نقوس المهدي
كاتب
- مهد الغرام ومسرح الغزلان. حيث الهوى ضرب من الإيمان.
- يتعانق الروحان فيه صبابة. ويعف أن يتعانق الجسدان.
بشارة الخوري- الأخطل الصغير
الهوى. ميل إلى المحبوب
الشوق. نزوع المحب إلى لقائه
الحنين. شوق ممزوج برقة
الحب. أول الألفة
الشغف. التمني الدائم لرؤية المحبوب
الغرام. تعلق بالمحبوب تعلقاً لا يستطيع المحب الخلاص منه
العشق. إفراط في الحب ويغلب أن يلتقي فيه المحب والمحبوب
التتيم. استعباد المحبوب للمحب فتيمه حباً
الهيام. شدة الحب حتى يكاد يسلب المحب عقله
الجنون. المحب فيه مستلبا نهائيا. وهنا أجد نفسي غارقة في محيط الغرام والحب والعشق متيمة. ألاحق مصطلحات تتكرر خالقة عالماً آخر غير العالم. إنني أبحث عن مترادفات الهوي وصولاً إلي أقصي درجات الحب بلا مطاولة.
إنني أحدثكم عن الغرام العذري
وتتقافز المعاني والمترادفات أمامي بين صفحات الكتب والمجلدات لتتجسد بشرا محبين يحكون لي حكاياتهم مع الغرام.
آه أيها المغرمين.
والمعني يكون أحيانا هو شدة التعلق ولعا. والشجن هم وكرب. واللوعة تباريح الحب وشدائده. والجوى كتمانه والضيق به. والكمد حزن شديد فيه. والوجد لصبابة وشدة حب. والوله تحير فيه من شدة الصبابة. والكلف استغراق في الحب.
وصولاً إلي قوم يحبون بلا ملامسة. هؤلاء هم العرب. القوم الذين أحبوا المراة وحضورها القوي بأشعارهم وتغزلهم فيها.
ولكن حدث أن اختلط لدي البعض منذ زمن بعيد الأمر، متصورين الحب العذري بكل ما يحظي به من افتتان بالمرأة شبيها بالحب الأفلاطوني الذي فصل بين الجسد والروح واتضح لنا فيما كُتب بمأدبة أفلاطون الذي أفتتن به تلاميذه وأراد أن يخلق عالما فاضلا يفصل بين الحب المحسوس وآخر خاليا من كل شهوة مبرا نفسه من حب وافتتان تلاميذه به.
ويأتي مصطلحنا الحب العذري الذي كان غاية بذاته، حب يتغنى بالعشق ويذوب به ويعيش من أجله، وموضوع الحب هو الحبيبة. والحبيب ممزق فيه بين الانجذاب المادي للجسد الأنثوي والتعلق الروحي، خوفاً من الإثم فتحول من مادي حسي إلى روحي عفيف بسبب العادات الاجتماعية فيتسامى المحب برغم كل تلك العاطفة المشبوب.
ويبدأ في توسل ورجاء الحظو بوصالها متضاءلة لديه النظرة إلى المتع الحسية. فنجد معانيه زاخرة بالمشاعر القوية مليئة بالعاطفة المتقدة متقيد بالأخلاق كالعفة والوفاء والإخلاص. ويتجه فيه الشاعر العذري بالغزل العفيف، حيث يضنيه الحرمان ويذيبه الشوق والعشق ولكنه يخاف على كرامة محبوبته وسمعتها، لذلك كان يخاف الله فيما يأتي وفيما يقول.
وهكذا نجد العاشق يكابد حرمة المرأة وعفافها فنجد فيه رقة القلب. والمرأة هنا فيها روح قبل الجسد. ويتجلي هنا احترام الحبيب لتلك المرأة التي أحبها حاضرة أم غائبة.
