نقوس المهدي
كاتب
إستعرت من ثلاثة أصدقاء ثمن تذكرة الطائرة إليها..
رغبت فى شراء نصف كيلو شيكولاتة من محل تريانون بسان استيفانو.. لحظة اقترابى من المحل توافقت مع لحظة شعورى بلزوجة شعر ما تحت الأبط.. الهواء ساخن..الثلث الثانى من يوليو.. ناطحات السحاب على البحر جمّدت تلاقح الهواء. أقامت جدارا عازلا ما بين الهواء القادم من أوروبا ، والهواء القادم من الصحراء. جسمى شيكولاتى اللون ساح عرقا .. ولست متأكدا من مذاقه كيف يكون وهو بين ملامسها.. كيف الحال إذن بقطع الشيكولاتة الأرق من جسدى.. هناااك.. بعدما أصل.. أبحث عن المعادل الجسدى فى أى محل شهير عندهم.. أرفق معه باقة صغيرة من الزهور.. تجوّلت فى مدينتها الأصيلة الواقعة على المحيط الذى شهد جسارة الكولمبوسيين مكتشفى قارة أمّنا الغولة، وشهد مأساة تيتانيك التى استحلبتها السينما فيلما أشعل قلوب الكبار قبل الصغار، وشهد نضال رجل عجوز بقارب متهالك ضد سمكة القرش.. سألت عن سيبر أو كافيه أو أى مكان به نت.. وصلت الى واحد منها.. حددت مكانه بعدة علامات وأسماء وبنت بثديين كبيرين شبه عاريين وتجلس الى جوار فتاها الفاتح نصف أزرار قميصه الجيفارى الأحمر.. بوركت شهور الصيف الثورية.. بحثت عن عنوانها الذى دوّختنى حتى حصلت عليه بالتفصيل عبر رسالة إليكترونية.. صعدت إليها.. إلى جوار بابها.. ناحية اليسار كما القلب.. وضعت علبة الشيكولاتة وباقة الورد وورقة بيضاء بها سطران اثنان:
الى سلماجو.. روحى الفضائية.. كل سنة وأنت طيبة..
عيد ميلاد سعيد.. 12 يوليو.. حبيبك الأسكندرانى..
أسرعت بالنزول متوجّها الى الكافيه.. جلست أمام كمبيوتر.. أرسلت لها:
أنا الآن أمام باب الشقة.. أنتظرك يسار الباب تحت أقدامك.
بعد خمس دقائق جاءنى الرد:
أشكرك روحى mmmmmmmmmmmmmmmmmmm(هذه هى قبلاتها الألكترونية ) تعال.. أنتظرك.
أرسلت:
هل استأذنت أسرتك ؟
بعد دقيقتين:
عائلتى انتقلت مساءا الى فيللتها داخل المدينة.. وأنا الآن وحدى فى ضيافة روحك الألكترونية وبكارة الكون.
أرسلت:
سأحضر بعد 20 دقيقة تكونين فيها تجهّزتى لمقابلتى.
بعد دقيقتين:
ستأخذنى فى أحضانك كما أنا الآن.. على غجريتى المستيقظة من النوم حالا..تعال بسرعة.. لا تغضبنى كعادتك..
ذهبت.. صعدت.. نقرت الباب بعقلة السبابة ثلاث مرات.. كان الباب مواربا.. مع النقرة الثالثة كان صدرها التصق بصدرى. وشفتاها خرقتا عينى وهبطتا فوق شفتىّ اللتين نسيتا عشرات السيناريوهات التى كانتا تراجعاها فى الطائرة.. تجوّلت شفتاها فوق كل سنتيمتر من وجهى. ثم جذبتنى للداخل. فيما قدمها اليمنى تدفع الباب نحو الغلق. وعن يمينه الخالى من أية ملامح تخطف العين ولو للحظة، الصقت ظهرها بالحائط الوردى جاذبة إليها جسمى الذى لم يعد لى.وقالت:
أنا محرابك. صلّ. صلّ لمعبودتك الشرهة لالتهامك.
قلت: بل انت اليوم كمنجاتى. وبالأخص. هذه الساعة. انت كبيرة عائلة الكمنجات. تشيللو.
قالت: لست بهذا الحجم . أنا فيولينتك. ارفعنى ساندا ساقىّ فوق أكتافك . لاصقا فرجى بتفاحة آدمك , واعزفنى. انزفنى ألحانا شبقية جنونية...
