نقوس المهدي
كاتب
(1) توضيح:
ليس من أهدافي في هذه القراءة أن أسيء للإسلام الذي أدين له بتربية أسستني وأنا أشق طريقي المعرفي والروحي. فالإسلام أبدع ثقافة من إيجابياتها أنها تقبل تعدد القراءات لها، وهذه الإيجابية دلالة على قيمة المنظومات الثقافية وعلى جدارتها كثقافة قابلة للاستمرارية الفاعلة.
وأود أن لا يندفع غيور وبحمية الحماس إلى اتهامي بالتجديف في حق القداسة الدينية النابعة من القداسة الإلاهية لتجرؤي على ربط مظهر معماري ديني بعضو جسدي جنسي، بتقدير أن هذا الربط ينسحب على عبادة هي عماد الدين الإسلامي وبالتالي ينسحب على الدين الإسلامي كله، بما يقدم الدليل على اقترافي لزندقة أستأهل عليها أشد العقوبة.
في وعيي المعرفي الروحي فإني أرى أن تعبير اللاوعي التاريخي لدى العرب والمسلمين الذين تماهوا مع الثقافة الدينية ذات البعد السحيق، الذي يتجسد في معمار المساجد، لا يمثل تجديفا في حق الدين الذي نادى النبي محمد إليه، باعتبار أنه وحي من الله الذي شاءت حكمته أن يجعل الفعل الجنسي أداة للخلق أو أداة تحقق إرادته الخالقة، هذه الإرادة التي يستند إليها الإسلام وهو يدعو الناس إلى عبادة الله دون سواه.
فالفعل الجنسي ليس صورة للمهانة ولكنه أداة إلهية يبدأ وجودنا الذي يعود لإرادة الله منها.
وأنا لا أزعم أن التعبير الجنسي الذي يتمثل في ممار المساجد، نتج عن وعي وعن قصد، ولكنه تعبير نتج عن تمثل تاريخي لا واعي، ولكنه ظل كائنا في أعماق النفس العربية قبل الإسلام ثم وجد نفسه يتدفق في تعبير فني مزج الروحي بالجسدي تماما كما يفعل الإسلام الذي تتوحد في شعائره الروحية بالجسدية.. وهذا التوحيد في تقديري وجه لعظمة الدين الإسلامي
(2) رباعيات الجنس الإسلامية
معمار مآذن المساجد، يستدعي، مباشرة، صورة العضو الذكري وهو في حالة انتصاب. ويدعم هذا الاستدعاء، التمثالان اللذان يعلوان قمة المئذنة: تمثالا الهلال والنجم.
وباعتبار المعمار(1) فنا يجسد مفاهيم ثقافية، فإن معمار المآذن يعكس، أو يجسد ثقافة عربية دينية قديمة، هي عقيدة عبادة العرب للإله القمر وابنه النجم وزوجته الشمس.
كان عرب الجنوب يعبدون هذا الثلاثي العائلي(2).
ولكن الثقافة العربية في أحد تجسداتها، لا تقبل الظهور العلني أو المباشر للمرأة. ووفقا لخبرتي، فإن قبائل عربية تقيم في اليمن، لا تتحدث عن "وجود نسائي" فيها. وفي إحصاء سكاني، جرى أخيرا، تمثلت إحدى مشكلات هذه العملية، في رفض بعض مواطني اليمن ذكر أعداد وأسماء "الإناث" القريبات من زوجات وأخوات وبنات. وفي بعض الأحيان، تتم الإشارة إلى "الوجود الأنثوي البشري" ضمن الحديث عما يمتلك الرجال من حيوانات، فيقول: عندي كذا من الجمال والغنم والنساء…(؟!)
وفي المعمار الإسلامي التعبدي الذي يعكس عبادة العرب القديمة للقمر وابنه النجم وزوجته الشمس، يظهر الذكران: القمر والنجم في تمثالين واضحين للهلال (الأب) الذي يحتضن تمثال الابن (النجم)، في حين يختفي الحضور الأنثوي،حضور المعبودة الزوجة، فلا يضم معمار المساجد، تمثالا للشمس، أي تمثالا للأنوثة، في وقت تحضر فيه الذكورة، حضورا قويا صارخا في المئذنة المنتصبة انتصاب ذكر شديد العافية.
تحضر الذكورة، أو الثقافة العربية الذكرية، في معمار المساجد، ثلاث مرات حضورا مباشرا، وتحضر مرة رابعة حضورا غير مباشر. الحضورات المباشرة للذكورة هي:
1_ قضيب ذكري بشري منتصب تمثله المئذنة.
2_ الإله الأب، الذكر، يجسده الهلال.
3- الإله الابن، ذكر يجسده النجم الذي يحتضنه الهلال.
أما الحضور الرابع للذكورة في معمار المساجد، وهو حضور ذكري غير مباشر، ومع ذلك، فهو حضور أعمق من الحضورات الثلاثة المباشرة. إنه حضور خصيب. هو حضور فاعلية الذكورة المنتجة. هو حضور للذكورة في تجسيدها في "قبة" هذه التي تستدعي، على الفور ومباشرة، بطن امرأة حامل، وفي أخريات أيام حملها. وهذا التمثيل للخصب الذكري، يعادل في وضوحه الرمزي، وفي قوة تمثيله للثقافة العربية الذكرية، ولأهمية الإنجاب فيها، يعادل الرمز الذكري المتمثل في المئذنة، القضيب المستأسد، المستنفر لأداء واجبه. إن القبة، البطن المستنفر أيضا، هو دليل خصب الذكر المنتصب، ذي العافية التامة وقام المعماري الإسلامي، العربي، بدعم رمزية القبة الجنسية، بتتويج البطن المتأهب للولادة، بتمثالين، للإلهين الذكرين في عقيدة العرب الدينية القديمة: (هلال) القمر (الأب) والنجم (الابن). وهذان التمثالان، اللذان يعلوان، أو يعتليان، رأس المئذنة، يجمعان المئذنة (الذكر المنتصب) والقبة (بطن المرأة الحامل) في رمزية واضحة كاشفة مؤكدة للثقافة العربية الذكرية. هاهما الإلهان العربيان الذكران يتوجان كلا من قضيب الرجل المستنفر القوى، وبطن المرأة المستجيب لوظيفة القضيب المنتصب، البطن الذي يدلل على نجاح هذا القضيب في وظيفتة الجنسية.
بالقبة، يكتمل بناء تجسيد ثقافة/عقيدة/ دينية عربية قديمة، حيث يكتمل برمز القبة (المرأة الحامل المتأهبة للولادة) الدور الحيوي للذكورة. إن الثقافة العربية ثقافة ذكرية. وهذه الثقافة تعمق خاصيتها الذكرية بتجسيدها، بتمثلها، في معمار المسجد، الذي يحتل قيمة محورية مركزة في ديانة الإسلام العربية.
إن الأنوثة مكملة للذكورة على قدر ما الذكورة مكملة للأنوثة، هذه هي الحقيقة التي تأبى هيمنة الذكورة بالقوة على الأنوثة، وتأبى ممارسة الذكورة لدور يسلب الأنوثة حقها المشروع في الحضور، على قدر أهمية حضورها في العلاقة الجنسية المنتجة المشتركة بين المرأة والرجل، وهي علاقة ينبغي أن تقوم بعدل يتيح لكل من الأنوثة والذكورة الأعراب التام عن ذاتية كل منهما.
إلا أن الواقع العربي، وغيره، يجور على الأنوثة، ويعمد إلى إخفاء أو طمس حضورها. وفي التعبير الثقافي العربي الفني خلال معمار المسجد، أُخفيَ الحضور الأنثوي المباشر، بينما قام المعماري العربي، الذكري الثقافة، باستدعاء الأنوثة لا باعتبارها وجودا مكتملا مستقلا، ولكن، باعتبارها مفعولا لفاعليته الذكرية التي تم تصويرها في المساجد بأربعة تجسيدات ذكرية: ثلاثة منها مباشرة، والرابع بتجسيد يمثل موضوعا للذكورة، أو لفحولة الذكورة، لا موضوعا قائما بذاته، مستقلا بحرية.
والإسلام يمنح الرجل حق الجمع بين أربع زوجات في وقت واحد، فهل ثمة علاقة بين رباعية الزوجات لذكر واحد، وبين رباعية الحضور الذكري في معمار المساجد؟ الآن، لا جواب عندي، ولكن وحدة الرقمين تستدعي التوقف عندها.
ويظهر رقم أربعة (الذكري الجنسي) في اشتراط التشريع الإسلامي اجتماع أربعة رجال على الشهادة على وقوع أو إثبات وقوع حادث زنا. فهل ثمة علاقة بين رباعية الشهود (الذكور) لإثبات فعل الزنا (الجنسي) وبين رباعية الذكورة في معمار المسجد؟ قد!!
وهل ثمة علاقة بين رباعية الحضور (المئذنة والقبة والهلال (المر) والنجم= القضيب المنتصب وبطن المرأة الحامل والإله الأب والإله الابن في عبادة العرب القدماء) وبين حديث القرآن عن أربع صور للعلاقات الجنسية بين الرجال والنساء وهي:
1_علاقة الزواج (على سنة الله ورسوله)؛
2_علاقة الاستمتاع؛
3_علاقة الاسترقاق؛
4-علاقة الزنا؟
هذا السؤال، يستدعي السؤال التالي:
لماذا حرم الله (في القرآن) الزنا، وأحل ممارسات الجنس في الصور الثلاث الأخرى من الصور الأربع التي ذكرناها والتي تحدث القرآن عنها في حديثه عن أشكال الممارسات الجنسية بين الرجال والنساء؟
الزواج (على سنة الله ورسوله) علاقة تقرها الجماعة وتباركها، أعني هنا الجماعة الإسلامية (العربية). وبين الزواج المقر هذا، وعلاقة الزنا تضاد حاسم؛ فالزواج آلية جمعية تزيد البناء الجمعي قوة، والإسلام يستحسن الزواج من الأباعد (في إطار جماعته) لتوثيق عرى الروابط الاجتماعية في المجتمع الإسلامي العربي. ولكن الزنا يلعب دورا مختلفاً، فهو اعتداء على ممتلكات الذكورة من "البضاعة الأنثوية" من الزوجات والأمهات والبنات والأخوات وعموم القريبات النسب، ومن شأن هذا الاعتداء أن يدمر علاقات الجماعة. وأحسب أن هذا هو السبب وراء تشريع عقوبة الزنا التي تشتد لتصل إلى حد قتل الزناة بأسلوب عنيف جدا (الرجم بالحجارة حتى الموت).