وهؤلاء العذريون لا يعتقدون أن الحب معصية ما دام فيه تعفف وصدق، لذلك يشهدون الله على حبهم ويعتقدون نفسهم ضحايا القدر.
وفي هذا الغرام العذري هي فقط محبوبة واحدة من يرى فيها الحبيب الغاية للجمال والجلال الأنثوي ويقترن بعشقها فنجد جميل بثينة وقيس ليلى الذي فيه يتم إلغاء كل شيء سوي الغرام ويدع مجالاً لتفسيرات حكاية الغرام تلك.
ومما قال جميل في عشقه لبثينة "خليلي فيما عشتما، هل رأيتما قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي".
ثم يردف شاعرا، فلا تكثروا لومي فما أنا بالذي سننت الهوى في الناس أو ذقته وحدي.
يقولون:
جاهد يا جميل بغزوة = وأيُّ جهاد غيرهن أريد؟!
لكل حديث عندهن بشاشة = وكل قتيل بينهن شهيد
ونجد أن التتيم هو الذي ربط اسم العاشق بصاحبته وفنائه في حبها وما يرتبط بهذا من هجر وفراق ولوعة وسقم بل حتى الموت، ومن ثم نما هذا الحب وترسخت أشعاره الغزلية العفيفة في العصر الأموي علي يد العذريين.
وبناء علي كل ما سبق نجد أن الغزل العفيف ينطوي تحته الحب النبيل. وفيه التغزل بكائن ملائكي تحول قدسيته دون لمسه. وقد يفضى به حبه إلى جنون أو موت.
ولن نبالغ إن قلنا أن المحب العذري ما هو إلا صوفي يشتاق لرؤية الحبيب. صوفي تعييه الحيلة وتعوزه الوسيلة إلى لقاء المحبوب. صوفي في ارتفاعه عن كل صغائر الحياة، لعله يقترب من قدس الأقداس. الحب الصوفي المتسامي. وهو أرقى أنواع الحب كافة فيه الحبيب يناجي معشوقته مناجاة خالصة من شوائب عاطفة الجسد. حتى يكاد يرتفع بصاحبه لمرحلة التصوف المجرد من غاية الحس والمادة.
ومن حكايات الغرام في العذري منه أنه كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبدوالاجتهاد، فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها، وهام بها عقله، ونزل بالجارية ما نزل به، فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها، فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية: قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك، وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي.
فقال للرسول: ولا واحدة من هاتين الخلتين، "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"، أخاف نارا لا يخبو سعيرها، ولا يخمد لهيبها.
فلما أبلغها الرسول قوله قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟ والله ما أحد أحق بهذا من أحد، وإن العباد فيه لمشتركون.
فتركت الحبيبة الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد ، وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت هويا.
فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها، فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر، فقال: كيف أنت؟ وما لقيت بعدي؟
اذكريني هناك فإني لست أنساك، فقالت: ولا أنا والله أنساك، ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد، فقال لها: متى أراك؟ فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات.
ويقول قيس بن الملوح "تتوق إليك النفس ثم أردها حياء ومثلي بالحياء خليق".
الغرام أعزك الله. أنه عطر نقي عبدالرحمن ابن أبي عمار القس. صاحب سلامة.
"أهابك أن أقول بذلتُ نفسي = ولو أنى أطيع القلبَ قالا
حياءً منكِ حتى سُلَّ جسمي = وشَقَ عليَّ كتمانى وطالا"
أما أقدم حكايات الغرام العذري فهي قصة "عروة وعفراء" حيث باعد عمه بينهما حتى تزوجت عفراء فظل يناجيها فأصابه السقم، ومات فبلغها النبأ، فظلت تندبه حتى ماتت بعده، ودفنت بجانبه حيث قيل بأن شجرتين غريبتين ظلتا تنموان بجانب قبرهما حتى التفت إحداهما على الأخرى تحقيقاً لأمنيتهما، ومن شعر عروة، وإني لتعرونى لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب".