قلت: هل تعرفين أن صانع الكمنجات عملها على هيئة امرأة دون رأس أو أطراف..
قالت: هو صانع مرهف الحس. المرأة قلب وأحاسيس وخلق لوجود.ليس مافيها سوى صدر وبطن.مادام لها رجلا هو رأسها وأقدامها وأذرعها..
قلت: وهل تعرفين............
غطّت شفتىّ بشفتيها لثوان خلتها دقائق..ثم قالت:
أما زال النزيف الألكترونى ينسال. اعزفنى الآن زورباى..
قلت: لو كنت وحدى ربما..
قالت: انت وحدك حبيبى . لا آخر معك.
قلت: انت
قالت: أتعتبرنى شيئا منفصلا عنك ؟
تجاهلت الإجابة وقلت:
زوربا جعل لليونان مذاقا مختلفا فى جوارحى..
قالت: أهو الذى يشبهك أم انت الذى تشبهه ؟
قلت ولم أر سوى حركة شفتيها:
اليونان واحدة من أصغر أعضاء الكون القديم. ومع ذلك صار هذا الأخير طوع بنانها فى يوم من الأيام..
قالت بضحكة خفيفة:
مثل عضوك الصغير وعلاقته بالكون النسائى..
ضحكتُ. ضحكت لضحكى.اختلطت ضحكاتنا. امتزجتا بجسمينا المترجرجين بهامش من جنون.
كانت يداها ويداى تتلوّى فوق ظهرينا.
تنبهت لجسمينا المتلاصقين.
للكلام شهوة تعادل أحيانا شهوة الجسد.
الكلام هو أيضا جسد.
والجسد هو أيضا كلام.
الأول: جسد ناطق
الثانى: كلام لا لسان له سوى الحس فحسب.
قلت لها:
أفضّل أن تكون أولىمعزوفاتى لبيتهوفن الأعمى الذى لا يرى
اسرعت هى بالتصحيح:
بل أصم. يستشعر الأنغام بحس مخزون لديه.
قلت: والصمم عماء ( وأضفت )ما أشهى التفاعل مع المشاهد الصامتة للأفلام وانت غارقة فى عماء صالة العرض.
قالت بغضب:
جسدى ليس موديلا. وأنت لست فنانا تشكيليا. تضايقنى العين التى تتحسس بنورها تشكيلات جسدى. هى تشبع بينما أنا أزداد جوعا.
كنت لمحت ظهر مجلة مصقولة لامعة عليها سلفادور دالى مرمية الى جوار أريكة جانبية. قلت:
انت موسيقاى المعتقة فى قبو الجسد.
قالت: انزع سدادتى إذن وارتشفنى قليلا قليلا وعلى مهل حتى يثمل الرأس ويطير تاركا للجسد حريته.
قلت: بيتهوفن بداية تناسب مابيننا من علاقة إلكترونية تتحوّل الآن الى علاقة واقعية...
التوت بين ذراعىّ فى شبه نرفزة عصبية:
أووووووووووووووه..كلام كلام كلام كلام..ليتك كنت أصما ككتاب ينطقه القارئ. وأخرسا ككينج كونج حسناوات هوليوود. وضريرا كضرير يوسف إدريس والذى ضاجعته النساء.
ظل صوتها يعلو بتدريج خلته يؤهّل وجدانى لعزف سيمفونية بيتهوفن. حاولت إرضاءها بقبلة مدوّية.
انزلق ظهرها الى حافة التقاء الحائط بالأرضية.
ضمّت ساقيها بيديها نحو جبهتها التى أمالتها.
جلست الى جوارها محاولا ضم كل ماضمته هى إلى جنبى وتحت حنان رأسى الذى يداعب شعرها وقلت:
سأعزفك بصمت . ببلاغة الصمت. هل تفضّلين أن تكون أولى معزوفاتى لبيتهوفن هى التى تبدأ بضربات قدرية قوية ومقتحمة.
قالت: آه. يا أيها الماكر
قلت: آه. بالمصرى. يعنى نعم. ونعم تعنى موافقة.
قالت: الجسد هو الذى ينطقها لا اللسان. ولغة الأجساد كونية وليست قُطرية
حاولت عصر شفتيها . جلستنا لن تمكننا إلا من اختطاف قبلات رومانسية لا تهيئ جسدينا لبيتهوفن المنتظر.
هممت بالوقوف . وكأن مغناطيسا يربط مابين رأسينا اللذين ارتفعا معا ببطء أسرع من أى سرعة شبقية فى الوجود.
