فاتن نور - الجنس الاسلامي والتناشز بين عفة الفاعل والمفعول به...

الجنس الاسلامي، تصنيف الجنس او توصيفه بهذا الشكل قد يبدو توصيفا غريبا نوعا ما رغم شيوع الكثير من التوصيفات الممائلة التي تطال العلوم والفلسفة،الاداب والفنون، السياسة والاقتصاد، العمارة، والبناء، التربية والأخلاق، الجيوش والمعسكرات، الأسواق والتجارة، بل حتى الألبسة والمنتجات الغذائية والخ، فمفردة اسلامي/اسلامية من المفردات الشائعة الإستخدام في توصيف وتصنيف كل ما يمس حياة الأنسان المسلم تقريبا فيميز كل شيء عن نظائره وينسبه الى الاسلام وإن لم يكن منه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الثقافة الاسلامية ثقافة هجينة تجمع وتخلط بين التراث والاعرف والتقاليد والإجتهادات البشرية وتعاليم السماء..
لماذا لجأت الى هذا التوصيف او التصنيف الاصطلاحي للجنس ؟
نظريا.. في المجتمعات الاسلامية ترتبط العلاقات،الأفعال والسلوكيات الانسانية بعمومها، بمنظومة الأخلاق والتربية والثقافة الاسلامية،وتخضع لمعايير هذه المنظومة الزاخرة والمستمدة من ثلاثة مصادر اساسية، الوحي/السنة /الفقه الذي يغذي المنظومة ويؤمن معاصرتها لكل عصر وزمان كما يفترض فالمعاصرة لا تعني فقهيا التقادم دائما بل قد تعني التراجع لمعاصرة ازمان غابرة..
تطبيقيا.. فشلت هذه المنظومة، رغم غزارتها وتشبع الوعي العام بها، في تأسيس مجتمع اسلامي خلوق لا ينخره الفساد بشتى صنوفه، الواقع يشي بهذا ابتداءا من رأس الهرم المجتمعي الى قاعدته الجماهيرية..
وبما ان الجنس هو الآخر لا يخرج عن كونه علاقة وسلوك وفعل، فلابد ان يخضع بدوره لتلك المنظومة السالفة بما بما تدخره من معايير اخلاقية وآداب خاصة ومميزة في مجال العلاقات الجنسية، وهي منظومة تغطي كل ما يحتاجه الانسان المسلم لممارسة الجنس بشكل صحيح، وكل ما يشبع رغبته دونما إبتذال ويعفه عن الإنحراف، كما هو متداول بافراط في الموسوعات الاسلامية، لذا فان توصيفه بالجنس الاسلامي يعكس تفرده، ويبرز خصوصيته المشبعة بأدبيات المنظومة والخاضعه لقواعدها التي قد لا يخضع لها الجنس في المجتمعات غير الاسلامية..
ولأن التناشز سمة من سمات هذه المنظومة،فقد انعكس هذا على الجنس باكثر من صورة فزاده تفردا وخصوصية، وصار لا بد ان امنحه صفة ما تميزه عن الجنس السافر الخارج عن قواعد المنظومة..او.. الجنس غير الاسلامي..
عندما يتحدث المجتمع بلغة المنظومة عن حقوق الزوجة يتحدث عن حقوق مادية بحتة من مأكل ومشرب ولباس، وهذه ما نوفره لدجاجة في قفص، أما عِشرة المعروف فسرعان ما تنتفي بغياب الحقوق اللامادية وبظهور حق التمكين الإستمتاعي الذي يتنافى او لا يتسق مع العلم، فالرغبة والإستعداد النفسي لكلا الطرفين من اساسيات بناء علاقة جنسية صحيحة ومعافاة تنعكس بفوائدها الجمة على عموم الأسرة ثم المجتمع تباعا، واية ممارسة لا تقوم على هذا الأساس ممارسة عبثية او إغتصاب، فالإغتصاب ليس عنفا فيزيائيا دائما، بل قد يكون عنفا او ترهيبا ايديولوجيا يدرس كمعرفة فيرسخ في الإذهان ليصبح مكونا من مكونات شخصية الانسان، فيمارس الإغتصاب براحة وإطمئنان وكأنه جنس..