والإسلام (العربي) حرم الزنا في "الحرائر" وهن النسوة العربيات، والإسلام (العربي)، أكد بتشريعاته الجنسية تحريم الزنا في "الحرائر"؛ وهو ما كان المزاج العربي (الجاهلي) منحازا إليه: عندما أخذ النبي محمد البيعة من نساء قريش، كان من بنود هذه البيعة بند يشترط على المبايعات للنبي على الإيمان برسالته "أن لا يزنين"، فردت إحدى القريشيات (من حرائر العرب) على النبي بقولها: "وهل تزني الحرة؟". فالزنا كان من معايب العرب.
ولكن الإسلام لم يمنع ممارسة جنسية ذكرية في الإناث، ليست بعيدة عن الزنا إلا بمقدار بعد القيمة الاجتماعية للعربية الحرة (باعتبار المرأة عرض الرجل وشرفه_ بين المرأة والمرآة، العاكسة لصورة الناظر فيها علاقة لغوية واضحة، فالمرأة مرآة الرجولة، أليست الرجولة هي المهيمنة ثقافيا، ومن ثم لغويا، وهي التي تمنح الكلام دلالته، هذا، وقيل أن ثمة علاقة بين لفظتي المرأة والمروءة، وبالطبع فإن مروءة الذكورة هي المعنية، فالمرأة، بهذا التفسير، الذي يدعمه علاقة المرأة بالمرآة، هي مروءة الذكورة).
نعود للقول إن القرآن العربي حرم الزنا في "مروءة ومرآة العربي_ العربية الحرة" لكنه لم يحرم ممارسة جنسية يمارسها العرب مع، أو بتعبير أدق، في امرأة غير عربية. فللرجل العربي حق ممارسة الجنس "في" مملوكاته من الإماء، غير العربيات، العربيات لا يكن إماء. وما هو مسموح به للذكر العربي مع الإماء، أو مع ما ملكت يمينه، غير مسموح به للعربية مع مماليكها.
كذلك، تمارس الذكورة العربية (الإسلامية) فعلها الجنسي في صورة الاستمتاع. والنبي سمح بهذه الممارسة لصحابته، ثم ألغى السماح بها، ثم عاد وسمح بها ومات ولم يكن قد منعها من جديد. والقرآن يتحدث بصراحة عن سماحه بهذه الممارسة بشرط أن يقدم الرجل للمرأة موضوع استمتاعه أجرا عن استمتاع الرجل بهذه العلاقة الجنسية (والنص القرآني الذي يسمح بذلك قريب من: وما استمعتم به_ الخطاب للمسلمين _ من النساء فآتوهن أجورهن). وواضح أن هذه الممارسة، القريبة من الزنا أيضا، هي مجلبة لاستمتاع الرجل، ومن غير إقامة وزن أخلاقي للطرف الآخر أو معاملته ككائن مجبول بالرغبة الجنسية، كما الرجل، أو أشد. وهذه العلاقة، التي تهيمن عليها الذكورة، تجعل من المرأة موضوعا سلعيا، يباع لمن يدفع الثمن (الأجر). وبعض المفسرين للقرآن، لا يوافقون على ما نراه هنا بخصوص الآية التي تتحدث عن "الاستمتاع"، ويعتقدون أن موضوع النص القرآني هذا هو الزواج (على سنة الله ورسوله) وأن الأجر الوارد ذكره في هذا السياق هو مهر الزواج. لكني أشك في صحة هذا المذهب التفسيري للنص القرآني. فالمهر، بنص قرآني آخر، ليس أجرأً، هو هدية، يقول القرآن: وآتوهن مهورهن نِحْلة (هدية)(3). والزواج ليس استمتاعاً فحسب، هو أكبر. وتحريم عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للنبي، لزواج المتعة الذي سمح به النبي هو الآخر، لا يشكك في مذهبنا الخاص بسماح الدين الإسلامي (العربي) بعلاقة الاستمتاع الجنسي بين الرجال والنساء، لصالح الذكورة، فإن الأمر الذي أصدره عمر الحاكم، هو اجتهاد سياسي وقتي ليس بريئا من مزاجية عمر بن الخطاب العامة، الصارمة، والتي لا تميل إلى اللهو الجنسي. ويظل النص القرآني والتشريع النبوي، والهيمنة الثقافية العربية الذكرية، أقوى من الأمر العمري بوقف العمل بقانون ديني ثقافي يسمح بممارسة علاقة الاستمتاع الجنسي القريبة من الزنا لكنه الزنا الذي لا يهدم البناء الاجتماعي للعرب المسلمين. وتلتقي علاقتا الزنا الصريحة والاستمتاع، وتضيف إليهما علاقة "الزنا" بالإماء، في عامل مشترك، هو أنها تتم خارج إطار المؤسسة الزواجية، ولكن، بموافقة القانون التشريعي الديني العربي.
وثمة علاقة جنسية أخرى سمح بها القرآن لأتباعه، وهي علاقة البغاء بين المسلم وبين الفتيات المملوكات لغيرة، أو المملوكات للجماعة العربية المسلمة. يقول القرآن مخاطبا الجماعة المسلمة: "لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا".
وهذا النص، يسمح للفتيات بالبغاء أن أردنه، فالنص يسمح بمتابعة دلالته على النحو التالي: فإن لم يردن_فتيات الجماعة الإسلامية _تحصنا، فيمكن لكم أيها المسلمون الرجال أن تفعلوا فيهن البغاء.
ويلوح هنا وكأن للأنوثة دور المبادرة، فالقرآن يشترط على الذكور عدم إكراه الإناث من فتيات الجماعة الإسلامية على قبول فعل الجنس فيهن إن لم يردنه، وهذا الشرط غائب عن ممارسة الجنس مع الإماء المملوكات لرجل بعينه هو صاحب الحق في فعل الجنس معهن، والإماء والفتيات جنس أو فئة اجتماعية واحدة، ولكن ثمة فرق بين الممارستين الجنسيتين بين الرجل وما يملك من الإماء أو الفتيات، وبين الرجل وما يملك غيره منهن. فما يملكه الرجل من إماء حق مطلق له، ولكن حقه في إماء أو فتيات غيره حق محدود بملكية الغير. وكان بعض العرب المسلمين يستغل إماءه للحصول على المال جراء ممارسات جنسية يفعلها رجال آخرين معهن ومقابل أجر. ولكن المسلم، بمنطق القرآن، لا يملك الإماء لغرض استثمارهن في مشاريع تجارية، هو يملكهن ليمارس معهن علاقات جنسية لصالحه. أما توظيف النسوة المملوكات لرجل بعينه لكسب الأموال، فهو توظيف خارج نطاق الوظيفة الجنسية للأنثى المملوكة لمالكها عينه، لا لسواه.
فالقرآن، وسع دائرة حرية فعل الممارسة الجنسية للرجل بالسماح له بالبغاء في أعداد أخرى إضافة إلى ما يملك من الإماء والزوجات وموضوعات الاستمتاع بالبغاء، القريب من الزنا باعتبار الأخير ممارسة جنسية متحررة من ارتباطات المجتمع الزواجية (المقرة بكتاب الله وسنة رسوله)، الإسلام سمح بالبغاء لصالح الذكورة، كما هو شأن كل حالات الفعل الجنسي، ولكنه لم يهضم حق الإناث في "تأجير " بضاعتهن الجنسية، من منطلق أن الإسلام دعوة للعدل، لكن، ضمن حدود المحافظة على معايير ثقافية أصيلة منها المعيار الثقافي الذكري الراسخ في بناء الوعي العربي، الذي تجسد في تعبير فني في معمار المسجد، أهم الرموز الثقافية العربية الإسلامية.
وبالحديث عن علاقة البغاء الجنسية، يرتفع رقم الصور الجنسية الذكرية الأنثوية (في القرآن) إلى رقم خمسة. لكن يعود هذا الرقم إلى الرقم أربعة بتقدير أن علاقة البغاء هي علاقة فرعية عن العلاقة الجنسية بالإماء.
كذلك، يلتقي مع العدد أربعة الجنسي في القرآن، ومع اعتبار علاقة البغاء علاقة ذات رقم مستقل عن علاقة الإماء المملوكات لرجل بعينه، بينهن وبينه، وذلك، عندما نستبعد من صور الممارسات الجنسية التي تحدث عنها القرآن، التي تجرى بين النساء والرجال، صورة الزنا باعتبارها شكلا غير مسموح به، طالما كان زنا في الحرائر(4). والخلاصة أن القرآن يسمح بالممارسة الجنسية الذكرية في الإناث بأربع صور:
1- صورة العلاقة الزوجية (على سنة الله ورسوله).
2- صورة علاقة الاستمتاع.
3- صورة علاقة الممارسة بالإماء المملوكات لمسلم بعينه.
4- صورة علاقة البغاء مع المملوكات لرجل آخر.
وهذه الرباعية الجنسية هي مقابل فعلي لرباعية الجنس التي يسجلها معمار المساجد، وفي كلتي الحالتين، الذكورة هي الغالبة؛ الأنوثة، بذاتها، هي الغائبة، الأنوثة حاضرة حضور المفعول به لا حضور الفاعلية الموازية لحضور فاعلية الذكورة.
كان النبي محمد، الصادق الأمين، كان صادقا وأمينا وهو يجدد حيوية المرتكزات الثقافية العربية، التي يحتل المعنى الذكري المهيمن، المستنفر دوما، موقفا هاما فيها. والقرآن الذي انحاز للذكورة في حديثه عن الفعل الجنسي بين الرجل والمرأة، هذا القرآن، حمل بعنف تدميري، على أهل بلده كان اهلها يمارسون علاقة جنسية مثلية ذكرية. ولم يكن عقاب أهل البلدة جميعا، من فعل منهم هذا الفعل ومن لم يفعله، لم يكن أقل من تدمير البلدة كلها على رؤوس مواطنيها. ولم يكشف القرآن عن مثل هذا الموقف إزاء ممارسة جنسية مثلية نسائية.
