عماد فؤاد - تقود يدَهُ إلى عُشٍّ من النَّحلِ

أصحو..
فلا أفتحُ عينيَّ على ضجَّةِ الشَّارعِ
بل أرهفُ سمعِي لصوتِ حفيفِ ثوبِكِ
الذي مرَّ منذُ قليلٍ
على سجَّادةِ الغرفةْ.
ذيلُ فستانكِ الموشَّى بالورودِ
يغوصُ تحتَ كعبيكِ
وأنتِ تدوسينَ حافيةً
كلُّ خطوةٍ
أنفضُ عن صدري زهرةً مفتَّتةِ الأوراقِ
ونُدْبة.
غرفتُنا
الثَّابتةُ فوق حجارةٍ وأعمدةٍ من حديدٍ
سوفَ تترنَّحُ - بعد برهةٍ -
مثل قاربٍ
يطوِّحُه الهواءُ.
نقطةُ الدَّمِ الحمراءِ
التي سالتْ من إبهامكِ
وسقطتْ مدوِّيةً على صحنِنا الخزفيِّ
اختفتْ سريعاً في جوفِ ثمرةِ الطَّماطمِ
أيُّ تأنيبِ ضميرٍ
تشعرُ به الآنَ
سكِّينةُ المطبخْ؟!
ششششش!
أنصتي...
كلَّما رفعتِ مرآةً لوجهكِ
تنهَّد الكحلُ
في عينيكِ!
لا شالُكِ
وهْو يحجبُكِ عنِّي
ولا قبَّعتُكِ السَّوداءُ
وهي تداري تحتَها
شعرَكِ الخجلانْ
لكنَّهما شفتاكِ حين انفتحتا قليلاً
أقلُّ من القليلِ
وتحرَّكَ بينهُما
طرفُ لسانِكْ.
ها يدي
تكتشفُ كذبةَ فمِكِ
ما سمَّيتِهِ عمودَ ظهرِكِ
صارَ جدولاً صغيراً
لمياهِ أصابعِي.
قلبي؟
يا ملعون!
أهكذا تعاملُني؟!
تهونُ عليكَ ثلاثونَ عاماً؟!
تغورُ في صدري كفأرٍ
ويقضمُكَ الأسى
كلَّما همَّتْ أمامَكَ
بالبكاءْ!
حينَ تعودينَ متعبةً
وترتمينَ فوق فراشِنا الواسعِ
لا تغفلي عن حربٍ تهدرُ حولَكِ بين ضدَّينِ:
ضوءٌ خفيفٌ
يلمعُ فَرِحَاً فوقَ بَشْرَتِكِ العاريةْ
وظلٌّ يقاومُ انكساره مذلولاً
على أرضيةِ الغرفةْ!
أنصتي بقلبِكِ
ثمَّة أنينُ زهرة يمرُّ تحتَ نافذتِنا
نبتتْ في الظِّلِ..
دون أن يراها أحدْ.
غرَّرتْ فطنتي بي؛
قطرةُ الملحِ التي حسبتْها شفتاي عرقاً فوقَ خدِّكِ
لم تكن إلا
دمعةْ
ابقي حتَّى الليلِ
كي تعودي إلى البيتِ في أمانْ
قمرُ الليلة
سوفَ يضيءُ أكثرْ.
مثلما تتنهَّدُ شجرةٌ
يمسُّها ظلُّ حطَّابِها القديمِ
تغوصُ روحي
كلَّما مرَّ لسانٌ
على ذكرِ اسمِكِ.
كنتُ أظنُّ يدي حرَّةً
حينَ تنسلُّ إلى بطنِكِ
لم أكنْ أعرفُ أنَّها ستتوقَّفُ مليَّاً
كي تتفحَّصَ قرطَكِ الفضيِّ
المعلَّقَ في عُقدةِ السُّرَّةْ.
لا تفُكِّي شعرَكِ الآن
كي لا تعودُ الطُّيورُ سريعاً
إلى أعشاشِها.
أناملُنا
حتَّى أناملُنا
كنَّا نرفعُها إلى شفاهِنا هكذا
مبثوثةٌ بشهدِ أعضائِنا
غارقةٌ في الرَّحيقْ.
ترفعينَ يدَكِ في ارتباكِنا
وتمسِّدينَ ظهرَ عنقِكِ السَّاخنِ
أنظرُ في يدي
فأجدُ حبَّاتَ العرقِ الصَّغيرةِ كلَّها
فوق أصابعِي.
حين أغلقُ بابَ غرفتِنا
أنظرُ إلى فراشِنا:
أيُّ قدمٍ
ستكسرُ قارورةَ العطرِ
أولاً؟
حين دخلتِ
وأنا منشغلٌ في الكتابةِ
كادَ سريرُنا أن يصرخَ بي:
انظرْ.. انظر!
لكنَّهُ – كالعادةِ –
طمعَ في طلَّتكِ
كاملةً!
حسْبُها
أن تنظرَ إليه وهْيَ صامتةٌ
كي تزرعَ المساءَ تحتَ قدميه فخاخاً
حسبُها التَّنهُّدَ
كي تقودَ يدَهُ إلى عُشٍّ من النَّحلِ
مغلقٌ على السِّرِّ
ومُخْتتنٌ
باللِّسانْ.
لي فيكِ
ما للمحبَّةِ في القلوبِ
وكلَّما هممتُ بمدِّ يديَّ الفارغتينِ إليكِ
حرَّضني البخلُ على التَّريثِ
وكففتُ عن شهدكِ
يديّْ.

.

صورة مفقودة
 
أعلى