نقوس المهدي
كاتب
تعد أرجوزة أبان اللاحقي في الحب التي أورد الصولي في كتابه الأوراق 108 أبيات منها، أقدم مثال وصل الينا من أدب الحب. واللاحقي توفي حوالي سنة 200 هـ/ 815 م، أي انه سبق الجاحظ في هذا المضمار. وكتاب الزهرة لأبي بكر محمد بن داود الاصبهاني الظاهري (255هـ 297م)، يعتبر بداية سلسلة من كتب الحب شارك فيها عبد الرحمن بن نصر الشيزري في كتابه «روضة القلوب ونزهة المحب والمحبوب»، الذي صدر حديثا عن دار Harrassowitz الألمانية الاستشراقية الشهيرة.
والشيزري ينسب الى مدينة شيزر، وهي قلعة في بلاد الشام انجبت العديد من رجال الأدب والفكر والسياسة، أبرزهم أسامة بن منقذ ( ت 584هـ) الشاعر الفارسي الشهير.
وقد ظن عدد من المؤرخين المتأخرين، أنه فارس من مدينة شيراز، وهذا وهم منهم، فهو (قاضي طبرية ومحتسب حلب) وغيرها من مدن الشام. عاصر الشيزري «صلاح الدين الأيوبي»، وله ألف كتاب «المنهج المسلوك في سياسة الملوك»، فهو من علماء القرن السادس الهجري عصر الحروب الصليبية. وتوجد من «روضة القلوب» عدة مخطوطات ما بين تامة وناقصة، أهمها نسخة مجلس الشورى الإيراني وأخرى في اكسفورد ببريطانيا، وتولى تحقيقها دافيد صيمح، وأتم الكتاب جورج قنازع، وتطلب وقت انجاز التحقيق نحو نصف قرن من الزمن! وقنازع محقق لامع نشر له مجمع اللغة العربية في دمشق، عدة أعمال رصينة بينها فصول التماثيل وديوان أبي هلال العسكري، وله أعمال مهمة أخرى.
يتكون كتاب «الروضة» من أحد عشر فصلاً يتناول فيه مؤلفه موضوع الحب بمراتبه ومظاهره المختلفة، وما لم يلاحظه المحققان أن الشيزري اقتبس فقرات من كتاب الزهرة، بنى عليها فصول كتابه، واقتبس المؤلف كثيرا من شعر العشاق والمتيمين. يعتقد الشيزري ان العشق مرض دماغي يتولد عن النظر والسماع، ولكونه مرضاً فإن علاجه ممكن كسائر الأمراض. ويعالج المؤلف مراتب العشق، فيخلص الى انها سبع مراتب تبدأ بالاستحسان الذي ينتج عن النظر، ثم يتحول الاستحسان الى مودة، وترقى المودة لتصبح محبة، وتصبح المحبة هوى يتحول الى مرتبة العشق فالتتيم. وينقل قول جالينوس بأن العشق من فعل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد، وفي الدماغ ثلاثة مساكن في:ـ المقدم والوسط والآخر. وهي مواطن التخيل والفكر والذِكر. والعاشق لا يخلو من تخيل المحبوب، وإن لم يفعل ذلك فهو ليس عاشقاً. وفي الباب الثاني يبحث المؤلف في أثر النظر والسماع على المحبين، ويلاحظ أن معظم روايات هذا الباب عن المحبين الذين احبوا نتيجة الاستحسان. ويعالج في الباب الثالث الشوق باعتباره شعوراً ناتجاً عن المحبة، مشيرا الى ان شدة الشوق للمحبوب تنتج عن مدى تمكن المحبة من قلب المحب، ويستدل على ذلك بحكايات عن عُمرَ والمجنون وجميل بثينة وغيرهم. وخصص الشيزري الباب الرابع للعشق الذي يتحول الى تتيم ووله، ويتحدث عن أثر ذلك على المتيم الولهان، اذ يفقد الرغبة في الأكل والنوم ـ وينهك جسمه ويستولي عليه الوسواس ـ واذا كان سوداوي المزاج، فإنه غالبا ما يقتل نفسه عن عمد أو عن غير عمد. وفي الكتاب حكايات عن عشاق قتلوا انفسهم، وهذا التفسير يوضح سبب فعلتهم في رأي المؤلف. ويرى الشيزري أن «السلامة في الكتمان والندامة في الاعلان وهتك الاستار بإفشاء الاسرار»، لذلك يعقد الباب الرابع للحديث عمن كتم هواه فنال ما تمناه. ويتحدث عن الهدايا التي تبادلها المحبون «لأن المهاداة تزيل الحشمة بين المتحابين، وتؤكد المحبة» كما يقول.