ظللنا نعتصر بعضنا بعضا بكل ما نملك من أطراف و أعضاء. ومن دقيقة الى دقيقة أخرى تتزفلط من قبضتى كحاو يتزفلط من وثاقه المشدود حول جسمه بواسطة أقوى رجلين من مشاهدينه، وتخلع قطعة من ملابسها ترميها فوق قدمينا التى ماعادت أربعة أقدام، ثم ترتمى فى صدرى جاذبة إياى الى جسدها المزنوق بين جسدى الذى بدأ يتصلّب والحائط الذى خلته بدأ يلين. بينما شعرت بملابسى وكأنها لباس حديدى لأحد فرسان المائدة المستديرة. إنفككت عن جسمهاالذى أنبت زهورا دمويّة. حمدت الله على فكرة ارتداء تيشرت، لا قميص تضايقنى أزراره حين هجوم خيّالة الشبق الكاسح، ألقيته بعيدا فوقع نصفه فوق نصف سلفادور دالى، ثم ساعدتنى فى خلع ماتبقّى من حوائط برلينية واسرائيلية بيننا. ملعون صاحب فكرة نسج الأقمشة. ها قد عدنا الى سيرتنا الأولى منذ نحو عشرات الآلاف من السنين.وما زلنا الى جوار الباب لم نتقدّم حتى هذه اللحظة خطوة واحدة داخل الشقة المطلّة على بداية الكون. على ماقبل ظهور الانسان. على المحيط الأطلسى الذى كان يوما نهاية عالم قديم فإذ به بداية لعالم جديد. جنوننا يتصاعد. ضربات القدر لم تبدأ بعد. أوديسيوس غير مهتم إن وصل أو لم يصل الى ( إيثاكا ). تضاريسينا تكتشف بعضها بعضا. أصبحت معميّا عن تفاصيل الحائط الذى بدأت تشكّله ظلال شمس المحيط المتسللة من آخر حجرة الى ماوراء ظهرها فوق الحائط الذى خلته للحظة يتحرك هو. لا الظلال . مقياس الزمن الأزلى. إلى كم شبر آخر سيطيقان الانتظار. محمد عبد الوهاب أطال مقدمة موسيقا ( انت عمرى ) ليزيد من لهيب اشتياق الذوّاقة لصوت أم كلثوم . وأنا أطلت مقدمة الكلام عن أحوال وجودية من هنا وهناك لأزيد من اشتياقهاالذوّاق لضربات الجملة اللحنية الأولى التى بدأت وظلّت تتكرر فيما صرت معميّا عن حركة الحائط .فأصبحت مبصرا لتضاريس الحياة لحظة الزلزلة . فرجها انكمش بشدة قرب انتهاء الجملة الأولى. قبيل الانتقال الى الجملة الثانية التى لم تحدث ..قالت:
وقعت فى مصيدتى حبيبى. سأصير محرابك وكمنجاتك حتى صباح اليوم التالى.
حاولت سحبه . وهى تضحك. أحاول مرة أخرى. وهى تضحك وتضحك وتضحك. إيه. أهى كهرمانة على بابا التى وضعت حجرا فوق كل بلآص اختبأ فيه لص من اللصوص الأربعين ؟.. افرجت قليلا عن شدة كمشتها. استطاع الانسحاب ببطء مؤلم لذيذ. فإذ به مثل حبل غسيل ...قالت:
سأربطك به حتى لا تعود الى بلدك وتتركنى أجتر لذائذك البيتهوفينية.
إبتسمتُ....
تسمّرت ابتسامتى وكأن شللا أصابها
قالت: كنت أظن أنك ستغضب
قلت: ولماذا ؟
قالت: أحيانا أشعر أنى استوعبتك. وأحيانا لا
قلت: انت صانعتى
قالت: أأنا آلتك أم....؟ انت تحيّرنى
قلت: تغذية مرتدة. حبيبتى
قالت: كيف ؟
قلت: بقدر ما أصنعك تصنعيننى. هل انتبهت............
قاطعتنى: انتبهت لماذا ؟
قلت: صنعت لى القوس المنتظر . وبخصلات من شعرك كان شعر القوس وأوتار الكمنجة.
مندهشة: حقا. يبدو انك من سلالة سلفادور دالى
قلت: وقد أكون من سلالة بيكاسو عاشق النساء. كل واحدة منهن بمرحلة لونية عبقرية.
قالت مصطنعة الغضب:
أأنا أيضا مرحلة بالنسبة لك
قلت: بمقدورك أن تطيلى المرحلة كبعض زعماء العرب
قالت: انت لا تحبنى
قلت: ولا حتى أحب نفسى
قالت: تحب من إذن ؟
قلت: العلاقة الناتجة عن تفاعلنا
قالت: لعنة الله على الفضاء الذى أسقطك فوقى
قلت: انه تطور تكنولوجيا الاتصالات
قالت: عدنا مرة أخرى للكلام الكلام الكلام الكلام
قلت: إذا انتهى الكلام جاءك مسرور السيّاف
قالت: لكن الوضع معكوس. انت الذى تعشق الكلام. وأنا التى أتذوّقه رغما عن أنفىههههههههههههههه آسفة.أتذوّقه برضاى. لكنك لا تستطيع أن تتذوّق كيلو من الشيكولاتات دفعة واحدة
وكأنى توقّفت عند ضحكتها:
لكن مسرورا مازال عبدى . يؤتمر بأمرى
قالت: انها على كل حال الف ليلة وليلة
قلت: سنتان وتسعة أشهر
قالت: انت لست فنانا. بل أفّاقا
قلت: ولم هذا الغلط
قالت: الفنان لا علاقة له بالحسابات . وأنت بسرعة نقلت الحالة والأجواء الأسطورية الحلوة لألف ليلة وليلة الى لغة حسابية زمنية محدودة.
بعدها ستذهب شهر زاد الى قدرها. وتأتى أخرى غيرها
قالت مفزوعة:
لا تتوقف عن الكلام إذن
قلت: حانت النهاية . خلاياى استعدت للعزف
قالت: لنجهّز إفطارا سريعا. انك جائع لابد
قلت: جائع حقا . وأودّ التهام نفس الديك الرومى الذى جهّزته سعاد حسنى لحسين فهمى فى موعد على العشاء. لكن ليس الآن.
ورفعتها. رفعتها عاليا . كنت أعتقد أنها ستقاومنى. لكنها تركت جسدها يساعدنى على الرفع . ووضع وركيها حول رقبتى وفوق أكتافى. فرجها لصق تفاحة آدم .. جرّبت القوس وأوتار الكمنجة . اطمأننت . بدأت أعزف وأعزف وأعزف وجسمى يزداد ليونة ، وساقاها من النشوة تتصلّبان . تضغطان . رقبتى تختنق . أنفاسى تخترق صدرى لصدر الكمنجة وبطنها . لا نفسا واحدا يمر من مجاريه الطبيعية .تحمر الدنيا .نظرى يغيب. شعرها المشدود فوق القوس صار كالأمواس. أهبط . ومازلت واقفا. ساقاها تضغطان أشد فأشد. وبحر أحمر لزج يعلو ويعلو . دماء سمك قرش الصياد العجوز . دماء المتمردين فوق سفن الاستكشافات الجغرافية. شوارب سلفادور دالى تتخلص من وجهه وتطير من حولى ، يأمرها هيتشكوك بنقر القلب . عيون سلفادور تجرى فوق الحوائط لا تستقر على زاوية. نرتمى أرضا. مابين آخر لحظة فى الحياة ، وأول لحظة للموت، أسمع مئات التكّات. تكّات مختلفة القوة والسرعة. تنطلق من أجهزة تلغراف زمن قديم يفسد صدى أشجان اللحن. الكمنجة تئن. تستند الى حائط اعتلته الدماء. أزحف إليها. تكّات التواصل تستمر. تتجمّع. تتماثل وضربات القدر البيتهوفينية. ابتسامة أخيرة تخرج من شفتيها. تلحقها أنفاسها الأخيرة بآخر كلمات. أقترب منها. من شفتيها. أصغى السمع.قالت بوهن:
لم نترك لكاهن روميو وجولييت أن يضع نهايتنا بمعرفته.
وسكتت لثوان. ثم ابتسمت ثانية. على غير ماكنت أتوقّع. وقالت:
ذراعاك وساقىّ صنعا البداية التى لن نراها
قلت: والقلب ؟
قالت: فى الأغانى
قلت: بس
قالت: بس يا ابنى بلاش تتعبنى عشان عمرك ما حتغلبنى
أكملت: يا يا ياواد ياتقيل
وحاولت أن أضحك . وحاولت هى . لكن قلبينا انسحبا من صدرينا وانطلقا الى سماء المحيط الذى بدأ يدخل مرحلته الحمراء *
.
