث. كان من واجبه، أن يورد صيغا أخرى مروية عن النبي، نوردها فيما يلي:
في رواية للبخاري : جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غُسل إذا احتلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأت الماء . فغطّت أم سلمة - تعني وجهها – وقالت : يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ قال : نعم ، تربت يمينك ! فبمَ يُشبهها ولدها ؟
وفي رواية لمسلم قالت أم سلمة رضي الله عنها : قلت : فضحت النساء !
وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : فقلت لها : أف لك ! أترى المرأة ذلك ؟
وفي رواية لمسلم عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت ، وأبصرت الماء ؟ فقال : نعم . فقالت لها عائشة : تربت يداك وأُلّتْ ! قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعيها ، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؛ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه .
ومعنى ( وأُلّتْ ) يعني أصابتها الأَلّـة ، وهي الحربة .
نستنتج من حديث النبي في الروايتين الكاملتين للحديث الذي اعتمد عليه أبو هندي، أن ماء المرأة الجنسي، ينقل خصائص وراثية للجنين: في رواية البخاري " قال : نعم ، تربت يمينك ! فبمَ يُشبهها ولدها ؟"؛ وفي رواية مسلم: " وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؛ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه".
هل يملك أبو هندي، أدلة علمية، تثبت أن ماء المرأة الجنسي، يدخل في عملية الإخصاب بين بويضة الأنثى وحيوان الرجل المنوي؟!
إغفال الكاتب للروايتين الكاملتين للحديث النبوي المتعلق بماء المرأة، يدخل إما تحت باب الجهل، أو باب العاطفة الدينية، التي كانت تدفع بعض علماء المسلمين، إلى تأليف أحاديث من صنع الهوى، للدفاع عن سلامة موقف النبي، أو موقفهم الاعتقادي. كانوا يدافعون عن الكذب على النبي بالقول: نكذب له، لا عليه!
الذين يكتبون عن ما يسمى الاعجاز العلمي في القرآن والسنة، يصدرون عن عاطفة دينية، جاهلة، أو ذات غرض: نكذب له لا عليه!
معرفة النبي، بواقع إفراز بعض النساء، ماء لدى بلوغهن النشوة الجنسية، لا تقع تحت باب الإعجاز العلمي؛ فهي مسألة تعرفها الثقافة العامة التي تلقى منها النبي معارفه. وتعرفها بعض النساء، ومنهن المرأة، التي استفتت الرسول في مسألة احتلامها، المصحوب بإنزال أحست به؛ فهي قالت في سؤالها: "هل تغتسل المرأة إذا احتلمت، وأبصرت الماء"؟؛ لذا، فهي لم تستغرب قول النبي: "إذا رأت الماء"! زوجتا النبي، أم سلمة، وعائشة استغربتا إنزال المرأة للماء؛ يبدو أنهما تقعان بين النساء اللواتي لا يخرج الماء الجنسي من مبالهن الخارجي، أو بين النساء اللواتي لا يخرج منهن ماء جنسي مطلقا، وربما لم تكونا تصلان لمرحلة النشوة الجنسية التي يفرز عندها ماء النساء!
أما حديث النبي عن مسؤولية ماء المرأة، عن انتقال الصفات الوراثية من الأم لأبنائها عن طريق ماء المرأة الجنسي، فهو موضوع مختلف عن حقيقة إفراز المرأة لماء النشوة الجنسية.
وفقا لما نقله أبو هندي، عن البحوث العلمية، فليس كل النساء، يفرزن ماء لدى بلوغ النشوة. وفقا للنبي، فإن المرأة التي لا تُفرز ماء النشوة، لا تحمل. لو صح هذا، فإن النبي يكون قد كشف سرا من أسرار العقم عند النساء؟!
وكثير جدا من النساء، يمارسن العلاقات الجنسية، ولا يبلغن مرحلة النشوة، التي يفرز عندها ماء المرأة؛ فهل جميع هذه النساء لا يحملن، من علاقات جنسية تنتهي قبل مرحلة النشوة الجنسية؟! وفقا للنبي، فإن المرأة، التي لا تبلغ مرحلة النشوة الجنسية، لا تحمل ايضا؟!
وإذا قبلنا ما قرره حديث النبي، فهل ماء النشوة الذي يتجه نحو مثانة المرأة، ينتقل من المثانة، إلى الموضع الذي يتم فيه إخصاب البويضة؟! إن صح هذا، فإن النساء اللواتي يخرج منهن ماء النشوة النسائي من المبال، لا يحملن؟!
هل الواقع، يقرّ فرضياتنا المبنية على ما توصل إليه البحث العلمي من جهة، وما قضى به حديث النبي، بروايته الكاملة، من جهة أخرى؟!
نترك الجواب، للذين يدافعون عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
فإذا لم يقدموا أدلة علمية على صحة ما يقولون، فهم يرتكبون خطيئة أخلاقية بحق الدين، وبحق العقل!
* الكاتب إمام دعوة النورانية الروحي ومؤسسها
فلسطين – قطاع غزة – بيت لاهيا
24/8/2012م
.
صورة مفقودة