وعقوبة تدمير بلدة بكاملها، بكل مواطنيها في حالة فعل جنسي مثلي ذكري، قوبلت بعقوبة سجن للنساء اللواتي يمارسن الجنس فيما بينهن، وكانت عقوبة محددة بزمن قصير، سرعان ما اهتدى النبي إلى مخرج لها؛ فليس للجنسية المثلية النسائية خطورة ما لمثيلتها الذكرية، فلا اعتبار هام للمطلب الجنسي الأنثوي في منظور ثقافة تهيمن الذكورة عليها. وتلك الثقافة التي تفجرت غضبا داميا عندما تجرأ ذكور على امتهان المعنى الذكري الجنسي المهيمن الذي موضوع هيمنته هن النساء لا الذكور كما فعل أهل قرية لوط الذين كانوا يفضلون الرجال على النساء في فعل الجنس، الذين، فيما يبدو لي، كانوا يهدفون إلى تأكيد فاعليتهم الجنسية الذكرية في موضوعات "أقوى" من الموضوعات الأنثوية. يبدوا لي أنهم كانوا يختبرون صلابة موقفهم الجنسي الذكري في حالة تتقابل فيها الذكورة المهيمنة ثقافيا مع الذكورة المهيمنة ثقافيا أيضا، لوضع المعيار الذكري المهيمن على محك أصلب من محك الأنوثة، حيث تنتصر الهيمنة الذكرية الأقوى، على الهيمنة الأضعف من النوع ذاته، لتنتصر، في النهاية، مقولة هيمنة الذكورة الجنسية ذاتها. وقوم لوط ينتمون للثقافة العربية بالمعنى الواسع, لكن ما سمحت به الحالة الثقافية العربية اللواطية لا يسمح به مؤسس الأمة العربية النبي محمد، الذي كن يبني صرح مجتمع ينبغي أن يكون كالجسد الواحد، ورجال يتمتعون، كلهم، برجولتهم، فلم يسمح النبي، بانتهاك رجولة أي مسلم، وأطلق لرجولة كل مسلم حرية الفعل الجنسي في مساحة كبيرة، فمنحه حق الزواج بـأربع نساء في وقت واحد، وحق الاستمتاع فيما شاء من النساء، وحق ممارسة الجنس، ومن غير حد، مع بنات الرقيق مما يملك هو، ومما تملكه الجماعة المسلمة كلها.
والممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة تعمق رجولة الرجل، لكن الممارسة الجنسية بين رجل ورجل، تهدم رجولة أحدهما، وتهدم مع هذا الهدم عنصرا هاما من عناصر البناء الثقافي العربي، عنصر الذكورة المهيمنة. وكان على النبي، النهضوي العميق الذكاء، أن يحافظ على مقومات العرب الثقافية التي تمتلك الصلاحية الكافية لدعم مشروعة النهضوي التأسيسي للأمة العربية.
ومن خلال معمار المساجد، الشائع الآن، الذي ظهر في وقت لاحق على ظهور النبي محمد، استعادت الثقافة العربية الذكرية عافيتها مرة أخري، وفي تعبير فني، يوازي التعبير التشريعي القرآني الذي سمح للرجل بالتعبير عن ثقافته العربية الذكرية المهيمنة، خلال أربع صور للممارسة الجنسية.
وفي صور العلاقات الجنسية المسموح بها للمسلم، غير علاقة الزواج (على سنة الله ورسوله)، تمارس الفاعلية الجنسية الذكرية حريتها، وهي حرية تمثلها المعماري المسلم في التعابير الذكرية في المساجد، المصورة في مئذنة (هي قضيب منتصب شامخ منطلق) وهلال (قمر) هو تمثال لهلال يغدو ويجئ.. بحرية الآلهة يغدو ويجئ… ونجم يرتع في البقاء، بحرية، وعلى قمة قضيب وبطن امرأة حبلى، هو وأبوه يتربعان تربع الملوك.. تربع الآلهة على رقاب العبيد..
الذكورة الحرة من قيود المدنية في تاريخ العرب القيم ظلت حرة في شريعة الأمة العربية، وواصلت حريتها في المعمار الديني المركزي: معمار المسجد.
ولا يخفى وضوح العلاقة بين التعبير عن الذكورة بالقباب في معمار المساجد، وعلاقة الزواج (على سنة الله ورسوله). فالقبة تمثال بطن أنثوي ممتلئ بالحمل؛ والزواج علاقة تتمركز في الثقافة العربية في وظيفة إنجاب الأبناء (الأفضلية التي مازالت صارخة حتى أيامنا للذكور دون الإناث). وهناك رأي واسع بين فقهاء الشريعة الإسلامية يذهب إلى أن سبب تحريم الزنا هو منع اختلاط الأنساب، وهو شرط يوفره الزواج، وتظهر العلاقة بين الزواج والقباب، في أن كلا منهما صورة تقيد الذكورة في حدودهما، لتطلقها فيما عداهما من الصور.
منح الإسلام الجنس (الذكري) مساحة حرة كبيرة، وترك له حرية يظهر تعبيرها الواضح في تمثلنها في مئذنة هي صورة "طبق الأصل" لقضيب شامخ ممتلئ بدماء الشهوة الحارة الحرية في انطلاقة تشق أفق السماوات، في ثقة راسخة الجذور في الوعي الثقافي التاريخي، وفي خيلاء وقوة وصراحة…
(3) رباعيات الجنس الإسلامية _تعقيب
الذين اطلعوا على مقالتي "رباعيات الجنس الإسلامية" أصدروا أحكاما متفاوتة، ما بين "الافتان بها" بدرجة دفعت "مفتتنا" إلى إطلاق صفة "الإمامة" عليّ، التي – لديه - استحقها بهذا" الإبداع"، بقوله؛ وما بين الهجوم العنيف الذي وصل إلى حد وصف أفكارها، خاصة فكرة "استدعاء المئذنة بصورة قضيب ذكري منتصب" بـ"التخريف"، وبـ "التخريب أيضا"، واستنكر البعض ما وصفه بهذا "الهبوط" الفكري إلى مستوى الشهوة الجنسية التي رأى هذا البعض أن الشهوة (الجنسية) تتحكم في أفكاري في ظروف "عزوبية" تحرمني من ممارستها، واقترح أحد المعارضين أن يتم "إجلاسي" على رأس المئذنة (أي: القضيب المنتصب). ووضع منتقد لي (إكسا) على الفكرة كلها. وعلى أن أضيف إلى التعليقات السابقة، ذكر تعليق صديقة قالت: "إنك شيطان، كيف جاءتك هذه الفكرة؟!"، وأضافت: إنني أتذكرك وأنت تقهقه بينما كنت ترددها "شفهيا" خاطرة وردت عليك يومها، ثم صارت مقالة، أضافت، "هذه عادتك!".
والانتقادات الموجهة إلى مقالة "رباعيات الجنس…" لم تقترب من جوهر الفكرة للمقالة، الواضحة في ثناياها.
فالمقالة نقد للسلوك القهري (الثقافي = التراثي، الحاضر، المحكوم بشهوة القوة (الذكرية= القضيب المنتصب). وهي (المقالة)، دعوة "لقراءة جديدة"، دعوة لممارسة الحرية الفكرية، هذه الممارسة هي التي ستؤصل التوجه الجديد، والذي نتبنى الدعوة إليه، مع الدعاة الآخرين له، للتحرر من سلوكيات ترتكز إلى فكرة القوة الشهوانية، القوة الجسدية، قوة العنف والإرهاب بقوة جمود التراث، أو جمودنا على التراث. نحن نتطلع إلى إعلان ثورة العقل، ضد جمود الفكر. ومقالة "رباعيات.."، تنتقد، وبجرأة، فكرة جامدة، أو قراءة جامدة "للمئذنة"، كأقوى رمز، او إحدى أقوى الرموز لجمودنا الفكري التراثي.
المئذنة بناء استخدمه المؤذنون للدعوة إلى الصلاة، ولم تظهر المئذنة إلا في زمن لاحق على زمن بدء الإسلام.
وتطورت أشكالها المعمارية حتى وصلت إلى الشكل الذي يماثل القضيب الذكري المنتصب. هذا كله صحيح، هذا الذي قاله المنتقدون، ومنهم باحث متخصص في فنون العمارة الإسلامية، قاله ليصدر بعدها حكما "قاطعا مانعا" على فكرتي بالفساد:"وهكذا يوضع إكس على فكرتك"، قال. أما أنا، فاحتفظت بوقاري، وابتسامتي الرقيقة التي كنت أعبر فيها عن احترامي له، وسعادتي باهتمامه بمناقشة المسألة معي، وبأدب، قدمت شكري لـ"الدكتور"، على أنه قدم لي معطيات مفيدة لتأكيد سلامة موقفي.
إن المنهجية التي لا تتردد في إصدار أحكام "الإكس" على أفكار الآخرين، هي، الهدف الذي أتطلع إلى أن أواصل توجيه نقدي له، بدعوته للخروج من الانغلاقية إلى روح منفتحة، أو إلى عقل منفتح بالحب، يسع الأخر، ويعترف أن الحقيقة مشتركة بين أكثر من واحد.
مقالتي "رباعيات الجنس" دعوة لقراءة أخرى للذات الجمعية تبدأ من الإيمان بضرورة التحرر من التصورات الموروثة، وعدم الجمود فيها. وإذا تحررنا من جمودنا، فإننا سنحظى بفرصة جيدة للتحرر من مفهوم الإرهاب الذي يستند إلى أداة العنف الجسدي (الذكري). إن تحررنا من مفاهيم الأجداد، على الأقل بالإيمان المبدئي بذلك، هو سلوك عقلي تحرري، نتيجته نمو الأداء العقلي على حساب الأداء الجسدي (الذكري). وما نحتاجه بالضبط في هذه المرحلة، ولتجديد حياتنا، هو ثورة تنتصر للعقل، وللعقل المحب، عقل الخير والبناء بحرية نورانية. أما مصادرة حرية الآخرين في تجديد رؤاهم ، فهو ليس من الحرية النورانية التي ندعو لها، هذه المصادرة هي صورة متطابقة مع مصادرة الذكور في ثقافتنا العربية لحرية المرأة في التعبير الجميل عن ذاتها، وهو كشف عنه مقالنا" رباعية الجنس..".