رغبت فى شراء نصف كيلو شيكولاتة من محل تريانون بسان استيفانو.. لحظة اقترابى من المحل توافقت مع لحظة شعورى بلزوجة شعر ما تحت الأبط.. الهواء ساخن..الثلث الثانى من يوليو.. ناطحات السحاب على البحر جمّدت تلاقح الهواء. أقامت جدارا عازلا ما بين الهواء القادم من أوروبا ، والهواء القادم من الصحراء. جسمى شيكولاتى اللون ساح عرقا .. ولست متأكدا من مذاقه كيف يكون وهو بين ملامسها.. كيف الحال إذن بقطع الشيكولاتة الأرق من جسدى.. هناااك.. بعدما أصل.. أبحث عن المعادل الجسدى فى أى محل شهير عندهم.. أرفق معه باقة صغيرة من الزهور.. تجوّلت فى مدينتها الأصيلة الواقعة على المحيط الذى شهد جسارة الكولمبوسيين مكتشفى قارة أمّنا الغولة، وشهد مأساة تيتانيك التى استحلبتها السينما فيلما أشعل قلوب الكبار قبل الصغار، وشهد نضال رجل عجوز بقارب متهالك ضد سمكة القرش.. سألت عن سيبر أو كافيه أو أى مكان به نت.. وصلت الى واحد منها.. حددت مكانه بعدة علامات وأسماء وبنت بثديين كبيرين شبه عاريين وتجلس الى جوار فتاها الفاتح نصف أزرار قميصه الجيفارى الأحمر.. بوركت شهور الصيف الثورية.. بحثت عن عنوانها الذى دوّختنى حتى حصلت عليه بالتفصيل عبر رسالة إليكترونية.. صعدت إليها.. إلى جوار بابها.. ناحية اليسار كما القلب.. وضعت علبة الشيكولاتة وباقة الورد وورقة بيضاء بها سطران اثنان:
الى سلماجو.. روحى الفضائية.. كل سنة وأنت طيبة..
عيد ميلاد سعيد.. 12 يوليو.. حبيبك الأسكندرانى..
أسرعت بالنزول متوجّها الى الكافيه.. جلست أمام كمبيوتر.. أرسلت لها:
أنا الآن أمام باب الشقة.. أنتظرك يسار الباب تحت أقدامك.
بعد خمس دقائق جاءنى الرد:
أشكرك روحى mmmmmmmmmmmmmmmmmmm(هذه هى قبلاتها الألكترونية ) تعال.. أنتظرك.
أرسلت:
هل استأذنت أسرتك ؟
بعد دقيقتين:
عائلتى انتقلت مساءا الى فيللتها داخل المدينة.. وأنا الآن وحدى فى ضيافة روحك الألكترونية وبكارة الكون.
أرسلت:
سأحضر بعد 20 دقيقة تكونين فيها تجهّزتى لمقابلتى.
بعد دقيقتين:
ستأخذنى فى أحضانك كما أنا الآن.. على غجريتى المستيقظة من النوم حالا..تعال بسرعة.. لا تغضبنى كعادتك..
ذهبت.. صعدت.. نقرت الباب بعقلة السبابة ثلاث مرات.. كان الباب مواربا.. مع النقرة الثالثة كان صدرها التصق بصدرى. وشفتاها خرقتا عينى وهبطتا فوق شفتىّ اللتين نسيتا عشرات السيناريوهات التى كانتا تراجعاها فى الطائرة.. تجوّلت شفتاها فوق كل سنتيمتر من وجهى. ثم جذبتنى للداخل. فيما قدمها اليمنى تدفع الباب نحو الغلق. وعن يمينه الخالى من أية ملامح تخطف العين ولو للحظة، الصقت ظهرها بالحائط الوردى جاذبة إليها جسمى الذى لم يعد لى.وقالت:
أنا محرابك. صلّ. صلّ لمعبودتك الشرهة لالتهامك.
قلت: بل انت اليوم كمنجاتى. وبالأخص. هذه الساعة. انت كبيرة عائلة الكمنجات. تشيللو.
قالت: لست بهذا الحجم . أنا فيولينتك. ارفعنى ساندا ساقىّ فوق أكتافك . لاصقا فرجى بتفاحة آدمك , واعزفنى. انزفنى ألحانا شبقية جنونية...
قلت: هل تعرفين أن صانع الكمنجات عملها على هيئة امرأة دون رأس أو أطراف..
قالت: هو صانع مرهف الحس. المرأة قلب وأحاسيس وخلق لوجود.ليس مافيها سوى صدر وبطن.مادام لها رجلا هو رأسها وأقدامها وأذرعها..
قلت: وهل تعرفين............
غطّت شفتىّ بشفتيها لثوان خلتها دقائق..ثم قالت:
أما زال النزيف الألكترونى ينسال. اعزفنى الآن زورباى..
قلت: لو كنت وحدى ربما..
قالت: انت وحدك حبيبى . لا آخر معك.
قلت: انت
قالت: أتعتبرنى شيئا منفصلا عنك ؟
تجاهلت الإجابة وقلت:
زوربا جعل لليونان مذاقا مختلفا فى جوارحى..
قالت: أهو الذى يشبهك أم انت الذى تشبهه ؟
قلت ولم أر سوى حركة شفتيها:
اليونان واحدة من أصغر أعضاء الكون القديم. ومع ذلك صار هذا الأخير طوع بنانها فى يوم من الأيام..
قالت بضحكة خفيفة:
مثل عضوك الصغير وعلاقته بالكون النسائى..
ضحكتُ. ضحكت لضحكى.اختلطت ضحكاتنا. امتزجتا بجسمينا المترجرجين بهامش من جنون.
كانت يداها ويداى تتلوّى فوق ظهرينا.
تنبهت لجسمينا المتلاصقين.
للكلام شهوة تعادل أحيانا شهوة الجسد.
الكلام هو أيضا جسد.
والجسد هو أيضا كلام.
الأول: جسد ناطق
الثانى: كلام لا لسان له سوى الحس فحسب.
قلت لها:
أفضّل أن تكون أولىمعزوفاتى لبيتهوفن الأعمى الذى لا يرى
اسرعت هى بالتصحيح:
بل أصم. يستشعر الأنغام بحس مخزون لديه.
قلت: والصمم عماء ( وأضفت )ما أشهى التفاعل مع المشاهد الصامتة للأفلام وانت غارقة فى عماء صالة العرض.
قالت بغضب:
جسدى ليس موديلا. وأنت لست فنانا تشكيليا. تضايقنى العين التى تتحسس بنورها تشكيلات جسدى. هى تشبع بينما أنا أزداد جوعا.
كنت لمحت ظهر مجلة مصقولة لامعة عليها سلفادور دالى مرمية الى جوار أريكة جانبية. قلت:
انت موسيقاى المعتقة فى قبو الجسد.
قالت: انزع سدادتى إذن وارتشفنى قليلا قليلا وعلى مهل حتى يثمل الرأس ويطير تاركا للجسد حريته.
قلت: بيتهوفن بداية تناسب مابيننا من علاقة إلكترونية تتحوّل الآن الى علاقة واقعية...
التوت بين ذراعىّ فى شبه نرفزة عصبية:
أووووووووووووووه..كلام كلام كلام كلام..ليتك كنت أصما ككتاب ينطقه القارئ. وأخرسا ككينج كونج حسناوات هوليوود. وضريرا كضرير يوسف إدريس والذى ضاجعته النساء.
ظل صوتها يعلو بتدريج خلته يؤهّل وجدانى لعزف سيمفونية بيتهوفن. حاولت إرضاءها بقبلة مدوّية.
انزلق ظهرها الى حافة التقاء الحائط بالأرضية.
ضمّت ساقيها بيديها نحو جبهتها التى أمالتها.
جلست الى جوارها محاولا ضم كل ماضمته هى إلى جنبى وتحت حنان رأسى الذى يداعب شعرها وقلت:
سأعزفك بصمت . ببلاغة الصمت. هل تفضّلين أن تكون أولى معزوفاتى لبيتهوفن هى التى تبدأ بضربات قدرية قوية ومقتحمة.
قالت: آه. يا أيها الماكر
قلت: آه. بالمصرى. يعنى نعم. ونعم تعنى موافقة.
قالت: الجسد هو الذى ينطقها لا اللسان. ولغة الأجساد كونية وليست قُطرية
حاولت عصر شفتيها . جلستنا لن تمكننا إلا من اختطاف قبلات رومانسية لا تهيئ جسدينا لبيتهوفن المنتظر.
هممت بالوقوف . وكأن مغناطيسا يربط مابين رأسينا اللذين ارتفعا معا ببطء أسرع من أى سرعة شبقية فى الوجود.