وفي زماننا المعاصر نجد الأخطل الصغير (بشارة الخورى).
أنا وفد أبناء الصبابة ساجدِ = من ترب عذرة في أذل مكانِ
فتصوغ في أذني (جميل) رنتي = وتطيب نفس (كُثير) ببياني
حتى إنه قد صاغ قصة حب عروة وعفراء في مطولة شعرية متسمة بتوهج الحب العذري لقلوب المحبين، وذلك عندما استهل مطولته قائلاً:
مهد الغرام ومسرح الغزلان = حيث الهوى ضرب من الإيمان
يتعانق الروحان فيه صبابة = ويعف أن يتعانق الجسدان
ويبقى قول الشاعر العذري المحب:
وما الحب في الإنسان إلاّ فضيلة = تلطف أخلاقاً له وتدمث
الحب العذري ليس مثالية التشبه بالملائكة. بل صفات بشرية إنسانية نبيلة وسمو حقيقي ومحبة.
أما المدهش فهي مترادفات ومفردات الغرام العذزي التي يتفرد بها العرب. تلك العبقرية المتناهية في انتقاءات الألفاظ. الحب، العشق، الهوى، الغرام، الغزل، الوجد
أما الحب وكما يقول ابن منظور:
"نقيض البغض، والحب الوداد والمحبّة. والجذر (ح.ب) ينطوي على معني الإقامة. يقال حـبَّ إذا وقف، وحبّ إذا تودّد.
أما العشق فمن الجذر (ع ش ق) فهو " فرط الحبّ".
والعشق لزوم الشيء لا يفارقه.
ولذلك سمي الكلِف عاشقاً للزومه هواه.
أما الهوي فمحبّة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه.
أما الغرام: الغرام فهو الولوع، من الجذر (غ ر م). والغرم رجلا تحمل ديناً أي أغرم بالشيء أولع به وتعذب.
.
Frederick Arthur Bridgman , La Jeune Mauresque, Campagne d'Algiers.
- يتعانق الروحان فيه صبابة. ويعف أن يتعانق الجسدان.
بشارة الخوري- الأخطل الصغير
الهوى. ميل إلى المحبوب
الشوق. نزوع المحب إلى لقائه
الحنين. شوق ممزوج برقة
الحب. أول الألفة
الشغف. التمني الدائم لرؤية المحبوب
الغرام. تعلق بالمحبوب تعلقاً لا يستطيع المحب الخلاص منه
العشق. إفراط في الحب ويغلب أن يلتقي فيه المحب والمحبوب
التتيم. استعباد المحبوب للمحب فتيمه حباً
الهيام. شدة الحب حتى يكاد يسلب المحب عقله
الجنون. المحب فيه مستلبا نهائيا. وهنا أجد نفسي غارقة في محيط الغرام والحب والعشق متيمة. ألاحق مصطلحات تتكرر خالقة عالماً آخر غير العالم. إنني أبحث عن مترادفات الهوي وصولاً إلي أقصي درجات الحب بلا مطاولة.
إنني أحدثكم عن الغرام العذري
وتتقافز المعاني والمترادفات أمامي بين صفحات الكتب والمجلدات لتتجسد بشرا محبين يحكون لي حكاياتهم مع الغرام.
آه أيها المغرمين.
والمعني يكون أحيانا هو شدة التعلق ولعا. والشجن هم وكرب. واللوعة تباريح الحب وشدائده. والجوى كتمانه والضيق به. والكمد حزن شديد فيه. والوجد لصبابة وشدة حب. والوله تحير فيه من شدة الصبابة. والكلف استغراق في الحب.
وصولاً إلي قوم يحبون بلا ملامسة. هؤلاء هم العرب. القوم الذين أحبوا المراة وحضورها القوي بأشعارهم وتغزلهم فيها.