وما قاله الصديق الذي أصدر حكما جازما بفساد قراءتي، منحني إيمان أكبر بما قلته، إن ظهور المئذنة، كلها، وتطورها بعد عهود طويلة إلى الصورة الحالية لا ينفي رمزيتها الذكرية، ولكنه يؤكد أن تراكمات المفهوم الذكري البارز في الثقافة العربية، أخذت تنمو، تحت طبقات الوعي الظاهر، وبلا وعي، حتى انعكست، بصورة جلية في مئذنة هي صورة طبق الأصل للعضو الذكري المنتصب التي تحتشد فيه معاني الذكورة الشهوانية، كما تحتشد في المئذنة معاني التراث الذكري.
واستخدام المئذنة للدعوة إلى الصلاة، يعزز الفكرة التي تبناها مقالي. الدعوة إلى الصلاة، دعوة إلى الجنة "الفلاح"، دعوة إلى حور العين، دعوة إلى حرية جنسية للذكر، لا حدود لها، بينما في المقابل، لن تتمتع المرأة المؤمنة بمثل هذه الحرية، وستبقى موضوعا لحرية الرجل. إن المئذنة، التي نبتت بالتراكم الخفي للمفاهيم ذات التأثير السري على ذاتية المسلم، المعماري الذي أنشأ المئذنة وطورها على مثال القضيب المنتصب، هذه المئذنة، هي أداة الدعوة إلى جنة حرية الرجل (المؤمن) الجنسية.
إن استخدام المئذنة للدعوة إلى الصلاة، وتعضون المئذنة بالصلاة، هو دليل آخر يعزز قراءتي للمئذنة بأنها معمار يتمثل المفاهيم الذكرية للثقافة العربية.
إني أدعو إلى حرية القراءات، إني أهدف إلى حرية البحث عن الحقيقة، من مبدأ أن الحقيقة غير "مطروحة في الأسواق" كسلعة معدة للاستعمال.. الحقيقة مطلب ننشده بحرية التفكير، بجرأة التفكير.
وأنا لا أريد القول إن المعماري الذي صنع المئذنة على صورة القضيب المنتصب كان على وعي بفعله. لقد كان يعمل تحت تأثيرات التراكمات الثقافية، التي تمتد في الثقافة العربية الإسلامية، وتتعزر بالآمال. وكل مؤمن، يحلم، بعمق، بجنة يحقق فيها إباحيته الجنسية، وليس للمؤمنة هذا الحق، أن أقصي ما ستحظى به هو تابعتها، بين عشرات أو مئات النساء، لرجل كان صالحا في الدنيا، كان يواظب على الاستجابة لدعوة الصلاة المنبعثة من "المئذنة".
وأنا لن ارتكب حماقة فكرية، واستبعد مطلقا التفسير الديني المتسامي لمعمار المآذن. ولكن أضيف أن هذا المعنى المتسامي هو تسام بالممارسة الجنسية الذكرية من حالتها الدنيوية (مع نساء الدنيا) إلى الممارسة الذكرية الجنسية مع حور العين نساء الجنة التي وعد الله المؤمنين المحافظين على الصلاة، بهن.
والسمو بالنشاط الجنسي الحيوي نحو أفق التسامي الإلهي، كما يرمز بناء المئذنة المتجه صوت عرش الله فوق السماوات، هذا السمو، هو معطى من معطيات الفعل الذكري القضيبي التي تتجه فاعليته إلى التحرر من الأنا الضيقة المحكوم عليها بالفناء، إذا انحصرت في الدنيا الفانية، إلى واسعية الله، التي ستترجم عمليا بالفوز بالمقام غير المتناهي في جنة عرضها عرض السماوات والأرض، أعدت للمؤمنين، سيكون من أحب ما فيها (باستثناء وجه الله مانح نعيم الجنة بما فيه حور العين) نساء صالحات وعلى درجة فائقة جدا من الجاذبية الجنسية للذكورة. والقضيب الذكري الذي، وهو منتصب، يمنحنا فرصة البقاء الدنيوي بالتناسل (أولاد_ أحفاد) هذا القضيب (الأداة) برز في الحضارة العربية، بروزا معنويا، ليكون أيضا، خلال المئذنة، أداة، نصعد عليها إلى جنة الحرية الجنسية الذكرية.
ولن أتعرض لانتقادات أخرى واضح أن بعضها ذو طابع هزلي، بينما للبعض الأخر طابع تهوري، ويكفي أن أقول أن التعامل مع الدعوة لحرية القراءة من جديد لمسلمات تاريخية، لا ينبغي أن يكون هزليا ولا متهورا، نحن نحتاج للجدية وللجرأة ونحن ننشد النهوض من ظلمات الجمود الحضاري.
وبقى أ، أذكر، ومن باب إيماني بحرية القراءات ما أعرب عنه صديق من اعتقاده بأن معمار المئذنة هو معمار "صاروخي" وقال إن فهمه يجيز من باب التصور أن المعماري الذي صمم هندسة المئذنة، كان يحقق سبقا، بالخيال العلمي الذي يسبق الإنجازات العلمية، هذا السبق، في تقديره، ثابت من نص قرآني يتحدث عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض.
وليس من شأني الآن أخوض في جوانب طرح الصديق الذي أشكره على توجيه نقده لي بالأسلوب ذاته الذي أتبناه، أسلوب الدعوة لقراءات جديدة. ولكن أسجل ملاحظة على قراءته هي تفسير واقع ما لا يدنو من درجة الرضا عنه إذا لم يحتل وضعاً معقولا في نسيج أكبر منه هو أحد عناصره. فلو اعتبرنا المئذنة سبق علمي خيالي، فهل يكفي نص قرآني لم يكن مفهوما في تراثنا على الوجه الذي تشير إليه قراءة الصديق، ليهبنا أرضية لقراءة المئذنة، معماريا، قراءة علمية خيالية ذات صلة باختراع الصواريخ فيما بعد؛!
بالنسبة لي، فإن قراءتي مستلهمة من تراث ذكوري أنتج إلاها ذكرا ومعتقدا ذكريا، هذا التراث هو الأرضية التي منحتني حق أو مشروعية قراءتي، ولكن اعتبار المئذنة استدعاء قبليا للصواريخ يفتقر إلى هذه الأرضية، فالبيئة الثقافية العربية لم تكن يوما بيئة توحي بمقدم عصر الصواريخ، وحماسي المتواضع لنتيجة القراءة الصاروخية للمئذنة لا يقابله الرفض التام للقراءة هذه، ولا يقابله إيمان تام بأن قراءتي صحيحة صحة لا تقبل الجدل. هذا مع إيماني الكافي بأهمية تجديد وتعدد القراءات، ولا شرط لي غير أن يتم ذلك بعقل منفتح بالحب، أي: بنورانية، بحرية نورانية. وفي اعتقادي فإن هذه النورانية هي عقيدة عكسها مؤسس الإسلام الذي نقض عتمات عصره، وجمود قومه على عقائد الآباء. كان النبي محمد بطلا نورانيا، وابتدأت دعوته بقراءة جديدة لعصره ومورثات حضارته، ولكن ليس ثمة قراءة مطلقة، ولا فعل مطلق.
هوامش
(1) تتجلى فنية التجسيم العربية الإسلامية في المعمار. ويحرم الإسلام التماثيل التي تنتمي لفنون التجسيم.
(2) يعتقد باحثون أن عبادة القمر وأسرته امتدت إلى منطقة واسعة في الجزيرة العربية، وشملت مكة التي يزعم أن اسمها تحريف من "مقه" وهو اسم الإله القمر الذي نشأت ديانته في اليمن جنوب الجزيرة العربية.
(3) تحدث نص قرآني (الأحزاب: أية 50) عن المهر باعتباره أجرا (؟!). ويبدو أن القرآن لا يراعي التحديدات الصارمة المعنى لمصطلحاته؛ فهو يبلور ثقافة عربية فضفاضة.
(4) الزنا يستبعد من هنا ليحتل مكانته في رباعية ما هو ممنوع جنسيا: زواج المحارم _اللواط_ السحاق، إضافة إلى الزنا. والشريعة الإسلامية غليظة في معاقبة الزاني والزانية إلى حد الرجم بالحجارة لمرتكب هذه الجريمة الاجتماعية، الذي يوضع في حفرة ويدفن فيها نصفه الأسفل لكي يحكم وثاقه خلال تنفيذ الحكم عليه.
ولغلظة العقوبة المادية والنفسية التي تواجه الشريعة الإسلامية بها فعل الزنا، فقد بالغ الإسلام في اتخاذ الاحتياطات قبل إدانة أيا من أتباعه بارتكاب هذه الجريمة، فاشترط أن لا يصدر حكم إدانة فيها إلا بشهادة أربعة من الرجال، شاهد كل منهم وقوع الفعل وقوعا كاملا، أي: وقوع إيلاج عضو الذكورة في عضو الأنوثة.
وشهود أربعة للإيلاج من الأمور غير الميسورة، وقد لا يحدث ذلك بالمرة.. فالزاني يحتاط في العادة ليكون في منأى عن مراقبة الناس، ولو راقبه الناس فإن مراقبتهم لن تكون دقيقة إلى درجة الحكم بوقوع إيلاج عضو الذكورة في الأنوثة.
وشدة التحوط الإسلامي وشدة غلظته القانونية، تنعكس على جهة مقابلة، بما يمكن اعتباره سماح غير معلن عن مرتكب الجريمة، جريمة الزنا، والذي سيحظى بمغفرة من الله إذا طلبها. وهذا السماح غير المعلن، قد يساوي إذناً (بالإيماء) لممارسة الزنا، ولكن بشرط أن لا يتحول إلى فعل تدميري للعلاقات الاجتماعية، وهو سيكون كذلك، إذا تم مجاهرة، أو إذا ثبت وقوعه بشهادة أربعة أو باعتراف الزناة بارتكاب هذه الجريمة، أو باتهامات مصدرها مؤسسة الزوجية.
.