ظللنا نعتصر بعضنا بعضا بكل ما نملك من أطراف و أعضاء. ومن دقيقة الى دقيقة أخرى تتزفلط من قبضتى كحاو يتزفلط من وثاقه المشدود حول جسمه بواسطة أقوى رجلين من مشاهدينه، وتخلع قطعة من ملابسها ترميها فوق قدمينا التى ماعادت أربعة أقدام، ثم ترتمى فى صدرى جاذبة إياى الى جسدها المزنوق بين جسدى الذى بدأ يتصلّب والحائط الذى خلته بدأ يلين. بينما شعرت بملابسى وكأنها لباس حديدى لأحد فرسان المائدة المستديرة. إنفككت عن جسمهاالذى أنبت زهورا دمويّة. حمدت الله على فكرة ارتداء تيشرت، لا قميص تضايقنى أزراره حين هجوم خيّالة الشبق الكاسح، ألقيته بعيدا فوقع نصفه فوق نصف سلفادور دالى، ثم ساعدتنى فى خلع ماتبقّى من حوائط برلينية واسرائيلية بيننا. ملعون صاحب فكرة نسج الأقمشة. ها قد عدنا الى سيرتنا الأولى منذ نحو عشرات الآلاف من السنين.وما زلنا الى جوار الباب لم نتقدّم حتى هذه اللحظة خطوة واحدة داخل الشقة المطلّة على بداية الكون. على ماقبل ظهور الانسان. على المحيط الأطلسى الذى كان يوما نهاية عالم قديم فإذ به بداية لعالم جديد. جنوننا يتصاعد. ضربات القدر لم تبدأ بعد. أوديسيوس غير مهتم إن وصل أو لم يصل الى ( إيثاكا ). تضاريسينا تكتشف بعضها بعضا. أصبحت معميّا عن تفاصيل الحائط الذى بدأت تشكّله ظلال شمس المحيط المتسللة من آخر حجرة الى ماوراء ظهرها فوق الحائط الذى خلته للحظة يتحرك هو. لا الظلال . مقياس الزمن الأزلى. إلى كم شبر آخر سيطيقان الانتظار. محمد عبد الوهاب أطال مقدمة موسيقا ( انت عمرى ) ليزيد من لهيب اشتياق الذوّاقة لصوت أم كلثوم . وأنا أطلت مقدمة الكلام عن أحوال وجودية من هنا وهناك لأزيد من اشتياقهاالذوّاق لضربات الجملة اللحنية الأولى التى بدأت وظلّت تتكرر فيما صرت معميّا عن حركة الحائط .فأصبحت مبصرا لتضاريس الحياة لحظة الزلزلة . فرجها انكمش بشدة قرب انتهاء الجملة الأولى. قبيل الانتقال الى الجملة الثانية التى لم تحدث ..قالت:
وقعت فى مصيدتى حبيبى. سأصير محرابك وكمنجاتك حتى صباح اليوم التالى.
حاولت سحبه . وهى تضحك. أحاول مرة أخرى. وهى تضحك وتضحك وتضحك. إيه. أهى كهرمانة على بابا التى وضعت حجرا فوق كل بلآص اختبأ فيه لص من اللصوص الأربعين ؟.. افرجت قليلا عن شدة كمشتها. استطاع الانسحاب ببطء مؤلم لذيذ. فإذ به مثل حبل غسيل ...قالت:
سأربطك به حتى لا تعود الى بلدك وتتركنى أجتر لذائذك البيتهوفينية.
إبتسمتُ....
تسمّرت ابتسامتى وكأن شللا أصابها
قالت: كنت أظن أنك ستغضب
قلت: ولماذا ؟
قالت: أحيانا أشعر أنى استوعبتك. وأحيانا لا
قلت: انت صانعتى
قالت: أأنا آلتك أم....؟ انت تحيّرنى
قلت: تغذية مرتدة. حبيبتى
قالت: كيف ؟
قلت: بقدر ما أصنعك تصنعيننى. هل انتبهت............
قاطعتنى: انتبهت لماذا ؟
قلت: صنعت لى القوس المنتظر . وبخصلات من شعرك كان شعر القوس وأوتار الكمنجة.
مندهشة: حقا. يبدو انك من سلالة سلفادور دالى
قلت: وقد أكون من سلالة بيكاسو عاشق النساء. كل واحدة منهن بمرحلة لونية عبقرية.