ولكن حدث أن اختلط لدي البعض منذ زمن بعيد الأمر، متصورين الحب العذري بكل ما يحظي به من افتتان بالمرأة شبيها بالحب الأفلاطوني الذي فصل بين الجسد والروح واتضح لنا فيما كُتب بمأدبة أفلاطون الذي أفتتن به تلاميذه وأراد أن يخلق عالما فاضلا يفصل بين الحب المحسوس وآخر خاليا من كل شهوة مبرا نفسه من حب وافتتان تلاميذه به.
ويأتي مصطلحنا الحب العذري الذي كان غاية بذاته، حب يتغنى بالعشق ويذوب به ويعيش من أجله، وموضوع الحب هو الحبيبة. والحبيب ممزق فيه بين الانجذاب المادي للجسد الأنثوي والتعلق الروحي، خوفاً من الإثم فتحول من مادي حسي إلى روحي عفيف بسبب العادات الاجتماعية فيتسامى المحب برغم كل تلك العاطفة المشبوب.
ويبدأ في توسل ورجاء الحظو بوصالها متضاءلة لديه النظرة إلى المتع الحسية. فنجد معانيه زاخرة بالمشاعر القوية مليئة بالعاطفة المتقدة متقيد بالأخلاق كالعفة والوفاء والإخلاص. ويتجه فيه الشاعر العذري بالغزل العفيف، حيث يضنيه الحرمان ويذيبه الشوق والعشق ولكنه يخاف على كرامة محبوبته وسمعتها، لذلك كان يخاف الله فيما يأتي وفيما يقول.
وهكذا نجد العاشق يكابد حرمة المرأة وعفافها فنجد فيه رقة القلب. والمرأة هنا فيها روح قبل الجسد. ويتجلي هنا احترام الحبيب لتلك المرأة التي أحبها حاضرة أم غائبة.
وهؤلاء العذريون لا يعتقدون أن الحب معصية ما دام فيه تعفف وصدق، لذلك يشهدون الله على حبهم ويعتقدون نفسهم ضحايا القدر.
وفي هذا الغرام العذري هي فقط محبوبة واحدة من يرى فيها الحبيب الغاية للجمال والجلال الأنثوي ويقترن بعشقها فنجد جميل بثينة وقيس ليلى الذي فيه يتم إلغاء كل شيء سوي الغرام ويدع مجالاً لتفسيرات حكاية الغرام تلك.
ومما قال جميل في عشقه لبثينة "خليلي فيما عشتما، هل رأيتما قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي".
ثم يردف شاعرا، فلا تكثروا لومي فما أنا بالذي سننت الهوى في الناس أو ذقته وحدي.
يقولون:
جاهد يا جميل بغزوة = وأيُّ جهاد غيرهن أريد؟!
لكل حديث عندهن بشاشة = وكل قتيل بينهن شهيد
ونجد أن التتيم هو الذي ربط اسم العاشق بصاحبته وفنائه في حبها وما يرتبط بهذا من هجر وفراق ولوعة وسقم بل حتى الموت، ومن ثم نما هذا الحب وترسخت أشعاره الغزلية العفيفة في العصر الأموي علي يد العذريين.
وبناء علي كل ما سبق نجد أن الغزل العفيف ينطوي تحته الحب النبيل. وفيه التغزل بكائن ملائكي تحول قدسيته دون لمسه. وقد يفضى به حبه إلى جنون أو موت.
ولن نبالغ إن قلنا أن المحب العذري ما هو إلا صوفي يشتاق لرؤية الحبيب. صوفي تعييه الحيلة وتعوزه الوسيلة إلى لقاء المحبوب. صوفي في ارتفاعه عن كل صغائر الحياة، لعله يقترب من قدس الأقداس. الحب الصوفي المتسامي. وهو أرقى أنواع الحب كافة فيه الحبيب يناجي معشوقته مناجاة خالصة من شوائب عاطفة الجسد. حتى يكاد يرتفع بصاحبه لمرحلة التصوف المجرد من غاية الحس والمادة.