Léon Comerre
ليس من أهدافي في هذه القراءة أن أسيء للإسلام الذي أدين له بتربية أسستني وأنا أشق طريقي المعرفي والروحي. فالإسلام أبدع ثقافة من إيجابياتها أنها تقبل تعدد القراءات لها، وهذه الإيجابية دلالة على قيمة المنظومات الثقافية وعلى جدارتها كثقافة قابلة للاستمرارية الفاعلة.
وأود أن لا يندفع غيور وبحمية الحماس إلى اتهامي بالتجديف في حق القداسة الدينية النابعة من القداسة الإلاهية لتجرؤي على ربط مظهر معماري ديني بعضو جسدي جنسي، بتقدير أن هذا الربط ينسحب على عبادة هي عماد الدين الإسلامي وبالتالي ينسحب على الدين الإسلامي كله، بما يقدم الدليل على اقترافي لزندقة أستأهل عليها أشد العقوبة.
في وعيي المعرفي الروحي فإني أرى أن تعبير اللاوعي التاريخي لدى العرب والمسلمين الذين تماهوا مع الثقافة الدينية ذات البعد السحيق، الذي يتجسد في معمار المساجد، لا يمثل تجديفا في حق الدين الذي نادى النبي محمد إليه، باعتبار أنه وحي من الله الذي شاءت حكمته أن يجعل الفعل الجنسي أداة للخلق أو أداة تحقق إرادته الخالقة، هذه الإرادة التي يستند إليها الإسلام وهو يدعو الناس إلى عبادة الله دون سواه.
فالفعل الجنسي ليس صورة للمهانة ولكنه أداة إلهية يبدأ وجودنا الذي يعود لإرادة الله منها.
وأنا لا أزعم أن التعبير الجنسي الذي يتمثل في ممار المساجد، نتج عن وعي وعن قصد، ولكنه تعبير نتج عن تمثل تاريخي لا واعي، ولكنه ظل كائنا في أعماق النفس العربية قبل الإسلام ثم وجد نفسه يتدفق في تعبير فني مزج الروحي بالجسدي تماما كما يفعل الإسلام الذي تتوحد في شعائره الروحية بالجسدية.. وهذا التوحيد في تقديري وجه لعظمة الدين الإسلامي
(2) رباعيات الجنس الإسلامية
معمار مآذن المساجد، يستدعي، مباشرة، صورة العضو الذكري وهو في حالة انتصاب. ويدعم هذا الاستدعاء، التمثالان اللذان يعلوان قمة المئذنة: تمثالا الهلال والنجم.
وباعتبار المعمار(1) فنا يجسد مفاهيم ثقافية، فإن معمار المآذن يعكس، أو يجسد ثقافة عربية دينية قديمة، هي عقيدة عبادة العرب للإله القمر وابنه النجم وزوجته الشمس.
كان عرب الجنوب يعبدون هذا الثلاثي العائلي(2).
ولكن الثقافة العربية في أحد تجسداتها، لا تقبل الظهور العلني أو المباشر للمرأة. ووفقا لخبرتي، فإن قبائل عربية تقيم في اليمن، لا تتحدث عن "وجود نسائي" فيها. وفي إحصاء سكاني، جرى أخيرا، تمثلت إحدى مشكلات هذه العملية، في رفض بعض مواطني اليمن ذكر أعداد وأسماء "الإناث" القريبات من زوجات وأخوات وبنات. وفي بعض الأحيان، تتم الإشارة إلى "الوجود الأنثوي البشري" ضمن الحديث عما يمتلك الرجال من حيوانات، فيقول: عندي كذا من الجمال والغنم والنساء…(؟!)
وفي المعمار الإسلامي التعبدي الذي يعكس عبادة العرب القديمة للقمر وابنه النجم وزوجته الشمس، يظهر الذكران: القمر والنجم في تمثالين واضحين للهلال (الأب) الذي يحتضن تمثال الابن (النجم)، في حين يختفي الحضور الأنثوي،حضور المعبودة الزوجة، فلا يضم معمار المساجد، تمثالا للشمس، أي تمثالا للأنوثة، في وقت تحضر فيه الذكورة، حضورا قويا صارخا في المئذنة المنتصبة انتصاب ذكر شديد العافية.
تحضر الذكورة، أو الثقافة العربية الذكرية، في معمار المساجد، ثلاث مرات حضورا مباشرا، وتحضر مرة رابعة حضورا غير مباشر. الحضورات المباشرة للذكورة هي:
1_ قضيب ذكري بشري منتصب تمثله المئذنة.
2_ الإله الأب، الذكر، يجسده الهلال.
3- الإله الابن، ذكر يجسده النجم الذي يحتضنه الهلال.
أما الحضور الرابع للذكورة في معمار المساجد، وهو حضور ذكري غير مباشر، ومع ذلك، فهو حضور أعمق من الحضورات الثلاثة المباشرة. إنه حضور خصيب. هو حضور فاعلية الذكورة المنتجة. هو حضور للذكورة في تجسيدها في "قبة" هذه التي تستدعي، على الفور ومباشرة، بطن امرأة حامل، وفي أخريات أيام حملها. وهذا التمثيل للخصب الذكري، يعادل في وضوحه الرمزي، وفي قوة تمثيله للثقافة العربية الذكرية، ولأهمية الإنجاب فيها، يعادل الرمز الذكري المتمثل في المئذنة، القضيب المستأسد، المستنفر لأداء واجبه. إن القبة، البطن المستنفر أيضا، هو دليل خصب الذكر المنتصب، ذي العافية التامة وقام المعماري الإسلامي، العربي، بدعم رمزية القبة الجنسية، بتتويج البطن المتأهب للولادة، بتمثالين، للإلهين الذكرين في عقيدة العرب الدينية القديمة: (هلال) القمر (الأب) والنجم (الابن). وهذان التمثالان، اللذان يعلوان، أو يعتليان، رأس المئذنة، يجمعان المئذنة (الذكر المنتصب) والقبة (بطن المرأة الحامل) في رمزية واضحة كاشفة مؤكدة للثقافة العربية الذكرية. هاهما الإلهان العربيان الذكران يتوجان كلا من قضيب الرجل المستنفر القوى، وبطن المرأة المستجيب لوظيفة القضيب المنتصب، البطن الذي يدلل على نجاح هذا القضيب في وظيفتة الجنسية.
بالقبة، يكتمل بناء تجسيد ثقافة/عقيدة/ دينية عربية قديمة، حيث يكتمل برمز القبة (المرأة الحامل المتأهبة للولادة) الدور الحيوي للذكورة. إن الثقافة العربية ثقافة ذكرية. وهذه الثقافة تعمق خاصيتها الذكرية بتجسيدها، بتمثلها، في معمار المسجد، الذي يحتل قيمة محورية مركزة في ديانة الإسلام العربية.
إن الأنوثة مكملة للذكورة على قدر ما الذكورة مكملة للأنوثة، هذه هي الحقيقة التي تأبى هيمنة الذكورة بالقوة على الأنوثة، وتأبى ممارسة الذكورة لدور يسلب الأنوثة حقها المشروع في الحضور، على قدر أهمية حضورها في العلاقة الجنسية المنتجة المشتركة بين المرأة والرجل، وهي علاقة ينبغي أن تقوم بعدل يتيح لكل من الأنوثة والذكورة الأعراب التام عن ذاتية كل منهما.
إلا أن الواقع العربي، وغيره، يجور على الأنوثة، ويعمد إلى إخفاء أو طمس حضورها. وفي التعبير الثقافي العربي الفني خلال معمار المسجد، أُخفيَ الحضور الأنثوي المباشر، بينما قام المعماري العربي، الذكري الثقافة، باستدعاء الأنوثة لا باعتبارها وجودا مكتملا مستقلا، ولكن، باعتبارها مفعولا لفاعليته الذكرية التي تم تصويرها في المساجد بأربعة تجسيدات ذكرية: ثلاثة منها مباشرة، والرابع بتجسيد يمثل موضوعا للذكورة، أو لفحولة الذكورة، لا موضوعا قائما بذاته، مستقلا بحرية.
والإسلام يمنح الرجل حق الجمع بين أربع زوجات في وقت واحد، فهل ثمة علاقة بين رباعية الزوجات لذكر واحد، وبين رباعية الحضور الذكري في معمار المساجد؟ الآن، لا جواب عندي، ولكن وحدة الرقمين تستدعي التوقف عندها.
ويظهر رقم أربعة (الذكري الجنسي) في اشتراط التشريع الإسلامي اجتماع أربعة رجال على الشهادة على وقوع أو إثبات وقوع حادث زنا. فهل ثمة علاقة بين رباعية الشهود (الذكور) لإثبات فعل الزنا (الجنسي) وبين رباعية الذكورة في معمار المسجد؟ قد!!
وهل ثمة علاقة بين رباعية الحضور (المئذنة والقبة والهلال (المر) والنجم= القضيب المنتصب وبطن المرأة الحامل والإله الأب والإله الابن في عبادة العرب القدماء) وبين حديث القرآن عن أربع صور للعلاقات الجنسية بين الرجال والنساء وهي:
1_علاقة الزواج (على سنة الله ورسوله)؛
2_علاقة الاستمتاع؛
3_علاقة الاسترقاق؛
4-علاقة الزنا؟
هذا السؤال، يستدعي السؤال التالي:
لماذا حرم الله (في القرآن) الزنا، وأحل ممارسات الجنس في الصور الثلاث الأخرى من الصور الأربع التي ذكرناها والتي تحدث القرآن عنها في حديثه عن أشكال الممارسات الجنسية بين الرجال والنساء؟
الزواج (على سنة الله ورسوله) علاقة تقرها الجماعة وتباركها، أعني هنا الجماعة الإسلامية (العربية). وبين الزواج المقر هذا، وعلاقة الزنا تضاد حاسم؛ فالزواج آلية جمعية تزيد البناء الجمعي قوة، والإسلام يستحسن الزواج من الأباعد (في إطار جماعته) لتوثيق عرى الروابط الاجتماعية في المجتمع الإسلامي العربي. ولكن الزنا يلعب دورا مختلفاً، فهو اعتداء على ممتلكات الذكورة من "البضاعة الأنثوية" من الزوجات والأمهات والبنات والأخوات وعموم القريبات النسب، ومن شأن هذا الاعتداء أن يدمر علاقات الجماعة. وأحسب أن هذا هو السبب وراء تشريع عقوبة الزنا التي تشتد لتصل إلى حد قتل الزناة بأسلوب عنيف جدا (الرجم بالحجارة حتى الموت).