قالت مصطنعة الغضب:
أأنا أيضا مرحلة بالنسبة لك
قلت: بمقدورك أن تطيلى المرحلة كبعض زعماء العرب
قالت: انت لا تحبنى
قلت: ولا حتى أحب نفسى
قالت: تحب من إذن ؟
قلت: العلاقة الناتجة عن تفاعلنا
قالت: لعنة الله على الفضاء الذى أسقطك فوقى
قلت: انه تطور تكنولوجيا الاتصالات
قالت: عدنا مرة أخرى للكلام الكلام الكلام الكلام
قلت: إذا انتهى الكلام جاءك مسرور السيّاف
قالت: لكن الوضع معكوس. انت الذى تعشق الكلام. وأنا التى أتذوّقه رغما عن أنفىههههههههههههههه آسفة.أتذوّقه برضاى. لكنك لا تستطيع أن تتذوّق كيلو من الشيكولاتات دفعة واحدة
وكأنى توقّفت عند ضحكتها:
لكن مسرورا مازال عبدى . يؤتمر بأمرى
قالت: انها على كل حال الف ليلة وليلة
قلت: سنتان وتسعة أشهر
قالت: انت لست فنانا. بل أفّاقا
قلت: ولم هذا الغلط
قالت: الفنان لا علاقة له بالحسابات . وأنت بسرعة نقلت الحالة والأجواء الأسطورية الحلوة لألف ليلة وليلة الى لغة حسابية زمنية محدودة.
بعدها ستذهب شهر زاد الى قدرها. وتأتى أخرى غيرها
قالت مفزوعة:
لا تتوقف عن الكلام إذن
قلت: حانت النهاية . خلاياى استعدت للعزف
قالت: لنجهّز إفطارا سريعا. انك جائع لابد
قلت: جائع حقا . وأودّ التهام نفس الديك الرومى الذى جهّزته سعاد حسنى لحسين فهمى فى موعد على العشاء. لكن ليس الآن.
ورفعتها. رفعتها عاليا . كنت أعتقد أنها ستقاومنى. لكنها تركت جسدها يساعدنى على الرفع . ووضع وركيها حول رقبتى وفوق أكتافى. فرجها لصق تفاحة آدم .. جرّبت القوس وأوتار الكمنجة . اطمأننت . بدأت أعزف وأعزف وأعزف وجسمى يزداد ليونة ، وساقاها من النشوة تتصلّبان . تضغطان . رقبتى تختنق . أنفاسى تخترق صدرى لصدر الكمنجة وبطنها . لا نفسا واحدا يمر من مجاريه الطبيعية .تحمر الدنيا .نظرى يغيب. شعرها المشدود فوق القوس صار كالأمواس. أهبط . ومازلت واقفا. ساقاها تضغطان أشد فأشد. وبحر أحمر لزج يعلو ويعلو . دماء سمك قرش الصياد العجوز . دماء المتمردين فوق سفن الاستكشافات الجغرافية. شوارب سلفادور دالى تتخلص من وجهه وتطير من حولى ، يأمرها هيتشكوك بنقر القلب . عيون سلفادور تجرى فوق الحوائط لا تستقر على زاوية. نرتمى أرضا. مابين آخر لحظة فى الحياة ، وأول لحظة للموت، أسمع مئات التكّات. تكّات مختلفة القوة والسرعة. تنطلق من أجهزة تلغراف زمن قديم يفسد صدى أشجان اللحن. الكمنجة تئن. تستند الى حائط اعتلته الدماء. أزحف إليها. تكّات التواصل تستمر. تتجمّع. تتماثل وضربات القدر البيتهوفينية. ابتسامة أخيرة تخرج من شفتيها. تلحقها أنفاسها الأخيرة بآخر كلمات. أقترب منها. من شفتيها. أصغى السمع.قالت بوهن:
لم نترك لكاهن روميو وجولييت أن يضع نهايتنا بمعرفته.
وسكتت لثوان. ثم ابتسمت ثانية. على غير ماكنت أتوقّع. وقالت:
ذراعاك وساقىّ صنعا البداية التى لن نراها
قلت: والقلب ؟
قالت: فى الأغانى
قلت: بس
قالت: بس يا ابنى بلاش تتعبنى عشان عمرك ما حتغلبنى
أكملت: يا يا ياواد ياتقيل
وحاولت أن أضحك . وحاولت هى . لكن قلبينا انسحبا من صدرينا وانطلقا الى سماء المحيط الذى بدأ يدخل مرحلته الحمراء *
.