نقوس المهدي
كاتب
يصاب بعض المتشددين بنفور وحساسية شديدة إزاء الادب الايروسي وبعض مظاهر الفكر التنويري الذي يناقش تجديد الأديان والصراع الطبقي، كيف ولماذا؟ تلك هي الأسئلة المطروحة على النقد الأدبي، وعلى بعض العقليات المصابة برهاب تجاه الابداع في بعض اوجهه المشرقة والجميلة، مع أن الحديث يقول: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، فكيف يتجاهل أهل الورع والتقوى ممن يدعون النبل والفضيلة وينصبون محاكم تفتيش للتنقيب عن كلمة بوح وهمسة قلب وسط هشيم اللغة، وينصبون المشانق وبحفرون الخنادق ويعلنونها حربا مقدسة للنيل من المبدعين وتشنيعهم وتجريمهم، في الوقت الذي لم يقرأوا فيه حرفا واحدا من معلقات امرئ القيس، والنابغة الذبياني، وكعب بن زهير، وعنترة العبسي، وأشعار الأعشى ميمون وأوس بن حجر، ولا قصائد العشق العريقة التي تغنى بها عمر بن ابي ربيعة، وجميل بثينة، وكثير عزة، وقيس ابن الملوح وأبو نواس، ومن مشى على دربهم من بعدهم، وشكلت الأنيس لبدو الصحراء العربية في سديم عذابهم وحرقتهم ولهفتهم الأبدية، ولا مصنفات العشق والجنس الفريدة لكبار المفكرين التحررين المسلمين من طينة المدائني، والجاحظ، وجلال الدين السيوطي، والصفدي، والتبفاشي، وسيدي محمد النفزاوي، وابن عبد ربه، وابن حزم الظاهري، والشيخ الأكبر وغيرهم ممن يضيق عنهم المجال هنا، بل وربما تحاشوا قراءة ألف ليلة وليلة، والحديث عن ما تحفل به العديد من النصوص لكبار الشعراء والروائيين الذين تطرقوا لمسألة الجنس بأدبية واذواق عالية ..
***
التضامن مع الروائي احمد ناجي والأستاذ طارق الطاهر وجريدة أخبار الأدب المصرية، هو احتجاج صريح ضد كل أنواع الإضطهاد والإرهاب الفكري، وكل الأشكال المناهضة لحرية التعبير والقمع والتضييق على الحريات الفردية التي تستهدف المبدعين من شعراء وروائيين وأهل الفكر والفن والموسيقى وكل أجناس الإبداع والمواهب الأخرى، وصرخة ضمنية أيضا ضد حبسهم تحت أية ذريعة أو جنحة، لأن ما طال هذين المبدعين وما سوف يطول كل من يجرؤ على التفكير والحلم والتحليق بأجنحة من مجاز هو السبب نفسه الذي أدى إلى موت سقراط بالسم، وعماد الدين نسيمي سلخا، والجعد بن درهم ذبحا، والحلاج حرقا، وبشير العاني اغتيالا، وبنيامين مولويزي اعداما بالرصاص، والشاعر أشرف فياض من أجل كلمة في بيت في قصيدة في ديوان شعري، لولا كرم الأدباء في العالم، وتضامنهم المطلق ووقوفهم الى جانب قضيته العادلة، وكرم صابر من أجل ازدراء الاديان، وعبد الحميد الذيب فقرا وإقصاء وحرمانا اذا استطعنا اعتبار التهميش والإقصاء جريمة اقتصادية في حق شاعر ظاهرة من طراز الذيب الذي كان يقول ساخرا شامتا من واقعه المزري "أنا حي لا أرزق"، وجان دمو بناب وحيد في فم لا يعرف سوى لوك الشتائم وقول الشعر مقابل الغذاء، وهلم قياسا على أمثلة وحادثات ووقائع الترهيب والإعتداءات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها الكثير من المبدعين، لعل آخرها الإعتداء الجسدي الوحشي الذي تعرض له الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وزوجته بسكنهما بالرباط.
***
إن محاكمة كاتب لم يرتكب جريمة، ولم يتدخل في شؤون الناس ولم يضرب، أو يسرق أو يزور، أو يبتز، أو يظلم، او يعتدي او يسيئ لأحد، يعد تدخلا سافرا في شؤون الغير والحجر عليهم وعلى حقهم في التعبير والتفكير، والتضامن مع القضية هي مؤازرة إنسان قرأ واقع محيطه من خلال عمل روائي أنتقادي لعدة مظاهر أخلاقية واجتماعية واقتصادية أسماه استخدام الحياة، أراد القضاة المنغلقون أن يكون استخدام الحياء، فيما يجب استخدام الحياد في مسألة بديهية كهذه وترك الكتاب والمبدعين يكتبون على سجيتهم
إن السجون، كما كتب على باب سجن يوسف بن يعقوب "هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء"، وهو بأية حال شيء عاد تماما، ولا يعني في الواقع المرير وفي هذه الاصقاع التي لم تهب عليها نسمات الاستقلال بعد، سوى الإنتقال القسري من مكان واسع مترامي الأطراف، إلى حيز آخر أشد ضيقا وأكثر قتامة، تنتفي فيه شروط الحياة الكريمة، وتتقلص فيه فرص التنقل والتنفس والاختيار، وتتغير فيه أساليب النوم والأكل، وتنسج فيه علاقات إنسانية جديدة مع ناس جدد ذوي طبائع مغايرة تنسينا روتين ما يجري خارج الأسوار، وتروض فيه النفوس على معاشرة اللصوص والقتلة وعتاة المجرمين، والمرء وحظه في إعادة تربيتهم وترويضهم وتوعيتهم لاصلاح مجتمع فاسد بائس وأكثر قذارة، كل ذلك ونحن نسمع ونقرأ عن طبيعة وروائح وعفن المعاقل العربية الكريهة من خلال أدب السجون، وعن جرائم القضاة في ظل غياب قضاء عادل ومستقل ومحايد بدون قضاة متاجرين بالقوانين حاقدين وأميين فرضتهم قهرا سلالم الوظيفة العمومية
وعليه فعلى هؤلاء القضاة التحلي بقليل من التعقل والكباسة وهم ينظرون في هذه النازلة التي يجر اليها الادباء جرا كضريبة جزافية عن حرقة الأدب والثقافة وعشق المعرفة، وان يتذكروا محاكمة كتاب الليالي العربية ومحاولة اعدام العديد من كتب التراث، فيما الشوارع تعج بعشرات الفضائح والفقر والعري والبؤس والعهر الاجتماعي والجرائم الاقتصادية والسياسية والتطرف الفكري الذي يقتل العقل ويشل حاسة الابداع، ويساهم في تعهير المجتمع..
السجن لا يخيف فهو مدرسة بشكل ما، وأن يدخل أي مواطن السجن فذلك شيء عاد جدا، غير العادي تماما هي كيفية التأقلم مع الحياة الجديدة، لكن أن يذهب امرئ ضحية وشاية كيدية وكاذبة، أو تأويل خاطئ لجملة في مقال، وتبرير عقيم لفكرة، أو نزوة فاضحة لقاض فاشل وجاهل وجائر ومنغلق وذو توجه أصولي ضيق، فتلك أمور يمكن تصديقها بشربة ماء في هذه الأوطان الغريبة والعصية على التصديق والفهم، لأننا كلنا في حرية مؤقتة
المهدي نقوس
***
التضامن مع الروائي احمد ناجي والأستاذ طارق الطاهر وجريدة أخبار الأدب المصرية، هو احتجاج صريح ضد كل أنواع الإضطهاد والإرهاب الفكري، وكل الأشكال المناهضة لحرية التعبير والقمع والتضييق على الحريات الفردية التي تستهدف المبدعين من شعراء وروائيين وأهل الفكر والفن والموسيقى وكل أجناس الإبداع والمواهب الأخرى، وصرخة ضمنية أيضا ضد حبسهم تحت أية ذريعة أو جنحة، لأن ما طال هذين المبدعين وما سوف يطول كل من يجرؤ على التفكير والحلم والتحليق بأجنحة من مجاز هو السبب نفسه الذي أدى إلى موت سقراط بالسم، وعماد الدين نسيمي سلخا، والجعد بن درهم ذبحا، والحلاج حرقا، وبشير العاني اغتيالا، وبنيامين مولويزي اعداما بالرصاص، والشاعر أشرف فياض من أجل كلمة في بيت في قصيدة في ديوان شعري، لولا كرم الأدباء في العالم، وتضامنهم المطلق ووقوفهم الى جانب قضيته العادلة، وكرم صابر من أجل ازدراء الاديان، وعبد الحميد الذيب فقرا وإقصاء وحرمانا اذا استطعنا اعتبار التهميش والإقصاء جريمة اقتصادية في حق شاعر ظاهرة من طراز الذيب الذي كان يقول ساخرا شامتا من واقعه المزري "أنا حي لا أرزق"، وجان دمو بناب وحيد في فم لا يعرف سوى لوك الشتائم وقول الشعر مقابل الغذاء، وهلم قياسا على أمثلة وحادثات ووقائع الترهيب والإعتداءات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها الكثير من المبدعين، لعل آخرها الإعتداء الجسدي الوحشي الذي تعرض له الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وزوجته بسكنهما بالرباط.
***
إن محاكمة كاتب لم يرتكب جريمة، ولم يتدخل في شؤون الناس ولم يضرب، أو يسرق أو يزور، أو يبتز، أو يظلم، او يعتدي او يسيئ لأحد، يعد تدخلا سافرا في شؤون الغير والحجر عليهم وعلى حقهم في التعبير والتفكير، والتضامن مع القضية هي مؤازرة إنسان قرأ واقع محيطه من خلال عمل روائي أنتقادي لعدة مظاهر أخلاقية واجتماعية واقتصادية أسماه استخدام الحياة، أراد القضاة المنغلقون أن يكون استخدام الحياء، فيما يجب استخدام الحياد في مسألة بديهية كهذه وترك الكتاب والمبدعين يكتبون على سجيتهم
إن السجون، كما كتب على باب سجن يوسف بن يعقوب "هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء"، وهو بأية حال شيء عاد تماما، ولا يعني في الواقع المرير وفي هذه الاصقاع التي لم تهب عليها نسمات الاستقلال بعد، سوى الإنتقال القسري من مكان واسع مترامي الأطراف، إلى حيز آخر أشد ضيقا وأكثر قتامة، تنتفي فيه شروط الحياة الكريمة، وتتقلص فيه فرص التنقل والتنفس والاختيار، وتتغير فيه أساليب النوم والأكل، وتنسج فيه علاقات إنسانية جديدة مع ناس جدد ذوي طبائع مغايرة تنسينا روتين ما يجري خارج الأسوار، وتروض فيه النفوس على معاشرة اللصوص والقتلة وعتاة المجرمين، والمرء وحظه في إعادة تربيتهم وترويضهم وتوعيتهم لاصلاح مجتمع فاسد بائس وأكثر قذارة، كل ذلك ونحن نسمع ونقرأ عن طبيعة وروائح وعفن المعاقل العربية الكريهة من خلال أدب السجون، وعن جرائم القضاة في ظل غياب قضاء عادل ومستقل ومحايد بدون قضاة متاجرين بالقوانين حاقدين وأميين فرضتهم قهرا سلالم الوظيفة العمومية
وعليه فعلى هؤلاء القضاة التحلي بقليل من التعقل والكباسة وهم ينظرون في هذه النازلة التي يجر اليها الادباء جرا كضريبة جزافية عن حرقة الأدب والثقافة وعشق المعرفة، وان يتذكروا محاكمة كتاب الليالي العربية ومحاولة اعدام العديد من كتب التراث، فيما الشوارع تعج بعشرات الفضائح والفقر والعري والبؤس والعهر الاجتماعي والجرائم الاقتصادية والسياسية والتطرف الفكري الذي يقتل العقل ويشل حاسة الابداع، ويساهم في تعهير المجتمع..
السجن لا يخيف فهو مدرسة بشكل ما، وأن يدخل أي مواطن السجن فذلك شيء عاد جدا، غير العادي تماما هي كيفية التأقلم مع الحياة الجديدة، لكن أن يذهب امرئ ضحية وشاية كيدية وكاذبة، أو تأويل خاطئ لجملة في مقال، وتبرير عقيم لفكرة، أو نزوة فاضحة لقاض فاشل وجاهل وجائر ومنغلق وذو توجه أصولي ضيق، فتلك أمور يمكن تصديقها بشربة ماء في هذه الأوطان الغريبة والعصية على التصديق والفهم، لأننا كلنا في حرية مؤقتة
المهدي نقوس
صورة مفقودة