والإسلام (العربي) حرم الزنا في "الحرائر" وهن النسوة العربيات، والإسلام (العربي)، أكد بتشريعاته الجنسية تحريم الزنا في "الحرائر"؛ وهو ما كان المزاج العربي (الجاهلي) منحازا إليه: عندما أخذ النبي محمد البيعة من نساء قريش، كان من بنود هذه البيعة بند يشترط على المبايعات للنبي على الإيمان برسالته "أن لا يزنين"، فردت إحدى القريشيات (من حرائر العرب) على النبي بقولها: "وهل تزني الحرة؟". فالزنا كان من معايب العرب.
ولكن الإسلام لم يمنع ممارسة جنسية ذكرية في الإناث، ليست بعيدة عن الزنا إلا بمقدار بعد القيمة الاجتماعية للعربية الحرة (باعتبار المرأة عرض الرجل وشرفه_ بين المرأة والمرآة، العاكسة لصورة الناظر فيها علاقة لغوية واضحة، فالمرأة مرآة الرجولة، أليست الرجولة هي المهيمنة ثقافيا، ومن ثم لغويا، وهي التي تمنح الكلام دلالته، هذا، وقيل أن ثمة علاقة بين لفظتي المرأة والمروءة، وبالطبع فإن مروءة الذكورة هي المعنية، فالمرأة، بهذا التفسير، الذي يدعمه علاقة المرأة بالمرآة، هي مروءة الذكورة).
نعود للقول إن القرآن العربي حرم الزنا في "مروءة ومرآة العربي_ العربية الحرة" لكنه لم يحرم ممارسة جنسية يمارسها العرب مع، أو بتعبير أدق، في امرأة غير عربية. فللرجل العربي حق ممارسة الجنس "في" مملوكاته من الإماء، غير العربيات، العربيات لا يكن إماء. وما هو مسموح به للذكر العربي مع الإماء، أو مع ما ملكت يمينه، غير مسموح به للعربية مع مماليكها.
كذلك، تمارس الذكورة العربية (الإسلامية) فعلها الجنسي في صورة الاستمتاع. والنبي سمح بهذه الممارسة لصحابته، ثم ألغى السماح بها، ثم عاد وسمح بها ومات ولم يكن قد منعها من جديد. والقرآن يتحدث بصراحة عن سماحه بهذه الممارسة بشرط أن يقدم الرجل للمرأة موضوع استمتاعه أجرا عن استمتاع الرجل بهذه العلاقة الجنسية (والنص القرآني الذي يسمح بذلك قريب من: وما استمعتم به_ الخطاب للمسلمين _ من النساء فآتوهن أجورهن). وواضح أن هذه الممارسة، القريبة من الزنا أيضا، هي مجلبة لاستمتاع الرجل، ومن غير إقامة وزن أخلاقي للطرف الآخر أو معاملته ككائن مجبول بالرغبة الجنسية، كما الرجل، أو أشد. وهذه العلاقة، التي تهيمن عليها الذكورة، تجعل من المرأة موضوعا سلعيا، يباع لمن يدفع الثمن (الأجر). وبعض المفسرين للقرآن، لا يوافقون على ما نراه هنا بخصوص الآية التي تتحدث عن "الاستمتاع"، ويعتقدون أن موضوع النص القرآني هذا هو الزواج (على سنة الله ورسوله) وأن الأجر الوارد ذكره في هذا السياق هو مهر الزواج. لكني أشك في صحة هذا المذهب التفسيري للنص القرآني. فالمهر، بنص قرآني آخر، ليس أجرأً، هو هدية، يقول القرآن: وآتوهن مهورهن نِحْلة (هدية)(3). والزواج ليس استمتاعاً فحسب، هو أكبر. وتحريم عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للنبي، لزواج المتعة الذي سمح به النبي هو الآخر، لا يشكك في مذهبنا الخاص بسماح الدين الإسلامي (العربي) بعلاقة الاستمتاع الجنسي بين الرجال والنساء، لصالح الذكورة، فإن الأمر الذي أصدره عمر الحاكم، هو اجتهاد سياسي وقتي ليس بريئا من مزاجية عمر بن الخطاب العامة، الصارمة، والتي لا تميل إلى اللهو الجنسي. ويظل النص القرآني والتشريع النبوي، والهيمنة الثقافية العربية الذكرية، أقوى من الأمر العمري بوقف العمل بقانون ديني ثقافي يسمح بممارسة علاقة الاستمتاع الجنسي القريبة من الزنا لكنه الزنا الذي لا يهدم البناء الاجتماعي للعرب المسلمين. وتلتقي علاقتا الزنا الصريحة والاستمتاع، وتضيف إليهما علاقة "الزنا" بالإماء، في عامل مشترك، هو أنها تتم خارج إطار المؤسسة الزواجية، ولكن، بموافقة القانون التشريعي الديني العربي.
وثمة علاقة جنسية أخرى سمح بها القرآن لأتباعه، وهي علاقة البغاء بين المسلم وبين الفتيات المملوكات لغيرة، أو المملوكات للجماعة العربية المسلمة. يقول القرآن مخاطبا الجماعة المسلمة: "لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا".
وهذا النص، يسمح للفتيات بالبغاء أن أردنه، فالنص يسمح بمتابعة دلالته على النحو التالي: فإن لم يردن_فتيات الجماعة الإسلامية _تحصنا، فيمكن لكم أيها المسلمون الرجال أن تفعلوا فيهن البغاء.
ويلوح هنا وكأن للأنوثة دور المبادرة، فالقرآن يشترط على الذكور عدم إكراه الإناث من فتيات الجماعة الإسلامية على قبول فعل الجنس فيهن إن لم يردنه، وهذا الشرط غائب عن ممارسة الجنس مع الإماء المملوكات لرجل بعينه هو صاحب الحق في فعل الجنس معهن، والإماء والفتيات جنس أو فئة اجتماعية واحدة، ولكن ثمة فرق بين الممارستين الجنسيتين بين الرجل وما يملك من الإماء أو الفتيات، وبين الرجل وما يملك غيره منهن. فما يملكه الرجل من إماء حق مطلق له، ولكن حقه في إماء أو فتيات غيره حق محدود بملكية الغير. وكان بعض العرب المسلمين يستغل إماءه للحصول على المال جراء ممارسات جنسية يفعلها رجال آخرين معهن ومقابل أجر. ولكن المسلم، بمنطق القرآن، لا يملك الإماء لغرض استثمارهن في مشاريع تجارية، هو يملكهن ليمارس معهن علاقات جنسية لصالحه. أما توظيف النسوة المملوكات لرجل بعينه لكسب الأموال، فهو توظيف خارج نطاق الوظيفة الجنسية للأنثى المملوكة لمالكها عينه، لا لسواه.
فالقرآن، وسع دائرة حرية فعل الممارسة الجنسية للرجل بالسماح له بالبغاء في أعداد أخرى إضافة إلى ما يملك من الإماء والزوجات وموضوعات الاستمتاع بالبغاء، القريب من الزنا باعتبار الأخير ممارسة جنسية متحررة من ارتباطات المجتمع الزواجية (المقرة بكتاب الله وسنة رسوله)، الإسلام سمح بالبغاء لصالح الذكورة، كما هو شأن كل حالات الفعل الجنسي، ولكنه لم يهضم حق الإناث في "تأجير " بضاعتهن الجنسية، من منطلق أن الإسلام دعوة للعدل، لكن، ضمن حدود المحافظة على معايير ثقافية أصيلة منها المعيار الثقافي الذكري الراسخ في بناء الوعي العربي، الذي تجسد في تعبير فني في معمار المسجد، أهم الرموز الثقافية العربية الإسلامية.
وبالحديث عن علاقة البغاء الجنسية، يرتفع رقم الصور الجنسية الذكرية الأنثوية (في القرآن) إلى رقم خمسة. لكن يعود هذا الرقم إلى الرقم أربعة بتقدير أن علاقة البغاء هي علاقة فرعية عن العلاقة الجنسية بالإماء.
كذلك، يلتقي مع العدد أربعة الجنسي في القرآن، ومع اعتبار علاقة البغاء علاقة ذات رقم مستقل عن علاقة الإماء المملوكات لرجل بعينه، بينهن وبينه، وذلك، عندما نستبعد من صور الممارسات الجنسية التي تحدث عنها القرآن، التي تجرى بين النساء والرجال، صورة الزنا باعتبارها شكلا غير مسموح به، طالما كان زنا في الحرائر(4). والخلاصة أن القرآن يسمح بالممارسة الجنسية الذكرية في الإناث بأربع صور:
1- صورة العلاقة الزوجية (على سنة الله ورسوله).
2- صورة علاقة الاستمتاع.
3- صورة علاقة الممارسة بالإماء المملوكات لمسلم بعينه.
4- صورة علاقة البغاء مع المملوكات لرجل آخر.
وهذه الرباعية الجنسية هي مقابل فعلي لرباعية الجنس التي يسجلها معمار المساجد، وفي كلتي الحالتين، الذكورة هي الغالبة؛ الأنوثة، بذاتها، هي الغائبة، الأنوثة حاضرة حضور المفعول به لا حضور الفاعلية الموازية لحضور فاعلية الذكورة.
كان النبي محمد، الصادق الأمين، كان صادقا وأمينا وهو يجدد حيوية المرتكزات الثقافية العربية، التي يحتل المعنى الذكري المهيمن، المستنفر دوما، موقفا هاما فيها. والقرآن الذي انحاز للذكورة في حديثه عن الفعل الجنسي بين الرجل والمرأة، هذا القرآن، حمل بعنف تدميري، على أهل بلده كان اهلها يمارسون علاقة جنسية مثلية ذكرية. ولم يكن عقاب أهل البلدة جميعا، من فعل منهم هذا الفعل ومن لم يفعله، لم يكن أقل من تدمير البلدة كلها على رؤوس مواطنيها. ولم يكشف القرآن عن مثل هذا الموقف إزاء ممارسة جنسية مثلية نسائية.