ويتبع ذلك بالحديث عن الهدايا المستكرهة وسبب ذلك. كان الشيزري طبيباً وكان من نتيجة ذلك تأليفه كتاب «الايضاح»، ولكونه واسع الثقافة فقد تناول موضوعات عدة منها موضوع الحب من وجهة نظر طبية. رغم كل هذا فإن الجانب النظري في الكتاب يظل محدوداً، مقارنة بكثرة الروايات عن المحبين وكثرة الاستشهادات الشعرية فيه.
وحين يحاول المؤلف ان يعرف المحبة أو العشق، فإنه يورد آراء الصوفيين. ويرى المحققان أن الجانب النظري غير متماسك في كتاب روضة القلوب، فنحن لا نجد نظرية واضحة يسعى المؤلف لشرحها والتمثيل لها عن طريق الحكايات المختلفة، التي أوردها عن العشاق المعروفين في العصور القديمة، أو عن محبين عرفهم شخصياً وروى قصتهم، أو عما حدث لهم شخصيا. ورغم أن الشيزري تحدث عن أثر النظر والسماع في الحب، فإنه لم يتعرض لأثر النظرة الثانية في تأجيج الشعور بالحب، كما فعل غيره كالسراج وابن الجوزي.
وحين نقرأ الحكايات المختلفة، فإننا نجد فيها مجموعة تدخل ضمن اطار عام من القص أو السرد تختلف تفاصيله وشخصياته باختلاف الحكاية. في هذا الاطار العام تختلف التفاصيل والشخصيات والتعبير عن لواعج الحب بواسطة الشعر خاصة، ولكن الحكاية تنتهي غالبا بنفس النهاية، بأن يستأذن العاشق من معشوقته أن يموت، فيموت لساعته! أو أن يموت العاشقان معاً في نفس الوقت، ويدفنا في نفس الوقت. وتتحدث معظم الحكايات عن علاقة المحبة بين البشر العاديين، وهي علاقة تقوم على الاخلاص والعفة. ولا يحدد مصادر كتابه وهي كثيرة، ككتب الجاحظ عن القيان، وكتاب الزهرة للظاهري والموشى للوشاء، ثم الأغاني، ويستعين كذلك بتجاربه الرئيسية وما سمعه.
وقع الكتاب في حوالي 400 صفحة، وختم بفهارس فنية ويشكل كتاب الشيزري هذا، اضافة نوعية لكتب الحب التي تمتاز بها الخزانة العربية. ثمة ملاحظات ونقدات لا يتسع المجال لذكرها.. الطريف ان غلاف الكتاب حمل عبارة عجيبة بعد ذكر اسم المؤلف، هي: المتوفى في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، فكيف جاز هذا الرقم غير الدقيق على المحققين، علما بأن سنة وفاته معروفة وهي 589 للهجرة؟
.
جــون السـاخنـة للفنان البريطاني اللورد فريدريك ليتون
.
والشيزري ينسب الى مدينة شيزر، وهي قلعة في بلاد الشام انجبت العديد من رجال الأدب والفكر والسياسة، أبرزهم أسامة بن منقذ ( ت 584هـ) الشاعر الفارسي الشهير.
وقد ظن عدد من المؤرخين المتأخرين، أنه فارس من مدينة شيراز، وهذا وهم منهم، فهو (قاضي طبرية ومحتسب حلب) وغيرها من مدن الشام. عاصر الشيزري «صلاح الدين الأيوبي»، وله ألف كتاب «المنهج المسلوك في سياسة الملوك»، فهو من علماء القرن السادس الهجري عصر الحروب الصليبية. وتوجد من «روضة القلوب» عدة مخطوطات ما بين تامة وناقصة، أهمها نسخة مجلس الشورى الإيراني وأخرى في اكسفورد ببريطانيا، وتولى تحقيقها دافيد صيمح، وأتم الكتاب جورج قنازع، وتطلب وقت انجاز التحقيق نحو نصف قرن من الزمن! وقنازع محقق لامع نشر له مجمع اللغة العربية في دمشق، عدة أعمال رصينة بينها فصول التماثيل وديوان أبي هلال العسكري، وله أعمال مهمة أخرى.