ومن حكايات الغرام في العذري منه أنه كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبدوالاجتهاد، فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها، وهام بها عقله، ونزل بالجارية ما نزل به، فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها، فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية: قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك، وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي.
فقال للرسول: ولا واحدة من هاتين الخلتين، "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"، أخاف نارا لا يخبو سعيرها، ولا يخمد لهيبها.
فلما أبلغها الرسول قوله قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟ والله ما أحد أحق بهذا من أحد، وإن العباد فيه لمشتركون.
فتركت الحبيبة الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد ، وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت هويا.
فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها، فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر، فقال: كيف أنت؟ وما لقيت بعدي؟
اذكريني هناك فإني لست أنساك، فقالت: ولا أنا والله أنساك، ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد، فقال لها: متى أراك؟ فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات.
ويقول قيس بن الملوح "تتوق إليك النفس ثم أردها حياء ومثلي بالحياء خليق".
الغرام أعزك الله. أنه عطر نقي عبدالرحمن ابن أبي عمار القس. صاحب سلامة.
"أهابك أن أقول بذلتُ نفسي = ولو أنى أطيع القلبَ قالا
حياءً منكِ حتى سُلَّ جسمي = وشَقَ عليَّ كتمانى وطالا"
أما أقدم حكايات الغرام العذري فهي قصة "عروة وعفراء" حيث باعد عمه بينهما حتى تزوجت عفراء فظل يناجيها فأصابه السقم، ومات فبلغها النبأ، فظلت تندبه حتى ماتت بعده، ودفنت بجانبه حيث قيل بأن شجرتين غريبتين ظلتا تنموان بجانب قبرهما حتى التفت إحداهما على الأخرى تحقيقاً لأمنيتهما، ومن شعر عروة، وإني لتعرونى لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب".
وفي زماننا المعاصر نجد الأخطل الصغير (بشارة الخورى).
أنا وفد أبناء الصبابة ساجدِ = من ترب عذرة في أذل مكانِ
فتصوغ في أذني (جميل) رنتي = وتطيب نفس (كُثير) ببياني
حتى إنه قد صاغ قصة حب عروة وعفراء في مطولة شعرية متسمة بتوهج الحب العذري لقلوب المحبين، وذلك عندما استهل مطولته قائلاً:
مهد الغرام ومسرح الغزلان = حيث الهوى ضرب من الإيمان
يتعانق الروحان فيه صبابة = ويعف أن يتعانق الجسدان
ويبقى قول الشاعر العذري المحب:
وما الحب في الإنسان إلاّ فضيلة = تلطف أخلاقاً له وتدمث
الحب العذري ليس مثالية التشبه بالملائكة. بل صفات بشرية إنسانية نبيلة وسمو حقيقي ومحبة.
أما المدهش فهي مترادفات ومفردات الغرام العذزي التي يتفرد بها العرب. تلك العبقرية المتناهية في انتقاءات الألفاظ. الحب، العشق، الهوى، الغرام، الغزل، الوجد
أما الحب وكما يقول ابن منظور:
"نقيض البغض، والحب الوداد والمحبّة. والجذر (ح.ب) ينطوي على معني الإقامة. يقال حـبَّ إذا وقف، وحبّ إذا تودّد.
أما العشق فمن الجذر (ع ش ق) فهو " فرط الحبّ".
والعشق لزوم الشيء لا يفارقه.
ولذلك سمي الكلِف عاشقاً للزومه هواه.
أما الهوي فمحبّة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه.
أما الغرام: الغرام فهو الولوع، من الجذر (غ ر م). والغرم رجلا تحمل ديناً أي أغرم بالشيء أولع به وتعذب.
.
صورة مفقودة
Frederick Arthur Bridgman , La Jeune Mauresque, Campagne d'Algiers.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: