نقوس المهدي
كاتب
رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي = وَقَد أَتى أمدٌ فيه عَلى لبدِ
هيفاء تستلب الألباب بالغَيَدِ = نالت على يدها ما لم تَنله يَدي
نَقشاً عَلى معصم أَوهت به جلدي
في حسنها فتنة بين الأنام لها = ئم في هَواها لذذت وَلَها
أَومَت بكف لها بالوشمِ أَيُّ بها = كَأَنّهُ طرقُ نملٍ في أَناملها
أَو روضةٌ رصّعتها السحبُ بالبَردِ
يا حبذا غادةٌ تسبي ببهجتِها = أَو ظيبةٌ تسلبُ الدُنيا بلفتتها
لما رمت إذ رنت قلبي بلحظتها = خافت على يدها من نَبلِ مقلتها
فألبست زندها درعاً من الزَرَدِ
كأَنها البدرُ حلّت مهجتي فلكا = فكلُّ مَن رام أَن يحظى بها هلكا
لما رأَت بحرَ دَمعي حيث شا سلكا = مدّت مواشطَها في كفِّها شَرَكا
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ
من لي بسالبةٍ لبّي ونائيةٍ = باللحظ قاتلةٍ بالغمز راميةٍ
جلّت بآية تيهٍ غير خافيةٍ = وقوسُ حاجبها من كلِّ ناحيةٍ
ونَبل مقلتها ترمي به كبدي
أَعانها ظالمٌ تُخشَى إعانتُهُ = وهو الهَوى تملأ الدُنيا مكانتُهُ
فعامل القدِّ قد قامَت رشاقتُهُ = وعقرب الصدغ قد باتت زبانتُهُ
وناعس الطرف يقظانٌ على الرصدِ
تركيةُ التيه أَنأى من مَها العربِ = محجوبةُ الحسن بين الستر والحجبِ
ناديت في حبها يا حلبة الأدبِ = إن كان في جلنّار الخد من عجبِ
فالصدر يطرح رماناً لمن يَرِدِ
وتلك تعتز عن شبهٍ وعن مثلِ = وتنجز الفتكَ بالتفتيرِ والكَحَلِ
فقدها عادلٌ يزري بذي الأسل = وخصرُها ناحلٌ مثني عَلى كَفَلِ
مرجرجٌ قد حكى الأحزانَ في الخَلَدِ
كم من عيون عليها بالدما همعَتْ = وكم قُلوب تفانت بعدما طمعت
وتلك من صبها بالذل قد قنعت = إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعت
من بعد رؤيتها يوماً عَلى أحدِ
لما التقينا وَقد رَقّ الزَمانُ لَنا = وعاد صَرفُ الليالي الغرِّ يجمعُنا
وزال ما كُنت أَخشى من جَفاً وَعَنى = ناشدتُها الوصل قالت أَنتَ تعرفنا
من رام منّا وصالاً مات بالكمدِ
نحن اللواتي قضينا أَن نذيقَ هَوى = قلب المُحبِّ ولا نبدي لذاك دوا
فَكَم لدينا صريعٌ بالغرام ثَوى = وَكَم لنا عاشقٌ في الحَيّ مات جوى
مِنَ الغرام ولم يبدي ولم يُعِدِ
وَكَم فتكنا بسيف الغنج والكحَلِ = وكم طعنا بقدٍّ صاحبَ الأسلِ
عُد عن هَوانا وحاذر غرةَ الأملِ = فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ من ذللِ
إن المحب قتيلُ الصبر والجلدِ
وقمتُ أَشكو غَرامي وهي مائلةٌ = كالغصن غَنى وَعين النهر سائلةٌ
فاستعظمت من جوابي وهي سائلةٌ = وخلفتني طريحاً وهي قائلةٌ
ما تنظرون فعال الظبيِ بالأسدِ
وبتُّ سهدي وشوقي قد غدا عوضا = عن الكرى وجفوني تهجر الغمضا
حتى إذا صيرتني للنوى غرضا = قالت لطيف خيال زارني ومضى
بالله صِفهُ ولم تَنقُص ولم تَزِدِ
فجاءها عَن صميم القلب بالنبأِ = عن ذُلِّ حاليَ لا عَن ملك ذي سبأِ
وقصَّها يا له من سامع ورَئِي = فقال خلفته لو مات من ظمأِ
وقلت قف عن ورود الماء لم يَرِدِ
تفنى الليالي ولا تفنى محبتُهُ = حراءُ مهجتُهُ عبراءُ مقلتُهُ
ذكراك أيامه فكراك ليلتُهُ = قالت صدقت الوفا في الحُب سيمتُهُ
يا برد ذاكَ الَّذي قالت عَلى كبدي
وزدت سقماً وجسمي بالفراق وهى = لما تمادَت عَلى صدي وحاليَ ها
حتى رَثت لمصابي من تدللها = واسترجعت سألت عني فقيل لها
ما فيه من رمق دقت يداً بيدِ
وروّعتها النوى حتى إذا فَرَقَت = من حال محزونها في لوعةٍ سُحقت
وأدركت أنها بالصبِّ ما رفقت = وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
ورداً وعضّت عَلى العنّاب بالبَرَدِ
وأصبحت بعد قتل الصب نادمةً = تقول من ليَ أن أبكيك نعم فتىً
فقال حالي رعاك الله قاتلةً = وأَنشدت بلسان الحال قائلةً
من غير مطلٍ ولا كرهٍ ولا مددِ
لئن بخلت بوصلي فالجفين سخي = يبكي عليه بدمع فاض منتضخِ
وليس عهدي بحبي غير منتسخِ = واللَه ما حزنت أختٌ لفقد أخِ
حزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ
فلو علمت بأني غاية الأملِ = لكان وصلي لديهُ السؤلُ من قبلي
وأقبلت تشتكي وجداً عَلى وجلِ = وأسرعت وأتت نحوي عَلى عجلِ
فعند رؤيتها لم أستطع جلدي
حيّت وأحيت فؤادي من مراشفها = وروّحت روحَ مغرىً في لطائفها
فزينت تالد الأهوا بطارفها = وأغمرتني بفضلٍ من عواطفها
فعادت الروح بعد الموت للجسدِ
وعاد عصر التجافي وصلةً وصفا = وعاد عصرُ التهاني باللقا وصفا
ما للعواذل حسبي ربنا وكفى = هم يحسدوني عَلى موتي فوا أسفا
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ
* حسن حسني باشا بن حسين عارف الطويراني. شاعر تركي الأصل مستعرب، ولد بالقاهرة سنة 1850 ، وأقام بالقسطنطينية إلى أن توفي سنة 1897
.
Romany Soup
هيفاء تستلب الألباب بالغَيَدِ = نالت على يدها ما لم تَنله يَدي
نَقشاً عَلى معصم أَوهت به جلدي
في حسنها فتنة بين الأنام لها = ئم في هَواها لذذت وَلَها
أَومَت بكف لها بالوشمِ أَيُّ بها = كَأَنّهُ طرقُ نملٍ في أَناملها
أَو روضةٌ رصّعتها السحبُ بالبَردِ
يا حبذا غادةٌ تسبي ببهجتِها = أَو ظيبةٌ تسلبُ الدُنيا بلفتتها
لما رمت إذ رنت قلبي بلحظتها = خافت على يدها من نَبلِ مقلتها
فألبست زندها درعاً من الزَرَدِ
كأَنها البدرُ حلّت مهجتي فلكا = فكلُّ مَن رام أَن يحظى بها هلكا
لما رأَت بحرَ دَمعي حيث شا سلكا = مدّت مواشطَها في كفِّها شَرَكا
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ
من لي بسالبةٍ لبّي ونائيةٍ = باللحظ قاتلةٍ بالغمز راميةٍ
جلّت بآية تيهٍ غير خافيةٍ = وقوسُ حاجبها من كلِّ ناحيةٍ
ونَبل مقلتها ترمي به كبدي
أَعانها ظالمٌ تُخشَى إعانتُهُ = وهو الهَوى تملأ الدُنيا مكانتُهُ
فعامل القدِّ قد قامَت رشاقتُهُ = وعقرب الصدغ قد باتت زبانتُهُ
وناعس الطرف يقظانٌ على الرصدِ
تركيةُ التيه أَنأى من مَها العربِ = محجوبةُ الحسن بين الستر والحجبِ
ناديت في حبها يا حلبة الأدبِ = إن كان في جلنّار الخد من عجبِ
فالصدر يطرح رماناً لمن يَرِدِ
وتلك تعتز عن شبهٍ وعن مثلِ = وتنجز الفتكَ بالتفتيرِ والكَحَلِ
فقدها عادلٌ يزري بذي الأسل = وخصرُها ناحلٌ مثني عَلى كَفَلِ
مرجرجٌ قد حكى الأحزانَ في الخَلَدِ
كم من عيون عليها بالدما همعَتْ = وكم قُلوب تفانت بعدما طمعت
وتلك من صبها بالذل قد قنعت = إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعت
من بعد رؤيتها يوماً عَلى أحدِ
لما التقينا وَقد رَقّ الزَمانُ لَنا = وعاد صَرفُ الليالي الغرِّ يجمعُنا
وزال ما كُنت أَخشى من جَفاً وَعَنى = ناشدتُها الوصل قالت أَنتَ تعرفنا
من رام منّا وصالاً مات بالكمدِ
نحن اللواتي قضينا أَن نذيقَ هَوى = قلب المُحبِّ ولا نبدي لذاك دوا
فَكَم لدينا صريعٌ بالغرام ثَوى = وَكَم لنا عاشقٌ في الحَيّ مات جوى
مِنَ الغرام ولم يبدي ولم يُعِدِ
وَكَم فتكنا بسيف الغنج والكحَلِ = وكم طعنا بقدٍّ صاحبَ الأسلِ
عُد عن هَوانا وحاذر غرةَ الأملِ = فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ من ذللِ
إن المحب قتيلُ الصبر والجلدِ
وقمتُ أَشكو غَرامي وهي مائلةٌ = كالغصن غَنى وَعين النهر سائلةٌ
فاستعظمت من جوابي وهي سائلةٌ = وخلفتني طريحاً وهي قائلةٌ
ما تنظرون فعال الظبيِ بالأسدِ
وبتُّ سهدي وشوقي قد غدا عوضا = عن الكرى وجفوني تهجر الغمضا
حتى إذا صيرتني للنوى غرضا = قالت لطيف خيال زارني ومضى
بالله صِفهُ ولم تَنقُص ولم تَزِدِ
فجاءها عَن صميم القلب بالنبأِ = عن ذُلِّ حاليَ لا عَن ملك ذي سبأِ
وقصَّها يا له من سامع ورَئِي = فقال خلفته لو مات من ظمأِ
وقلت قف عن ورود الماء لم يَرِدِ
تفنى الليالي ولا تفنى محبتُهُ = حراءُ مهجتُهُ عبراءُ مقلتُهُ
ذكراك أيامه فكراك ليلتُهُ = قالت صدقت الوفا في الحُب سيمتُهُ
يا برد ذاكَ الَّذي قالت عَلى كبدي
وزدت سقماً وجسمي بالفراق وهى = لما تمادَت عَلى صدي وحاليَ ها
حتى رَثت لمصابي من تدللها = واسترجعت سألت عني فقيل لها
ما فيه من رمق دقت يداً بيدِ
وروّعتها النوى حتى إذا فَرَقَت = من حال محزونها في لوعةٍ سُحقت
وأدركت أنها بالصبِّ ما رفقت = وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
ورداً وعضّت عَلى العنّاب بالبَرَدِ
وأصبحت بعد قتل الصب نادمةً = تقول من ليَ أن أبكيك نعم فتىً
فقال حالي رعاك الله قاتلةً = وأَنشدت بلسان الحال قائلةً
من غير مطلٍ ولا كرهٍ ولا مددِ
لئن بخلت بوصلي فالجفين سخي = يبكي عليه بدمع فاض منتضخِ
وليس عهدي بحبي غير منتسخِ = واللَه ما حزنت أختٌ لفقد أخِ
حزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ
فلو علمت بأني غاية الأملِ = لكان وصلي لديهُ السؤلُ من قبلي
وأقبلت تشتكي وجداً عَلى وجلِ = وأسرعت وأتت نحوي عَلى عجلِ
فعند رؤيتها لم أستطع جلدي
حيّت وأحيت فؤادي من مراشفها = وروّحت روحَ مغرىً في لطائفها
فزينت تالد الأهوا بطارفها = وأغمرتني بفضلٍ من عواطفها
فعادت الروح بعد الموت للجسدِ
وعاد عصر التجافي وصلةً وصفا = وعاد عصرُ التهاني باللقا وصفا
ما للعواذل حسبي ربنا وكفى = هم يحسدوني عَلى موتي فوا أسفا
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ
* حسن حسني باشا بن حسين عارف الطويراني. شاعر تركي الأصل مستعرب، ولد بالقاهرة سنة 1850 ، وأقام بالقسطنطينية إلى أن توفي سنة 1897
.
Romany Soup