وعقوبة تدمير بلدة بكاملها، بكل مواطنيها في حالة فعل جنسي مثلي ذكري، قوبلت بعقوبة سجن للنساء اللواتي يمارسن الجنس فيما بينهن، وكانت عقوبة محددة بزمن قصير، سرعان ما اهتدى النبي إلى مخرج لها؛ فليس للجنسية المثلية النسائية خطورة ما لمثيلتها الذكرية، فلا اعتبار هام للمطلب الجنسي الأنثوي في منظور ثقافة تهيمن الذكورة عليها. وتلك الثقافة التي تفجرت غضبا داميا عندما تجرأ ذكور على امتهان المعنى الذكري الجنسي المهيمن الذي موضوع هيمنته هن النساء لا الذكور كما فعل أهل قرية لوط الذين كانوا يفضلون الرجال على النساء في فعل الجنس، الذين، فيما يبدو لي، كانوا يهدفون إلى تأكيد فاعليتهم الجنسية الذكرية في موضوعات "أقوى" من الموضوعات الأنثوية. يبدوا لي أنهم كانوا يختبرون صلابة موقفهم الجنسي الذكري في حالة تتقابل فيها الذكورة المهيمنة ثقافيا مع الذكورة المهيمنة ثقافيا أيضا، لوضع المعيار الذكري المهيمن على محك أصلب من محك الأنوثة، حيث تنتصر الهيمنة الذكرية الأقوى، على الهيمنة الأضعف من النوع ذاته، لتنتصر، في النهاية، مقولة هيمنة الذكورة الجنسية ذاتها. وقوم لوط ينتمون للثقافة العربية بالمعنى الواسع, لكن ما سمحت به الحالة الثقافية العربية اللواطية لا يسمح به مؤسس الأمة العربية النبي محمد، الذي كن يبني صرح مجتمع ينبغي أن يكون كالجسد الواحد، ورجال يتمتعون، كلهم، برجولتهم، فلم يسمح النبي، بانتهاك رجولة أي مسلم، وأطلق لرجولة كل مسلم حرية الفعل الجنسي في مساحة كبيرة، فمنحه حق الزواج بـأربع نساء في وقت واحد، وحق الاستمتاع فيما شاء من النساء، وحق ممارسة الجنس، ومن غير حد، مع بنات الرقيق مما يملك هو، ومما تملكه الجماعة المسلمة كلها.
والممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة تعمق رجولة الرجل، لكن الممارسة الجنسية بين رجل ورجل، تهدم رجولة أحدهما، وتهدم مع هذا الهدم عنصرا هاما من عناصر البناء الثقافي العربي، عنصر الذكورة المهيمنة. وكان على النبي، النهضوي العميق الذكاء، أن يحافظ على مقومات العرب الثقافية التي تمتلك الصلاحية الكافية لدعم مشروعة النهضوي التأسيسي للأمة العربية.
ومن خلال معمار المساجد، الشائع الآن، الذي ظهر في وقت لاحق على ظهور النبي محمد، استعادت الثقافة العربية الذكرية عافيتها مرة أخري، وفي تعبير فني، يوازي التعبير التشريعي القرآني الذي سمح للرجل بالتعبير عن ثقافته العربية الذكرية المهيمنة، خلال أربع صور للممارسة الجنسية.
وفي صور العلاقات الجنسية المسموح بها للمسلم، غير علاقة الزواج (على سنة الله ورسوله)، تمارس الفاعلية الجنسية الذكرية حريتها، وهي حرية تمثلها المعماري المسلم في التعابير الذكرية في المساجد، المصورة في مئذنة (هي قضيب منتصب شامخ منطلق) وهلال (قمر) هو تمثال لهلال يغدو ويجئ.. بحرية الآلهة يغدو ويجئ… ونجم يرتع في البقاء، بحرية، وعلى قمة قضيب وبطن امرأة حبلى، هو وأبوه يتربعان تربع الملوك.. تربع الآلهة على رقاب العبيد..
الذكورة الحرة من قيود المدنية في تاريخ العرب القيم ظلت حرة في شريعة الأمة العربية، وواصلت حريتها في المعمار الديني المركزي: معمار المسجد.
ولا يخفى وضوح العلاقة بين التعبير عن الذكورة بالقباب في معمار المساجد، وعلاقة الزواج (على سنة الله ورسوله). فالقبة تمثال بطن أنثوي ممتلئ بالحمل؛ والزواج علاقة تتمركز في الثقافة العربية في وظيفة إنجاب الأبناء (الأفضلية التي مازالت صارخة حتى أيامنا للذكور دون الإناث). وهناك رأي واسع بين فقهاء الشريعة الإسلامية يذهب إلى أن سبب تحريم الزنا هو منع اختلاط الأنساب، وهو شرط يوفره الزواج، وتظهر العلاقة بين الزواج والقباب، في أن كلا منهما صورة تقيد الذكورة في حدودهما، لتطلقها فيما عداهما من الصور.
منح الإسلام الجنس (الذكري) مساحة حرة كبيرة، وترك له حرية يظهر تعبيرها الواضح في تمثلنها في مئذنة هي صورة "طبق الأصل" لقضيب شامخ ممتلئ بدماء الشهوة الحارة الحرية في انطلاقة تشق أفق السماوات، في ثقة راسخة الجذور في الوعي الثقافي التاريخي، وفي خيلاء وقوة وصراحة…
(3) رباعيات الجنس الإسلامية _تعقيب
الذين اطلعوا على مقالتي "رباعيات الجنس الإسلامية" أصدروا أحكاما متفاوتة، ما بين "الافتان بها" بدرجة دفعت "مفتتنا" إلى إطلاق صفة "الإمامة" عليّ، التي – لديه - استحقها بهذا" الإبداع"، بقوله؛ وما بين الهجوم العنيف الذي وصل إلى حد وصف أفكارها، خاصة فكرة "استدعاء المئذنة بصورة قضيب ذكري منتصب" بـ"التخريف"، وبـ "التخريب أيضا"، واستنكر البعض ما وصفه بهذا "الهبوط" الفكري إلى مستوى الشهوة الجنسية التي رأى هذا البعض أن الشهوة (الجنسية) تتحكم في أفكاري في ظروف "عزوبية" تحرمني من ممارستها، واقترح أحد المعارضين أن يتم "إجلاسي" على رأس المئذنة (أي: القضيب المنتصب). ووضع منتقد لي (إكسا) على الفكرة كلها. وعلى أن أضيف إلى التعليقات السابقة، ذكر تعليق صديقة قالت: "إنك شيطان، كيف جاءتك هذه الفكرة؟!"، وأضافت: إنني أتذكرك وأنت تقهقه بينما كنت ترددها "شفهيا" خاطرة وردت عليك يومها، ثم صارت مقالة، أضافت، "هذه عادتك!".
والانتقادات الموجهة إلى مقالة "رباعيات الجنس…" لم تقترب من جوهر الفكرة للمقالة، الواضحة في ثناياها.
فالمقالة نقد للسلوك القهري (الثقافي = التراثي، الحاضر، المحكوم بشهوة القوة (الذكرية= القضيب المنتصب). وهي (المقالة)، دعوة "لقراءة جديدة"، دعوة لممارسة الحرية الفكرية، هذه الممارسة هي التي ستؤصل التوجه الجديد، والذي نتبنى الدعوة إليه، مع الدعاة الآخرين له، للتحرر من سلوكيات ترتكز إلى فكرة القوة الشهوانية، القوة الجسدية، قوة العنف والإرهاب بقوة جمود التراث، أو جمودنا على التراث. نحن نتطلع إلى إعلان ثورة العقل، ضد جمود الفكر. ومقالة "رباعيات.."، تنتقد، وبجرأة، فكرة جامدة، أو قراءة جامدة "للمئذنة"، كأقوى رمز، او إحدى أقوى الرموز لجمودنا الفكري التراثي.
المئذنة بناء استخدمه المؤذنون للدعوة إلى الصلاة، ولم تظهر المئذنة إلا في زمن لاحق على زمن بدء الإسلام.
وتطورت أشكالها المعمارية حتى وصلت إلى الشكل الذي يماثل القضيب الذكري المنتصب. هذا كله صحيح، هذا الذي قاله المنتقدون، ومنهم باحث متخصص في فنون العمارة الإسلامية، قاله ليصدر بعدها حكما "قاطعا مانعا" على فكرتي بالفساد:"وهكذا يوضع إكس على فكرتك"، قال. أما أنا، فاحتفظت بوقاري، وابتسامتي الرقيقة التي كنت أعبر فيها عن احترامي له، وسعادتي باهتمامه بمناقشة المسألة معي، وبأدب، قدمت شكري لـ"الدكتور"، على أنه قدم لي معطيات مفيدة لتأكيد سلامة موقفي.
إن المنهجية التي لا تتردد في إصدار أحكام "الإكس" على أفكار الآخرين، هي، الهدف الذي أتطلع إلى أن أواصل توجيه نقدي له، بدعوته للخروج من الانغلاقية إلى روح منفتحة، أو إلى عقل منفتح بالحب، يسع الأخر، ويعترف أن الحقيقة مشتركة بين أكثر من واحد.
مقالتي "رباعيات الجنس" دعوة لقراءة أخرى للذات الجمعية تبدأ من الإيمان بضرورة التحرر من التصورات الموروثة، وعدم الجمود فيها. وإذا تحررنا من جمودنا، فإننا سنحظى بفرصة جيدة للتحرر من مفهوم الإرهاب الذي يستند إلى أداة العنف الجسدي (الذكري). إن تحررنا من مفاهيم الأجداد، على الأقل بالإيمان المبدئي بذلك، هو سلوك عقلي تحرري، نتيجته نمو الأداء العقلي على حساب الأداء الجسدي (الذكري). وما نحتاجه بالضبط في هذه المرحلة، ولتجديد حياتنا، هو ثورة تنتصر للعقل، وللعقل المحب، عقل الخير والبناء بحرية نورانية. أما مصادرة حرية الآخرين في تجديد رؤاهم ، فهو ليس من الحرية النورانية التي ندعو لها، هذه المصادرة هي صورة متطابقة مع مصادرة الذكور في ثقافتنا العربية لحرية المرأة في التعبير الجميل عن ذاتها، وهو كشف عنه مقالنا" رباعية الجنس..".