كما ان عِشرة المعروف فاقة فكرية لو نظرنا اليها من منطلقات مادية او جسدية خارج نطاق التناغم الروحي والإنسجام العاطفي،التسامح والصبرالمتبادل، والترفع عن امتهان الآخر وتسخيره كأداة، والجنس الصحيح المعافى يحقق هذه الاغراض السامية والضرورية لعِشرة المعروف الحقة التي تؤمن الإستقرار النفسي واحترام الانسان لذاته أولا كانسان، فالجنس الصحيح فن حر وابتكار، سباحة في الخيال لرسم لوحة إرواء متقنة على تضاريس الجسد والجسد،او بتعبير آخر لا يشوبه العسر، هو فطرة تفعّل بطرائق مختلفة تعتمد على طبائع الافراد وثقافاتهم وحدود إكتفاءاتهم الغريزية، ولا تستدعي هذه الفطرة اجتهادات موسوعية لتوجيه تفعيلها، وليجتهد كل زوجين داخل فراش الزوجية بما يُخصِب الغاية، مثلما اجتهد آدم وحواء في جناح الرب وتحت وصايته المباشرة وفعّلا فطرة الخلق، فكان اول تفعيل مثمر استضاء به كوكب الأرض رغم الإخفاقات الكثيرة، فالانسان يسقط ويقوم والعتمة لمن لا يقوم..
وفي احسن احوال المنظومة يُفهم الجنس كعلاقة بين فاعل ومفعول به لا بين فاعل وفاعل يؤثر كل منهما بالآخر، والمرأة هي المفعول به فطرة وطبيعة وحسب المنظومة!، فهي تزخر بتفقهات ومنقولات لا تعد ولا تحصى تسلط الضوء على الفعل الذي يسقطه رجل على امرأة، تبحث في ادق تفاصيله، تحدد مكان اسقاط الفعل واوقاته، متى يمنع ومتى يباح، والى آخره من تفاصيل مملة تملأ بطون الكتب فتزيدها سمنة، ولا ضوء بالمقابل حول الفعل بالإتجاه المعاكس فهذا مالم يدخل في أدبيات المنظومة بعد..
ويعلل التمكين الإستمتاعي باشباع رغبات الرجل الغريزية حفاظا على عفته، كي لا ينعطف بشهوة عاجلة او طارئة خارج المؤسسة الزوجية، وفلسفة هذا.. اخف الضررين.. فاما تلبية الشهوة او مخاطر الإنحراف، وكأننا نجاهر أما امتهان المرأة جسديا وركن العلم وعِشرة المعروف على الرف،وإلا فالمجتمع في خطر، معضلة حقيقية كما تُصور..وراءها شهوة!
يسعدني كمسلمة ان يهتم المجتمع بالشهوات ويشرع لها فالغريزة الجنسية قد تدفع الى بلاء وخراب، ويسعدني اكثر كوني امرأة، فقد ادركت كرم المجتمع وسخاءه مع النصف الأول الذي سلطانه العقل والحكمة، وانتظر الكثير والمثير كوني في النصف الثاني المجبول على النقص والعاطفة فهو النصف الأضعف امام الشهوات، ولكن سلة هذا النصف تبدو فارغة تماما كما ادركتها، فالمجتمع الذي يحلق كالصقر بشهوة النصف الأول ويصطاد له ما يصطاد من فضاءات الغرائز يتحول الى نعامة واعظة امام النصف الثاني..
فلسفة التمكين تصبح فلسفة مقززة لا تحفظ فرجا ولا تصون عفافا، فهو لم يدرج في حقل حقوق الزوجة، بل لم يدخل العقول بعد، ولا نعرف عن احكامه وتشريعاته التفصيلية..
فما حكم زوج لا يُمكّن زوجته من الإستمتاع به، هل ستلعنه الملائكة ام لا، هل هناك ترهيب مقابل ام لا..
من أين يؤتى الرجل فالمبادرة قد تكون من الزوجة.. من أين تبدأ..ما المتاح من جسد الرجل.. الخ