يتكون كتاب «الروضة» من أحد عشر فصلاً يتناول فيه مؤلفه موضوع الحب بمراتبه ومظاهره المختلفة، وما لم يلاحظه المحققان أن الشيزري اقتبس فقرات من كتاب الزهرة، بنى عليها فصول كتابه، واقتبس المؤلف كثيرا من شعر العشاق والمتيمين. يعتقد الشيزري ان العشق مرض دماغي يتولد عن النظر والسماع، ولكونه مرضاً فإن علاجه ممكن كسائر الأمراض. ويعالج المؤلف مراتب العشق، فيخلص الى انها سبع مراتب تبدأ بالاستحسان الذي ينتج عن النظر، ثم يتحول الاستحسان الى مودة، وترقى المودة لتصبح محبة، وتصبح المحبة هوى يتحول الى مرتبة العشق فالتتيم. وينقل قول جالينوس بأن العشق من فعل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد، وفي الدماغ ثلاثة مساكن في:ـ المقدم والوسط والآخر. وهي مواطن التخيل والفكر والذِكر. والعاشق لا يخلو من تخيل المحبوب، وإن لم يفعل ذلك فهو ليس عاشقاً. وفي الباب الثاني يبحث المؤلف في أثر النظر والسماع على المحبين، ويلاحظ أن معظم روايات هذا الباب عن المحبين الذين احبوا نتيجة الاستحسان. ويعالج في الباب الثالث الشوق باعتباره شعوراً ناتجاً عن المحبة، مشيرا الى ان شدة الشوق للمحبوب تنتج عن مدى تمكن المحبة من قلب المحب، ويستدل على ذلك بحكايات عن عُمرَ والمجنون وجميل بثينة وغيرهم. وخصص الشيزري الباب الرابع للعشق الذي يتحول الى تتيم ووله، ويتحدث عن أثر ذلك على المتيم الولهان، اذ يفقد الرغبة في الأكل والنوم ـ وينهك جسمه ويستولي عليه الوسواس ـ واذا كان سوداوي المزاج، فإنه غالبا ما يقتل نفسه عن عمد أو عن غير عمد. وفي الكتاب حكايات عن عشاق قتلوا انفسهم، وهذا التفسير يوضح سبب فعلتهم في رأي المؤلف. ويرى الشيزري أن «السلامة في الكتمان والندامة في الاعلان وهتك الاستار بإفشاء الاسرار»، لذلك يعقد الباب الرابع للحديث عمن كتم هواه فنال ما تمناه. ويتحدث عن الهدايا التي تبادلها المحبون «لأن المهاداة تزيل الحشمة بين المتحابين، وتؤكد المحبة» كما يقول.
ويتبع ذلك بالحديث عن الهدايا المستكرهة وسبب ذلك. كان الشيزري طبيباً وكان من نتيجة ذلك تأليفه كتاب «الايضاح»، ولكونه واسع الثقافة فقد تناول موضوعات عدة منها موضوع الحب من وجهة نظر طبية. رغم كل هذا فإن الجانب النظري في الكتاب يظل محدوداً، مقارنة بكثرة الروايات عن المحبين وكثرة الاستشهادات الشعرية فيه.
وحين يحاول المؤلف ان يعرف المحبة أو العشق، فإنه يورد آراء الصوفيين. ويرى المحققان أن الجانب النظري غير متماسك في كتاب روضة القلوب، فنحن لا نجد نظرية واضحة يسعى المؤلف لشرحها والتمثيل لها عن طريق الحكايات المختلفة، التي أوردها عن العشاق المعروفين في العصور القديمة، أو عن محبين عرفهم شخصياً وروى قصتهم، أو عما حدث لهم شخصيا. ورغم أن الشيزري تحدث عن أثر النظر والسماع في الحب، فإنه لم يتعرض لأثر النظرة الثانية في تأجيج الشعور بالحب، كما فعل غيره كالسراج وابن الجوزي.
وحين نقرأ الحكايات المختلفة، فإننا نجد فيها مجموعة تدخل ضمن اطار عام من القص أو السرد تختلف تفاصيله وشخصياته باختلاف الحكاية. في هذا الاطار العام تختلف التفاصيل والشخصيات والتعبير عن لواعج الحب بواسطة الشعر خاصة، ولكن الحكاية تنتهي غالبا بنفس النهاية، بأن يستأذن العاشق من معشوقته أن يموت، فيموت لساعته! أو أن يموت العاشقان معاً في نفس الوقت، ويدفنا في نفس الوقت. وتتحدث معظم الحكايات عن علاقة المحبة بين البشر العاديين، وهي علاقة تقوم على الاخلاص والعفة. ولا يحدد مصادر كتابه وهي كثيرة، ككتب الجاحظ عن القيان، وكتاب الزهرة للظاهري والموشى للوشاء، ثم الأغاني، ويستعين كذلك بتجاربه الرئيسية وما سمعه.
وقع الكتاب في حوالي 400 صفحة، وختم بفهارس فنية ويشكل كتاب الشيزري هذا، اضافة نوعية لكتب الحب التي تمتاز بها الخزانة العربية. ثمة ملاحظات ونقدات لا يتسع المجال لذكرها.. الطريف ان غلاف الكتاب حمل عبارة عجيبة بعد ذكر اسم المؤلف، هي: المتوفى في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، فكيف جاز هذا الرقم غير الدقيق على المحققين، علما بأن سنة وفاته معروفة وهي 589 للهجرة؟
.
جــون السـاخنـة للفنان البريطاني اللورد فريدريك ليتون
.