وما قاله الصديق الذي أصدر حكما جازما بفساد قراءتي، منحني إيمان أكبر بما قلته، إن ظهور المئذنة، كلها، وتطورها بعد عهود طويلة إلى الصورة الحالية لا ينفي رمزيتها الذكرية، ولكنه يؤكد أن تراكمات المفهوم الذكري البارز في الثقافة العربية، أخذت تنمو، تحت طبقات الوعي الظاهر، وبلا وعي، حتى انعكست، بصورة جلية في مئذنة هي صورة طبق الأصل للعضو الذكري المنتصب التي تحتشد فيه معاني الذكورة الشهوانية، كما تحتشد في المئذنة معاني التراث الذكري.
واستخدام المئذنة للدعوة إلى الصلاة، يعزز الفكرة التي تبناها مقالي. الدعوة إلى الصلاة، دعوة إلى الجنة "الفلاح"، دعوة إلى حور العين، دعوة إلى حرية جنسية للذكر، لا حدود لها، بينما في المقابل، لن تتمتع المرأة المؤمنة بمثل هذه الحرية، وستبقى موضوعا لحرية الرجل. إن المئذنة، التي نبتت بالتراكم الخفي للمفاهيم ذات التأثير السري على ذاتية المسلم، المعماري الذي أنشأ المئذنة وطورها على مثال القضيب المنتصب، هذه المئذنة، هي أداة الدعوة إلى جنة حرية الرجل (المؤمن) الجنسية.
إن استخدام المئذنة للدعوة إلى الصلاة، وتعضون المئذنة بالصلاة، هو دليل آخر يعزز قراءتي للمئذنة بأنها معمار يتمثل المفاهيم الذكرية للثقافة العربية.
إني أدعو إلى حرية القراءات، إني أهدف إلى حرية البحث عن الحقيقة، من مبدأ أن الحقيقة غير "مطروحة في الأسواق" كسلعة معدة للاستعمال.. الحقيقة مطلب ننشده بحرية التفكير، بجرأة التفكير.
وأنا لا أريد القول إن المعماري الذي صنع المئذنة على صورة القضيب المنتصب كان على وعي بفعله. لقد كان يعمل تحت تأثيرات التراكمات الثقافية، التي تمتد في الثقافة العربية الإسلامية، وتتعزر بالآمال. وكل مؤمن، يحلم، بعمق، بجنة يحقق فيها إباحيته الجنسية، وليس للمؤمنة هذا الحق، أن أقصي ما ستحظى به هو تابعتها، بين عشرات أو مئات النساء، لرجل كان صالحا في الدنيا، كان يواظب على الاستجابة لدعوة الصلاة المنبعثة من "المئذنة".
وأنا لن ارتكب حماقة فكرية، واستبعد مطلقا التفسير الديني المتسامي لمعمار المآذن. ولكن أضيف أن هذا المعنى المتسامي هو تسام بالممارسة الجنسية الذكرية من حالتها الدنيوية (مع نساء الدنيا) إلى الممارسة الذكرية الجنسية مع حور العين نساء الجنة التي وعد الله المؤمنين المحافظين على الصلاة، بهن.
والسمو بالنشاط الجنسي الحيوي نحو أفق التسامي الإلهي، كما يرمز بناء المئذنة المتجه صوت عرش الله فوق السماوات، هذا السمو، هو معطى من معطيات الفعل الذكري القضيبي التي تتجه فاعليته إلى التحرر من الأنا الضيقة المحكوم عليها بالفناء، إذا انحصرت في الدنيا الفانية، إلى واسعية الله، التي ستترجم عمليا بالفوز بالمقام غير المتناهي في جنة عرضها عرض السماوات والأرض، أعدت للمؤمنين، سيكون من أحب ما فيها (باستثناء وجه الله مانح نعيم الجنة بما فيه حور العين) نساء صالحات وعلى درجة فائقة جدا من الجاذبية الجنسية للذكورة. والقضيب الذكري الذي، وهو منتصب، يمنحنا فرصة البقاء الدنيوي بالتناسل (أولاد_ أحفاد) هذا القضيب (الأداة) برز في الحضارة العربية، بروزا معنويا، ليكون أيضا، خلال المئذنة، أداة، نصعد عليها إلى جنة الحرية الجنسية الذكرية.
ولن أتعرض لانتقادات أخرى واضح أن بعضها ذو طابع هزلي، بينما للبعض الأخر طابع تهوري، ويكفي أن أقول أن التعامل مع الدعوة لحرية القراءة من جديد لمسلمات تاريخية، لا ينبغي أن يكون هزليا ولا متهورا، نحن نحتاج للجدية وللجرأة ونحن ننشد النهوض من ظلمات الجمود الحضاري.
وبقى أ، أذكر، ومن باب إيماني بحرية القراءات ما أعرب عنه صديق من اعتقاده بأن معمار المئذنة هو معمار "صاروخي" وقال إن فهمه يجيز من باب التصور أن المعماري الذي صمم هندسة المئذنة، كان يحقق سبقا، بالخيال العلمي الذي يسبق الإنجازات العلمية، هذا السبق، في تقديره، ثابت من نص قرآني يتحدث عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض.
وليس من شأني الآن أخوض في جوانب طرح الصديق الذي أشكره على توجيه نقده لي بالأسلوب ذاته الذي أتبناه، أسلوب الدعوة لقراءات جديدة. ولكن أسجل ملاحظة على قراءته هي تفسير واقع ما لا يدنو من درجة الرضا عنه إذا لم يحتل وضعاً معقولا في نسيج أكبر منه هو أحد عناصره. فلو اعتبرنا المئذنة سبق علمي خيالي، فهل يكفي نص قرآني لم يكن مفهوما في تراثنا على الوجه الذي تشير إليه قراءة الصديق، ليهبنا أرضية لقراءة المئذنة، معماريا، قراءة علمية خيالية ذات صلة باختراع الصواريخ فيما بعد؛!
بالنسبة لي، فإن قراءتي مستلهمة من تراث ذكوري أنتج إلاها ذكرا ومعتقدا ذكريا، هذا التراث هو الأرضية التي منحتني حق أو مشروعية قراءتي، ولكن اعتبار المئذنة استدعاء قبليا للصواريخ يفتقر إلى هذه الأرضية، فالبيئة الثقافية العربية لم تكن يوما بيئة توحي بمقدم عصر الصواريخ، وحماسي المتواضع لنتيجة القراءة الصاروخية للمئذنة لا يقابله الرفض التام للقراءة هذه، ولا يقابله إيمان تام بأن قراءتي صحيحة صحة لا تقبل الجدل. هذا مع إيماني الكافي بأهمية تجديد وتعدد القراءات، ولا شرط لي غير أن يتم ذلك بعقل منفتح بالحب، أي: بنورانية، بحرية نورانية. وفي اعتقادي فإن هذه النورانية هي عقيدة عكسها مؤسس الإسلام الذي نقض عتمات عصره، وجمود قومه على عقائد الآباء. كان النبي محمد بطلا نورانيا، وابتدأت دعوته بقراءة جديدة لعصره ومورثات حضارته، ولكن ليس ثمة قراءة مطلقة، ولا فعل مطلق.
هوامش
(1) تتجلى فنية التجسيم العربية الإسلامية في المعمار. ويحرم الإسلام التماثيل التي تنتمي لفنون التجسيم.
(2) يعتقد باحثون أن عبادة القمر وأسرته امتدت إلى منطقة واسعة في الجزيرة العربية، وشملت مكة التي يزعم أن اسمها تحريف من "مقه" وهو اسم الإله القمر الذي نشأت ديانته في اليمن جنوب الجزيرة العربية.
(3) تحدث نص قرآني (الأحزاب: أية 50) عن المهر باعتباره أجرا (؟!). ويبدو أن القرآن لا يراعي التحديدات الصارمة المعنى لمصطلحاته؛ فهو يبلور ثقافة عربية فضفاضة.
(4) الزنا يستبعد من هنا ليحتل مكانته في رباعية ما هو ممنوع جنسيا: زواج المحارم _اللواط_ السحاق، إضافة إلى الزنا. والشريعة الإسلامية غليظة في معاقبة الزاني والزانية إلى حد الرجم بالحجارة لمرتكب هذه الجريمة الاجتماعية، الذي يوضع في حفرة ويدفن فيها نصفه الأسفل لكي يحكم وثاقه خلال تنفيذ الحكم عليه.
ولغلظة العقوبة المادية والنفسية التي تواجه الشريعة الإسلامية بها فعل الزنا، فقد بالغ الإسلام في اتخاذ الاحتياطات قبل إدانة أيا من أتباعه بارتكاب هذه الجريمة، فاشترط أن لا يصدر حكم إدانة فيها إلا بشهادة أربعة من الرجال، شاهد كل منهم وقوع الفعل وقوعا كاملا، أي: وقوع إيلاج عضو الذكورة في عضو الأنوثة.
وشهود أربعة للإيلاج من الأمور غير الميسورة، وقد لا يحدث ذلك بالمرة.. فالزاني يحتاط في العادة ليكون في منأى عن مراقبة الناس، ولو راقبه الناس فإن مراقبتهم لن تكون دقيقة إلى درجة الحكم بوقوع إيلاج عضو الذكورة في الأنوثة.
وشدة التحوط الإسلامي وشدة غلظته القانونية، تنعكس على جهة مقابلة، بما يمكن اعتباره سماح غير معلن عن مرتكب الجريمة، جريمة الزنا، والذي سيحظى بمغفرة من الله إذا طلبها. وهذا السماح غير المعلن، قد يساوي إذناً (بالإيماء) لممارسة الزنا، ولكن بشرط أن لا يتحول إلى فعل تدميري للعلاقات الاجتماعية، وهو سيكون كذلك، إذا تم مجاهرة، أو إذا ثبت وقوعه بشهادة أربعة أو باعتراف الزناة بارتكاب هذه الجريمة، أو باتهامات مصدرها مؤسسة الزوجية.
.
Léon Comerre
صورة مفقودة