هنالك فتاوى تطلقها الحوزات العلمية تجيز اجبار الزوجة على مشاهدة الافلام الإباحية، فللضرورة احكام تنقلنا من فتاوى تحريم مشاهدة التلفاز او سماع الموسيقى الى الإنفتاح المتعوي، فهل يجاز للزوجة اجبار زوجها بالمقابل، لا سيما وأن فسلجة الرجل تختلف عن فسلجة المرأة فقد لا يتاح له تلبية نداء زوجته وإن اجاز لها التمكين، ما الحكم هنا.. وما اخف الضررين.. اللجوء الى المنشطات/ افلام الإثارة/ ممارسة العادة السرية وتجنيب الزوج جهد التلبية!،وايهما افضل، أم سنمضي قدما مع مخاطر الإنحراف وإنعطاف المجتمع نحو خطر..
كيف تصون المرأة عفتها وفلسفة التمكين والإشباع التي تعف الرجل فلسفة احادية الإتجاه..
ما البدائل من اجل إشباع النصف العاطفي وتعففه بالمقابل..
هنا يُنسخ منطق التمكين باللامنطق الوعظي وكالعادة، فتوضع الشهوة (الضرورة) على الرف بأبهى صورها محصنة بالصبر ومشبعة به كخلق حميد ينتفض فجأة من سبات التمكين، كما تنبري بقية الأخلاق وتتجلى فوائدها التعففية، فتصبح بضعة امتار من القماش عفة امرأة، وكأننا مازلنا نراوح عند عفة الرجل فالتستر إن كان يخدم عفة فعفة الرجل، وهذه خدمة مضافة الى خدمة الإشباع..
ولا ادري حقا ما علاقة الإشباع الغريزي التعففي بالقماش سواء كان نصف متر او عشرة امتار وكأن غريزة المرأة ستلبى او تمسخ بالإشباع ( القماشي)، وكيف يتحول الإشباع بلمح البصر الى نقيضه الكبح، وكيف تتحول ضرورة تلبية شهوة الى ضرورة بتر شهوة فتساق المرأة الى ختان..
كما ان الاسلام الجنسي قد يكون تمتعا مع اربع نساء داخل مؤسسة مقدسة، ولأن الحديث عن إشباع وعفة، فالطاقة الجنسية هي المعيار،وطاقة الرجل الجنسية في حالة التمتع الرباعي ستوزع او تبعثر بين اربعة نساء بطاقات جنسية كاملة فتخرج كل واحدة منهن بربع طاقة جنسية لرجل، وهذه نسبة إفراط الى تقتير او تقشف يسقط على اربعة رؤوس من خمسة وداخل مؤسسة العفاف والعِشرة الطيبة!، هذا لو افترضنا العدل فمنظومة الروح والغيبيات لا تقر العدل الروحي او قل الوجداني كما يدرج، او العاطفي ومع اربعة تغلبهن العاطفة! فقد تخرج واحدة بحمار جحا..
قناعة انسان بنسبة كتلك قناعة لا تبثق عن وعي وادرك فللجهل تصوارته، وقد يصور لنا الجهل تلك النسبة كحق مشروع،وحكمة يصان بها عفاف المجتمع ويُسرَّح بها مشاكله!
هل تتحدث تلك المنظومة فعلا عن انسان الأرض بجنسيه ام عن انسان ومخلوق غريب قادم من مجاهيل الفضاء لا يُدرك كنهه.. وكم سحيقة هوة التضاد بين غريزة الانسان وغريزة هذا المخلوق!!
ليس من مصلحة مجتمع ما الإبقاء على اخطاء منظومته الثقافية، وبذل الجهود الحثيثة وهدر الوقت جيلا بعد جيل لتبرير تناشزاتها وتجميل هشاشتها، فهذه المنظومة هي من يؤسس لصياغة انسان وبناء مجتمع معافى، وليس من الحكمة سد الثغرات والحفر بكومة قش..
من المسؤول عن صيانة المنظومة لتبقى مهلهلة، ومن المسؤول عن صيانتها لترتقي منزلة..
هل تلك المصادر آنفة الذكر في سلة واحدة هي الجواب الشافي لشقي السؤال!.. وهل الجواب بسيط جدا بهذه الشاكلة ام شائك جدا ويحتمل المزيد..حقيقة لا ادري!..
مثلما اخفقت المنظومة في بناء مجتمعات معافاة ناهضة، اخفق الجنس الاسلامي في الدخول الى كل بيت واسرة مسلمة، وهذا الإخفاق احسبه ايجابا وفائدة فمازالت هناك اسر معافاة داخل مجتمعات مضطربة او.. معاقة..



فاتن نور
08/07/31



.

صورة مفقودة

Ben Allal Mohamed-Les dattes
 
أعلى